ادَّعى الكثيرون أنه لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، وأشاعوا أنه لا ينبغي أن يحكم السياسةَ شيءٌ لا من قواعد الدين أو الأخلاق، وأن السياسة لا تحكمها إلاَّ المصلحة دون التقيُّد بأيَّة مبادئ؛ لذا لا ينبغي إقحام الدين -الذي هو منبع الفضائل والقيم- في مجالات السياسة؛ التي تَتَّسم -لا محالة- بالنفاق والمداهنة وعدم الوفاء -كما زعموا-.
الدين والسياسة
الحقيقة أن هذا الدين العظيم «الإسلام» حافل بالسياسة وأحكامها، وأن كتاب الله تعالى القرآن زاخر بالآيات التي تتناول الشئون السياسية، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مارس السياسة في جميع مراحل نبوته صلى الله عليه وسلم: في علاقته بالمشركين في مكة، وفي علاقته بكافَّة أطياف مجتمع المدينة المنورة من الأنصار والمشركين واليهود، وتنظيم علاقة الأنصار بالمهاجرين، وعلاقتهما سويًّا بعناصر المجتمع الأخرى.
رسول الله والعمل السياسي
ومن عجيب الأمور أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُمارس السياسة فحسب، وإنما مارسها بأخلاق يصعب أن تجدها في التعاملات العادية للبشر؛ حتى لو كانت مع أرحامهم وذويهم؛ فما بالك لو كانت مع الأعداء!
والمشكلة الحقيقية أن مَنْ يَدَّعُون أن الدين ليس به سياسة لا يقرءون، ولو قرءوا فإنهم يحاولون تحريف ما يقرءونه؛ لكي ينفوا عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم صفة العمل السياسي، وللأسف فإنَّ مَنْ لم يطَّلع على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من المسلمين يتمُّ خداعه بواسطة هؤلاء.
لذا فإن واجبنا -نحن المسلمين- أن نقرأ التاريخ والسيرة النبوية بوعي وإدراك؛ لنرى كيف كانت تصرُّفات الرسول صلى الله عليه وسلم السياسية، وكيف كانت مبادئه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الصديق والعدوِّ؛ المسلم والكافر، المحارب والمعاهِد، وسنجد العجب؛ سنجد قمَّة الرُّقِيِّ والسموِّ في النهج السياسي؛ سنجد الصدق الذي يفتقده الساسة المعاصرون، ويُنَظِّرون لوجوب غيابه عن الحياة السياسية. سنجد الأمانة في التعامل مع المعاهَد الذي هو عدوٌّ في الأصل، ولكنَّ المعاهدة تقتضي الأمانة وحفظ العهد والوفاء به.
وواجبنا الأسمى بعد هذا هو أن ننشر هذه الحقائق وذلك الرقي للعالم أجمع؛ لكي يفهم حقيقة السياسة في الإسلام، ولكي يُحاول إدراك مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه، وأخيرًا لكي يُعلم أن الإسلام قادر على تطهير حياة البشر من جميع أدرانها، وأن يُقيم لهم حياة نظيفة سوية يسعدون بها.
إن هذه المهمَّة جزء من رسالتنا -نحن المسلمين- للعالم أجمع؛ فعلينا النهوض بها، والقيام بمسئوليتنا إنقاذًا للعالم من الظلم والفساد الذي يعيش فيه، وقبل ذلك إرضاء لله عز وجل، وقيامًا بواجب الأُمَّة المسلمة، الذي استحقَّت عليه الخيرية؛ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].[1]
منقول