الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين
النبي صلى الله عليه وسلم له أحوال مختلفة وغالب أحواله أنه لا يملك أطيب الأطعمة حتى في آخر حياته صلى الله عليه وسلم بعد ما أفاء الله عليه من أموال المشركين كان يبذل ما عنده ويؤثر المسلمين على نفسه صلى الله عليه وسلم فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ" رواه البخاري (5423) ومسلم (2970) فأغلب أكل النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الطيبات عندما يكون عند أصحابه - رضي الله عنهم - *أو إذا كان عنده ضيف.
*
النبي صلى الله عليه وسلم أكل لحوم حيوانات البر الإنسية المباحة إذا قدمت له ولم يمتنع عن شيء منها زهداً فأكل النبي صلى الله عليه وسلم الدجاج فعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ دَجَاجًا" رواه البخاري (5517) ومسلم (1649).
*
وأكل النبي صلى الله عليه وسلم الشاة مطبوخة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَعْوَةٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ الحديث " رواه البخاري (3340) ومسلم (194) وعن عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا " رواه البخاري (5422) ومسلم (355).
*
وأكل النبي صلى الله عليه وسلم لحم الغنم مشوياً ففي حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَاشْتَرَى شَاةً فَصُنِعَتْ وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوَادِ الْبَطْنِ أَنْ يُشْوَى..." رواه البخاري (2618) ومسلم (2056) وسواد البطن كبد الشاة.
*وعن أُمَّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قالت: قَرَّبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنْبًا مَشْوِيًّا فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَمَا تَوَضَّأَ "رواه الترمذي وقال (1829) حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
*
وأكل النبي صلى الله عليه وسلم لحم الغنم قديدا فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِيَّتَهُ ثُمَّ قَالَ يَا ثَوْبَانُ أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ " رواه مسلم (1975) والقديد هو اللحم إذا وضع معه الملح ووشرق في الشمس.
*
وأكل النبي صلى الله عليه وسلم لحم الإبل مطبوخاً ففي حديث جابر - رضي الله عنه - في حجة النبي صلى الله عليه وسلم "فَنَحَرَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ في قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا " رواه مسلم (1218).
*
وأكل النبي صلى الله عليه وسلم صيد البر والبحر.
*
فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الصيد الأرنب فعَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغِبُوا فَأَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتُهَا فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِوَرِكِهَا أَوْ فَخِذَيْهَا فَقَبِلَهُ وَأَكَلَ مِنْهُ " رواه البخاري (2572) ومسلم (1953).
*
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل لحم الحبارى ولا يصح فعن سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَحْمَ حُبَارَى." رواه الترمذي (1828) وأشار إلى ضعفه بقوله: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
*
وهذا الصيد عرض لهم وهم في السفر وإلا فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة الاشتغال بالصيد فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سكن البادية جفا ومن اتَّبَعَ الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن" رواه الإمام أحمد (3353) بإسناد صحيح.
*
وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من صيد البحر سمكا مجففا ففي حديث جَابِرٍ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ... وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هِي دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ لاَ بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا... وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ « هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيءٌ فَتُطْعِمُونَا ». قَالَ فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَأَكَلَهُ" رواه البخاري (4362) ومسلم (1935).
*
قال أبو عبيد في غريب الحديث (3/33) الوشيقة اللَّحْم يُؤْخَذ فيغلي إغلاءة ثمَّ يحمل فِي الْأَسْفَار وَلَا ينضج فيتهرّأ وَزعم بَعضهم أَنه بِمَنْزِلَة القديد لَا تمسّه النَّار.
*
وأكل النبي صلى الله عليه وسلم الخبز تارة يصطبغ بالمرق أي يغطه بالمرق فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزًا وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ - القرع - مِنْ حَوَالَيْ الْقَصْعَةِ قَالَ فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ "رواه البخاري (2092) ومسلم (2041).
*
وفي رواية للبخاري (5420) "دَخَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى غُلاَمٍ لَهُ خَيَّاطٍ فَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَصْعَةً فِيهَا ثَرِيدٌ... " وتارة يقطع الخبز ويصب عليه المرق وهو الثريد ومدح النبي صلى الله عليه وسلم الثريد بقوله: فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ "رواه البخاري (3434) ومسلم (2431) من حديث أبي موسى - رضي الله عنه - وربما مدح النبي صلى الله عليه وسلم رديء الطعام جبراً لخاطر من قدمه فعن جابر بن عبدالله (( قال أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ فِلَقًا مِنْ خُبْزٍ فَقَالَ مَا مِنْ أُدُمٍ فَقَالُوا لَا إِلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ قَالَ فَإِنَّ الْخَلَّ نِعْمَ الْأُدُمُ "رواه مسلم (2052) قالها جبراً لخاطر أهله والله أعلم. فاصطبغ النبي صلى الله عليه وسلم بالخل.
*
وأكل النبي الحيس وهو الأقط مخلوط بالسمن والتمر عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئًا قَالَ مَا هُوَ قُلْتُ حَيْسٌ قَالَ هَاتِيهِ فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا " رواه مسلم (1154).
*
وأكل النبي صلى الله عليه وسلم الأقط وحده والأقط هو اللبن يطبخ ويجفف فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ: رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ مِنْ ثَوْرِ أَقِطٍ، ثُمَّ رَآهُ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. رواه ابن خزيمة (42) وابن حبان (1151) والثور القطعة من الأقط.
*
*************************
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب آخر الطعام لأنَّه غالباً ألذ فعَنْ أَنَسٍ، أَن ّرَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ" رواه الترمذي في الشمائل (185) ورواته ثقات قال الدارمي شيخ الترمذي: يعْنِي ما بقي من الطعام.
*
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتنقص ما يقدم له من طعام فلا يعيبه لذاته أو بسبب عدم إحسان طبخه وإعداده فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ "رواه البخاري (3563) ومسلم (2064) فإذا لم يشتهِ الطعام تركه وسكت لكن إذا سئل صلى الله عليه وسلم عن سبب تركه الطعام بين السبب فعَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ [وفي رواية َحْنُوذٍ] فَأَهْوَى إِلَيْهِ لِيَأْكُلَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ ضَبٌّ فَأَمْسَكَ يَدَهُ فَقَالَ خَالِدٌ أَحَرَامٌ هُوَ قَالَ لَا وَلَكِنَّهُ لَا يَكُونُ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ فَأَكَلَ خَالِدٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ " رواه البخاري (5400) ومسلم (1946).
*
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الحلوى ويحبها فعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ" رواه البخاري (5431) ومسلم (1474).
*
قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/334) دل هذا الحديث على جواز اتخاذ الحلاوات من أخلاط شتى، لأن الحلواء لا تقع إلا على ما دخلته صنعة، وجمع بين الحلاوة والدسم المستهلكين في ثفل... وقد كان بعض المتزهدين لا يأكل إلا ما كان حلوا بجوهره كالعسل والتمر، واتباع الرسول عليه السلام وأصحابه هو المنهج المستقيم، فإنه قد تعمل المجموعات ما لا تعمل المفردات، وللنفس حظ.
ختاماً يلخص ابن القيم رحمه الله ما تقدم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم *في الطعام بقوله في زاد المعاد (1/142) كان هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في الطعام لا يرد موجوداً ولا يتكلف مفقوداً فما قرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم وما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه كما ترك أكل الضب لما لم يعتده... ولم يكن يرد طيبا ولا يتكلفه بل كان هديه أكل ما تيسر فإن أعوزه صبر... ويرى الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار.
*
فالنبي صلى الله عليه وسلم يأكل ما يجد من الطيبات لكنه فيما أعلم لم يكن يطلب من أهله أن يصنعوا له طعاما معيناً والله اعلم.
*
وأنبه على أن الأصل في الأكل الإباحة ولا يتعلق بنوع الأكل تعبد إنما التعبد في صفة الأكل كالأكل باليمين والتسمية والحمد.
منقول