وُلد أفلاطون في واحدة من أعرق العائلات في أثينا، وتنحدر أمه من نسل المشرعالأثيني الكبير سولون. وكلمة أفلاطون كنية تعنيذا الكتفين العريضتين، أمااسمه الحقيقي فهو أرستوكليس.
كان أفلاطون يرغب في شبابه أن يكون رجل سياسة. وفي عام 404 ق.م، نصَّب مجموعة منالأثرياء أنفسهم حكامًا مستبدين على أثينا، ودعوه للانضمام إليهم إلا أنه رفضلاشمئزازه من ممارساتهم القاسية اللاأخلاقية. وعندما أطاح الأثينيون بالحكامالمستبدين في عام 403ق.م. وأقاموا حكومة ديمقراطية أعاد أفلاطون النظر في الدخولإلى ميدان السياسة، لكنه تراجع عن ذلك بعد الحكم بإعدام صديقه سقراط في عام 399ق.م. وبعدها غادر أثينا في أسفار امتدت عدة سنين.
عاد أفلاطون إلى أثينا عام 387ق.م حيث أسس مدرسة للفلسفة والعلوم عُرِفَت باسمالأكاديمية، وكان الفيلسوف الشهير أرسطو أبرز تلاميذه.
المحاورات. المحاورة محادثة بين شخصين أو أكثر. وقد اهتمتمحاورات أفلاطون باستعراض ونقد الآراء الفلسفية، حيث كانت شخصيات محاوراته تتناولالمسائل الفلسفية وتتجادل حول الجوانب المتعارضة لموضوع ما. وقد تميزت المحاوراتبقيمة أدبية عالية إلى الحد الذي جعل الكثيرينمن العلماء يعدون أفلاطون أعظم منكتب بالنثر في اللغة اليونانية وواحدًا من أعظمهم في أي لغة أخرى.
المحاورات المبكرة. هيمنت شخصية سقراط على المحاوراتالمبكرة، حيث يظهر فيها كشخصية رئيسية. وفي هذه المحاورات يسأل سقراط الناس عنأشياء يدَّعون معرفتها ويدَّعي هو الجهل بها. ومن خلال الحوار يوضح سقراط أن هؤلاءالناس حقًا لا يعلمون ما يدَّعون معرفته. لا يعطي سقراط إجابات عن الأسئلة، لكنهيكشف أن الإجابات التي تقدمها الشخصيات الأخرى ليست كافية.
المحاورات المتأخرة. تضم هذه المحاوراتالجمهورية؛السوفسطائي؛ثياتيتوس (نظرية المعرفة). ويستخدم أفلاطون في هذهالمحاورات شخصية سقراط كمجرد متحدث باسمه هو ذاته، حيث تنتقد شخصية سقراط آراءالآخرين وتقدم نظريات فلسفية معقدة. وهذه النظريات ترجع في حقيقتها إلى أفلاطونوليس إلى سقراط.
نظرية المُثُل. كان أفلاطون شديد الاهتمام بكيفيةاستخدامنا لكلمة أو فكرة واحدة تغطي وتشمل عدة أشياء مختلفة . فمثلا كيف يمكناستخدام كلمة مائدة لكل الأشياء المفردة التي هي موائد؟ وقد أجاب على هذا السؤالبأن الأشياء العديدة يمكن تسميتها بنفس الاسم لأنها تتضمن شيئًا مشتركًا أُطلق عليهاسمالمثالأوالفكرة.
وتبعًا لرأي أفلاطون فإن الصفة الحقيقية لأي شيء مفرد تعتمد على الصورة التييشارك بها ذلك الشيء. فمثلاً يكون الشيء مثلثًا لأنه يشارك في المثال الخاصبالمثلثية، وتكون مائدة (ما) مائدة لأنها تشارك في المثال الخاص بالمائدية.
وقد شدد أفلاطون بقوله: إن المُثل تختلف اختلافاً كبيرًا عن الأشياء العاديةالتي نراها من حولنا، إذ أن الأشياء العادية تتغير لكن مُثلها لا تتغير. إضافة إلىذلك فإن الأشياء المفردة تقارب مُثلها بشكل غير كامل، وتظل هذه المُثل نماذج للكماللا يمكن الوصول إليها. والأشياء الدائرية أو الجميلة ليست كاملة الاستدارة أو كاملةالجمال أبدًا. والشيء الوحيد الكامل الاستدارة هو المثال الخاص بالاستدارية ذاتهاوالشيء الوحيد الكامل الجمال هو المثال الخاص بالجمال.
وقد خلص أفلاطون إلى القول بأن هذه المُثل الكاملة التي لا تتغير لا يمكن أنتكون جزءًا من العالم المألوف الذي هو متغير وناقص. فالمُثُل لا توجد في المكان أوالزمان، ويمكن معرفتها بالذهن فقط لا بالحواس. ونظرًا لثباتها وكمالها فإن للمُثُلحقيقة أعظم من الأشياء العادية التي ندركها بالحواس. وهكذا فإن المعرفة الحقة هيمعرفة المُثل… وتسمى آراء أفلاطون الأساسية هذهبنظرية المُثُلأونظرية الأفكار.
الأخلاق. أسس أفلاطون نظريته الأخلاقية على الفرض القائلبأن كل البشر يرغبون في السعادة. وقد رأى أن السعادة هي النتيجة الطبيعية لحالةالروح المتمتعة بالصحة. وبما أن اكتساب الفضائل الأخلاقية ينتج عنها صحة الروح فإنعلى كل الناس أن يرغبوا أن يكونوا فاضلين. وقد قال أفلاطون: إن الناس أحيانًا لايبحثون عن الفضيلة، لأنهم لا يعرفون أن الفضيلة تُحدث السعادة.
ومن ثم ـ تبعًا لرأي أفلاطون ـ فإن المشكلة الرئيسية للأخلاق مشكلة معرفة.
علم النفس والسياسة. ألح أفلاطون على القول بأن النفستنقسم إلى ثلاث أجزاء: 1 ـ الذهن 2 ـ الإرادة 3 ـ الشهوة. كما أنه شبه الدولة أوالمجتمع المثالي بالنفس وقال: إنه أيضًا ينقسم إلى ثلاث طبـقــات: 1 - الملوكالفلاسفة 2 - الحراس أو الجنود 3 - المواطنون العاديون مثل المزارعين والحرفيينوالتجار، بحيث يمثل الملوك الفلاسفة الذهن، ويمثل الحراس الإرادة، ويمثل المواطنونالعاديون الشهوة. ومثل هذا المجتمع هو المجتمع المثالي الذي يشبه النفس السوية إذيسيطر الملوك الفلاسفة على المواطنين العاديين بمعونة الحراس.
خلود الروح. كان أفلاطون يعتقد بخلود الروح أو النفس،وكان يتصور أن الجسد يموت ويتحلل إلا أن الروح تذهب بعد موت الجسد إلى عالمالمُثُل، وتبقى هناك فترة من الزمن ثم تعود للعالم مرة أخرى في جسد آخر. وفيمحاورة مينويستخلص أفلاطون أن المعرفة تتكون من تذّكر الخبرات التي تعلمتهاالروح أثناء تأملها في عالم المُثُل.
الفن. كانت لأفلاطون مآخذ على الفن والفنانين، وقد شدَّدعلى ضرورة الرقابة على الفنون نظرًا لأثرها في تشكيل أخلاق الناس، وكان يعتقد أنإبداع الفنانين يرجع إلى وقوعهم تحت إلهام غير عاقل.
مكانة أفلاطون في الفكر الغربي. لم ينحصر تأثير فلسفةأفلاطون في الحدود الأكاديمية، إذ كان لفلسفته أثر عميق على الفيلسوف الرومانيأفلوطين خلال القرن الثالث الميلادي الذي أنشأ ما يعرف باسمالأفلاطونيةالمحدثةالتي كان لها أعظم الأثر على المسيحية في القرون الوسطى، من خلالمؤلفات بعض الفلاسفة مثل: بويثيس وسانت أوغسطين. وقد عاد الاهتمام بفلسفة أفلاطونفي عصر النهضة، حيث أسست أسرة ميديتشي الشهيرة أكاديمية أفلاطونية في فلورنسابإيطاليا. وفي منتصف القرن السابع عشر ظهرت مجموعة من الفلاسفة في جامعة كمبردجبإنجلترا عُرفت باسمأفلاطونيِّي كمبردجحيث استعانوا بفلسفة أفلاطون فيمحاولة لإيجاد الانسجام بين العقل والدين.
.