احمد بن بلة اول رئيس للجزائر الحرة انتقل من لعب كرة القدم مع مرسيليا ليكون "شيغفارا" العرب
توفي، الأربعاء، أول رئيس للجزائر المستقلة، أحمد بن بلة، بمقر سكناه عن عمر يناهز 96 سنة، وعلم لدى أقارب الرئيس الراحل أن الحالة الصحية للفقيد تدهورت في الآونة الأخيرة، حيث أدخل المستشفي العسكري "محمد الصغير نقاش" بعين النعجة، قبل أسبوعين، فيما سجلت وفاته طبيا - إكلينيكيا -، منذ قرابة 10 أيام، حسبما علم لدى مصادر مقربة من محيط الرئيس الراحل.
الفقيد أحمد بن بلة الذي قاد الجزائر المستقلة من الفترة الممتدة من 1962 إلى 1965، أدخل، أواخر شهر فيفري الماضي، المستشفى العسكري مرتين على التوالي، وخضع للعلاج قبل أن يغادره ويستقر به الأمر في مسكنه بأعالي حيدرة بالعاصمة.
وكانت عدد من الصحف الوطنية قد أعلنت، الأسبوع الأخير من شهر فيفري الماضي، عن تدهور صحة أول رئيس جزائري أحمد بن بلة، وذهبت لحد نشر خبر وفاته، بينما أكدت صحف أخرى أنه كان لا يزال على قيد الحياة، فيما تراجعت تلك الصحف التي أعلنت وفاته، وأوضحت أن غموضا كبيرا يشوب حالته الصحية، ونفت، حينها، وكالة الأنباء الرسمية والقنوات الإذاعية الخبر، وقالت إن الحالة الصحية لأحمد بن بلة مستقرة، وأنه تحت الرقابة الطبية.
وأكدت ابنة الفقيد، حورية بن بلة المقيمة في القاهرة، فيما رفضت الخوض في تفاصيل أخرى عن ظروف الوفاة.
ويعتبر أحمد بن بلة من الشخصيات الوطنية البارزة على المستوى الوطني والإفريقي والدولي، في الآونة الأخيرة، بعدما استنجد به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في تمثيله في عدة محافل دولية، وبرز دور بن بلة، بمجرد عودته للجزائر من منفاه الاختياري بسويسرا، في 29 سبتمبر 1990، حيث استقر بالجزائر، وتولى رئاسة اللجنة الدولية لجائزة القذافي لحقوق الإنسان، واعتبر من عقلاء قارة إفريقيا للإسهام في حل النزاعات التي تنشب في القارة السمراء، حيث أسندت له رئاسة مجموعة عقلاء الاتحاد الإفريقي، منذ سنة 2007 . ويعد الرئيس الراحل أحمد بن بلة من بين أهم رايات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، حيث كان بن بلة رفيق درب عبد الناصر وأحد أبرز الزعماء العرب تأثرا بمشروعه القومي، وينتظر أن يوارى جثمان الرئيس الراحل، اليوم، بمقبرة العالية بالعاصمة.
لم يقل شيئا في حصة "شاهد على العصر"
متى تصدر مذكرات بن بلة "الخطيرة"؟
كانت الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي من أكثر المهووسات بكتابة قصة حياة الرئيس أحمد بن بلة، وكانت منذ أن أطلق الشاذلي بن جديد سراحه في بداية الثمانينات تتبعه مثل ظله على أمل أن تنال شرف موافقته بأن تروي حياته، خاصة أنها كما تقول تابعت وهي صغيرة من شرفة منزلها رفقة والدتها خطابا لبن بلة عندما كان رئيسا، ولكنه رفض عرضها، وقال لها في عام 2001 أنه كتب فعلا مذكراته، ولكنه لن ينشرها، لأنها خطيرة جدا، وتعني أناسا لا يمكنه أن يلتقي بهم بعد نشره هذه المذكرات، ووعد بأن ينشرها بعد رحيله دون ان يذكر الكيفية ولا مكان وجود هذه المذكرات. وبقي السؤال الكبير عن خطورة هذه المذكرات إلى أن أطل الراحل أحمد بن بلة على قناة الجزيرة عام 2004 كضيف على الصحفي أحمد منصور من خلال حلقات مطولة في حصة شاهد على العصر، ورغم أن المرحوم أحمد بن بلة فتح ملفات كانت ضبابية عن عبان رمضان وعن هواري بومدين من الثورة إلى الاستقلال، ورغم أن بن بلة أبكى في الحصة أحمد منصور الذي أجهش بالبكاء في عدة حلقات خاصة عندما كان يتحدث بن بلة عن أيامه العصيبة في السجن وكيف ماتت أمه بعد زكام أصابها، لأنهم كانوا يجردونها في عملية التفتيش قبل زيارتها لابنها في حجزه المنفرد، إلا أن الواضح أن الرجل الذي قارب سنه القرن وتعرف على كل زعماء الجزائر والعالم العربي من عبد الناصر إلى صدام حسين إلى معمر القذافي، ومن الثوريين الجزائريين ومفجري ثورة التحرير إلى الرؤساء في زمن الاستقلال، ظل يخفي الكثير من الأسرار حتى وإن كان بن بلة هو في حد ذاته تاريخا.
من آراء الراحل
ـ عندما سئل بن بلة بعد خروجه من السجن وتوجهه إلى فرنسا ومنها إلى سويسرا هل أنت لائكي - علماني - أجاب بأنّه ليس لائكيا وليس من دعاة اللائكية، وهي نتاج غربي محض وجاءت لتحلّ محل الكنيسة وقال أنّه مجرد مواطن جزائري ومناضل في حزب الشعب ثمّ حركة انتصار الحريات الديمقراطية ثمّ مجاهد في أول نوفمبر وأحد مناضلي جبهة التحرير الوطني.
ـ سئل بن بلة عن الثقافة في الجزائر فقال: هل توجد ثقافة في الجزائر! هل يوجد في ذهن مسؤول جزائري تقلدّ وزارة الثقافة مشروع ثقافي! ألم يهن الكتاب والمفكرون!
ـ سئل عن الدولة في عهده فقال: أنا الذي كونت الدولة الجزائرية بعد استرجاع السيادة الوطنية، وهذا شرف أفتخر به، ذلك أن اتفاقيات إيفيان وهي التي أفضت إلى استقلال الجزائر فرضت ضرورة وجود طرف قويّ لتحمل المسؤولية وكان لابدّ لنا من اللجوء إلى الانتخابات الشعبية وتأميم أراضي الكولون.
ـ سئل بن بلة عن وفائه لجمال عبد الناصر فقال: أنا وفيّ لفكر جمال عبد الناصر لأنني أعتبره رجلا عظيما ساهم في دعم الثورة الجزائرية أكثر من أي شخص آخر في الوطن العربي الذي تحكمه أطراف متناقضة ومتباينة مثل عبد الاله في الأردن ونوري السعيد في العراق وعبود قي السودان وكانت تعيش تابعة للغير، باستثناء عبد الناصر الذي كان يمثل الوفاء للثورة الجزائرية في مختلف مراحلها، والجزائريون مدينون لهذا الرجل وأظن أنّ خروج الشعب الجزائري إلى الشارع يوم وفاته كان دليلا على وجوده في وجدانهم وضمائرهم.
الراحل أحمد بن بلة في سطور
ولد الراحل أحمد بن بلّة، في مدينة مغنية بتاريخ 25 ديسمبر 1916، وواصل تعليمه الثانوي بمدينة تلمسان، وأدى الخدمة العسكرية سنة 1937، تأثر بعمق بأحداث 8 مايو 1945 فانضم إلى الحركة الوطنية باشتراكه في حزب الشعب الجزائري، وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، حيث انتخب سنة 1947 مستشاراً لبلدية مغنية. وأصبح بعدها مسؤولاً على المنظمة الخاصة حيث شارك في عملية مهاجمة مكتب بريد وهران عام 1949 بمشاركة حسين آيت أحمد ورابح بيطاط.
ألقي عليه القبض سنة 1950 بالجزائر العاصمة، وحكم عليه بعد سنتين بسبع سنوات سجن، وهرب من السجن سنة 1952 ليلتحق في القاهرة بحسين آيت أحمد ومحمد خيضر حيث يكوّن فيما بعد الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني. قبض عليه مرة أخرى سنة 1956 خلال عملية القرصنة الجوية التي نفذها الطيران العسكري الفرنسي ضد الطائرة التي كانت تنقله من المغرب إلى تونس، والتي كان معه خلالها أربعة قادة آخرين لجبهة التحرير الوطني، وهم محمد بوضياف، رابح بيطاط، حسين آيت أحمد، ولشرف. تم اقتياده إلى سجن فرنسي، وبقي معتقلاً فيه إلى موعد الاستقلال فعاد هو ورفاقه إلى الجزائر.
في 15 سبتمبر 1963 انتخب كأول رئيس للجمهورية الجزائرية. وفي 19 يونيو 1965 عزل من طرف مجلس الثورة وتسلم الرئاسة هواري بومدين. ظل بن بلة معتقلا حتى 1980، وبعد إطلاق سراحه أنشأ بفرنسا الحركة الديمقراطية بالجزائر. عاد نهائياً إلى الجزائر بتاريخ 29 سبتمبر 1990، وتوجه بعد حرب الخليج الثانية 1991م إلى العراق وقابل الرئيس صدام حسين. كان يؤمن بعروبة الجزائر ولذلك قام باستدعاء آلاف الأساتذة العرب من مصر والعراق وسوريا للمساهمة في قطاع التعليم. وسئل بن بلة عن وفائه لجمال عبد الناصر فقال: "أنا وفيّ لفكر جمال عبد الناصر لأنني أعتبره رجلا عظيما ساهم في دعم الثورة الجزائرية أكثر من أي شخص آخر في الوطن العربي"، ومن أقواله "لم يكن سواه رفيقي في كل الفترات التي قضيتها في السجون، إنه القرآن الكريم".
لعب لنادي مارسليا وبيلي تسبّب في طرده من الحكم
أحمد بن بلة تزوّج في السجن ولم يُرزق بالبنين
مهما اختلف الناس عن أحمد بن بلة، فإنه سيبقى سياسيا ورئيس الأجيال، الرجل الذي شهد الحرب العالمية الثانية والثورة التحريرية، وبلغ الربيع العربي وكان له في كل مناسبة رأي، بل ورأي مسموع في إفريقيا والعالم العربي، حسب مختلف الروايات فإن أحمد بن بلة غادرنا وهو على حافة بلوغ سن السادسة والتسعين، فقد اختلف الكثيرون حول يوم مولده ولكن الشائع أنه من مواليد مغنية في عام 1916، بعد أن حقق الكثير من أمنياته وأضاع الكثير من توابل الحياة ومنها البنين والبنات، بن بلة عاشق متميز لكرة القدم التي لعبها كمحترف في أندية فرنسية كبيرة، وكاد أن يشارك في كأس العالم لعام 1938 التي احتضنتها فرنسا وأحرزت لقبها إيطاليا، حيث تقمص ألوان نادي مارسيليا وبمجرد أن اندلعت الحرب التحريرية وكان سنه قرابة الثامنة والثلاثين اعتزل الكرة، ولكن عشقه لها بقي وذاب في قلبه، وكان أول رئيس يسلم كأس الجزائر بعد الاستقلال لوفاق سطيف ولمولودية سعيدة، واهتم الرئيس الأسبق بالكرة إلى درجة أنه أقام منذ ثلاث سنوات حفل توديعه الملاعب في مغنية، حيث لامست قدماه الكرة وسنه فوق التسعين عاما إلى درجة أن الصحافة الإنجليزية نشرت صورته وكتبت عنه أنه أكبر لاعب في تاريخ كرة القدم، والكرة هي نفسها التي تسببت في تضييعه الحكم عندما كان في سهرة التاسع عشرة من جوان من عام 1965 بملعب وهران، المسمى حاليا زبانة يتمتع بمباراة بين المنتخب الجزائري ونادي سانتوس البرازيلي، الذي ضم في صفوفه أسطورة الكرة بيلي، بينما كان الراحل هواري بومدين يقود انقلابا عسكريا انتهى بوضع أول رئيس جزائري رهن الحبس، وهناك نسيه الشباب وبقي أحمد بن بلة يتلقى زيارة والدته العجوز التي ترجته أن يُفرحها قبل وفاتها بالزواج، فكان لها ما أرادت عندما كان بن بلة أول رئيس في العالم أيضا الذي يتزوج وهو في السجن، حيث أشار لوالدته على صحفية تدعى زهرة سلامي، كان قد تعرّف عليها قبل الانقلاب وحدث الزواج داخل فيلا بحضور والدته في 25 ماي من عام 1971، حيث جاوز سنه الخامسة والخمسين وكانت الصحافية زهرة دون التاسعة والعشرين، وهي الصحافية والسياسية التي توفيت منذ سنتين وتم تشييع جثمانها في أرض أجدادها بعد صراع مع المرض وتركت الراحل يقول أنه أحس باليتم عندما توفيت زوجته التي قبلت بأصعب المهمات بالنسبة لامرأة، وهي الزواج من سجين مغضوب عليه من طرف النظام الجزائري بقيادة الراحل هواري بومدين، في ذلك الوقت وتبنى بعد ذلك ابنتين عاشتا في المهجر وكانتا فنانتين في سويسرا التي اختارها الرئيس بن بلة كمنفى اختياري له بعد أن أطلق سراحه الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد عام 1980.
اضافات
http://hespress.com/writers/51524.html
نذر الحرب:
الدكتور الخطيب ،وزير الدولة في الشؤون الإفريقية، يسأل الرئيس أحمد بن بلة:
«ألا تفكرون فخامة الرئيس في إدخال تعديل على حكومتكم أعتبره منطقيا، إذ به تضعون الرجل الصالح في المكان الصالح، فتسندون وزارة تربية المواشي إلى الوزير بومعزة، ووزارة التموين إلى الوزير بوخبزة، وتضعون الوزير بومنجل في وزارة الفلاحة، والوزير بوتفليقة في الشرطة؟ عبد الهادي بوطالب
ماكان للوزبر الخطيب أن يقتحم على الرئيس بن بلة- وهو وسط وزرائه- وجومه وانقباضه ،عساه ينجح في ما فشل فيه الحسن الثاني، لولا مكانته المتميزة لدى قادة جبهة التحرير الجزائرية.
ورغم حبكة النكتة لم يتجاوب معها الرئيس إلا بمشروع ابتسامة لم تكتمل.
لقد بذل المرحوم الحسن الثاني ما في وسعه- في زيارته الى الجزائر في13مارس1963-ليفتح مغالق الرئيس بن بلة؛ويحمله على الاعتراف،فقط ،ومرحليا، بحق المغرب في استرجاع ما غصبته فرنسا من ترابه: على الأقل من باب تأكيد التشبث بما التزمت به حكومة فرحات عباس المؤقته،بالرباط،في يوليو1961.
وقد حمل الملك في ركابه،حسب ما يرويه الأستاذ عبد الهادي بوطالب،وقد كان وزيرا للأنباء ضمن الوفد،ثلاثة وعشرين سيارة مرسديس ،هدية لأعضاء الحكومة؛وأسلحة آثر بها الجيش الجزائري على جيشه.
لم يلتفت الرئيس لا لقيمة الهدية،ولا لرمزيتها؛فأن يهدي الملك السلاح لمن بينه وبين المغرب نزاع حدودي؛موروث عن المستعمر ،دليل على رغبته الأكيدة في حل تفاوضي أخوي؛ مما كان المرحوم محمد الخامس يفضله ،وهو يرفض التفاوض مع فرنسا في موضوع الحدود.
لم يزد الرئيس على قوله: لن نتعامل مع الحدود ،فقط،كوضع موروث.
لقد تزامن توقيت الزيارة ،وأجندتها،مع وضعية جزائرية متوترة؛إذ دب الخلاف بين رفاق الأمس ،مما أفضى إلى ثورة مسلحة قبائلية،بقيادة آيت أحمد والكولونيل محند أولحاج؛كما توترت العلاقة بين الرئيس والمجلس الوطني الجزائري ؛بسبب رفض هذا الأخير لرقابة المجلس للمكتب السياسي لجبهة التحرير.
ورغم هذه الوضعية الداخلية المتوترة، ما كان لبن بلة أن يتعامل مع الزيارة ،وموضوعها، وكأنها آخر اهتماماته ؛بل العكس هو الذي كان سيحل الكثير من مشاكل قيادة جبهة التحرير في تدبير مرحلة وطنية أعقبت مائة واثنين وثلاثين عاما من الاستعمار.
سيعترف بن بلة ،بعد فوات الأوان بعشرات السنين،بأخطائه ؛وفشل المشروع السوفياتي ؛ولعل من هذه الأخطاء عدم مراهنته ،منذ البداية، على جوار مغربي ، ومغاربي،قائم على الثقة المتبادلة.
في أي شيء كان بن بلة سيتضرر لو التزم بما التزمت به حكومة فرحات عباس ؛فيما يخص حقوق المغرب الترابية؟
لكن – لو التزم- ماذا كان سيقول لجمال عبد الناصر ؛الباحث عن جغرافية افريقية لمشروعه القومي ؟
وبأي خطاب سيأسر نسور القيادة السوفياتية؟
بن بلة يشرعن الحرب:
لما أطلع المرحوم الحسن الثاني بعض وزرائه على مادار بينه وبين أحمد بن بلة ،في لقاءاتهما الانفرادية؛فيما يخص موضوع الحدود، ظهر رأيان- حسب رواية المرحوم عبد الهادي بوطالب-
الأول :رأي الحسن الثاني ،الذي دفع بثقة كبرى في الرئيس ،مستحضرا عدم استطاعته التنكر لكل ما قدمه المغرب للأشقاء في حربهم.
الثاني :رأي بعض الوزراء ؛وقد بدا لهم تسويف الرئيس مجرد تملص،يخفي نية أخرى.
لم يمض كثير من الوقت حتى تأكد أن الشكاك على صواب ؛اذ بدأت تصدر من الجزائر اتهامات رسمية بضلوع المغرب في ثورة القبائل ،توجيها وتسليحا.
هل الأمر يتعلق بمحاولة لتنفيس، وتصدير التوتر الداخلي؟
لم يفلح لقاء وجدة بين عبد العزيز بوتفليقة وأحمد رضا جديرة؛وزيري خارجيتي البلدين في احتواء الأزمة ؛رغم صدور ما سمي " بلاغ الوفاق" ؛الذي لم يزد على تأكيد النوايا الحسنة للبلدين وحرص كل طرف على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر.
لا حديث عن الحدود الموروثة ؛وكأنها أجلت ليحسم فيها السلاح.
بن بلة يضرب:
ذات يوم من أكتوبر 1963 داهمت قوات جزائرية مركزين مغربين للحراسة ؛في موقعين غير متنازع حولهما ،وقتلت من فيهما ،بدم بارد .
يقول المرحوم الحسن الثاني للصحافيين ،بعد هذا الهجوم:
لم يترك المهاجمون الجزائريون للمغاربة الموجودين بالمركزين المعتدَى عليهما أي حظ للخروج منهما قبل قصفهما واحتلالهما. وفعلوا ذلك بدون إشعار مسبق، ولا إلفات لنظر السلطة المغربية إلى أن للجزائرمطلبا في الأرض" تواصل التصعيد ليتخذ شكل هجوم عسكري جزائري على منطقة "اش" باقلبم فكيك ؛حيث كانت تتواجد حامية عسكرية مغربية ،بأسلحة خفيفة فقط ؛ولم تتمكن من الصمود في وجه أرتال عسكرية ،مدججة بأسلحة ثقيلة. وتواصل اختراق الحدود المغربية ،في الإقليم ؛بل حلقت الطائرات حتى فوق منطقة تاندرارة ب" الظهراء".
صبر لم ينفذ:
عقب حالة الحرب هذه المفروضة على المغرب ،وجه الحسن الثاني كلا من عبد الهادي بوطالب والجنرال المذبوح ؛بمهمتين: إحداهما سياسية والأخرى عسكرية؛ولعل وجود الجنرال المذبوح ،ضمن الوفد، كان يعني أن المغرب لن يستمر في التسامح وغض الطرف عن ساكنة مغربية أرعبتها عربدة قوات بن بلة.
لم تفلح المهمتان معا ،ويروي الأستاذ بوطالب كيف أنهى بن بلة اللقاء بعنف ومصادرة غريبة لموضوع الصراع الحدودي:
يقول:
"ان مشكلة الحدود مشكلة وهمية ويجب السكوت عنها في الوقت الحاضر لتجاوزها فيما يستقبل». وزاد يقول: «على النظام الملكي المغربي أن يواجه مشاكله الداخلية، وأن يعلم أن النظام الجزائري حصين منيع، ولا يملك النظام الملكي المغربي النيل منه"
ماذا جنى الشعبان من زمن الأخطاء هذا؟
لا تسمح لي قناعاتي المغاربية ،التي عبرت عنها مرارا في مقالاتي، بالخوض في تفاصيل حرب الرمال لأنها حرب خطأ ،وستظل،في نظري، هكذا في أي زمان ومكان اندلعت.
الذي اندحر لم يكن الجيش الجزائري ؛لأنه أصلا جيش استوطن ثكنات المغرب العسكرية زمنا(9000جندي) ،وتدرب ضباطه وطياروه بقواعد مكناس العسكرية ؛بل حتى أسلحته كانت،في أغلبها، أسلحة مغربية ،وأحدثها ما حمله معه الحسن الثاني في زيارته.
فعن أي نصر سنتحدث ؛وقد خسرنا-كشعبين- مغرب الشعوب ؟ خسرنا امتلاك أمورنا بأيادينا ،وتأسيس علاقات تكامل وإخاء ؛في مواجهة مستعمر الأمس، وطموحات قومية عروبية مغامرة ،كانت تصدر عن أدمغة محروقة؛تقوض المعمار القائم لتستوطن خيام الايدولوجيا .
لقد كان الطيران الجزائري ،وهو يعربد فوق فكيك وتاندرارة يرعب ،فيما يرعب،حتى الساكنة الجزائرية التي كانت متواجدة في الجهة الشرقية كلها.
وكان يستعيد – بكيفية مفارقة- عربدة الطيران الفرنسي فوق مدينة وجدة ،وقنبلة ساكنة جزائرية كانت تتزود بالمواد الغذائية من مركز الصليب الأحمر بحي كلوش.
لقد كان زمن الأخطاء هذا زمنا للشباب الثوري ؛على الطريقة "الغيفارية"؛ليس من جانب بن بلة وحده في مواجهة النظام الملكي المغربي؛بل من جانبه وهو يصارع قادة جزائريين لا يختلفون عنه كثيرا في عشق اللباس "الكاكي" وصعود الجبال.
وقد حسم هواري بومدين الأمر مع رفاق الأمس ،ودخل بن بلة سجنا طويلا أمده ؛خول له مراجعات فكرية عديدة ؛لو اتيح له بعدها الوصول إلى سدة الحكم لكنا أمام وضع مغاربي مختلف.
ضيق الأفق السياسي لقادة الجيش:
كل ميسر لما خلق له؛هم هكذا ،رجال ميدان ؛يتحدثون عن التعامل القتالي مع أوضاع معينة (استعيدوا تغطية العميد صفوت الزيات لحرب ليبيا؛وقارنوها مع تغطية عزمي بشارة).
حينما يدبرون الدولة سياسيا يصدرون عن عسكرية أصيلة في تكوينهم.
واليكم المثال من المغرب:
حينما استقبل الحسن الثاني الجنرال إدريس بن عمر ،في مراكش،عقب أيام من القتال في فكيك،وتوغل القوات المغربية داخل التراب الجزائري بمسافة طويلة؛تفاجأ الحضور بالجنرال وهو يخلع "جاكيتته" العسكرية ،بما عليها من نجوم ونياشين؛ويضعها بين يدي الملك ،معلنا استقالته من الجيش ؛مبررا تصرفه بعدم اقتناعه بالأوامر التي صدرت إليه بالتراجع الى نقطة الانطلاق؛لأن العسكرية ترفض أن تفرض الهزيمة على جيش منتصر. كان يرى الاحتفاظ بموقع تفاوضي قوي.
ما كان من الحسن الثاني إلا أن صاح في وجهه بما يلزمه بالامتثال لأوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة .
السياسي في مقابل العسكري ؛كل على صواب لكن من زاوية نظره.
وقد سبق أن استمعت إلى الرئيس الاسرائلي شيمون بريز وهو يقول:
إسرائيل دولة منتصرة عسكريا ؛لكن تفرض عليها حلول انهزامية.
هل مشاكل الشعبين ،اليوم، راجعة إلى تباين الخطابين الرسميين ؛على خلفية تؤثثها هذه الثنائية؟
منقول