تبحث فرنسا عن هدية تعبر بها عن حسن نواياها تجاه الجزائر، ورغبة منها قوية في تحقيق مصالحة طال أمدها من أجل الانطلاق نحو مستقبل مربح للطرفين، بعيدا عن آلام الماضي. هذه خلاصة ما يدور في رؤوس مستشاري الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، الذي يستعد للقيام بزيارة دولة للجزائر يومي 19 و20 ديسمبر الحالي، سعيا منه ومن الرئيس بوتفليقة لطيّ صفحة أخرى من تاريخ مليء بالذكريات التي لا تمحوها الهدايا، مهما كانت قيمتها.
قبل أسابيع قليلة، أطلقت جمعيات جزائرية ومؤرخون ومحامون حملة غير مسبوقة ضد الأرشيف الجزائري لدى باريس، وكنوز مدينة الجزائر المحروسة التي استولى عليها قادة الاحتلال بعد سقوطها بين أيديهم، ورحيل الداي حسين إلى بلد جده محمد علي بمصر ومنها إلى تركيا. وكان على رأس تلك الكنوز والأرشيف، مدفع بابا مرزوق العملاق، المنتصب في إحدى ساحات مدينة بريست، يقف فوق فوهته ديك فاردا جناحيه. من المقترحات التي تحدثت عنها الصحافة الفرنسية، اليومين الماضيين، قبل أن يستقر الرأي والقرار على مفاتيح مدينة القصبة، المدفع بابا مرزوق، علما بأنه تعرّض للتحويل إلى باريس كدليل على سقوط الجزائر.
ولن يكون هولاند، الرئيس الفرنسي الوحيد الذي سيزور الجزائر، ويهدي لمستضيفه هدية رمزية، إذ سبقه إلى ذلك سلفه الرئيس السابق جاك شيراك. فخلال زيارة هذا الأخير للجزائر في مارس 2003، أحضر معه هدية ثمينة تمثلت في ختم الداي حسين باشا الذي كان يوقع به مراسلاته ويصادق به على القرارات والمراسيم. ونظمت رئاسة الجمهورية بتلك المناسبة، حفلا رسميا، لما يتميز به الحدث من رمزية خاصة. وما كان من الرئيس بوتفليقة إلا أن قدم شكرا خاصا باسم الشعب الجزائري لنظيره شيراك، الذي أهدى بوتفليقة نسخة أصلية من مذكرات الجنرال شارل ديغول في شقه المتعلق بالثورة الجزائرية. غير أن رؤية حلم عودة ''بابا مرزوق'' إلى موطنه لن يكون قريب المنال، بعد أن أشارت تسريبات قصر الإليزيه إلى احتمال اقتداء هولاند بشيراك، ويقوم بإهداء الرئيس بوتفليقة مفاتيح مدينة القصبة، بعد أن قامت الرئاسة الفرنسية بشرائها من عائلة الماريشال ''دو بورمونت'' عام .2002
ولهذه المفاتيح رمزية تاريخية مثل ختم الداي حسين، الذي سلمها للماريشال الفرنسي يوم 5 جويلية 1830، ويستقر بها المقام في خزائن متحف الجيش الفرنسي بالعاصمة باريس، بعد أن نقلت إلى فرنسا بعد استقلال الجزائر ضمن مجموعة من الوثائق والتحف التي تصنف، بلا منازع، في خانة الكنوز الوطنية والسيادية.
وتقول نفس التسريبات الإعلامية إن وزارة الخارجية الفرنسية قرّرت، ودون انتظار تقديم الجزائر طلبا بذلك، أن يعيد الرئيس هولاند هذه المفاتيح إلى أصحابها، وذلك بإهدائها للرئيس بوتفليقة هنا، للدلالة على عودة الحق إلى أصحابه، ما داموا متمسكين بالمطالبة به ودون أي تنازل.