السيدة نفيسة بنت الحسن
ومن النساء المجاهدات اللواتي يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب (ع).
عالمة جليلة ، وعابدة ورعة ، وتقية زاهدة ، حفظت القرآن وتفسيره ، وقد حضر اليها الامام الشافعي ، وسمع عليها الحديث.
وكان بشر بن الحارث يعودها لشؤون علمه ، واستجار بها لتقواها الامام احمد بن حنبل في ان تدعو له بالمغفرة ، وقد سألها الامام الشافعي يوماً من وراء حجاب لتدعو له ، وصلت على جنازته يوم وفاته.
ذهبت الى مصر مع زوجها اسحاق بن جعفر الصادق « المؤتمن » وقيل انه لما ظلم احمد بن طولون ، استغاث الناس من ظلمه ، وتوجهوا الى السيدة نفيسة يشكونه اليها. فقالت لهم : متى يركب ؟ قالوا : في غدٍ.
فكتبت رقعة : ووقفت بها في طريقه وقالت : يا احمد بن طولون ... فلما رآها عرفها فترجل عن فرسه ، وأخذ منها الرقعة وقرأها فاذا فيها :
ملكتم فأسرتم ، وقدرتم فقهرتم ، وخولتم فعسفتم ، وردت اليكم الارزاق فقطعتم هذا وقد علمتم ان سهام الاسحار نافذة ، غير مخطئة لا سيما من قلوب اوجعتموها ، واكباد جوعتموها ، واجساد عريتموها فمحال ان يموت المظلوم ويبقى الظالم.
٣٥٧
اعملوا ما شئتم فانا صابرون وجوروا فانا بالله مستجيرون ، واظلموا فانا الى الله متظلمون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
قصة امرأة تطلب الانصاف عند المأمون
« جلس المأمون يوماً للمظالم ، فكان آخر من تقدم إليه ... وقد همَّ بالقيام ، امرأة عليها هيئة السفر ، وعليها ثياب رثة ، فوقفت بين يديه فقالت : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
فنظر المأمون الى يحيى بن اكثم ، فقال لها يحيى : وعليك السلام يا أمة الله تكلمي بحاجتك ، قالت :
يا خير منتصف يهدى له الرشد
ويا اماماً به قد اشرق البلد
تشكو اليك عميد القوم ارملة
عدَّ عليها فلم يترك لها سبد (١)
وابتز مني ضياعي بعد منعتها
لما تفرَّق عنها الأهل والولد
فأطرق المأمون حيناً ثم رفع رأسه إليها وهو يقول :
في دون ما قلت زال الصبر والجلد
عني واقرح مني القلب والكبد
هذا اذان صلاة العصر فانصرفي
واحضري الخصم في اليوم الذي أعد
فالمجلس السبت ان يقضى الجلوس
ننصفك منه وإلا المجلس الأحد
__________________
(١) السبد : الشعر ، ويكنى به عن الابل ، كما يكني بالوبر عن الغنم ، فيقال : ما له سبد ولا لبد ، اي ذو وبر ، ولا صوف متلبد ؛ يريد ابلا ، وغنماً.
٣٥٨
فلما كان يوم الأحد جلس ، فكان اول من تقدم اليه تلك المرأة.
فقالت : السلام عليك يا امير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
فقال : عليك السلام ، ثم قال : اين الخصم ؟
فقالت : الواقف على رأسك يا امير المؤمنين ... واومأت الى ابنه العباس ...
فقال : يا احمد بن ابي خالد ، خذ بيده فأجلسه معها مجلس الخصوم.
فجعل كلامها يعلو كلام العباس. فقال لها احمد بن ابي خالد : يا أمة الله انك بين يدي امير المؤمنين ، وانك تكلمين الأمير فاخفضي من صوتك.
فقال المأمون : دعها يا احمد فان الحق انطقها ، والباطل اخرسه ثم قضى لها برد ضيعتها اليها ( وظلم العباس بظلمه لها ) وأمر بالكتاب لها الى العامل الذي ببلدها ، ان يوغر لها ضيعتها (١) ويحسن معونتها ، وأمر لها بنفقة » (٢).
منقول