رسالة أمي الأخيرة .. على الثلاجة
في فترة المراهقة كنت أبتعد كثيرا عن البيت و أتأخر في العودة ، و كان ذلك يغضب أمي كثيرا ؛ لأنني لا آكل في البيت ، و لأنني كنت أقضي معظم النهار نائما و لا أعود ليلا إلا متأخرا بعدما تنام أمي ، فما كان منها إلا أن بدأت تترك لي قبل أن تنام رسالة على باب الثلاجة ، و هي عبارة عن إرشادات لمكان الطعام و نوعه و كيفية تجهيزه
و بمرور الأيام تطورت الرسالة فأصبحت طلبات لوضع الملابس المتسخة
في الغسيل و تذكير بالمواعيد المهمة ، و هكذا مرت فترة طويلة من مراهقتي على هذا الحال ، و ذات ليلة ، عدت إلي البيت ، فوجدت الرسالة المعتادة على الثلاجة ، فتكاسلت عن قراءتها ، و خلدت للنوم ، و في الصباح فوجئت بأبي يوقطني و الدموع في عينيه ..
لقد ماتت أمي
كم آلمني الخبر و تماسكت حتى دفناها و تقبلنا العزاء ، و في المساء عدت للبيت و في صدري بقايا قلب من كثرة الأحزان ، و تمددت على سريري ، و فجأة قمت منتفضا ، لقد تذكرت رسالة أمي التي على الثلاجة ، فأسرعت نحو المطبخ ، و خطفت الورقة ، و قرأتها ، فأصابني حزن شديد هذه المرة لم يكن بالرسالة أوامر و لا تعليمات و لا نصائح ، فقط كان مكتوبا فيها :
"ابني الحبيب ، وحشتني كثيرا ، و أتمنى أن نجلس معا فأنا أمك
أم هل نسيت أن لك أما ، و أنا متأكدة أن في داخلك خير كثير
سيظهر يوما ما ، على العموم أسامحك و أحبك .. أمك "
و من يومها تغير حالي ، وهدأت روحي ، و انتهت مراهقتي ، و بدأ عهد الرجولة ، و عملا بوصية أمي التي كانت تريد الجلوس معي ، فقد أصبحت أزورها في قبرها كثيرا ، و آنس بها و أدعو لها بالرحمة و المغفرة
،، إنها قصة حقيقية ،،
اخترتها لكم من كتاب فن صناعة الذكريات مع الأبناء
ليت كل من كانت أمه على قيد الحياة أن يرعاها حق رعايتها، و يحاول - جاهدا - أن يرد إليها بعض الدين العظيم ، و لن يدرك أحد قيمة الكنز الذى بحوزته إلا إذا فقده ..
بارك الله فى الأمهات على قيد الحياة، و رحم أمهاتنا، و تغمدهن برحمته الواسعة، و أعاننا على برهن .. بعد الفراق الصعب !
م ن ق و ل ة