قال تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾البقرة: 233، وقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾لقمان: 14، وقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾الأحقاف: 15، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾الطلاق6.
الدلالة النصية:
هذا النص كما يذكر الشوكاني فيه (هو خبر في معنى الأمر للدلالة على تحقق مضمونه، وجاء التأكيد على ذلك بلفظ كاملين، وأن ذلك هو التمام للرضاعة)، وبالتالي فإن فيه (تنبيهاً على تأكيده لأن لبنها –أي الأم- أولى بولدها من غيرها ليكون مغذاه وليداً من مغذاه جنيناً، فكان الأحق أن يرضعن أولادهن)، وبذلك نجد أن هذا النص يشير إلى أنه لا أصلح للصبي من لبن أمه، ولئن جاءت المدة (حولين) مؤكدة بلفظ (كاملين) في سياق ضرورة تحمل الأب نفقة الإعاشة والكسوة والإرضاع في حدود المعروف، فإنها جعلت أولوية الإرضاع لأم الوليد، وإلا أرضعته سواها بنفقة، والملاحظ هنا أن الآية لم يُلتفت فيها إلى ألبان الحيوان، لقوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ البقرة: 233.
الحقيقة العلمية:
تكاد البحوث العلمية في مجال تغذية الأطفال المولودين تجمع على أن الرضاعة هي الوسيلة الأنفع لهم على الإطلاق، حيث إنه قد ثبت حديثا أن اللبن البشري خاصة من الأم لا يسبب أي حساسية للطفل؛ بينما قد تبلغ نسبة أمراض الحساسية في الرُضَّع نتيجة الرضاعة الصناعية بالألبان الحيوانية حوالي 30%، وقد تسبب تلك الألبان عسر هضم؛ فضلا عن عواقب إهمال تعقيم القارورة وما قد يؤدي إليه من نقص في التغذية أو الجفاف نتيجة الإسهال؛ والذي قد ينتهي بالوفاة، فوفق منظمة الصحة العالمية أكثر من مليون طفل يتوفون سنويا في العالم الثالث نتيجة أمراض الجهاز الهضمي والإسهال، وأكثر من تسعة ملايين طفل يصابون بنقص شديد في التغذية، وأغلب تلك الحالات ناتج عن استخدام الألبان الصناعية.
وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن لبن الأم خاصة اللبأ -الذي يفرز في الأيام الأولى- يمد الطفل بحماية ضد عوامل بيئية تؤدي إلى تدمير خلايا البنكرياس التي تفرز الأنسولين، وأن الاعتماد على ألبان الأبقار يفقد الرضيع تلك الحماية، فيتعرض بنسبة أكبر من الرُّضَّع بألبان أمهاتهم للإصابة بداء السكري، ويعضد هذا الاستنتاج وجود أجسام مضادة بنسب مرتفعة لبروتين لبن البقر في دماء الأطفال المصابين بداء السكري بالمقارنة مع الأطفال غير المصابين بالمرض.
وقبل تكامل عمل الجهاز الهضمي يمكن لبروتين لبن الأبقار أن يمر بدون هضم من خلال حلمات الغشاء الداخلي الغير مكتمل، وعدم تمكن الإنزيمات من تكسيره بشكل كلي إلى أحماض أمينية مما يحفز على تكوين أجسام مناعية ضده، والمدهش أن تتواجد تلك الأجسام المناعية ضد لبن البقر بنسبة عالية في دماء الأطفال الذين تناولوه قبل عامين؛ بينما لا تتواجد في دماء الأطفال الذين تناولوا لبن البقر بعد عامين؛ مما يتفق تماماً مع تمام مدة الفطام التي حددها القرآن الكريم؛ فضلا على تكامل الأمعاء وتكامل المخ بعد اكتمال العامين بحيث يماثل في هيئته مخ الشخص البالغ علامة على التكامل العام.
ومن الجانب النفسي نجد أن إرضاع الأم لوليدها ينشئ علاقة خاصة بينهما تشبع رغبة الأمومة عند الأم وتشبع متطلبات الوليد، ومن الجانب العضوي فإن اللبن البشري هو الأنسب للوليد، وأن ألبان الحيوان قد تحمل شيئاً من الضرر، ولم يُلتفت كذلك إلى ألبان الحيوان واكتفى بالإرضاع البشري في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾الطلاق:6، وقد ثبت حديثا بالفعل أن البدائل مثل ألبان الأبقار قد تسبب ضرراً للرضيع، وأن الأنفع له هو المصدر البشري خاصة من الأم، وقد يبدأ الفطام مبكرا بثلاثة أشهر إذا اكتمل الحمل تسعة أشهر لقوله تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ الأحقاف: 15، ولكن تمام الفطام عند الاكتمال العضوي للرضيع مؤكد نصًّا على أنه عامين لقوله تعالى: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ لقمان: 14، وقد ثبت حديثا بالفعل أن ضرر ألبان الأبقار على الرضيع يخف حتى يتلاشى تماما باكتمال العامين مع اكتماله العضوي.
وجه الإعجاز:
بعد ثبوت ضرورة إرضاع الأمهات لأولادهن علمياً، ووضوح الفوائد النفسية والجسمية التي تحصل في ذلك الإرضاع، وأن تمام الفائدة من الإرضاع إنما يحصل باستيفاء عامين، يكون قد حصل تطابق تام بين دلالة النص القرآني الشريف مع تلك الحقيقة العلمية، وبذلك يتبدى لنا وجه آخر من وجوه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، حيث لم يكن البشر على علم بتلك الحقيقة التي لم تُكتشف إلا في زمننا المعاصر.
منقول