السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
-----------------
كتب : د. محمد السقا عيد
في الآونة الأخيرة انتشر بشكل كبير في الكثير من مواقع الانترنت الإسلامية اعجاز مزعوم, يحاول أن يلفق وجود إعجاز علمي بين تقوية عضلات العيون و بقاء العين مفتوحة في أثناء السجود.
الإعجاز المزعوم
تحت عنوان (العلم الحديث يكشف السر فى الحكمة من إبقاء العين مفتوحة إثناء السجود) نقرأ الفبركات الآتية:
(تعاني عضلات العين من التصلب النسبي بمرور الأيام مما يؤدي إلى عدم قدرتها على زيادة وإنقاص تحدب عدسة العين بالشكل المطلوب لذا احرصوا على إتباع السنة في صلاتكم بأن تبقي أعينكم مفتوحتين أثناء السجود, فقف وأنت تنظر إلى موضع سجودك وأبق عينيك مركزة على تلك المنطقة ، عند ركوعك ستقترب العين من موضع السجود مما سيجبر عضلات العين على الضغط على العدسة لزيادة تحدبها وعند رفعك سترتخي العضلات ويقل التحدب. عند سجودك ستنقبض العدسات أكثر من الركوع لان المسافة بين العين ونقطة السجود قريبة جداً وعند الرفع سترتخي . هذا التمرين ستنفذه بشكل إجباري 17 مرة في اليوم . يمكنك تكراره عدد المرات التي تراه... شوفوا حكمة الله ...
و الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً كان يدعو على إبقاء العينين مفتوحتين أثناء السجود ... وهاهو العلم الآن يثبت أن ذلك يعمل على عدم إضعاف النظر).
الرد العلمي على هذا الإعجاز المزعوم و المفبرك
هذا الإعجاز المزعوم أهمل عدة أمور تثبت بلا ريب أنه مًفبرك من قبل أعداء الإسلام لضرب قضية الإعجاز العلمي:
الأول: لا يوجد دليل في القرآن أو السنة يجعل فتح العينين فى الصلاة واجب حتى نربط بينه و بين الإعجاز العلمي. قال الشيخ عبد الرحمن السحيم: على مَن قال قولاً أن يسند قوله بِما يُثبِته, فقول : (الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً كان يدعو على إبقاء العينين مفتوحتين أثناء السجود), يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه .
الثانى: العضلات التي تفتح الجفون و تغلقها غير العضلة المسؤولة عن مقدار تحدب عدسة العين, فعضلات الجفون لا تؤثر بأى شكل من الأشكال على عدسة العين التي يتغير تحدبها بالعضلة المحيطة بها (Cilliary muscle) تبعا لمسافة الجسم المرئي عن العين, و بالتالي الربط بين فتح العين و عدسة العين غير دقيق من الناحية العلمية.
الثالث: نسيان المقصود الأعظم مِن السجود، وهو تعظيم الرب ، سواء فَتَح المصلّي عينيه أو أغلقهما .
الرابع: أنه حتى الأعمى يُؤمَر بالسجود, ولا مصلحة له في تقعّر ولا تحدّب عدسة العين !
الخامس : أنه اخْتُلِف في حُكم تغميض العينين في الصلاة ، هل هو مكروه أو لا ؟
حكم تغميض العيون في الصلاة
لم يقل العلماء بأنه بدعة أو حرام, و لكنهم اتفقوا على كراهة تغميض العينين في الصلاة لغير حاجة، و ذهب البعض إلى جواز تغميض العينين إذا دعت الى ذلك الحاجة كما سيأتي تفصيل ذلك بإذن الله.
نص صاحب الروض على كراهته لأنه من فعل اليهود ( الروض المربع 1/95 ) وكذلك صاحب منار السبيل والكافي وزاد لأنه مظنة النوم (منار السبيل1/66 ، الكافي 1/285) ونص صاحب الإقناع على كراهيته إلا لحاجة كما لو خاف محذوراً بأن رأى أمته أو زوجته أو أجنبية عريانة (الإقناع 1/127 ، المغني 2/30 ) وكذلك صاحب المغني .
فيما نص صاحب تحفة الملوك على الكراهية دون الإشارة إلى وجود الحاجة من عدمها ( تحفة الملوك 1/84 ) وقال الكاساني : يكره لأنه خلاف السنة في أنه يشرع رمي العينين إلى موضع السجود ، ولأن لكل عضو حظه من العبادة وكذلك العينان (بدائع الصنائع 1/503(, ونص صاحب مراقي الفلاح على الكراهية إلا لمصلحة و قال : ربما يكون التغميض أولى من النظر ( مراقي الفلاح 1/343 (.
وقال الإمام العز بن عبد السلام في فتاويه بالجواز عند الحاجة إن كان ذلك أخشع للمصلي في صلاته ، ونص ابن القيم في زاد المعاد على أن الإنسان إذا كان أكثر خشوعاً بتفتيح العينين فهو أولى ، وإن كان أخشع له تغميض العينين لوجود ما يشغله عن الصلاة من تزويق وزخرفة فإنه لا يكره قطعاً بل القول باستحباب التغميض أقرب إلى مقاصد الشرع وأصوله من القول بالكراهة . ( زاد المعاد 1/283 (
و على موقع الإسلام سؤال وجواب للشيخ محمد صالح المنجد.
قال الشيخ نقلا عن ابن القيم : ولم يَكن مِن هَديه تَغميض عينيه في الصلاة ، وقد تقدم أنه كان في التشهد يُومِىء بِبَصره إلى إصبعه في الدعاء ، ولا يجاوز بَصره إشارته.
وقد يدلّ على ذلك مدّ يده في صلاة الكسوف ليتناول العنقود لما رأى الجنة ، وكذلك رؤيته النار وصاحبة الهرة فيها وصاحب المحجن، وكذلك حديث مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمرّ بين يديه وردّه الغلام والجارية وحجزه بين الجاريتين ، وكذلك أحاديث ردّ السلام بالإشارة على من سلّم عليه وهو في الصلاة ، فإنه إنما كان يشير إلى من يراه ، وكذلك حديث تعرّض الشيطان له فأخذه فخنقه وكان ذلك رؤية عين. فهذه الأحاديث وغيرها يُستفاد من مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلاة .
وقد اخْتَلف الفقهاء في كراهته ؛ فكرهه الإمام أحمد وغيره ، وقالوا : هو فعل اليهود . وأباحه جماعة ، ولم يكرهوه ، وقالوا : قد يكون أقرب إلى تحصيل الخشوع الذي هو روح الصلاة وسِرّها ومقصودها.
ثم قال:
والصواب أن يُقال : إن كان تَفتيح العين لا يُخِلّ بالخشوع فهو أفضل ، وإن كان يَحُول بينه وبين الخشوع لِمَا في قِبْلَتِه مِن الزخرفة والـتَّزْويق أو غيره مما يُشّوِّش عليه قَلْبه فهنالك لا يُكْرَه التغميض قطعا ، والقول باسْتِحْبَابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده مِن القول بالكراهة ، والله أعلم. زاد المعاد 1/293 ط. دار الرسالة
و في باب الصلاة في كتاب زاد المستنقع للشيخ ابن عثيميين هو :
الصحيح أن تغميض العينين في الصلاة مكروه 3 / 43, لأنه يثبت فعل المجوس عند عبادتهم للنيران و قيل انه فعل اليهود و التشبه بغير المسلمين في أقل الأقوال محرما فيكون تغميض العينين مكروها على أغلب الأحوال إلا أن يكون له سبب كأن يكون حوله ما يشغله لو فتح عينيه حينها يغمض تحاشيا لهذه المفسدة.
و ما أعلم أن تغميض العينين من مبدأ الصلاة إلى أخرها من البدع فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرمي ببصره إلى موضع سجوده والله أعلم.
فإذا كان هناك ما يصد المصلي عن الخشوع لاحتواء المصلى على أشكال أو زخارف تصرف ، أو تعثر على المصلي الخشوع حال فتحه للعين جاز إغماض العين .
وهذا التفصيل الأصيل مِن علِماء الأمة الأجلاء بالطبع يغنينا عن هذه الخرافات التي انتشرت على الانترنت بهدف صد المسلمين عن علومهم النافعة, ثم إظهارهم بمظهر ضعيف العقيدة و العلم الذي يتلمس أي دليل و لو بالباطل ليساند به دينه, و لكن الله لهم بالمرصاد كما قال تعالى { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) }التوبة32.
المصدر
و الله أعلم
شكرا اختي على المجهود