درة بنت أبي لهب رضي الله عنها
( بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم)
جاء الاسلام بالعدل و وضع أسس العدل و ميزانه بين الناس و من أعظم أسسه و مبادئه المساواة بين الناس
فالناس سواسية كأسنان مشط و من أعظم مبادئه فلا يحاسب أحد بذنب غيره
درة رضى الله عنها أبوها أبو لهب وأمها حمالة الحطب وأخويها عتبه وعتيبه
و مع ذلك نحبها ونقول بعد 1410 سنة من موتها رضى الله عنها يا له من دين يأمر بالعدل و يطبقه
الصحابية الهاشمية درَّة بنت أبي لهب ،
وأمها أم جميل بنت حرب بن أمية اللذان بشرهما القرآن الكريم بالنار .
كان إسلامها وفرارها من أبيها وأمها إلى الله ورسوله مثاراً للإعجاب والعجب ،
كانا أبويها يتعاونون على إلحاق الضرر برسول الله ، وإيذائه بكل وسيلة
فأبو لهب يمشي وراء النبي ويحذر الناس منه ، وعندما يسمع الناس كلامه يقولون إذا كان هذا رأي عمه فيه ،
فما يضرنا أن نجافيه ، ويتأذى رسول الله لذلك ، ويزداد هماً وغماً .
وأما أمها أم جميل – حمالة الحطب – وهي امرأة أبي لهب ، فكلها مُلئت شراً وحقداً على رسول الله
حتى كان من كرهها له أن تضع الحسك والشوك في طريقه ، ناسية أن الله هو كافيه وناصره ،
وهو قادر على أن يمنع الأذى عنه .
وكان عتيبة – وهو أخوها – يحاول أذية رسول الله بكل الوسائل ، بعد أن طلق أم كلثوم ،
حيث ذهب إلى رسول الله وسطا عليه وشق قميصه أمام الملأ من قريش ، وأبو طالب حاضر ،
فقال النبي : "اللهم سلط عليه كلباً من كلابك" .
فوجم لها وقال ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره وحزنت درة لما صنع عتيبة أخوها برسول الله ، وأيقنت أنه لن يفلت من العقاب .
ولم يلبث أبو لهب أن خرجوا إلى الشام فنـزلوا منـزلا فأشرف عليهم راهب من الدير ،
فقال لهم : إن هذه أرض مسبعة ،
فقال أبو لهب لأصحابه : أغيثونا يا معشر قريش هذه الليلة فإني أخاف على ابني من دعوة محمد ،
فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم وأحدقوا بعتبة ، فجاء الأسد يتشمَّمُ وجوههم حتى ضرب عتبة فقتله .
نعم وثب عليه فإذا هو فوقه فمزقه وقد كان أبوه ندبه وبكى ،
وقال : ما قال محمد شيئا قط إلا كان.
وعندما نزلت سورة المسد :
(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَب وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)
جن جنون أبي لهب وامرأته أم جميل ،
فقالت لزوجها : إذاً ابن أخيك شاعر وقد هجاني ، وأنا أيضاً شاعرة وسأهجوه .
عن أسماء بنت بكر رضي الله تعالى عنهما ، قالت : لما نزلت سورة تبت يدا أبي لهب أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر ،
وهي تقول :
مـذمـماً عـصـيـنـا وأمره أبـيـنـا
وديـنـه قلـيـنـا .
قلينا : أي أبغضنا .
والنبي قاعد في المسجد ومعه أبو بكر رضي الله عنه فلما رآها أبو بكر ،
قال يا رسول الله لقد أقبلت وأنا أخاف أن تراك ، قال رسول الله : "إنها لن تراني" ، -
وفي رواية : قال : "لا ما زال ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهبت" - وقرأ قرآنا فاعتصم به ،
كما قال وقرأ :
(وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً )
فوقفت على أبي بكر
رضي الله عنه ولم تر رسول الله ، فقالت : يا أبا بكر أخبرت أن صاحبك هجاني ،
فقال : لا ورب هذا البيت ما هجاك ، قال : فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها .
ومع كل ذلك تحدت درة رضي الله عنها أسرتها وبيئتها من أجل الإسلام ، وأعلنت كلمة التوحيد ،
وأسلمت وحسن إسلامها وكانت من المهاجرات إلى المدينة .
وبعد أن دخلت درة رضي الله عنها رحاب الإسلام تقدم لخطبتها الصحابي الجليل دحية الكلبي وتم الزواج .
وكانت درة قد تزوجت في الجاهلية من الحارث بن نوفل بن عبد المطلب وقد أنجت له عقبة والوليد وأبا مسلم ، وقتل عنها الحارث مشركاً في يوم بدر ، هذا اليوم الذي نصر الله فيه الإسلام وأذل فيه الكفر .
أبدلها الله تعالى بالصحابي الجليل دحية ، وهو من أجمل الناس طلعة ،
وكان جبريل علي السلام يأتي بصورته ، فأي شرف أصابت درة بعد أن أسلمت .
قالت نسوه من بنى رزيق لدرة بنت أبى لهب :
- أنت ابنة أبى لهب الذى يقول الله عزوجل فيه {تبت يدا أبى لهب وتب} فما تغنى عنك هجرتك؟
فأتت النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها :
- اجلسى .
ثم صلى رسول الله عليه الصلاة والسلام بالناس الظهر وجلس على المنبر ساعة
ثم قال:
- أيها الناس ما بال أقوام يؤذوننى فى نسبى وفى ذوى رحمى ؟
ألا ومن آذى نسبى وذوى رحمى فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى الله.
ثم قال عليه الصلاة والسلام :
- لا يؤذى حى بميت.
فقام رجل فقال :
- يا رسول الله أى الناس خير؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
- خير الناس أقرأهم وأتقاهم وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم الرحم.
وقويت علاقتها بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها ، وأخذت تكثر الدخول عليها
لتأخذ منها العلم والفقه في دينها .
توفيت رضي الله عنها في سنة عشرين للهجرة في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه .
لتكون حياتها نموذجا حياً لقدرة الانسان على التعرف على الحق و إختياره
وعدم تقليد الأباء و شهادة على عدل الاسلام
و إقراره مبدأ مسئولية الفرد وحسابه عن أفعاله لا أفعال غيره و إن كانوا أبوه أوأمه أوأخوته
فلا تزر وازره وزر أخرى وليس للانسان إلا سعيه و عمله.
من كتاب - نساء حول الرسول - لسماحة الدكتور/ السيد الجميلى
منقول