كثيراً ما أُنْعَتُ بالغباء والسّذاجة وربّما بالبلاهة ، ولكنّي ببلاهتي كما يزعمون سعيدة مرتاحة البال ، أنام قريرة العين
يقولون لا تُسامحي ولا تَصفحي عن من أساء إليك ، فيعتاد ذلك ويتمادى ، فأقول .. ألم يقل ربُّنا وهو يُخاطب أبا بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه ، حين قُذفت إبنته عائشة أمّ المِؤمنين رضي اللّه عنها في عرضها وشرفها
...وليعفوا وليَصفحوا ألا تُحبّون أن يغفر اللّه لكم ... النّور الأية 22
وذلك حين قرّر أن يوقف النّفقة التّي كان ينفقها على قريبه مُسطح بن أثاثة ، وقد كان قد هلك فيمن هلك وتحدّث فيمن تحدّث في حادثة الإفك
فردّ له النّفقة التّي كان يُنفقها عليه رغم الأذى الذّي لقيه منه ، وقال ... بلى أحبّ أن يغفر اللّه لي .. وهو الصّدّيق أحد العشرة المُبشّرين بالجنّة ، ورفيق المُصطفى صلوات ربّي عليه في الغار .
فماذا نقول نحنُ وقد غرّتنا الدّنيا وزينتها ، وأسرفنا في حقّ أنفسنا ، ألا يُسعدنا أن يعفوَ اللّه عنّا وقد عفونا عن عباده وصَفحنا عنهم وتجاو*** عن سيّئاتهم
لماذا نظنّ أنّنا بعفونا نفقد قيمتنا ونصير أقرب للذّل والهوان
ألم يأتي في الأثر عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال . قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم .. مانقصت صدقةٌ من مال . ومازاد اللّهُ عبداً بعفو إلّا عزّاً . وماتواضع أحدٌ للّه إلّا رفعه اللّه .. رواه مسلم
بل كيف نظنّ أنّنا لن نخطئ أيضا في حقّ أحدهم ، فنكون حينها بحاجة إلى من يُسامحنا ويعفو عنّا
مؤسفٌ أن نرى الأخ لا يعفو ولا يَصفح عن أخيه ، والبنت تُقاطع أمّها ولا تراها لأشهر وربّما لأعوام ، والأب لا يكلّم أبناءه ، بل قد يُكلّم واحدا دون الآخر لأسباب تافهة لا تعدو كونها سوء فهم وتعنّتا ، كان من المُمكن حلّها بقليل من الحوار وسعة الصّدر
ولكن هيهات فالقلوب قست واسودّت ، والنّفوس تباعدت وتنافرت ، فلم تشفع لهم لا ذكرياتُ الطّفولة والماضي ، ولا صلةُ الرّحم ، ولا قرابة الدّم ، فصاروا كالأغراب ، بل أشدّ لا يُكلّم بعضهم بعضاً ولا يُلقي عليه حتّى السّلام
ببساطة لأنّهم لم يُجرّبوا معنى أن تُسامح من قلبك وتعفوَ عن من أساء إليك فوربّ الكعبة سترتاح نفسك وتهدأ روحُك وتشعر بشعور غريب وكأنّك إنتصرت على شيء في داخلك كاد أن يقضي عليك .
هو شُعور لا يُدركُ كَنْههُ إلّا من ذاقه واستلذّ طعمه
هي فضفضة أو نصيحة أو ذكرى علّها تُصادف عقولا مُدركة وواعية فتعمل وتهتدي بها