مسلمات عظيمات خلدهن التاريخ
يسرى عبد الرحمن عابدين (أم الفضل) .. زوجـة الـشـيـخ الألباني رحمه الله .
مكان الولادة : القدس 1929 م.
نشأت في القدس في منطقة المسجد الأقصى ، كان والدها يعمل بالتجارة ، ومات وهي صغيرة ..
بقيت في القدس حتى سنة 1948 م ثم انتقلتُ نهائياً إلى الأردن و خطبها الشيخ - رحمه الله - في عام 1981 م .
تزوج الشيخ زوجته الأولى ( أم عبد الرحمن ) في دمشق و هي يوغسلافية و أنجبت منهُ عبد الرحمن ، و عبد اللطيف ، و عبد الرزاق و غيرهم ممن توفاه الله ، ثم توفيت أم عبد الرحمن .
ثم تزوج الشيخ الثانية ( ناجية ) و هي يوغسلافية و أنجب منها تسعة ( 4 أولاد و 5 بنات ) , الأولاد : عبد المصور و عبد الأعلى و محمد و عبد المهيمن. و البنات : أنيسة و آسية و سلامة و حسانة و سكينة. و تزوج الثالثة و كانت الثانية في عصمته ( حوالي سنتين ) و اسمها خديجة القادري و هي سورية و هي أخت زوجة الدكتور محمد أمين المصري رحمه الله المدرس المعروف في الجامعة الإسلامية و صديق الشيخ رحمهما الله.
أنجب الشيخ من زوجته خديجة بنتاً واحدة ( هبة الله ) ، ثم هاجر مع خديجة إلى الأردن عام 1980م و أقام في عمان قرب الشيخ أحمد عطية الذي كان من أقرب الناس للشيخ آنذاك .
جاء أحمد عطية إلى دكان أخي و طلبني منه في سنة 1981م ..
وعقدنا العقد واتفقنا على أن يكون الزواج بعد حوالي شهرين بعد أن ينهي الشيخ بناء بيته الجديد وتزوجنا في منتصف شهر رمضان المبارك.
** تنقلات الشيخ بشكل مختصر ؟
هاجر الشيخ من ألبانيا مع والده إلى دمشق و كان عمره آنذاك حوالي 10 سنوات ، ثم هاجر إلى الأردن عام 1980م ، و قام في عمان ثم عاد اضطراراً لدمشق و منها إلى لبنان - بيروت - عام 1981م و استضافه هناك الشيخ زهير الشاويش في بيته ، و من ثم سافر إلى الشارقة و أقام بها شهرين داعياً إلى المنهج السلفي هناك ، ثم سافر إلى قطر و أقام بها شهراً واحداً ثم الكويت و أقام بها عشرة أيام ثم الشارقة و منها قفل راجعاً إلى الأردن و مكث فيها إلى حين وفاته يوم السبت 1999/10/2م
هل علمَه و طلبَه للعلم و تعليمَه للناس قد أنْقَص من تواجده كَرَبٍّ لأسرة؟ وهل لهذا تأثير سلبي على أولاده؟
أم الفضل : أن طلب العلم لم يكن ليُعيقَ الشيخ عن أي واجب من واجباته الأسرية. بل على العكس تماماً ، إذ كان رحمه الله مثال لرب الأسرة المتعاون مع أهله.
و كان كثيراً ما يعينني في شؤون المنزل حتى أخجل منه في ذلك. حتى أنه مرة كان ( يشطف ) البرندة معي فقلت له : يا شيخ لا تفضحنا أمام الجيران، فيقولوا هذا يعمل عن امرأته ، قال : هذه ليست فضيحة ، ألا تعلمين أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقوم بمهنة أهله ؟!
كنت إذا طلبت منه أي طلب للمنزل ، مثل أن يضع رفاً زائداً في مكان ما ، كان يدرسه و يفكر به ، فإن وجده طلباً مناسباً ، كان يباشر به و يصنعه بيده ، و إن احتاج أن يذهب ليشتري له شيئاً ، يذهب بسيارته ثم يرجع ، و يقوم بما أشرت به عليه.
ثم كان له هواية بالرحلات – رحمه الله – على طريقة أهل الشام ، فالسلة ( عدة الرحلة ) كانت بالسيارة دائماً ، نذهب سوياً في الربيع و الصيف ، بل و الشتاء ، ننظر إلى الثلج و الشتاء و يجاملني بشرب الشاي و القهوة ، و لو أنه لم يكن له هواية بهذين المشروبين. لكن لم يكن ليترك كتبه في أي ( مشوار ) نذهب به ، فكان الكتاب صاحبه أينما ذهب.
بل كثيراً ما كنت أستيقظ فلا أراه في السرير ، فأبحث عنه فأجده بالمكتبة ، قد أضاء المصباح و اندمج مع كتبه ، فأستغرب ، فيقول : هذه عشيقتي !! رحمه الله .
** أم الفضل تصْف يومٍ كامل من حياة الشيخ رحمه الله منذ استيقاظه للفجر حتى ذهابه للنوم ليلا ..
كان الشيخ – رحمه الله يستيقظ لصلاة الفجر ، إن لم يكن قبلها و كان يوقظ بعض تلامذته على الهاتف ، ثم يذهب - طالما كان بعافيته – و يأخذ تلامذته من بيوتهم أو من الطريق الذي ينتظرونه فيه ، و يصلون الفجر في المسجد الذي يتوخى فيه إمامه تطبيق السنة و اجتناب البدعة – مثل قنوت الفجر – و كان غالباً ما يكون المسجد بعيداً عن حارتنا. ثم يعود الشيخ إن لم يكن هناك جلسة مع تلامذته في المسجد ، يعود إلى مكتبته و يبقى بين كتبه و أبحاثه إلى السابعة صباحاً حيث أكون قد جهزت له طعام الإفطار ، فيفطر و يعود إلى المكتبة ، ويبقى بها حتى القيلولة التي تكون عندما ينعس الشيخ ، فيذهب و ينام قليلاً ، ثم يعود إلى مكتبته. و هكذا يكون غداءه في الساعة الواحدة ظهراً ، أما العَشَاء ، فكان الشيخ لا يرغب به و كان يَرُد على أسئلة الهاتف بعد صلاة العشاء ، إذ حدد ساعتين للفتاوى على الهاتف. أما الزيارات ، فقد حدد لها بين المغرب و العشاء في الأيام التي تسمح له الظروف بها.
** تفـــاعل الشيخ رحمه الله مع الأحداث التي تمر بها الأمة الإسلامية و تأثيرها عليه
أم الفضل : لم يكن عندنا تلفزيون في البيت ، إذ كان لا يرضى الشيخ أن يدخله إلينا ، و ما كان يشتري جريدة لكن الشيخ كان شديد الألم لما يحصل للمسلمين في فلسطين و العراق و أفغانستان و عامة البلدان الإسلامية. و كان كثيراً ما يتفاعل مع إخوانه المسلمين في سوريا أيام أحداث الثمانينات مع النصيريين ، إذ كثيراً ما يأتي إليه الشباب المسلمون و يستشيرونه و يكرمهم و يستقبلهم كأحسن ما يكون.
السائل :
هل كان لك دور في ما وصل إليه عالمنا و شيخنا الألباني من فضل و علم في دين الله و سنة رسوله عليه الصلاة و السلام ؟ .. و هل استفدتم من علمه رحمه الله ؟
أم الفضل : بالنسبة للفائدة العلمية ، فالحمد لله قد استفدنا منه الكثير الكثير ، بل و استفادت عائلتي ( آل عابدين ) و غيرهم منه الكثير بعد زواجنا ، و كثيراً ما يسألني الناس عن بعض الأحكام الشرعية فأقول: كان الشيخ يقول فيها كذا و كذا ، و إن لم أعلم أسأل لهم طلبة الشيخ المقربين منه ، و الذين كان يثق بهم.
أما عن دوري في علمه ، فأنا في الأصل لست طالبة علم و أنّى لمثلي أن يشاركه علمه و أبحاثه العلمية الدقيقة ؟ لكن كنت أهيئ له – حسب استطاعتي – الجو كما يقال ، و أقوم بخدمته و خدمة ضيوفه و تلامذته ما بوسعي.
السائل :
ما هو الأثر الذي تركه في نفس عالمنا الجليل عندما غادر المدينة المنورة أي نقل سكنه منها ؟
أم الفضل : لقد تأثر الشيخ كثيراً عندما غادر المدينة النبوية، فكان يرى أن أجمل سني حياته قضاها في مدينة الرسول صلى الله عليه و سلم. لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة مشواره العلمي أبداً.
السائل :
ما هي أبرز الأحداث الإسلامية في المدينة المنورة التي شارك فيها و هو يعيش في المدينة المنورة؟.
أم الفضل : أما أبرز الأحداث التي حصلت له هناك، فأنا لا أعرف ذلك، إذ لم أكن معه.
السائل:
كيف يمكن أن نُكرِم عالما مثل عالمنا الجليل حسب رأي الخالة أم الفضل ؟.
أم الفضل : إكرام الشيخ ، يكون بالدعاء له ، و التزام المنهج الذي كان دائماً يدعو له ، و يلخصه بكلمتين : ( التصفية و التربية ) يعني تصفية ما علق في منهج المسلمين و تراثهم من بدع و خرافات و أحاديث ضعيفة و نحو ذلك. و التربية على المنهج الحق و الدين القويم. و كان الشيخ يرى أن من أكبر مشاكل المسلمين ( و خاصة أدعياء إتباع السنة ) هي التربية الصحيحة على المنهج السليم ، و هذه التربية في الغالب تحتاج إلى فترة طويلة و جهد عظيم.
السائل :
هل حذى أحد من أبناء الشيخ رحمه الله حَذْوَ أبيه في طلب العلم و النبوغ في علم الحديث ؟ و هل كان للشيخ تأثير في ذلك ؟
أم الفضل : أهم من حذى من أبنائه حذو الشيخ في علم الحديث ابنته أم عبد الله حفظها الله.
السائل :
كيف كانت ردود أفعال الشيخ رحمه الله من الذين كانوا يهاجمونه و يفترون عليه في الصحف و غيرها من حملة العقائد الواهية المنتشرة في الأردن و غيرها؟
أم الفضل : الذين يهاجمون الشيخ و يفترون عليه كان يمر عليهم مرور الكرام ، كناطح صخرة يوماً ليوهنها.
و أذكر أنني كنت معه مرة في السيارة ، و قد فتح المسجلة على خطبة لرجل كان يهاجم الشيخ رحمه الله و يفتري عليه و يكفره و .... و كدتُ أنفجر غيظاً ، و أرقب الشيخ و كأن شيئاً لم يكن !!! حتى قلتُ له : ما لك سامع ؟؟ فأشار إلي أن لا بأس ، و لا تهتمي !
المهم أن يكون عند الله مقبولاً ، رحمه الله و جعلنا و إياكم من المقبولين.
السائل :
لا بد أن هناك موقف أثر في الشيخ بشكل كبير ، و لا ينسى هذا الموقف و أثره على الشيخ فهل لنا معرفة هذا الموقف سواءً كان مح*** أم مفرحاً؟.
أم الفضل : أما الموقف الذي كان في عهدي و الذي كان قد أثر على الشيخ كثيراً ، فهو خلافه مع الشيخ زهير الشاويش حفظه الله , و ذلك لأن الشيخ زهير كان من أقرب الناس إلى الشيخ ، و أحبهم إلى قلبه. و الخصومة مع أهل المودة و الوفاء دائماً تكون مؤثرة على المرء.
أسأل الله أن يرحم الشيخين و يغفر لهما ، و يجمعهما في جنان الخلد .... آمين.
السائل :
كيف كان الشيخ رحمه الله يجمع بين الدعوة و الدروس و بين زوجته و بيته و تربيته لأولاده؟
أم الفضل : الشيخ رحمه الله كان ينظم أوقاته بشكل كبير ، و كان كثيراً ما يقول مهنتي ( الساعاتي ) علمتني الدقة و التنظيم. فكان لا يجعل شيئاً من أموره يطغى على حساب شيء آخر فكلٌ له دور.
السائل :
و ما قصة خروجه من الإمارات و من السعودية و رفض دخوله الأردن و جلس على الحدود حتى كفله أحد الكبار في الأردن ؟.
أم الفضل : أما قصة خروجه من الأردن :
فقد أُخرج الشيخ رحمه الله من الأردن سنة 1982 إلى سوريا التي كانت حكومتها تطارده ، و على الحدود أعطي ورقة لمراجعة المخابرات السورية ، لكنه استشار إخوانه في سوريا و ذهب مباشرة إلى بيروت ليستقبله صديقه - آنذاك - الشيخ زهير الشاويش. و بقي ضيفاً عنده حوالي ثلاثة شهور ثم استضافه أحد تلامذته في الشارقة فذهبنا إليه حوالي الشهرين ، و ذهبنا شهراً إلى قطر و أقمنا بفندق الواحة ، و عشرة أيام إلى الكويت ، ثم الإمارات ، و كان الشيخ محمد إبراهيم شقرة آنذاك يسعى له للعودة إلى الأردن مع أعلى المستويات التي تفهمت وضع الشيخ ، و مكانته العلمية ، و خدمته للسنة النبوية ، فسمحوا له بالعودة إلى الأردن ، فعدنا عن طريق المطار ، و لم يكن هناك انتظاراً على الحدود كما ذكرت. و لا ننسى جهود الشيخ أبي مالك شقرة في ذلك فقد كان الشيخ يدين له بذلك حتى آخر عمره. جزاه الله خيراً .
و لم يكن للشيخ أي اتصال مع المسؤولين السياسيين في البلدان العربية و الإسلامية أبداً ، و كان دائماً يتمثل قول النبي صلى الله عليه و سلم : ((.... و من أتى أبواب السلطان افتُتن )) .
السائل :
من خلال تصفح سيرة حياته رحمه الله فقد أوصى بأن تودع كتبه في المدينة المنورة , و لكن ألَم يبقى له شيء في بيته مثل , مذكرات أو أوراق دَوَّنها و لم يكملها , مصحفه , لنتعرف على ما فيها و ما دونه عليها و لم يكمله.
أم الفضل : نعم لقد أوصى الشيخ بإيداع كتبه كلها ، و أوراقه المكتوبة بخطه و مخطوطاته في مكتبة الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية ، و لم يبق في بيته شيء من ذلك ، و لم يكن للشيخ مذكرات ، فمذكراته التي دونها هي كتبه و رسائله العلمية التي أودع فيها خلاصة فكره و تجربته. و لم يكن للشيخ مصحف معين ، بل كان عندنا مصاحف كثيرة في البيت نقرأ بها.
أما ما دونه و لم يكمله ، فكثيرة هي مشاريعه العلمية التي تحتاج لأضعاف عُمر الشيخ لإكمالها ، نسأل الله أن يهيئ للمسلمين من يكملها و يجزيه عن المسلمين خير الجزاء.
السائل :
سمعنا عن مواقف أبكته .. فما المواقف التي أضحكته رحمه الله ؟.
أم الفضل : الشيخ كان قليل الضحك رحمه الله ، و ما كان يفرح لشيء من أمور الدنيا ، بل يفرح لطاعة الله عز و جل و خدمة السنة النبوية. حتى إن جائزة الملك فيصل حينما جاءه خبرُها ما ظهر عليه شيء من الفرح لذلك أبداً ، و الشيخ لم يكن له حساب في أي من البنوك المنتشرة ، و أبى أن يفتح حساباً لاستلام قيمة الجائزة التي ذهب الشيخ أبو مالك شقرة حفظه الله لاستلامها عنه.
رحم الله على العلامة الألباني إمام المحدثين .. ورحم الله أم الفضل
منقول