الغزو الاسباني لسواحل الجزائر :
كان لضعف دولة بني زيان تأثير سيئ على الوضع العام في الجزائر حيث انقسمت هذه الدولة إلى دويلات و إمارات متقاتلة فيما بينها منها :
- الإمارة الحفصية في قسنطينة
- إمارة جبل كوكو في بلاد القبائل
- إمارة بني جلاب بتقرت و وادي ريغ
- إمارة الثعالبة بجزائر بني مزغنة و متيجة
- إمارة دواودة بالحضنة و منطقة الزاب .. إلخ
- هذا التفكك دفع الأسبان و شجعهم على القيام بغزو الموانيء و السواحل الساحلية للجزائر حيث مهد للأسبان لذلك بحركة جوسسة واسعة ، إذ كلف الكاردينال كازيميناس شخصا يسمى ( لوراندو باديا ) بمهمة التجسس في مملكة تلمسان الزيانية و ذهب متنكرا في زي تاجر مسلم بصحبة التاجر البندقي ( جيرونيمو فينال ) و بقيا قرابة السنة في جمع المعلومات و رسم خريطة تضم المدن الجزائرية و أهم الموانيء ، و بعد إنجاز هذه المهمة قدما هذه الوثائق للملك الاسباني و كافأهم مكافأة كبيرة
- انطلاقا من هذه الوثائق و المعلومات المهمة جهّز الملك الاسباني فرديناند حملة عسكرية اسند قيادتها إلى(دون دييغو فرنانديز ) و ذلك في سبتمبر عام 1505 م .
ُكلفت هذه الحملة بالهجوم على المرسى الكبير الذي كان يستقر به عدد كبير من مسلمي الأندلس المطرودين ، فهجم ( دون دييغو ) في 09 سبتمبر 1505 م على المرسى الكبير و ارتكب الأسبان مجازر دامية ضد المسلمين و أبلى سكانها مقاومة كبيرة و استمرت المعارك أياما ، لكن حافظت المدينة على حدودها و لم تسقط في أيدي الأسبان .
- كرر الأسبان محاولة ثانية فجهّزوا حملة جديدة خرجت من قرطاجنة بإسبانيا يوم 16 ماي 1509 بقيادة الكاردينال كازيميناس ، و وصلت هذه الحملة إلى وهران يوم 19 ماي 1509 و فرضت حصار على سواحل المدينة و نتيجة خيانة بعض الضعفاء و بعض اليهود سقط المرسى الكبير في أيدي الأسبان و أصبحت حدود وهران و المرسى الكبير تحت الهيمنة الاسبانية ، بعد هذا النجاح عيّن الأسبان أحد القراصنة المسمى ( بيدروا نافاروا ) حاكما عاما على المرسى الكبير و مملكة بني زيان بتلمسان التي استسلمت لاحقا .
- لم يكتفي الأسبان بالمرسى الكبير و بتلمسان بل أخذوا يتحرشون بمدن أخرى مثل مدينة بجاية التي كانت خاضعة لأمير حفصي تابع لإمارة قسنطينة الحفصية يسمى عبد الرحمان الحفصي و الذي كان ينافسه أخوه عبد الله في الحكم .
فشنّ الأسبان حملة كبيرة يوم 05 جانفي 1510 م و احتلوها بعد أن فتكوا بأهلها و دروا الكثير من الآثار و المعالم الإسلامية ، و لم تتوقف حملاتهم عند هذا الحد فاتجهوا شرقا و احتلوا مدينة عنابة و القالة في 1510م و توجه الأسبان نحو السواحل التونسية لإسقاط بعض مدنها ، لكن السلطان الحفصي قدم للأسبان ضرائب و أتاوات عنوانا للخضوع و الاستسلام .
- بعد هذه الحملات المتتابعة من وهران و المرسى الكبير و بجاية و عنابه و القالة و خضوع أغلبها للهيمنة الاسبانية توجس سكان مدينة الجزائر من الخطر القادم و خافوا من مهاجمة الأسبان لمدينتهم بين حين و آخر فوجّه سكان مدينة الجزائر وفدا من الأعيان إلى بيدروا نافاروا الذي تعهد ( الوفد ) بإطلاق سراح الأسرى و دفع ضريبة مالية للحامية الاسبانية الموجودة ببجاية ، مقابل ألا يتعرض الأسبان لمدينة الجزائر ، بل أكثر من ذلك توجه وفد من الجزائر إلى مدريد عام 1511 م و تنازل عن الجزر الساحلية الشرقية المقابلة لمدينة الجزائر ليقيموا عليها حصونهم و مراكزهم ، أسس الأسبان بإحدى الجزائر حصنا كبيرا يسمى صخرة الجزائر ، كل ذلك التنازل مقابل ألا يتعرض الأسبان بهجوماتهم لمدينة الجزائر .
- أمام تنامي خطر القوة الاسبانية على السواحل الجزائرية أرادت بعض المدن الجزائرية أن تشتري السلم و الأمان من الأسطول الأسباني حيث قدّم سكان مستغانم و تنس فروض الطاعة و الولاء للأسبان بوهران .
أمام هذا الوضع أصبحت أهم المدن الساحلية الجزائرية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب تحت هيمنة الأسبان .
* بروز الإخوة بربروس :
ينتمي الأتراك إلى القبائل الأولى التركمانية التي اتخذت من الغزو أسلوبا لها ، تعتبر أواسط آسيا هي موطنهم الأصلي ( أذربيجان ) ، اتجهوا غربا إلى شبه جزيرة آسيا الصغرى ( الأناضول ) ، استقروا بها و كونوا نواة دولـتـهم بـها في نهاية القرن 13 م ( 1288 م ) على حساب أراضي الدولة البيزنطية ، و من هناك عبروا بحر مرمرة و مضيق البوسفور و الدردنيل ، رمى الأتراك بكل ثقلهم في شرق أوربا و أطاحوا بعاصمة الدولة البيزنطية و سقطت على أيديهم القسطنطينية عام 1453 م في عهد السلطان محمد الثاني ( الفاتح ) ، و اتخذها العثمانيون عاصمة لهم ، ثم أخذوا يوسعون حدود دولتهم في كل الاتجاهات .
امتلك العثمانيون أساطيل بحرية تجوب مختلف البحار و امتاز البحارة الأتراك بالشجاعة و القوة و كان من بين هؤلاء البحارة الذين جابوا عرض البحر المتوسط الإخوة بربروس ( عروج و خير الدين – خسرف - و إسحاق ) ، كان أبوهم يدعى يعقوب بن يوسف الفخارجي امتهن التجارة على سواحل اليونان و زيادة على أبنائه الثلاث كان له ولد يسمى محمد إلياس .
- ولد أشهر الإخوة بربروس ( عروج ) حوالي 1473 م بجزيرة مادلي و خير الدين في العام الموالي ، كانا يبيعان الفخار لأبيهم في سواحل تونس و الجزائر ، و في إحدى المرات وقع عروج أسيرا و بيع عبدا بجزيرة رودس ، و في أثناء توجهه إلى مصر كمجدف في سفينة تحمل أسرى مسلمين و جرى إفتدائهم بالمال ، بعد ذلك فرّ عروج من ذلك المركب و تعرّف على شخص يدعى علي بوراس في الاسكندرية ، اشتغل معه في بيع و نقل الأخشاب بواسطة السفن ينقلونها من ميناء إلى آخر ، و في إحدى المرات اعترض طريقهم قراصنة جنويون و أحرقوا سفينتهم و لم يبقى له سوى العودة إلى الأناضول و تحديدا ( أداليا ) ، تعرّف هناك بالأمير قرقود شقيق سلطان الدولة العثمانية السلطان سليم الأول فأكرمه و جهّز له سفينة للجهاد في البحر الأبيض المتوسط ضد القراصنة المسيحيين الذين كانوا يعترضون كل السفن بما فيها سفن الحجيج ، ساقته الظروف إلى جزيرة جربة جنوب تونس عام 1504 م ، لحق به أخواه خير الدين و إسحاق و أصبحت لهم مجموعة من السفن و بنوا العديد من المستودعات هناك ، اتفق الجميع مع الأمير الحفصي ( أبي عبد الله محمد علي ) بأن يجعل جربة مركزا لأسطولهم و يفتح أمامهم الموانئ التونسية عند الضرورة مقابل الخُمس ( 1/5 ) من غنائم البحر ، فأخذوا يجاهدون ضد القراصنة المسيحيين ابتداء من 1506 و خاصة البرتغال و الأسبان . و لما كانت جزيرة جربة بعيدة عن ميدان الجهاد في غرب المتوسط نتيجة كثرة هجمات الأسبان طلبوا من الأمير تغيير مركزهم نحو شمال تونس إلى حلق الواد .
- ابتداء من عام 1512 م سطع نجم الإخوة الأتراك و أصبح الناس يسمعون عن انتصاراتهم على الأسبان و في شواطئ الأندلس .
محاضرة يوم الاثنين 22 نوفمبر 2010
- كما اتصل بهم علماء و أعيان بجاية و حتى أمير قسنطينة أبو بكر الحفصي و استصرخوهم للنجدة و طرد الأسبان من بجاية و سواحلها ، فلبى الإخوة بربروس رغبتهم ، و اتجهوا نحو بجاية ، لكنهم فشلوا في حملتهم هذه بسبب تحصينات الأسبان ، و أثناء هذا الهجوم جُرح عروج و استعصى جرحه مما أضطر القائمين عليه بقطع ذراعه .
- أَثََـر هذا الانهزام على عروج و أدرك أيضا أن تمركزه في شواطئ تونس ( حلق الواد ) كان بعيدا عن ساحة المعركة لذلك قرر مساعدوه ضرورة البحث عن موقع آخر يساعدهم في إدارة المعارك على أن يكون هذا الموقع المختار في السواحل الجزائرية و قريبا من مدينة بجاية التي أحكم الأسبان قبضتهم عليها ، و كان من بين المواقع المقترحة منطقة جيجل ، كأحسن موقع قريب من بجاية و ذلك بسبب صعوبة التضاريس و التحصينات الطبيعية ، و معرفة بعض الأتراك بهذه المدينة .
- و في هذه الأثناء كانت مدينة جيجل تحت سيطرة قراصنة جنويين ، و لما علم أهالي مدينة جيجل بالأخوة بربروس و مكانتهم بعثوا لهم بريدا يحمل في محتواه الاستنجاد لطرد القراصنة من مدينة جيجل فلبى عروج و خير الدين طلب أهالي جيجل و قدما على رأس قوة بحرية تجاوزت 500 بحار و نجحوا في طرد قراصنة جنوة سنة 1514 و أصبحت بذلك جيجل تحت نفوذ عروج و خير الدين ، و أمام هذا الانتصار تحققت رغبة عروج في الاقتراب من شواطئ الجزائر و تم بذلك نقل مركز قيادتهم العسكرية من حلق الواد بسواحل تونس إلى جيجل على السواحل الجزائرية و أصبحت بذلك بجاية المستعصية على مرمى حجر من قواتهم .
استرجاع بجاية :
بعدما استقر عروج و خير الدين في مدينة جيجل و أسسا بها قاعدة بحرية كانت لا تزال مظاهر الاضطهاد تنقل عبر الأخبار و الروايات و كانت القشتالة ( سكان شبه جزيرة أيبيريا ) يلاحقون في عرض البحر المتوسط الأسر الفارّة من الأندلس نتيجة محاكم التفتيش الني نصبت هناك ، لذلك عمل الإخوة بربروس على مساعدة الموريسكيين و نقل أسرهم و عتادهم من شواطئ إسبانيا نحو شواطئ شمال إفريقيا ( المغرب ، الجزائر ، تونس ، طرابلس الغرب ) ، و لم يكتفي الإخوة بربروس بهذه الأعمال بل هاجموا جزر غرب البحر المتوسط ( جزر البليار ) ، و تم أسر أكثر من ستة آلاف أسير إسباني انتقاما من بطش الأسبان بالأندلسيين .
- نظرا لسلوك و أخلاق و نجاحات عروج ، فقد بايعه سكان مدينة جيجل أميرا عليهم و طلب منه شيوخ القبائل و أمير إمارة جبل كوكو بزعامة أحمد بن القاضي ، و أصبح بذلك عروج يتمتع بسلطة كبيرة و تأييد من سكان و أعيان مدينة جيجل و ضواحيها .
- جهّز عروج حملة عسكرية لاسترجاع بجاية و حاصرها قرابة ثلاثة أشهر و كان ذلك دون فائدة و ذلك في نهاية 1514 م ، و اضطر إلى رفع الحصار لكنه أعاد محاولة جديدة مطلع عام 1515م بواسطة قوة كبيرة ، لكن قلة الذخيرة و نفاذ المخزون الموجود و امتناع الأمير الحفصي بتونس عن تزويده بالذخيرة جعله يتراجع بعدما أسر 300 اسباني .
- لكن إرادة عروج لم تتوقف عند هذا الحد فبعث بأحد مساعديه إلى الباب العالي إمداد بالسلاح و الذخيرة فبعث له من هناك بحوالي 14 سفينة و أكثر من 100 مجدف من المهرة و كمية كبيرة من الأسلحة و الذخيرة و كان ذلك جراء الهدية التي قدمها عروج إلى الباب العالي بعد فتح جيجل . الانتقال إلى الجزائر :
تحوّل الحصن الذي أنشأه الأسبان قبالة مدينة الجزائر في 1510 م إلى وكر و مكان للجوسسة و التخريب ، حيث اتخذه الأسبان مركزا لعملياتهم العسكرية لسلب أموال الجزائريين ، و نتيجة هذه الأوضاع المزرية ذهب جمع من سكان مدينة الجزائر إلى مدينة جيجل عام 1516م و شكا هذا الوفد أوضاعه لعروج و بطش الأسبان بسكان مدينة الجزائر فأخذ عروج مطلبهم هذا محمل الجد ، لذلك قرر عروج نجدة سكان مدينة الجزائر ، و قدم هذا الوفد راجعا إلى الجزائر في انتظار تلبية مطالبهم .
جهّز عروج قوة عسكرية و قاد أخوه خير الدين حملة ثانية في نفس الاتجاه و التقيا على مشارف مدينة الجزائر و استقبلهما سكان مدينة الجزائر استقبالا كبيرا و شرعا في الحال في قذف الحصن الاسباني بمدافعهما . في تلك الأثناء اتجه عروج إلى شرشال التي كان يحكمها شخص تركي اسمه قارة حسن فقضى عليه و سيطر على المدينة و عاد إلى الجزائر و هناك بايعه السكان أميرا للجهاد .
- بعد مبايعة عروج أميرا للجهاد ، أثار ذلك حفيظة و حقد أعيان و وُجهاء مدينة الجزائر ، و لعل أبرز هؤلاء سالم التومي الذي رأى في تلك المبايعة تراجعا لمكانته و نفوذه و مركزه في مدينة الجزائر ، بل و حتى أتباعه رأوا في ذلك توقيفا لمصالحهم و امتيازاتهم لأن السلطة كانت بأيديهم فحاولوا التآمر ضده و أشاعوا في أوساط الناس أن عروج و إخوانه غرباء و دخلاء و لا يحق لهم أن يحكموا السكان .. لم تجد تلك الدعوى التي أطلقها سالم التومي آذانا صاغية لدى سكان الجزائر ، بل زادوا تمسكا بعروج نظير نجاحاته لذا فكر في حبك مؤامرة ضده و هي محاولة تسميمه ، ففي إحدى المرات قدّم زوج ابنة سالم التومي طعاما لعروج و مجموعة من أتباعه ، و وضعوا له في طعامه سم ( صمغ ) الخشب ( كان يستعمل آنذاك في صناعة السفن و يجلب من مدينة صقلية ) ، لكن عروج تفطن للمؤامرة و قبض على سالم التومي و صهره و اغتاله عروج في منزله ، و في رواية أخرى وسط الحمام .
بعد قضاء عروج على هذه المؤامرة سارع في نسج علاقات اجتماعية في أوساط الجزائريين ، و جمّع أهالي الجزائر في ساحة التوت و خطب وسط تلك الجموع بأنه لا يرغب في أن يكون حاكما جائرا أو ظالما لكل فئات الجزائريين ، و أنه تنازل عن القيادة لصالح من تراه تلك الجموع أهلا لها ، فتعالت الأصوات في تلك الساحة تدعوه للبقاء أميرا للجهاد بديار الجزائر .
اعتبر الأسبان وجود عروج و خير الدين في الجزائر خطرا يهدد وجودهم و مصالحهم ، ليس في الجزائر وحدها بل في شمال إفريقيا لذلك عزم الأسبان على مقاومتهم و طردهم فتحالف الأسبان مع أمير تنس و استمالوا إليهم أتباع سالم التومي المغتال و بعض زعماء القبائل المجاورة ، و وجهوا حملة كبيرة انطلاقا من وهران بقيادة ( دييغو دوفيرا ) ، و صلت الحملة إلى الجزائر أواخر سبتمبر 1916 و نزلت قرب باب الواد ، فتركهم عروج ينزلون في البر و شرع في مناوشتهم لاستنزاف قواتهم ، و اغتنم فرصة تقهقرهم و هبوب رياح قوية ، فزحف بجيشه عليهم و أغرق سفنهم و قتل و اسر الكثير منهم ، فكانت هزيمة كارثية بالنسبة للأسبان ، و إثر ذلك خرج الناس فرحين مبتهجين من ديارهم و ذبحوا الولائم ابتهاجا بعروج و جنوده .
هذا الانتصار على الأسبان دفع سكان المدن المجاورة كالبليدة و المدية و دلس و مليانة و جزء من بلاد القبائل إلى مبايعة عروج أميرا عليهم ، و كانت هذه الحملة الناجحة هي التي فتحت أبواب النجاح لعروج و بداية توسع نفوذه في الجزائر .
و لما كان موقف أمير تنس متعاونا مع الأسبان قرر عروج الانتقام منه و ذهب على رأس قوة كبيرة و اقتحم المدينة في جوان 1517 و قتله و اسر أسرته و طرد الأسبان من تنس ، كما أقدم في هذه الأثناء على تقسيم مملكته الجديدة إلى قسمين : قسم شرقي مركزه دلس يشرف عليه أخوه خير الدين ، و قسم غربي مركزه الجزائر يحكمه بنفسه .
أُعتبر هذا التقسيم بدايات التنظيم الإداري في الجزائر ، لأنه قسم مناطق النفوذ إلى منطقتين ، و كل منطقة لها حاكمها ، و هذا قصد تسهيل التدخلات العسكرية و حماية الحدود ، و وضع المناطق غير الآمنة تحت حراسة الجنود العثمانيين .
* تلمسان تستنجد :
بينما كان عروج في مدينة تنس ينظم شؤونها ، قدم إليه وفد من تلمسان يشكوا إليه أوضاعهم المزرية ، و تهديد الأسبان لهم ، بسبب ضعف أمراء بني زيان نظرا لصراعهم على السلطة. في هذه الظروف قام أبو أحمد الثالث بالاستيلاء على العرش بتلمسان بالقوة ، و طرد ابن أخيه أبا زيان الثالث و وضعه في السجن ، و نتيجة هذا الوضع استنجد و طلب التعاون مع الأسبان
لبّى عروج رغبة الوفد و استخلف أخاه عروج على الجزائر و اتجه إلى تلمسان و في طريقه مر على قلعة بني راشد ( قرب معسكر ) فوضع بها حامية تركية كبيرة بقيادة أخيه إسحاق من أجل حماية مؤخرة الجيش و واصل زحفه إلى تلمسان و استطاع بسهولة التغلب على أبو أحمد الثالث المتآمر مع الأسبان و دخل عروج تلمسان و أطلق سراح أبا زيان الثالث و أجلسه على عرشه من جديد ، لكن هذا السلطان خاف من هيمنة عروج و حاول أن يغتاله ، مما أدى بعروج إلى إلقاء القبض عليه و اغتياله ، أما أبو أحمد الثالث فقد فر إلى وهران لطلب النجدة من الأسبان ، و تعاون الأسبان معه و شنوا حملة كبيرة على قلعة بني راشد و احتلوها و قتلوا صاحبها ( إسحاق في جانفي 1525 ) ، و واصل الأسبان سيرهم نحو تلمسان و فرضوا عليها حصارا كبيرا مما أضطر عروج أن يعتصم بقلعة المشور ثم غادرها ليلا لكن الأسبان تفطنوا لخروجه و تبعوا مسيرته ليلا و اغتالوه في منطقة سهلية بين المالح و زاوية سيدي موسى ، و أخذوا رأسه إلى اسبانيا ( مدريد ) ، و جندت لهذا الغرض فرق جابت معظم المدن الاسبانية زاهية برأس عروج كما أرسلوا جلبابه الذي كان يلبسه إلى كنيسة القديس جيروم .
* إلحاق الجزائر بالدولة العثمانية
بعد مقتل عروج و إسحاق لم يبقى إلا خير الدين وحيدا، فأصبحت الأخطار تهدده من كل جانب ، ففي الداخل كثر معارضوه و تمرد عليه أحمد بن القاضي أمير إمارة كوكو ، و تمردت عليه مدينة شرشال و تنس و تواطأ ضده بنو زيان في تلمسان ، و ازدادت أطماع الأسبان في ملكه و تقاعس أمير تونس الحفصي على تقديم يد المساعدة لخير الدين ، بل أكثر من ذلك حي لما سمع الأمير الحفصي مقتل عروج عقد مجلس حرب لتوسيع نفوذه داخل الأراضي الجزائرية ، أما أخطار الخارج فكانت واضحة من الأسبان لأنهم كانوا لا يزالون يحتلون مدنا ساحلية ، أمام هذا الوضع قرر خير الدين مغادرة الجزائر ليستأنف الغزو ضد قراصنة البحر ، و ترك الجزار على حالها ، لكن عقلاء و أعيان الجزائر ألحوا عليه بالبقاء . بعد تفكير طويل استغرق أسابيع تفطن خير الدين إلى فكرة سياسية و هي محاولة ربط الجزائر مع الدولة العثمانية حتى تصبح لها حماية الإمبراطورية العثمانية
هذه الفكرة تدل على حنكة خير الدين و دهائه السياسي لأن الجزائر في هذه الظروف بالذات لا تستطيع أن تحمي نفسها من الزحف الأسباني بينما الدولة العثمانية قادرة على دعم سلطتها و تمدها بالرجال و السلاح .
أمام هذه الفكرة التي استحسنها أعيان مدينة الجزائر و بعد أن شاورهم في الرأي أرسل خير الدين وفدا من أعيان الجزائر إلى الباب العالي في زيارة السلطان سليم الأول ، و لأن السلطان لم يكن موجودا في الأستانة استقبلهم الصدر الأعظم ، بينما السلطان كان لا يزال منتشيا بفتح مصر ، و إثر عودته عُرضت عليه الفكرة فأستحسنها و أرسل إلى خير الدين و عينه بوجوده حاكما للجزائر برتبة بيلرباي ( أمير الأمراء ) و بعث له بحامية انكشارية تعدادها 2000 جندي مزودة بـ 12 مدفع و سفنا محملة بالذخائر ، و أذن له بتجنيد المتطوعين ليساعدوه في الحرب ، و بذلك دخلت الجزائر تحت نفوذ الدولة العثمانية و أصبحت إيالة من إيالاتها ، و أكسبها ذلك حماية و حصانة من التهديدات الخارجية منذ نهاية 1518 – 1519 أصبحت الجزائر جزءا من هذه الإمبراطورية منذ تعيين خير الدين بيلرباي