محمد بهجت البيطار
ولد محمد بهجت البيطار بدمشق سنة 1894 في أسرة دمشقية عريقة اشتهر كثير من أبنائها بالعلم والأدب والتقوى، وكان جدها الأعلى هبط دمشق مهاجراً من بليدة من أعمال الجزائر في المغرب العربي واختار لسكناه حي الميدان الكبير.
نشأ محمد بهجت البيطار في حجر والده الشيخ محمد بهاء الدين بن عبد الغني حسن إبراهيم الشهير بابن البيطار، كان والده هذا عالماً أديباً يقرض الشعر، محبوباً من الخاصة والعامة لمؤانسته إياهم، فقد تولى الإمامة فيهم بعد وفاة أبيه، وقد تزوج من ابنة عمه الشيخ عبد الرزاق ابن حسن البيطار الذي كان من كبار علماء دمشق العاملين على نشر المذهب السلفي، وكان بارعاً في علوم اللغة العربية وآدابها، حسن الرواية حاضر البديهة، ترك عدداً من المؤلفات أهمها كتاب (حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر)، حققه وتولى التعليق عليه سبطه محمد بهجت البيطار وقام مجمع اللغة العربية بطبعه في دمشق في ثلاثة أجزاء.
تلقى محمد بهجت البيطار مبادئ علوم الدين واللغة على والده الشيخ محمد بهاء الدين، وأتم دراستيه الابتدائية في المدرسة الريحانية والإعدادية في المدرسة الكاملية بدمشق، وتابع دراسته العالية في العلوم الدينية والعربية على والده وعلى جده لأمه الشيخ عبد الرزاق البيطار، وعلى كل من الشيوخ الأعلام في عصره جمال الدين القاسمي الدمشقي، محمد خضر حسين التونسي نزيل دمشق وعلى محدث الديار الشامية الكبير محمد بدر الحسيني، ونال الإجازة منهم في مختلف العلوم النقلية والعقلية.
تولى البيطار سنة 1910 الخطابة والتدريس في جامع القاعة بحي الميدان خلفاً لوالده، ثم تولى سنة 1917 الخطابة والتدريس في جامع كريم الدين الشهير بالدقاق خلفاً لخاله، وهذا الجامع هو مسجد المحلة التي تقطن أسرة البيطار فيها، وكانت الإمامة والخطابة فيه في أسلاف البيطار مما يمتد لأكثر من مائة عام، وظل محمد بهجت البيطار يخطب ويدرس الناس مختلف العلوم في مسجد محلته إلى أن التحق بالرفيق الأعلى، ما انقطع عن ذلك إلا لمرض أو سفر.
عُين البيطار سنة 1921 من قبل مديرية معارف دمشق، معلماً في مدرسة الميدان الابتدائية حتى عام 1926، وفي نفس العام اشترك بمؤتمر العالم الإسلامي الذي دُعي إلى عقده في مكة المكرمة، وبعد انتهاء المؤتمر استبقاه الملك عبد العزيز آل سعود في مكة المكرمة ليشرف خلالها على المناصب القضائية والعلمية فيها.
في سنة 1931 عاد محمد بهجت البيطار إلى دمشق ليؤم أهل حيه كل يوم ويخطبهم كل أسبوع في جامع الدقاق بالإضافة إلى تدريس العلوم الدينية والعربية في المسجد وفي بعض المدارس الخاصة، كما تولى تدريس العلوم الشرعية سنة 1934 ولبعض الوقت في كليتي المقاصد الخيرية للبنين والبنات في مدينة بيروت.
وفي عام 1944 أوفد إلى الطائف مدة ثلاث سنوات ليتولى إدارة معهد (دار التوحيد السعودية) بناء على رغبة الملك عبد العزيز سعود.
وفي عام 1947 عهدت إليه جامعة دمشق القيام بتدريس مادتي التفسير والحديث في كلية الآداب، وفي سنة 1953 أُحيل محمد بهجت البيطار على التقاعد من وظيفته الحكومية، فقصر نشاطه على محاضرات في التفسير كلف بإلقائها في كلية الشريعة، وعلى التدريس الديني ووظائف وزارة الأوقاف، إلى جانب إلقاء الأحاديث الدينية والاجتماعية في الإذاعة السورية وعلى أعمال مجمعية عديدة حيث كان قد انتخب عضواً عاملاً في المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1923.
كان محمد بهجت البيطار من أكثر أعضاء مجمع دمشق حيوية ونشاطاً، شارك زملاءه في إلقاء المحاضرات العامة والأبحاث المتعمقة، وفي تحرير مجلة المجمع وبالتعريف على صفحاتها بالكتب والمطبوعات التي تدخل موضوعاتها في اهتماماته الشخصية، كما شغل عضوية لجنة المطبوعات في مجمع دمشق منذ 1953، واستمر على القيام بمهامها في الإشراف على مجلة المجمع ومطبوعاته حتى قبيل وفاته بأسابيع قليلة.
وفي عام 1954 انتخب عضواً مراسلاً للمجمع العلمي العراقي، عندما تم توحيد مجمعي دمشق والقاهرة سنة 1960 باسم مجمع اللغة العربية كان البيطار في مقدمة أعضاء المجمع الذين شاركوا في مؤتمر القاهرة سنة 1961.
جرى محمد بهجت البيطار على عادة علماء السلف، يقرض الشعر في ساعات الفراغ يؤرخ به لحادثة جرت، أو يهنئ صديقاً بنعمة، أو يعزيه بمصيبة ألمت به، ويستعين بالنظم أحياناً في تلخيص علم أو تدقيق قاعدة.
ترك البيطار ديواناً صغيراً فيه شعر يمدح به الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، كما يتضمن أبياتاً ومقطوعات ومساجلات مع بعض أصدقائه وزملائه المجمعين أمثال الأساتذة عز الدين التنوخي ومحسن البرازي بدمشق، وأحمد العزاوي في مكة ومحمد سعيد كمال في الطائف.
قام محمد بهجت البيطار برحلات علمية ودراسية عديدة، أرخ لها في نهاية كتابه (الرحلة النجدية الحجازية) وشملت رحلاته البلاد العربية والإسلامية والروسية والولايات المتحدة الأمريكية، موضحاً الدافع إلى كل منها، وأهم ما وقع له خلال بعضها.
توفي محمد بهجت البيطار يوم السبت 30 جمادى الأولى 1396هـ / 29 أيار 1976 إثر مرض لم يمهله طويلاً.
ترك الفقيد مؤلفات عديدة وبحوثاً كثيرة نشرت له في مختلف الصحف والمجلات السورية والعربية السعودية والمصرية والعراقية. طبع بعضها مستقلاً، ومازال الكثير منها شتيتاً في باطن المجلات، أما تآليفه وما طبع منها مستقلاً من أبحاثه فهو:
ـ رسالة (الثقافتان الصفراء والبيضاء).
ـ تفسير (سورة يوسف) حيث أكمل التفسير الذي بدأه السيد رشيد رضا مع التقديم له.
ـ كتاب (قواعد التحديث، من فنون مصطلح الحديث لجمال الدين القاسمي) حققه وخرج أحاديثه.
ـ كتاب (مسائل الإمام أحمد، لتلميذه الإمام أبي داود السجستاني)، وهو أقدم كتب المكتبة الظاهرية، حققه السيد محمد رشيد رضا.
ـ كتاب (المعاملات في الإسلام وتحقيق ما ورد في الربا) وقد بدأه محمد رشيد رضا وأكمله البيطار ووضع مقدمته.
ـ كتاب (حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر) تأليف جد البيطار الشيخ عبد الرزاق، تحقيق البيطار.
ـ رسالة (الإسلام والصحابة الكرام بين السنة والشيعة).
ـ بحث (الإنجيل والقرآن في كفتي الميزان).
ـ بحث (الاشتقاق والتعريب).
هذه المعلومات أخذت من:
ـ مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، عدد تشرين أول سنة 1976، ص(787ـ 804).
منقول