رغم استبعاد حكومة عبد المالك سلال في السابق، اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، إلا أن حدة الأزمة الناتجة عن انهيار أسعار النفط، وبالتالي العائدات والارتفاع الكبير للعجز في الميزانية والخزينة، مع بلوغ عجز ميزان المدفوعات سنة 2015، 27.57 مليار دولار وأكثر من 30 مليار دولار هذه السنة، دفعتها إلى مراجعة خياراتها من خلال فتح الباب للاستدانة الخارجية عبر مشروع قانون المالية 2017، الذي يسمح للمؤسسات بالاقتراض من الخارج وإن كان ذلك بضوابط وشروط.
يتيح المشروع للمؤسسات، دون الإشارة إن كانت عمومية أو خاصة، اللجوء إلى البنوك والمؤسسات المصرفية بالخارج للحصول على قروض لتمويل مشاريعها الاستثمارية.
وتشترط التدابير المرتقب اعتمادها أمرين، الأول أن اللجوء إلى التمويل الخارجي يخص استثمارات منتجة للمؤسسات الوطنية، والثاني أن تكون حاجياتها من التمويل لهذه الاستثمارات في مستوى لا يمكن تغطيتها كلية بالقدرات المالية للسوق المحلي.
ويأتي هذا الإجراء في وقت تعرف القدرات التمويلية للبنوك الجزائرية ضغوطا كبيرة، لاسيما بعد أن تم تجنيدها لمشروع القرض السندي. وقد بينت التجربة الفاشلة لمصاحبة عملية دخول مؤسسة مصنع الإسمنت عين الكبيرة، صعوبة توفير الموارد المالية والسيولة الكافية، في ظل تجنيد هذه الموارد بصورة كبيرة في القرض السندي الذي عمدت الدولة لتوظيفه كأحد آليات تغطية عجزها المعتبر.
وتفتح الحكومة من خلال الإجراء الجديد الباب أمام الاستدانة الخارجية للمؤسسات بدل الاستدانة المباشرة، كما قامت به في السابق، مع فارق أن مستوى المديونية الخارجية حاليا متواضع، حيث يقدر حسب إحصائيات بنك الجزائر، نهاية 2015، بحوالي 3.730 مليار دولار، أو ما يمثل حوالي 0.8 في المائة من الناتج المحلي الخام، مع تسجيل جزء من الديون متوسطة وطويلة الأجل. وسبق للحكومة أن مهدت للانتقال إلى العودة إلى الاستدانة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، من خلال اعتماد صيغة تمويل المشاريع “بروجكت فاينانسينغ” وقروض امتياز ميسرة، كما عكسه الاتفاق الجزائري الصيني لتمويل مشروع ميناء الجزائر الجديد الذي تقدر تكلفته 3.3 مليار دولار في إطار قرض صيني على المدى الطويل، مع استفادة الشريك الصيني من حق الإنجاز والإشراف على المشروع، فضلا عن الامتياز لتسيير الميناء، حيث منحت الصفقة للشركة الدولة الصينية للبناء والشركة الصينية لهندسة الموانئ، لتجسيد المشروع، فيما شرع في التفاوض مع موانئ شانغاي للتسيير.
كما يعد لجوء الجزائر للبنك الإفريقي للتنمية للاستفادة من قرض بقيمة مليار دولار جزء منه لتمويل مشاريع سونلغاز تمهيدا أيضا للخطوة الجديدة، التي تأتي في ظل معاناة المؤسسات أيضا من توفير موارد مالية وسيولة كافية لتحقيق مشاريع استثمارية هيكلية، حيث يمكن لشركات مثل سوناطراك وسونلغاز التي تقيم مشاريع بالشراكة وتحتاج إلى عمليات تركيب مالي في إطار مشاريع استثمار كبيرة، لاسيما أن سوناطراك اعتمدت مثلا مخططات تنمية بحوالي 90 مليار دولار، ستحتاج إلى تمويل بنكي معتبر، قد يتجاوز قدرات البنوك الجزائرية وإن كانت مجتمعة، ونفس الأمر ينطبق على عدد من المشاريع الهيكلية الأخرى.
وفي حالة المؤسسات العمومية، قد يكون ضمان الدولة قائما، فيما يبقى الإشكال مطروحا بالنسبة للمؤسسات الخاصة، حتى الكبرى منها التي قد تلجأ إلى قروض خارجية في ظل شح الموارد لتحقيق بعض من المشاريع الكبيرة. وأيا كانت الصيغ التي ستعتمد في هذا المجال، إلا أن الاستدانة أضحت مسألة قائمة مع ضيق خيارات وغياب بدائل الحكومة التي أخفقت في استغلال الفوائض المالية وتحويل الاقتصاد الجزائري إلى اقتصاد متنوع خارج نطاق المحروقات. فمع نضوب صندوق ضبط الموارد والانخفاض السريع لاحتياطي الصرف المقدر بحوالي 120 مليار دولار نهاية السنة، وارتفاع العجز في الموازنة والخزينة وميزان المدفوعات، فإن طرق باب الاستدانة مجددا أعيد طرحه وسيكون متدرجا، بداية بالمؤسسات التي ستفتح أمامها أبواب الاقتراض من الخارج.
وتكشف عدد من التدابير المرتقب اعتمادها في مشروع قانون مالية 2017، عن مساعي حكومة عبد المالك سلال لإيجاد الموارد المالية للحد من الصدمة المتوقعة، حيث ستكون سنة 2017 من أصعب السنوات، خاصة بعد نضوب صندوق ضبط الموارد. فإلى جانب تسقيف الموازنة، وتفادي تجاوز عتبة 7000 مليار دينار، وإلغاء السقف المحدد في صندوق ضبط الموازنة المقدر بـ740 مليار دينار أو ما يعادل 6.8 مليار دولار، وهو ما يؤكد أن ناتج الصندوق أضحى منعدما تقريبا، فإن السلطات العمومية عمدت إلى تسقيف مستوى الاحتياطي الذي يشكله البنك المركزي، والسماح باللجوء إلى الخزينة العمومية لتغطية أي عجز سنوي في محاسبة البنك المركزي، بعد أن يتم التأكد من أن المخزون الذي شكله بنك الجزائر لا يكفي لتغطية العجز، وهو مؤشر على مضاعفات أزمة أثرت على مجمل المؤشرات المالية للبلاد، سواء تعلق الأمر بالميزان التجاري وميزان المدفوعات أو باحتياطات الجزائر المالية.
منقول