محمد مسلم
رئيس تحرير القسم السياسي بجريدة الشروق اليومي
تكشف خريطة مسربة من إعداد المصالح الفرنسية، كيف خططت باريس ولا تزال من أجل خلق بؤر توتر في جنوب البلاد، ينطلق من جعل المناطق البترولية بجنوب شرق الجزائر مواطن للتوارق، وهو ما تبينه خريطة جغرافية نشرتها أمس يومية "لبراسيون" الفرنسية.
الخريطة تمثل مكان انتشار وتمركز قبائل التوارق في الصحراء الكبرى، وهي تمتد على أربع دول وهي الجزائر وليبيا ومالي والنيجر، غير أن اللافت فيها هو أن معديها حرصوا على أن تكون المناطق التي تنام على الموارد النفطية للجزائر والمتمركزة في غالبها بولايتي ورقلة وإيليزي، ضمن إقليم التوارق في الجزائر، بحسب الخريطة، التي أعيد نشرها بعد عودة الأزمة المالية إلى الواجهة، بحسب المصدر.
واللافت في الأمر هو أن هذه الخريطة أعدت من قبل السلطات الفرنسية في خضم الصراع المحتدم بين الجزائر وباريس في العام 1962، وما رافقها من تجاذبات حول ترسيم الحدود الجنوبية للجزائر، وقد جاء هذا المولود، بعد فشل مساع فرنسية لفصل صحراء الجزائر عن شمالها.
ومعلوم أن المساعي الفرنسية لفصل صحراء الجزائر عن شمالها بدأت في العام 1957، وتجلى ذلك من خلال إقدام الحكومة الفرنسية على إنشاء المنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية (OCRS) لإدارة المناطق الصحراوية بالجزائر، غير أن تلك المساعي لقيت فشلا ذريعا، الأمر الذي دفع السلطات الفرنسية إلى التفكير في إقامة وطن لـ"شعوب التوارق"، بعد حصول الجزائر على الاستقلال وبروز مؤشرات على إمكانية تحولها إلى قوة إقليمية في المنطقة.
وانطلاقا من هذا الاعتبار، بدأ جاك فوكار، المعروف بـ"السيد إفريقيا" والمستشار السابق للرئيس الفرنسي شارل دو غول، في ربيع العام 1962، في التفكير في قضية "توارق الجزائر".
وفي هذا الصدد، كلف فوكار أحد معاونيه الأوفياء في الإدارة الفرنسية بالمستعمرات الإفريقية، وهو جاك موراديان، مؤلف كتاب "الإسلام في إفريقيا الغربية" لإعداد دراسة، ليقدم له ما طلبه منه في 11 أفريل 1962، وهي الخريطة التي سبقت الإشارة إليها، والتي ركزت على إعطاء خصوصيات لقبائل التوارق، بشكل يجعلهم غير مستعدين للانسجام ضمن السكان الزنوج في مناطق جنوب الصحراء الكبرى والعرب في شمال الصحراء.
ومن بين ما خلصت إليه دراسة موراديان، ادعاؤها أن 20 بالمائة فقط من التوارق كانوا مع استقلال الجزائر، وهي قراءة تنطوي على الكثير من الخلفيات، لعل أولى أهدافها هو محاولة بث الشقاق بين سكان جنوب الجزائر من التوارق، وشمالها من العرب والبربر، لأن نسبة العشرين بالمائة تعني من بين ما تعنيه أن نسبة الـ80 بالمائة المتبقية، هي مع استمرار استعمار فرنسا للجزائر.
ويأتي نشر مثل هذه الخريطة في وقت تعيش فيه منطقة الساحل والصحراء الكبرى، على وقع أزمات وقلاقل أمنية، كانت مبررا لدخول القوات الفرنسية إلى شمال مالي، بداعي محاربة الإرهاب في المنطقة، الأمر الذي يعزز فرضية تورط باريس في تأزيم الوضع في المنطقة، قبل أن تتخذ من ذلك مبررا لمركزة تواجدها هناك.
منقول