بسم الله الرحمن الرحيم
1- مفهوم الإحسان:
الإحسان في اللغة يُطلق على عدم الإساءة. جاء في قاموس"لسان العرب" «والإِحْسانُ: ضدُّ الإِساءة» .
والإحسان في المعنى القرآني له اطلاقات عدة، منها أنه إتقان الشيء بفعله على أحسن الوجوه، ومنها أنه عبادة الله تعالى في السر والعلن مع استحضار مراقبته، ويأتي الإحسان أيضا بمعنى الإخلاص، وبمعنى السعادة، وبمعنى التفضيل، ويأتي بمعاني أخرى كثيرة تجتمع جلها في معنى الإتقان وعدم الإساءة.
وكلمة (حُسْن) بتصريفاتها واشتقاقاتها وردت في القرآن الكريم سبعاً وثلاثين مرة.
والمتدبر في آيات الإحسان التي جاء ذكرها في القرآن الكريم يدرك أن ألفاظ الإحسان بطريقة استعمالها ووجه تركيبها صارت وكأنها فوق اللغة، فقد تُنوسي الأصل اللغوي للإحسان الذي يعني عدم الإساءة إلى ما هو أعمق منه.
ومن هذه المعاني القرآنية الجديدة "مقام الإحسان"، فهو أعلى مقامات الدين، ورتبته بعد مقام الإسلام والإيمان. فمقام الإحسان هو لُب الإيمان وروحه وكماله، وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل مثل منزلة العلم والتذكر والتبتل والخشوع والإشفاق والتهذيب وغيرها من المنازل الأخلاقية، فجميعها -كما يؤكد ابن قيم الجوزية في كتابه "مدارج السالكين"- منطوية فيها.
ومن أهم الآيات في القرآن الكريم الآمرة بالإحسان قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ... الآيات}. وقد أعطي للإحسان في هذه الآية معاني كثيرة، منها ما يتوافق مع ما جاء في حديث جبريل المشهور، وهو مراقبة الله تعالى في السر والعلن.
فقد روى الإمام الطبري في تفسيره عن ابن عيينة أنه كان يقول في تفسير هذه الآية: «إن معنى العدل في هذا الموضع استواء السريرة والعلانية من كلّ عامل لله عملا، وإن معنى الإحسان: أن تكون سريرته أحسن من علانيته» .
وكيف لا يكون الإحسان بهذه المنزلة العالية وقد وصف الله تعالى نفسه بصفة من صفاته، فهو تعالى "المحسن"، أي أنه تعالى يتقن كل شيء يصنعه ويخلقه ويبدعه... وهذا المعنى نجده في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (التين: 4).
2- تجليات الإحسان وآثاره كما جاءت في القرآن:
- الإحسان بالإيمان: جاء ذلك في قوله تعالى {فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} (سورة المائدة:85). وكذلك قوله تعالى: {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} (سورة الصافات: 79- 81).
- الإحسان بالصبر: جاء ذلك في قول الله تعالى {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، (سورة هود:115). وقوله تعالى في سورة العنكبوت {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، (سورة العنكبوت: 69).
- الإحسان بالطاعة: جاء ذلك في قوله تعالى {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}، (سورة الصافات: 104-105). وقوله تعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، (سورة التوبة100 .
- الإحسان بالمعروف: جاء ذلك في قوله تعالى {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} (سورة العنكبوت: 8)، مع قوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} (سورة لقمان: 15).
- الإحسان بالصدق: جاء ذلك في قوله تعالى { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}، ( سورة النساء: 125). وقوله تعالى {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (سورة المائدة: 50).
- الإحسان بالعمل الصالح: جاء ذلك في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}، (سورة الكهف:30 ). وقوله تعال {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، (سورة المائدة :93).
خاتمة:
إن الإحسان صفة سامية، وخلق عظيم، هو غاية ما يُطلب من الإنسان، والإحسان حالة تدخل جميع الأفعال والمعتقدات، فما من فعل إلا ويُطلب بإحسان، وما من عقيدة إلا ويُطلب فيه الإحسان. وقد رأينا تنوع معاني الإحسان في القرآن الكريم والمجالات التي جاء الوحي لترسيخ الإحسان فيها، فواجب علينا أن نجعل الإحسان دربنا ومسلكنا في الحياة والطاعة، أن نحسن في العبادة لله تعالى وأن نحسن للخلق وأن نحسن للكون كله.
والله الموفق للصواب.
منقول