السلام عليكم
ليس هناك أيّ وَجْه مقارنة بين القرآن الكريم ، وبين توراة اليهود وأناجيل المسيحيّين ، لا في الأسلوب ولا في المحتوى !
فالقرآن كتابٌ مُقدَّس فريدٌ من نوعه ، مُعجِزٌ ببلاغته ومحتَوى آياته ، وهو دليلُ الإنسان في كلّ مجالات حياته ، في كلّ البلدان وكلّ الأزمان إلى قيام السَّاعة !
وبخلاف الكُتب السَّماويَّة السَّابقة التي بُدّلَتْ وحُرّفت ، فإنَّ القرآن قد تكفَّل الله سبحانه بحفظه ، ليكون شاهدًا على وجود الخالِق ، وليكون منهاجًا لِخَلْقِه إلى آخر الزَّمان ، لأنَّه لا نبيَّ بعد محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .
يقول الله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ 9 } (15- الحجر 9) . والمقصود بالذّكْر هنا : القرآن الكريم ، تعهَّد الله بحفظه . فهل يستطيع أيُّ مخلوق بعد هذا أن يُبدّل أو يحرّف كلمة واحدة منه ؟!
إطلاقًا ! ولو اجتمعتْ على ذلك الإنسُ والجنّ . فإذا كان اللهُ تعالى قد استطاع بقُدرته حفظَ السَّماوات والأرض من الوقوع منذ مليارات السّنين ، فهل يُعجزهُ أن يَحفظ القرآن من التَّحريف بعد أن تعهَّد بذلك ؟!
أبدًا ! والدَّليل أنَّك تطوفُ العالَم اليوم شبرًا شبرًا ، فلا تجدُ إلاَّ قرآنًا واحدًا ، هو بالضَّبط الذي أَنزلَه الله تعالى ، بواسطة الملَك جبريل عليه السَّلام ، على النَّبيّ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم منذ حوالي 1400 سنة .
ذلك أنَّ الله تعالى لَمَّا بعثَ أنبياءَه أيَّدَهم بمعجزات تتناسب مع أَزْمانهم :
فالنَّبيُّ موسى عليه السَّلام بُعِثَ في عصْرٍ اشتهَر بانتشار السّحْر وتقدُّم السَّحَرة في هذا المجال ، فأيَّده الله تعالى بعصا ، تحوَّلَتْ بإذنه (أي بإذن الله) إلى حيَّة ، وأبطَلَتْ حِيَل كبَار السَّحرة .
ويَحكي لنا القرآنُ تفاصيل هذه الحادثة بأسلوبه الفريد الذي يشهد لِوَحده أنَّه كلام الله ، فيقول متحدّثًا عن فرعون :
{ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى 56 قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى 57 فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى 58 قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى 59 فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى 60 قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى الله كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى 61 فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى 62 قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى 63 فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى 64 قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى 65 قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى 66 فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى 67 قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى 68 وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى 69 فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى 70 قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى 71 قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا 72 إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَالله خَيْرٌ وَأَبْقَى 73 إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى 74 وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى 75 جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى 76 } (20- طه 56-76) .
فكِبارُ السَّحرة الذين جَمَعَهُم فرعونُ لِنُصْرته رأَوْا بأَعيُنهم ، وهم المتخصّصون في هذا الميدان ، أنَّ العملَ الذي قام به موسى عليه السَّلام يستحيلُ أن يكون سحرًا ، وإنَّما هو معجزةٌ أيَّده الله تعالى بها . فلم يتردَّدوا في الإيمان بموسى وبخالقه ، بالرَّغم من تهديد فرعون ووعيده لهم !
وأمَّا النَّبيُّ عيسى المسيح عليه السَّلام ، فقد بعثه الله تعالى في عصْرٍ تَطوَّر فيه الطّبُّ ، فأيَّده بقُدرات غير عاديَّة على مداواة الحالات المرَضيَّة المستعصِيَة وحتَّى إحياء الموتى ، كلُّ ذلك بإذن الله .
يقول تعالى مفصّلاً هذه المعجزة : { إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ 110 } (5- المائدة 110) .
كلُّ قُدُرات المسيح عيسى عليه السَّلام كانت إذًا معجزات من عند الله تعالى . فإذا كان المسيحيّون قد اتَّخَذُوا من هذه المعجزات سببًا لِتَأليه المسيح وادّعاء أنَّه ابنُ الله ، فلماذا لا يكون إبراهيمُ عليه السَّلام كذلك وقد رُميَ في النَّار فخرج منها سالِمًا ؟! ولماذا لا يكون موسى عليه السَّلام كذلك وقد ضَرب البحرَ بعصاه فانفلق إلى نصفين ، فاخترقَه هو وأتباعُه فلم يغرقوا ، وتبعهم فرعونُ وجنوده فغرقوا ؟!
بل ، هل يَقبل العقل والمنطق أن يكون لِخَالق هذا الكون الهائل ابنٌ أو زوجة ؟! تعالى الله عمَّا يقول الظَّالمون علُوّا كبيرا !
أمَّا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقد بعثه الله تعالى في عصْر البلاغة والفصاحة ، فأيَّده بالقرآن الكريم الذي أَعجز الفُصحاءَ والأدباءَ والشُّعراء في ذلك الوقت .
وإذا كانت معجزةُ كلُّ نبيٍّ قد انقطعت بموته ، فإنَّ معجزة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم خالدة إلى قيام السَّاعة !
يقول الله تعالى متحدّثًا عن الكفَّار : { وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ الله وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ 50 أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 51 قُلْ كَفَى بِالله بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِالله أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 52 } (29- العنكبوت 50-52) .
فالكفَّارُ مِن قَوْم محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم طَلبُوا منه أن يُريهم مُعجزات ملموسة ، كما فعل الأنبياء مِن قبله ، لِيَتحقَّقُوا أنَّه مبعوثٌ من عند الله . فأجابهم الله تعالى بأنَّ القرآنَ الكريم كافٍ وحده ليكُون معجزةً لهم خاصَّة ، وللنَّاس عامَّةً في كلّ الأزمان .
ولو طلبنا اليومَ من مسيحي أن يُرينا كيف كان المسيح عليه السَّلام يُبرئ الأبرص ويُحيي الموتى ، لَعَجز عن ذلك . وكذا الحالُ لو طلبنا من يهودي أن يُرينا كيف كانت عصا موسى عليه السَّلام تتحوَّل إلى حيَّة .
أمَّا لو طلبنا من مسلم أن يُرينا معجزة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ، فسَيَجِدُها دون تعب ! إنَّها القرآنُ الكريم الذي سَحَر ببلاغته فُصحاء العرب في كلّ عصر ، وبَهَر بمحتواه كلَّ النَّاس .
فهو فعلاً مَرْجعٌ في الأخلاق ، والعلاقات الاجتماعيَّة ، والمعاملات الماليَّة ، والقضاء ، وأخبار السَّابقين ، وأخبار العوالم الأخرى من ملائكة وجنٍّ وشياطين ، والأخبار الغيبيَّة عن البعث والحساب . وها نحنُ اليوم في عصر العلم لا نزال حائرين أمام إعجاز القرآن العلمي في مختلف الميادين ، وكذلك إعجازه البلاغي والتَّشريعي !
منقول