عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ )
رواه الترمذي (2664) وقال : حسن غريب من هذا الوجه ، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870)
والكتاب هو القرآن، ومثله معه يعني ؛ السنة وهي الوحي الثاني:
ومعنى ومثله معه، يعني أن الله أعطاه وحياً آخر وهو السنة التي تفسر وتبين معناه،
كما قال الله عز وجل: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[1]، فالله أوحى إليه القرآن وأيضاً السنة وهي الأحاديث التي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالصلاة والزكاة والصيام والحج، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا، فالسنة هي وحي ثان أوحاه الله إليه لإكمال الرسالة وتمام البلاغ، وهو صلى الله عليه وسلم يعبر عن ذلك بالأحاديث التي بينها للأمة قولاً وفعلاً وتقريراً،
مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى))[2]،
وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ))[3]،
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول))[4]،
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر))[5]،
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة في كل ما يحتاجه العباد وفيما يتعلق بتفسير كتاب الله عز وجل عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهذا الوحي وحي أوحاه الله إليه، وأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وبينه للأمة، فهو من الله وحي بالمعنى، وهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات...)) الخ، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا...)) الخ الحديث.
ويدخل في الوحي الثاني الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث القدسية التي يرويها الرسول عن ربه عز وجل، فهي وحي من الله ومن كلامه سبحانه ولكن ليس لها حكم القرآن، مثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم...))[6] إلى آخر الحديث، وهو حديث طويل رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه،
وكل ذلك داخل في قوله سبحانه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[7]
الآيات.
[1] سورة النحل، الآية 44.
[2] أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، برقم 1، ومسلم في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات)) برقم 3530.
[3] أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب لا تُقبل صلاة بغير طهور، برقم 132، ومسلم في كتاب الوضوء باب وجوب الطهارة والصلاة برقم 230.
[4] أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، برقم 329.
[5] أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين، برقم 8830.
[6] أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم 4674.
[7] سورة النجم الآيات 1-4.
الشيخ ابن باز