تسارعت نبضات قلبها،وارتجفت يداهاوهي تناوله جوازسفره ..
لم تجرؤعلى إضافة كلمة أخرى بعد الذي قالته.. هو مصر على السفر.
ركب سيارته وانطلق بسرعة البرق،لم تحملها قدماها،جثت على ركبتيها متوسلة البكاء لكنّ مقلتيها أبتا أن تفرجا عن دموعها .
انغمست في بؤرة من الظلام تكونت بين طأطأت رأسها وامتداد ذراعيهافوق بقعة بوسط أرضية المرآب حيث بدأ ضوء ذلك الصباح الربيعي يتسلل إليه عبر الباب الحديدي المفتوح على مصراعيه .
استجمعت جسدها المبعثروقامت لإغلاقه ، ثم اتجهت نحو الداخل تستند في سيرها على الجدار,
كان نورالمصباح لايزال ينير غرفة حماتها بعد أن ودعها ابنها قبيل سفره إلى أوروبا فهي تلزم فراشها مشلولة الأرجل منذ زمن بعيد .
دخلت ليلى غرفتها التي استوحشت من فراق صاحبها فبدت كعش مهجوررحلت عنه طيوره.
حدقت مليا في أرجائها،وما إن وقعت عيناها على أغراض زوجها المتبقية ،حتى تدافعت بداخلها قوة كامنة تخرج من كل مسام من جسدها،فانتفضت تخرج ملابسه من الخزانة وتلقي بها على الأرض ، تشد بعضا منها بين يديهامحاولة تمزيقها مثلما تتمزق أعماقها
صارخة فيها:
_ تبالك.. تبالك أيها الأناني ..
ما الذي ستجده هناك ؟
هل ستجد حنان أمك ؟
هل ستجد خوفي ولهفتي عليك ؟
ما ذنبي ؟ وما ذنب تلك المقعدة ؟
أضحت الرفوف والشماعات خالية إلاّ من قطعة واحدة وهي ربطة عنقه البيج ، ارتداها مراد في أول لقاء بينهما حين تقدم لخطبتها .
نزعتها من على الشماعة، وراحت تتلمسها برفق تبث فيها وجعها وحنينها ووحدتها،تارة تمسح بها خديها وتارة تشمّ ريحها،
لم تنتبه لمرور الوقت ..
فجأة تذكرت وقت حمام حماتهاوفطورها،انتفضت من مكانها صوب النافذة تفتحها فسقطت ربطة العنق على الأرض وانظمت إلى تلك الثياب المتناثرة في أرجاء الغرفة .
ألقت ببصرها خارج النافذة فإذا بالشمس الذهبية تسبح في ساحة البيت الواسعة ، تزينها مختلف النباتات الخضراء، تتوسطها أزهار القرنفل البرتقالية ، تتقدمهم شجرة ياسمين عتيقة تنتظر أزهارها رشات المياه الصباحيةالباردة التي تعودت عليها من أيد ي ليلى ، يليها خروجهادافعة الكرسي المتحرك لحماتها لتستمتعا بنور الشمس وعبق الياسمين يتوسطهما مرادوهويرتشف قهوته في جلسة أسرية دافئة دفء شمس الربيع ,
لم يتقبل مراد وضعه كموظف عادي بشركة للتأمينات التي كان يعمل بها قبل سفره،لقد درس الإقتصاد وتفوق فيه وأتقن عدة لغات ليس للجلوس وراء مكتب كأداة ثابتة فهو يريد تحريك الإقتصاد والتقدم به نحو الأمام ، يريد أن يكون متبوعا لاتابعا .
حملتها قدماها عنوة إلى غرفة حماتها، ألقت بجسدهابجانب تلك الأرجل الجامدة المغطاة بلحاف ربيعي مطرز.
بادرتها حماتها في رقة :
ألن أستحم اليوم يا ابنتي ؟ألا نخرج للشمس كعادتنا ؟
نظرت إليها ليلى نظرة اليائس البائس وهي تحرك رأسها بعلامة الرفض لواقعها الجديد ، ثم أجابت:
بربك قولي لي أمي ماهو الطموح ؟
كيف هو؟
أريد أن أتعرف على هذا الطموح الذي حرمني زوجي ، حرمني حياتي ..
لقد تم مسحنا أنا وأنت من أجل هذا الطموح..ألا تدركين ؟
وأخذت تقبض بقوة بكفيها على ذلك اللحاف الذي يستر تلك الأرجل الثابتة ، وهي تخرج ما تبقى في حلقها من كلمات كادت تخنقهابصوت اهتزله كل جماد في ذلك البيت العتيق :
قولي كيف هوهذا الطموح الذي أرداني وحيدة ؟ ما جنسه ؟ ما لونه ؟
أنا أكرهه ..أكرهه ,. أكرهه ..
مدت حماتها يدها إليها برفق تطلب منها الإقتراب، ثم فتحت لها ذراعيها لضمها لصدرها، فارتمت ليلى في أحضانها وأجهشتا بالبكاء .
منقولة