تمهيد:
رغم الأوضاع التي كان يعيشها الشعب الجزائري من تخلي الدولة العثمانية في الإشراف السياسي على شؤون البلاد ولم تلتفت إليه، أضف إلى ذلك عدم مساعدة وتأييد الدول الإسلامية المجاورة له في محنته. ومع هذا لم يبق الجزائريون مكتوفي الأيدي أمام دخول الحملة الفرنسية إلى الجزائر سنة 1830. بل زادت ثقتهم بأنفسهم فرفضوا الاحتلال وقاوموه بطرق عسكرية ودبلوماسية من بينها أنهم أسسوا بالعاصمة هيئة سياسية تحت اسم "لجنة المغاربة" برئاسة حمدان خوجة ولكن هذا لم يجد نفعا.(1) مما أدى إلى تغيير أسلوب المقاومة باستعمال السلاح فكانت الجزائر برقعتها الواسعة مسرحا لعدد كبير من الثورات والانتفاضات التي كانت بشكل مكثف في عقدي الثلاثينات والأربعينات ومن أشهرها مقاومة الأمير عبد القادر بن محي الدين،(2) الذي أشتهر بحنكته العسكرية وقدراته في المجال الحربي من خلال مشاركته رفقة والده محي الدين كمقاتل في صفوف المجاهدين أثناء الهجمات المتعددة على دوريات الجيش الفرنسي والتي حققت انتصارات على العدو، فبعد مبايعة الشيخ محي الدين بالإمارة العامة نادى في الناس بإعلان الجهاد المقدس وأصبح مركز قيادته العليا بالقيطنة*. ومنها أستعد لمجابهة العدو حيث ألف جيش من الفرسان القبائل وراح يشن محي الدين ثلاث معارك أولها معركة خنق النطاح الأولى في 03 ماي1832وكانت لصالح محي الدين، كبدت العدو خسائر فادحة شارك خلالها عبد القادر كجندي في صفوف المجاهدين وثانيها معركة خنق النطاح الثانية 4و6 ماي 1832 التي قادها عبد القادر بسبب مرض والده، وكانت فرصة اغتنمها الأمير لاختبار عبقريته وقدراته العسكرية وقعت المعركة بوادي السيك ثم انتقلوا إلى عين الكرمة قرب وهران بالمكان المسمى خنق النطاح فنشبت الحرب بين الطرفين أين انتصر عبد القادر بن محي الدين، أما ثالث هذه المعارك معركة برج رأس العين في 03 سبتمبر1832 والتي قادها محي الدين حيث خرج بنفسه على رأس جيشه وعقد لواء الجهاد لولده عبد القادر وقد كان القتال شديدا انتهى بانتصار عبد القادر.(3)
( 1) عبد الرحمان بن محمد الجيلالي، تاريخ الجزائر العام، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة 07، الجزء04، الجزائر 1995، ص 11.
(2) يحي بو عزيز، الأمير عبد القادر رائد الكفاح الجزائري، دمشق،1964،ص23-24.
* القيطنة: قرية تبعد48 كم من معسكر مقر أسرة الأمير عبد القادر أختطها جده سنة1206 وعرفت أشعاعا دينيا بفضل زاويتها القادرية وقد هدمها الاستعمار 1841 وهي اليوم بلدية لدائرة بوحنيفية-معسكر.
(3) مصطفى بن التهامي، سيرة الأمير وجهاده، دار الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1995، ص 24.
1- المولد والنشأة:
الأمير عبد القادر: هو من بيت جزائري عريق في العلم والصلاح وأشتهر رجاله بالورع والحكمة العقلية، فكانوا قدوة للناس فهو العالم الزاهد الحاج عبد القادر بن محي الدين بن المصطفى بن محمد بن أحمد بن المختار بن عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر المعروف بابن خده ويعود نسبه الشريف إلى الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه.(1)
ولد عبد القادر ناصر الدين الابن الرابع لمحي الدين في شهر ماي 1807م الموافق ل23 رجب 1222ه بقرية بالقيطنة. وبها نشأ عبد القادر بين أحضان والديه وتربى بين عشيرته وقومه سالكا مسلك أسلافه في الأخذ بالعلم المتشبع بالأخلاق السامية. تلقى تعليمه الأول على يد أبيه بزاوية القيطنة فكان محل إعجاب مدرسيه، تعلم الكتابة والقراءة وهو لا يتجاوز خمس سنوات.(2) واصطحبه معه والده إلى وهران حينما وضعته الحكومة التركية تحت الإقامة الجبرية خوفا من سلطانه ونفوذه، فاغتنم عبد القادر الفرصة وأخذ يدور على مجالس علمائها ويحضر دروسهم ويتلقى عنهم ما لم يكن له به علم.
وفي سنة 1242ه، 1827 اصطحبه والده معه إلى البقاع المقدسة فطاف معه أشهر عواصم الشرق مثل: القاهرة، دمشق...وقد أخذ من مشاهير علماء الشرق كالشيخ عبد الله الكريز إمام دمشق والشيخ محمود القادري نقيب أشراف بغداد.(3) وبعد عمر حافل بالمخاطر والنجاحات في سبيل الله والوطن توفي مساء يوم الجمعة 19 رجب 1300ه الموافق ل 24 ماي 1883 بعد أن أصيب بمرض الكلى بمنطقة دمر سورية ونقل إلى دمشق ودفن فيها وبعد استرجاع السيادة الوطنية أعيدت رفاته إلى تربة أجداده.(4)
(1) مصطفى بن التهامي، المصدر السابق، ص47-48.
(2) Charles henry churchll . la vie d Abdelkader entreprisse national du livre. Alger. 1991. p46
(3) مذكرات الأمير عبد القادر، دار الأمة للطباعة، الطبعة الثانية أكتوبر 1995، ص61.
(4) عبد الرحمان بن محمد الجيلالي،المرجع السابق، ص61.
1- البيعة:
لم يكن الأمير عبد القادر أمير بالوراثة بل كرمه الشعب بهذا اللقب لما عرف عنه من حزم وشدة وإقدام فبويع لأول مرة في 27 نوفمبر 1832 بعد مرور عامين من مقاومة وهران التي قادها محي الدين دون أن يحمل ابنه الشاب المجاهد لقب زعيم أو أمير بل قادها باسم الجهاد.(1)
ووجهت البيعة في بادئ الأمر لأبيه محي الدين ليكون سلطانا عليهم نظرا لمكانته السامية من جهة ولنسبه الشريف وانتمائه لأهل البيت من جهة أخرى، لكنه أعتذر لكبر سنه واقترح عليهم أن تكون السلطة موجهة لابنه عبد القادر فوافق الجميع على هذا الاقتراح وكان عبد القادر آنذاك يقود معركة ضد الجيش الفرنسي في المكان المسمى " حصن فليب" فبعثوا إليه وبايعوه رسميا وكان لا يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره.(2) وقد تمت هذه البيعة بوادي فروحة عند شجرة الدردارة من بلاد غريس يوم 03 رجب 1248ه الموافق 27 نوفمبر1832 لتحرير وثيقة البيعة وجعلوا كتابة الصك لمحمد بن عبد القادر الشهير بابن آمنة خال الأمير وكانت كما يلي بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد الذي لا ننى بعده والحمد لله الذي جعل كلمة المسلمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وأصحابه أجمعين.)
أما بعد فقد قال صلى الله عليه وسلم < إن الله يحمي بالسلطان ما لا يحمي بالقرآن هذا في الزمن الذي فاض فيه العدل ونضب فيه الجهل فما بالك بزماننا الذي كثر فيه الباطل وانتشر، وخفي فيه الحق ولم يظهر له أثر حتى أن أعداء الله الكافرين ملكوا كثيرا من بلاد الإسلام وتشتت الكلمة واختل النظام ولم يجد الناس لقتالهم سبيلا ولا من يكون للجهاد دليلا فلجأوا إلى الله تعالى.(3)
(1) أوصديق فوزي، النظام الدستوري الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية،ط 5،الجزائر1995، ص11.
(2) مصطفى النويصر، الأمير عبد القادر في الذكرى المئوية(1883-1930) مديرية الدراسات التاريخية واحياء التراث المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية،1984،ص16.
(3) عبد الرحمان بن محمد الجيلالي، تاريخ الجزائر العام، ص64-65.
وسألوه أن يسير لهم من يقوم بأمر دينهم. فما وجدوا من تنفق عليه كلمة أهل العقد والحل سوى السيد محي الدين بن مصطفى بن المختار لكماله وكثرة ما عنده من الأعوان والأنصار فطلبوا منه أن يبايعوه، على السمع والطاعة ورأى أن النظر في هذا الأمر قد تعين عليه وأتاه بعض علماء غريس وهو من الصالحين فقال له: أن أولياء الله تعالى قد اتفقوا على نصب ولدك عبد القادر لنصر دين الله، ورأى أن ولده مستعد لهذا الأمر فحينئذ وافقهم على نصبه ونصرته لكونه ذا حزم وعزم وشجاعة وعقل سليم وذات سليمة صالحا لتنفيذ الأحكام. فاجتمع أهل الحل والعقد وبايعوه من غير طلب منه للإمارة، ولا متابعة للنفس الإمارة بل بايعوه رغما عليه وطالبوا والده بالله وتوسلوا إليه برسول الله صلى الله عيه وسلم مدة تزيد عن سنتين فوافقهم على بيعة ولده تطبيقا لخواطرهم ورعاية لرفع الظلم عن الضعيف ودفعا للفساد والتعنيف فحضر البيعة جميع أهل غريس الحشم شرقي وغربي وعباس وخالدي وإبراهيمي وحساني وعوني وجعفري وبرجسي وشقراني وغيرهم... كبني السيد دحو وبني السيد أحمد بن علي والزلامطة ومغراوة ودخلوية والمشارق وكافة أهل وادي الحمام وأعلنوا جميعا بطاعته ونصرته والرعاية له بحيث أنهم يحمونه بما به أنفسهم وأموالهم أن ينصروا نصرا مؤزرا وأتفق علماء الإقليم على بيعته وطاعته ولم يخالف منهم أحد وهم في حال طوعهم واختيارهم وفرحوا به أشد الفرح نظرا لما كانوا عليه من الضيق والشرح...الخ.
جاء في آخر نص الوثيقة ذكر أسماء من حضر من العلماء والأشراف السيد الأعرج السيد محمد بن حوا بن يخلف وأخواته والسيد محمد بن الشعالبي والسيد عبد الرحمان بن حسن الدحاوي وأخواته...(1)
(1) عبد الرحمان بن محمد الجيلالي، المرجع السابق، ص65.
وبعد انتهاء مراسيم البيعة صحبه والده إلى حاضرة الإمارة بمدينة معسكر، وهناك استقبله الناس استقبالا حارا وكانت فرحتهم لا تقدر مسرورين به بما عرف عنه من كفاءة ومقدرة وهناك خطب في الناس ودعاهم لحضور البيعة العامة يوم 04 فيفري 1833 كما أمرهم بإذاعة خبر بيعته بين أنحاء قطر الجزائر. وقد تمت البيعة الثانية بعد انعقاد مجلسها إذ حضرها جمع خفير من سائر الجهات فكانت بيعته كاملة وتامة بموافقة الجميع.(1) وقد شبهت بيعته ببيعة الرضوان التي بايع فيها الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم تحت شجرة الحديبية اقتداءا به ليتم على كتاب الله وسنة نبيه كما قال تعالى:< إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم.>
وهكذا يبرز الأمير عبد القادر في الميدان ليجد نفسه مرغما على قبول هذا المنصب وبالتالي فهو مسؤول على محاربة العدو وإخراجه من البلاد، وهذا لن يتم إلا بعد أن يشكل دولته فيهتم بتسيير شؤونها وتنظيمها بانتهاجه لسياسة محكمة شملت شتى الجوانب من تنظيمات إدارية وعسكرية.(2)
(1) محمد العربي الزبيري، الكفاح المسلح في عهد الأمير عبد القادر،المؤسسة الجزائرية للطباعة، 1882،ص 26.
(2) محمد العربي الزبيري، نفس المرجع، ص29.
التنظيم الإداري والعسكري لدولة الأمير:
أ- التنظيم الإداري.
اهتم الأمير عبد القادر في هذا المجال بتشكيل حكومته على أسس حديثة فعين محمد بن العربي وزيرا له وابن عمه محمد بن علي كاتبا له، كما ولى شخصيات على الخزينة وعين ناظرا على الأوقاف ومأمورا الأعشار والزكاة ونظير الخارجية الحاج الميلود بن عراش. كما أنشأ مجلسا للشورى مكونا من إحدى عشر عضو، والمعروف بالمجلس العالي الأميري للشورى من كبار العلماء والأعيان ونذكر منهم أحمد بن التهامي، عبد القادر بن ركوش محمد المحفوظي. ويرأس هذا المجلس قاضي القضاة السيد أحمد بن الهاشمي المراجي نيابة عن الأمير عبد القادر وللمجلس سجل خاص تسجل فيه القضايا أما الأحكام فتصدر بإيقاف كل أفراد المجلس. وهذا التنظيم الحكومي أول تجديدا يأتي به الأمير عبد القادر.(1) وقد قسم الأمير البلاد إلى ثمانية مقاطعات وقسمها بدورها إلى دوائر ووضع على رأس كل دائرة أغا وكل دائرة تشمل على قبائل عديدة ويحكم القبيلة قائد وهذه المقاطعات هي:
1- مقاطعة تلمسان وضواحيها: عاصمتها تلمسان وعين عليها محمد البوحميدي البولهاصي.
2- مقاطعة معسكر وضواحيها: وولى عليها السيد محمد بن فريحة المهاجي.
3- مقاطعة مليانة: ولى عليها محي الدين بن علال القليعي.
4- مقاطعة التيطري وضواحيها: عاصمتها المدية ولى عليه مصطفى بن محي الدين.
5- مقاطعة مجانة وضواحيها: عاصمتها سطيف وولى عليها محمد بن عبد السلام المقراني.
6-مقاطعة الزيبان الصحراء الشرقية وضواحيها: عاصمتها بسكرة ولى عليها فرحات بن سعد.
7- مقاطعة الجبال وضواحيها: عاصمتها برج حمزة( البويرة) وولى عليها أحمد بن سالم الدبيسي.
8- مقاطعة الصحراء الغربية: وولى عليها السيد قدور بن عبد الباقي.(2)
(1) محمد العربي الزبيري، الكفاح المسلح في عهد الأمير عبد القادر، المؤسسة الجزائرية للطباعة، الجزائر، 1982، ص30،31.
(2) يحي بو عزيز، الأمير عبد القادر رائد الكفاح الجزائري، ص85-86.
وترك لنفسه منصب القائد الأعلى لقوات المقاومة المسلحة بكل أنواعها كما بقيت أجهزة الأمن الداخلية والخارجية تابعة له مباشرة وبعد انتهائه من التنظيم جهاز دولته باشر عمله كمسؤول أول فأعلن عن إلغاء المغارم والضرائب واختار مدينة معسكر عاصمة له.
إلا أن اهتمام الأمير عبد القادر بالجهاز الإداري لم ينسه الاهتمام بالمجال الاجتماعي
والصحي ومن بين الإجراءات التي اتخذها في هذا الميدان ضد الظواهر المتفشية في المجتمع كشرب الخمر ولعيب الميسر والرشوة فقد حاول التقليل من هذه الظواهر.
أما في المجال التربوي والثقافي فنجده بذل مجهودات معتبرة لنشر العلم والمعرفة في أوساط الرعية وذلك بجلب الكتب النفيسة وتوفيرها وإنشاء المكتبات مثل مكتبة تاكدمت وفي المجال الصحي فتح عيادات وصيدليات في كل مقاطعات البلاد كما فكر في بناء مدرسة لتعليم الطب.(1)
(1) مصطفى نويصر، الأمير عبد القادر في الذكرى المئوية، ص30-31.
ب- التنظيم العسكري.
جيش الأمير عبد القادر بمعناه الواسع كان جيشا شعبيا وتعتبر الأمة الجزائرية في وقت القتال كلها مجندة، ولكن هذه الحشود على الرغم من أنها تسير بدافع من الإيمان إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليها إلا في حالات الطوارئ وعادة ما ينقصها النظام والطاعة. وبعد معارك الأمير الأولى مع العدو أدرك تفوق الجيش المنظم والمدرب وظهرت له بوضوح جوانب النقص في جيش المتطوعين، فعزم على تنظيم الجيش وتدريبه وتسليحه وفق الأساليب الحديثة لخوض كفاح شاق وطويل ضد الغزاة فعقد الأمير مجلسا عاما مع رجال حكومته وخطب فيهم وأوضح لهم المزايا التي تترتب على وجود جيش نظامي في خدمة الدولة ويكون على أهبة الاستعداد للمواجهة.(1)
وقد كانت فكرة إنشاء جيش نظامي أحسن وسيلة لتجنيد أكبر قدر ممكن من الجزائريين إذ سمحت لهم بتقييد أسماءهم في الدفاتر الأميرية كما طلب الأمير ذلك. وتولى عملية التنظيم بنفسه فشكل جيشه من ثلاث فرق: المشاة، الخيالة، المدفعية. وعلى رأس كل فرقة رئيس يدعى الأغا وقد وضع بعدها القوانين التي تسير الفرق والتي جمعت فيما يسمى بوشائح الكتب وزينة العسكر المحمدي الغالب تحتوي على مقدمة وأربعة وعشرين قانون وخاتمة.(2)
وقد وصل جيش الأمير آنذاك إلى حوالي عشرة آلاف ومائتين وأربعين منهم خمسة آلاف وتسعمائة وستون جندي من الفرق المنظمة.(3)
وقد سن الأمير لشدة اهتمامه بجيشه قوانين تشمل كامل الحياة الجندية ونظمها العسكرية فحدد لهم مسؤولياتهم وواجباتهم ورواتبهم وحتى زيهم العسكري، وقد قسم جيشه كما قلنا إلى أصناف ثلاثة:
1- الخيال: وهم الذين يركبون الخيل.
2- المشاة: أو العسكر المحمدي.
3- رجال المدفعية أو الرماة أو الطوبجية.(4)
(1) ذاكرة الجزائر، صفحات من تاريخ المقاومة الشعبية عبر العصور، المتحف المركزي للجيش، الجزائر، ص151.
(2) محمد العربي الزبيري، الكفاح المسلح في عهد الأمير، ص 33.
(3)p270-280. Marcel Emérit :L’Algérie à l’époque d’Abdelkader Laros 1951
(4) ذاكرة الجزائر، نفس المرجع، ص152.
وقد جعل كل صنف من هؤلاء رئيسا فعلى الألف خيال أغا وعلى الخمسين سيافا، وعلى العشرين رئيس الصف ودونه الجاويش ولكل ألف وكل مائة كتابا ورئيس الكاتب سماه باش كاتب أما المشاة فقد قسمهم إلى مئات وقسم كل مائة إلى ثلاثة أقسام وجعل لكل قسم خباء ورئيسا عليه سماه رئيس الخباء أي الخيمة وعين نائبا وسماه خليفة رئيس الخباء وجعل على كل ثلاثة أقسام من هؤلاء رئيسا سماه أغا أيضا، أما الطوبجية فرئيسهم باش طوبجي وعين لكل مدفع 12 جنديا وعليهم رئيس وكاتب.
أما كسوة الجنود فلكل صنف من الجنود نوعا خاصا من اللباس فرئيس العسكر المحمدي ورئيس الخيالة يختصون بالأحمر القاني الجيد والسيافوون وكتاب الدرجة الأولى والطبوجي والخيالة يختصون بالأحمر الفاتح وقد وضع الأمير إشارات خاصة لكل صنف من الجنود حسب درجاتهم فالأغا رئيس المشاة له أربع علامات ذهب اثنتان على منكبيه واثنتان على صدره ورئيس الخيالة له علامتان من الذهب على منكبيه والسياف له علامتان من الفضة وسياف الخيالة له علامة واحدة من الفضة مثله مثل الباش كاتب ورئيس الطوبجية أما رواتب الضباط والجنود فتختلف حسب الوظائف فمثلا الأغا راتبه 22 ريالا والسياف 12 ريالا ورئيس الصف 08 ريالات وخليفته رئيس الخباء 06 ريالات 50 محمدية والجاويش 07 ريالات أما الباش كاتب 12 ريالا وباش طوبجي 14 ريالا ورئيس المدفع 07 ريالات ورئيس الأطباء 12 ريالا، وقد اعتنى الأمير عبد القادر بتشييد المنشآت العسكرية فقام بإنشاء الحصون والمعاقل وإقامة المصانع لصناعة الأسلحة وترميم القلاع ومن بين الحصون التي شيدها حصون سعيدة و سبدو في الجهة الغربية وسباو وعريب وبوخرشفة وتازا تاكدمت في الجهتين الشرقية والجنوبية وحصن تاكدمت هو أعظم هذه الحصون حيث يربط تجارة الصحراء بالمناطق الساحلية.(1)
(1) يحيى بو عزيز، النظم المدنية والعسكرية لدولة الأمير عبد القادر، مجلة منبر الجامعة، عدد خاص. نوفمبر 2000، ص05.
كما شيد المصانع الحربية لصناعة السلاح والبارود في كل من المدية- مليانة معسكر.
أما في تلمسان فانه أقام معملا آخر لصنع المدافع أسند إدارته لخبير اسباني، كما بنى بجواره دار لسك العملة التي كانت على ثلاثة أصناف وهي من الفضة والنحاس وهي الفرنكان- فرنك- نصف فرنك وهذه التنظيمات والقوانين الصارمة هي التي سمحت لأمير بدفع حركة الجهاد إلى الأمام.(1)
(1) يحي بو عزيز، المرجع السابق، ص05.
معاهدة ديميشال: 24 فيفري 1834.
جاء الجنرال ديميشال*ليثأر للجنرال بواييه الذي انهزم عدة مرات أمام والد الأمير محي الدين وأمام الأمير وجيشه الفتي.(1) وقد انتهج ديميشال بعد أن تسلم قيادة القوات الفرنسية في ولاية وهران سياسة تمتد على مرحلتين: المرحلة الأولى انتهج فيها الأسلوب الحربي العسكري وقام بعمليات عسكرية استهدفت منها فك الحصار الاقتصادي المفروض على مدينة وهران وبعد ذلك محاربة الجزائريين فلم يكد أن يصل إلى وهران ملحقا بها خسائر فادحة ثم وجه قوة إلى آرزيو واحتلها وقام بتحصينها مينائيا وفي المقابل كان الأمير كان الأمير قد قام بإخضاع مدينة تلمسان وأعلن سلطانه وأعلن سلطانه عليها وفي هذه الأثناء عندما كان الأمير عائدا إلى معسكر تلقى في 20 جوان 1833 خبر وفاة والده الشئ الذي تأثر به كثيرا لما لوالده من مكانة كبيرة في نفسه. وبعد أن مضى وقت قصير في معسكر خرج إلى منطقة مجاورة التي سمع عن تعامل تجارها مع الفرنسيين وقام بإخضاعها ليسير بعد ذلك إلى مستغانم التي احتلها الجنرال ديميشال ليخضعها للاعتراف بسلطانه وهنا قام ديميشال مستغلا فرصة تنقل الأمير وغزا قبيلة الزمالة ولم يثني احتلال الفرنسيين لمستغانم عزيمة الأمير وبعد معارك طاحنة ضيقت الخناق على الفرنسيين وفي هذه الأثناء تغيرت سياسة ديميشال إلى مرحلة ثانية بعد أن وجد جيشه محاصرا لا يمكن تجاوز الشواطئ ففكر فيعقد اتفاق يضمن به السلام فبعث إلى الأمير يطلب منه إطلاق سراح الأسرى مؤكدا له انه هو ديميشال سبق وان إطلاق سراح الأسرى الذين أخذهم من الغرابة والزمالة فرد الأمير عليه بان ما وقع من سفك دماء ليس مسؤوليته هو وإنما مسؤولية فرنسا وانه لم يتدخل ليطالب بإطلاق سراح هؤلاء الأسرى.(2)
* الجنرال ديميشال: 1779-1845 التحق بالجيش كحاكم مقاطعة وهران سنة1833. للمزيد أنظر أديب حرب، التاريخ العسكري والإداري للأمير الجزء الأول،ص 91.
(1) محمد ابن عبد القادر، تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر وإخبار الجزائر، دار اليقظة العربية،بيروت، 1964. ص175.
(2) إسماعيل العربي، المقاومة تحت لواء الأمير، الشركة الوطنية للتوزيع الجزائر.ص47-48-49.
وأمام هذا الرفض خرج ديميشال لمقابلة الأمير عند قبيلة الزمالة في 02 سبتمبر 1833 ولكنه انهزم وانتصر الأمير عبد القادر. وعاود ديميشال بكتابة رسالة ثانية إلى الأمير يعرض عليه إجراء مقابلة لكن الأمير أهمل الرد عليه، وفي رسالة ثانية حاول استعمال أسلوب التهديد فيها وذكر الفوائد التي تترتب على عقد صلح. وهنا استغل الأمير فرصة وجود الأسرى الفرنسيين عنده ليفرض شروط لصالحه قائلا:< إن الإفساح عنهم ليس أهمية لدينا غير أن الحالة التي نحن فيها لا تسمح لنا بان نردهم بدون فدية فإذا رغبتم في الاتفاق أقبل تسليم الأسرى إليكم عند المعاهدة بيننا على أن ديننا يمنعنا من طلب الصلح ابتداء ويسمح لنا بقبوله إذا عرض علينا ولا يحصل الاتفاق إلا إذا عرفتموني شروطكم وما تطلبونه متى وأنا أعرفكم بمثلها وإذا صممتم على عقد صلات ودية فأفيدونا حتى نرسل إليكم رجلين من كبار قومنا مأذونين بالمفاوضة معكم وحينئذ تتم أمانيكم بمعونة الله.>(1)وفي هذه الأثناء كان للأمير في وهران تاجران يهوديان هما بوشناق ومرد وفي عمرو الذي كانت له مكانة لدى الجنرال ديميشال وهو الذي كلفه أن يحمل رسالته إلى الأمير عبد القادر.هذا الأخير الذي قام بمشاورات مع أعضاء حكومته وأرسل ممثلان عنه هما ميلود بن عراش* وزير خارجيته والأغا خليفة بن محمود، وأوصاه بإجراء مفاوضات خارج وهران ونفس الشيء قام به ديميشال مع أعضاء حكومته. (2)
(1) إسماعيل العربي، المقاومة تحت لواء الأمير، ص49-76.
* ميلود بن عراش: كان شخصية محبوبة لدى الأمير ووزير خارجيته وكان قبلها أغا المنطقة في الشرق، للمزيد أنظر هنري تشرشل ، حياة الأمير عبد القادر.ص76.
(2) إسماعيل العربي، نفس المرجع، ص49-50.
وتم اللقاء بين الطرفين بمكان بالقرب من وهران وهناك أعطى الوفد الفرنسي مذكرة ديميشال للوفد العربي الجزائري تنص على البنود التالية:
1- وقف القتال بين الطرفين ابتداء من تاريخ المذكور.
2- احترام الديانة الإسلامية والعادات المحلية.
3- حرية الأسواق التجارية.
4- التزام الأمير برد الفارين إليه.
5- عدم تنقل الفرنسيين داخل الوطن إلا برخصة.(1)
وبعد عودة الوفد الجزائري وافق الأمير على هذه الشروط وأضاف إليه شروط أخرى هي:
1- حرية العرب في شراء الأسلحة.
2- تكون التجارة في آرزيو تحت مراقبة الأمير عبد القادر.
3- التزام الجنرال بإرجاع الفارين إليه.
4- عدم منع المسلم من الرجوع إلى بيته متى أراد.
ورأى الجنرال ديميشال بان توضع وثيقة واحدة تحتوي على الشروط العربية المكتوبة باللغة العربية وعلى الشروط الفرنسية مكتوبة باللغة الفرنسية وتم ذلك وسجلت بتاريخ 24 فيفري 1834.(2)
(1) بسام العسلي، الأمير عبد القادر الجزائري، دار النفائس بيروت الطبعة01، ص 81-82.
(2) ذاكرة الجزائر، صفحات من تاريخ المقاومة الشعبية عبر العصور، ص174-175.
نقض معاهدة ديميشال:
كان الجنرال ديميشال يطمح أن يحصل بإبرام معاهدة مع الأمير إلى منصب القائد الأعلى في الجزائر لكن حكومة باريس لم يعجبها هذا. اعتبرت المعاهدة عملا شخصيا بين الأمير وديمشال فقامت بعزله عن ولاية وهران واستبدلته بالجنرال تريزل* عام 1835 أمرته بنقض المعاهدة ومن جهة أخرى واجهت الأمير في هذه الفترة ثورات داخلية منها ثورة موسى بن الحسين الذي هاجم مدينة المدية فتصدى له الأمير وحرر المدينة في الوقت الذي استغلت بعض المناطق منها الزمالة والدوائر الفرصة لتنفصل عن إمارة عبد القادر وأعلنت ولاءها للفرنسيين وأخذت تدفع إليهم ما كانت تدفعه للأتراك من قبل، فاعتبر الأمير هذا نقضا للمعاهدة وطلب من تريزل رفع حمايته عن هذه القبائل ليفيدها إلى سلطته لكنه رفض ذلك حينها تيقن الأمير من نية الفرنسيين في نقض المعاهدة وجمع أعيان حكومته وقرر استئناف الحرب وحمل مسؤولية على تريزل ووجد هذا الأخير نفسه أمام حرب جديدة لا يعرف نتائجها والمعروفة بمعركة المقطع التي كانت من أشهر معارك الأمير خلال مواجهته للفرنسيين.(1) وبهذا تعتبر معاهدة ديميشال رغم نقضها أول انتصار دبلوماسي للأمير عبد القادر اذ اعترفت به كأمير للمؤمنين أي أنها تصف سيادته ومكانته الدولية وأعطته وقتا لتنظيم إمارته داخليا والتوسيع حدودها كما أعطته قوة للقضاء على منافسيه المتمردين.(2)
* تريزل جنرال فرنسي(17786-1860) بدأ خطواته الأولى في الجيش مع نابليون وأشرف على معركة المقطع ضد الأمير عين كوزير للحرب 1835. للمزيد أنظر العربي الزبيري الكفاح المسلح، ص19.
(1) يحي بو عزيز، ثورات الجزائر في القرنين 19 و20، الجزء 01، الطبعة02، منشورات المتحف الوطني للمجاهد،ص 38-39.
(2) أديب حرب، التاريخ العسكري والإداري للأمير عبد القادر، الشركة الوطنية لنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1983، ص65.
معارك الأمير:
كان للأمير عبد القادر عدة معارك من أكبرها وأشهرها معركة المقطع وسيدي إبراهيم.
أ- معركة المقطع:
في 19 جوان 1835 غادر الجنرال تريزل قائد حامية وهران هذه الأخير مجتازا أراضي الأمير بجيش يقدر ب 5000 عربة لنقل الزاد من 07مدافع قاصدا تخويف القبائل وممارسة الضغط السياسي على الأمير الذي عند بلوغه الخبر قام من معسكره على رأس قوة تتكون من 2000 فارس و 1000 من المشاة ونزل في غابة خفيفة( حرش مولاي إسماعيل ) وأخذ يراقب العدو، وكان جيشه النظامي مدرب إضافة إلى عدد من المتطوعين واقتضت خطته تقديم فرقة الخيالة المتكونة من 2000 فارس لتلف الجيش الفرنسي ووضع الأمير لنفسه قيادة مؤخرة جيش المشاة.(1)
وفي 26 جويلية أدرك تريزل أن الوقت ليس في صالحه أمام تزايد عدد جيش الأمير فقام من معسكره على نهر تليلات وقاد مقدمة جيشه الكولونيل أودنيو وفي المساء دخل الفرنسيون إلى حرش مولاي إسماعيل ونشبت معركة أصيب فيها أودنيو واستشهد فيها عدد من رجال الأمير وبدأ جيشه في التقهقر وكان السبب في ذلك أن فرقة الخيالة لم يكفها الوقت لحصار الجيش الفرنسي الذي واصل سيره حتى ضفة وادي سيق، ولما سمع الناس هذا وأن الأمير مازال مقيم يراقب العدو بدؤوا يعودون إليه ويوم 27 جوان أرسل تريزل للأمير شروطه من أجل إعادة السلام معتقدا أنه كسب المعركة واشترط عله الاعتراف بالسيادة الفرنسية وتلقي الأوامر من ملك فرنسا. وفي انتظار الرد بلغه أن العرب قطعوا عليه طريقه إلى وهران فكر تريزل في أن يتجه إلى آرزيو ومن هناك عن طريق البحر إلى وهران.(2)
(1) إسماعيل العربي، المقاومة تحت لواء الأمير عبد القادر،ص 35.
(2) ذاكرة الجزائر، صفحات من تاريخ المقاومة الشعبية عبر العصور، ص 163-166.
ولما رأى الأمير ذلك أدرك انه لا بد أن تكون بمضيق المقطع الذي سيمر به تريزل فاختار 1000 فارس وأردف كل واحد برجل من المشاة ولحق بالجيش الفرنسي بالقرب من هضاب أحميان قرب المقطع وقد كانت قوات الأمير قد زحفت على مؤخرة جيش تريزل لتفصلها عن المقدمة، وانقسم جيش الأمير هو الأخر بين اليمين واليسار ووقعت معركة عارمة كانت الهزيمة فيها لتريزل الذي أصبح وجنوده سجناء في آرزيو وكان هذا أعظم انتصار للأمير عبد القادر. (1)
ب- معركة سيدي إبراهيم:
خرج الكولونيل مونتانياك يوم 21 سبتمبر 1845 على رأس قوة تتكون من 346 جندي من قناصة أوربية و67 جندي من الهوسار و3 من كبار الضباط في مكان مسمى سيدي عبد الله وسمع الأمير هذا وفي صبيحة 23 سبتمبر أخذ الكولونيل مونتانياك قوة وأصطحب المأجور فور منمون وصعد بها إلى قمة الجبل الذي به 200 فارس جزائري قصد إرهابهم لكتهم لم يخافوا لان هذه هي خطة الأمير لاستدراجهم ثم بدأ الكولونيل بمطاردتهم وإطلاق النار عليهم لكنهم بقوا صامدين ليجد نفسه أمام قوة كبيرة أثناء المعركة التي قامت، وحينها دخلت قوتان جزائريتان الأولى بقيادة الأمير والأخرى بقيادة البوحميدي ففضل مونتانياك الانسحاب نظرا للخسائر التي تكبدها خاصة المأجور جيرو الذي أسره الأمير ولم يبق في المعركة من القوة الفرنسية إلا 82 جنديا هؤلاء الذين انتهزوا فرصة انشغال رجال المقاومة الجزائرية بجمع الغنائم ولجئوا إلى تحصين سور ضريح سيدي إبراهيم وفتحوا النيران على رجال المقاومة وقتلوا عددا منهم ثم أمر الأمير قوة صغيرة من المجاهدين بضرب حصار حولهم وظن الجنرال برال قائد ثكنة وهران إن المسالة خدعة من الأمير ورفضت القوة الفرنسية الاستسلام أمام قلة الذخيرة والمؤونة وحاول التسلل ليلا حتى وصلوا وادي أولاد أيري وهناك أنقض عليهم رجال المقاومة ولم ينجو منهم سوى 15 جنديا أخذوا أسرى.(1)
(1) ذاكرة الجزائر، صفحات من تاريخ المقاومة الشعبية عبر العصور، ص 168.
(2) ذاكرة الجزائر، نفس المرجع، ص172-178.