في شكل خطبة جمعة لأخيكم :
" الزوجُ و إيقاظ الدوافع النبيلة في نفس زوجته ".
الاستفتاح بما تيسّر ، ثم أما بعد :
معشر المؤمنين : مثلما تحدَّثنا في جمعةٍ سابقة عن مواقفَ ومعاملاتٍ تقومُ بها الزوجةُ المؤمنةُ المحتسِبَةُ لوجهِ الله تعالى ؛ توقظُ بها يقينًا الدَّوافعَ النبيلَةَ في نفسِ زوجِها ، نتحدَّثُ اليومَ مع الزوجِ عن مواقفَ ومعاملاتٍ يقومُ بها لوجهِ الله تعالى ؛ يوقظُ بها يقينًا الدَّوافعَ النبيلَةَ في نفسِ زوجته ، فتنشرحُ نفسُهَا ، وتقَرُّ عينُها ، وتتغيَّرُ حياتُها وطبائعها بإذن الله الواحدِ الأحد " : أقولُ أيَّها الزوج المؤمن : حاسب نفسَكَ على ما تسمع لوجهِ اللهِ تعالى ، وتدرَّج في التطبيق ، و اتَّقِ اللهِ في ذلك ، وسوفَ يفتحُ اللهُ عليكَ من حيثُ لا تحتسب :
الموقفُ الأوَّل : ثقافة احترامِ الزوجةِ وتقديرها و إكرامِها :
الزوجةُ - أخي في الله - نعمةٌ من نعمِ الله عليك ؛ وهبتكَ أعزَّ ما تملِك ، و حَبَسَت نفسَها عليك ، و نثرَت لكَ بطنَها فأنجبت لكَ على مكابدةٍ للآلامِ و الأوجاع ، و أنزلَتكَ في حياتها منزِلَةَ المَلِكِ الذي اختصَّ بما مَلَك، و اللهِ الذي لا إله غيرُهُ من كانَ كريمَ النفسِ ذا مروءَةٍ و عِزَّة تأبى عليه نفسُهُ أن يُهينَها أو يجرحَ إنسانيّتَها أو يمُسَّ كرامتَها بسوء ! : قال رسول الله r :" ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك " ( حسن : سنن الترمذي 3087) .
و اللهِ الذي لا إله غيرُهُ من كانَ كريمَ النفسِ ذا مروءَةٍ و عِزَّة قابلَ فضلَها و عطاءَها الفيّاض بالاحترام والتقدير والإكرامِ والإجلال لوجه الله تعالى أوَّلاً ، ثم لما أفاَءَ اللهُ عليه بسبَبِها من سكنٍ و نعمةٍ ومواساةٍ وخِدمَة ؟! .
كلمةُ شُكرٍ و ثناءٍ و اعتراف تلقاها منكَ عن صدق تقديرًا لجهودِها ؛ تعطيها دفقةَ حياةٍ و أمل ؛ تغيِّرُ حياتَها ، و توقظُ فيها الدوافعَ النبيلة ! ، فكيف لو كانت هذه الكلمةُ في رسالة sms أو مكتوبةً على ورقةٍ توضعُ لها في المطبخ أو كلماتٍ مكتوبةً على طارطة من الحلوى تعبّرُ عن الاعتراف بالفضلِ والتقدير للجهود ، فإن لم يكن هذا فهديَّةٌ صادقةٌ متواضعة بين الحين والحين ، تقديرًا لفضلها وعطائِها الفيّاض و تعبِها وخدماتِها الجليلة ، و اللهِ سوفَ تغيِّرُ حياتَها ، و توقظُ فيها الدوافعَ النبيلة ! .
فإن لم يكن هذا فاطلُب منها الدُّعاءَ لكَ في الصلاة أو عند الخروجِ أو عند السَّفر سوفَ يُشعرُها ذلك أنَّ لها قيمةً و اعتبارًا في حياتِك ! .
و اعلم أنَّ كل هذه اللمساتِ مع الاحتسابِ يأخذُ عليها المؤمنُ الأجرَ من الله ! ، ومع ذلكَ سوفَ يتحوَّلُ تَعَبُها و كدُّها إلى راحةٍ و سعادةٍ تزولُ بها الآلام ، و تنبعثُ بها الأحلام ، و تستيقظُ دوافعها النبيلة ، فتعطيكَ أكثر ، و تحترمك أكثر ، و تطاوعُكَ أكثَر ، بل و تبادِرُ لإرضائِكَ وحُسنِ خِدمتِك أكثر فأكثر ! ، وهذا ما نريدُهُ ونطمحُ إليه .
الموقفُ الثاني : ثقافةُ إظهارِ الرعايةِ و الاهتمام : هذا من أجملِ ما يستخرجُ الإحسانَ من الزوجة : كلماتٌ و تصرُّفاتٌ خفيفةٌ لطيفة يقومُ بها الزوج الرحيمُ يعبّرُ بها عن اهتمامِهِ بأهلِهِ ، تشعُرُ بها الزوجةُ أنَّ لها قيمةً و مكانةً في ذاكرتهِ ومشاعِرِه وحياتِهِ ، تنبعثُ بها و تستيقظُ دوافِعُهَا النبيلةُ ، فإذا بها تعطي أكثر ، و تحترم أكثر ، و تطاوعُ أكثَر ، بل و تبادِرُ لإرضائِكَ وحُسنِ خِدمتِك أكثر فأكثر ! : الإصغاءُ إلى الزوجةِ و حُسنُ الاستماعِ إليها بكلِّ صدقٍ واهتمام خاصَّةً مع الناس ، رفعُ اللُّقمَةِ إلى فَمِها بين الحين والحين فهي لكَ صَدَقَة ، الإسراعُ إلى حملِ شيءٍ عنها أو إتمامِهِ من بابِ مقاسَمَتِها أتعابَ الخِدمة ، مداومةُ السؤالِ عن صحَّتِها إذا اشتكت و إخبارُها بمَوعدِ الدواء ، تفريغُ يومٍ كاملٍ لها ولو في رُبعِ عام تقضيانِهِ بعيدًا عن صَخَبِ الحياةِ ومطالبِها التي لا تنتهي ، تدعيمُها بالأجهِزَةِ و الآلات التي تخفّفُ عنها الأتعابَ والمشاق في البيت . .
و المقصودُ أنَّ كل هذه اللمساتِ مع الاحتسابِ يأخذُ عليها المؤمنُ الأجرَ من الله ! ، ومع ذلكَ سوفَ يتحوَّلُ تَعَبُها و كدُّها إلى راحةٍ و سعادةٍ تزولُ بها الآلام ، و تنبعثُ بها الأحلام ، و تستيقظُ دوافعها النبيلة ، فتعطيكَ أكثر ، و تحترمك أكثر ، و تطاوعُكَ أكثَر ، بل و تبادِرُ لإرضائِكَ وحُسنِ خِدمتِك أكثر فأكثر ! ، وهذا ما نريدُهُ ونطمحُ إليه .
نسأل الله السلامة والعافية و نسأله التوفيق إلى ما يحب ويرضى ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب ، إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الموقفُ الثالث: تعويدُ النفسِ على القيامِ بالأعمال المشتركة :
أيتها الزوج المؤمن : إن كنتَ تريدُ أن تكسِبَ زوجتكَ و توقظَ في نفسِها الدوافعَ النبيلة فليكن للوقتِ الذي تقضيانِهِ سويًّا مكانةٌ خاصَّةٌ في قلبِكَ وحياتِك ! :
لماذا تقرأُ و تطالعُ وحدكَ أيُّها الحبيبُ وزوجتكَ المسكينةُ جالسةٌ وحدها أو نائمةٌ بجنبِك تبكي على انشغالكَ عنها بالكتابِ وغيرِه ؟! ، نادِ زوجتكَ للقراءةِ معًا ! ، وأخبِرها أنَّ هذا يُسعِدُكَ ويعطيكَ دافعًا قويًّا للاستمرارِ في المطالعة . افعل هذا على الدوام وفق برنامجٍ تتفقانِ عليه و أخبِرني هل تغيّرت زوجتُكَ و تحرّكت دوافعها النبيلةُ أم لا ؟!
لماذا تقومُ الليلَ وحدكَ أيُّها الحبيبُ وزوجتكَ المسكينةُ نائمة ؟! ، أو تظُنُّ أنَّكَ أطلبُ منها و أقدرُ على الأجر ؟! ؛ هيَّا أيقِظْها للقيامِ و قراءةِ القرآنِ معًا ، وأخبِرها أنَّ هذا يُسعدُكَ ويعطيكَ دافعًا قويًّا للاستمرارِ في القيام . افعل هذا ، و أخبِرني هل تغيّرت زوجتُكَ و تحرّكت دوافعها النبيلةُ أم لا ؟!
أيضًا جرّب المشيَ معها سويًّا على الأقدامِ ، في هدوءِ الليل ، أو في منتزَهٍ طاهرٍ نظيف ، جرّبِ السَّهرَ معها بدون أطفال ولو مرّةً في رُبع عام ، جرّب مسابَقَتَها أو منافستَها في لعبةٍ هادِفَةٍ ولو مرّةً في عام ، و أخبِرني هل تغيّرت زوجتُكَ و تحرّكت دوافعها النبيلةُ أم لا ؟!
جرّب اصطحابَها معكَ إلى المسجِدِ والرجوعَ معًا ، إلى معرِضِ الكِتَاب ، جرّب القيامَ بأيّ عملٍ هادفٍ مشترَكٍ إيمانًا واحتسابًا ، و انظُر كيفَ أعطاها دافعًا قويًّا للتغيير والتطوير و الإحساسِ بقيمتها و رسالتها في الحياة ! .
المقصودُ أيها الإخوةُ في الله : هذه بعضُ مواقف ، بل كنوز ، يقومُ بها الزوج المؤمن لوجه الله تعالى إيمانًا واحتسابًا ، واللهِ لها أعظمُ الأثر في استيقاظِ الدوافع النبيلةِ في ضمائر الزوجات ، و لكن أين من يعي و أين من يعقِل . . ؟! قليلٌ من قليلٍ من قليل !
نسأل الله التوفيق إلى حسن العلم وحسن العمل .. اللهم حبب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا،وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان،واجعلنا من الراشدين . وصل اللهم وسلم وبارك على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . .
منقول