1- مقدمـة:
شهدت ولاية جيجل على غرار العديد من مناطق الوطن العديد من المقاومات الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي , وكانت هده المقاومات شكل من أشكال الرفض الجزائريين لكل المشاريع الاستعمارية الرامية إلي مسح الشخصية العربية والإسلامية للجزائريين , ومن بين هده المقاومات الشعبية التي كانت منطقةجيجل مسرحا لها ومازالت الذاكرة الشعبية لسكانها تحتفض بها مقاومة مولاي الشقفة التي جرت في العشرين جوان عام 1871 إمتدادالمقاومة الشيخ المقراني بمنطقة القبائل و هو الاسم الذي أطلق فيما بعد علي بلدية الشقفة الواقعة جنوب شرق عاصمة ولاية جيجل وحوالي 25 كلم .
( عن جمعية الجيل الجديد أولاد زكري – الشقفة ) * يتبع *
2- مسيرتـه :
كان مولاي الشقفة رجلا متدينا تذهب بعض المصادر التاريخية إلي أنه إسمهالحقيقي هو الحسين بن أحمد. أقام زاوية بناحية السوق القديم بمنطقة الشقفة موطن إستقراره في منتصف القرن الخامس عشر ميلادي لنشر التعاليم الإسلامية ومبادئ الطريقة الرحمانية . وكان لهدا الشيخ المتدين القادم من منطقة العيون الكائنة من الصحراء الغربية علاقات متينة مع شيوخ القبائل المجاورة كالزواغة ومنطقة القبائل الكبرى .
( عن جمعية الجيل الجديد أولاد زكري – الشقفة ) * يتبع *
3- أسباب مقاومة مولاي الشقفة:
ظهرت مقاومة مولاي الشقفة نتيجة للضغوطات الممارسة علي السكان من طرف المستعمر بأشكالها المختلفة المعنوية منها والمادية والعقائدية ومن أهم الأسباب نذكر الأتي :
- صدور مرسوم كريميو سنة 1871 القاضي بمنح الجنسية الفرنسية لليهود الجزائريين .
- إصدار الإدارة الإستعمارية للعديد من القوانين التعسفية في حق الأهالي.
- مصادرة أراضي الأعراش من طرف المعمرين.
- فرض ضرائب وأتاوات باهضة علي الأهالي .
- اثر مقاومة الشيخ المقراني علي المناطق القريبة ومنها منطقة الشمال القسنطيني .
وعلي غرار العديد من المقاومات الشعبية التي شهدتها مختلف مناطق الوطن ضد الإستعمار الفرنسي لعب البعد الديني دورا أساسيا في تحريك الجماهير الجزائرية في ثورتها الرافضة لكل أشكال الإستغلال .
( عن جمعية الجيل الجديد أولاد زكري – الشقفة ) * يتبع *
4- دور مولاي الشقفة في مواجهة الإستعمار الفرنسي :
قدم مولاي الشقفة مساهماته لمقاومة الشيخ المقراني بمنطقة القبائل سنة 1871 من خلال فتحه جبهة ثانية ضد الفرنسيين , بالمنطقة الممتدة من ضواحي بني إيدر بالشقفة وأعالي بررج الطهر إلي غاية ضواحي ولاية ميلة.
لقد إستطاع الشيخ الحسين بن أحمد الملقب بمولاي الشقفة من كسب تأييد العديد من سكان قبائل المنطقة وشيوخهم ومن أبرزهم الشيخ إبراهيم بن عمر من قبائل بني عبيد والشيخ صالح بن صويلح من قبائل بني فرغان والشيخ أعمر بن رفاس من قبائل مسلم , وقد وحد صفوف المقاومة في منطقة جيجل مع الشيخ محمد بن فيالة مقدم الزاوية والمقدم الحاج العربي وبن الحاج محمد الصديق .
5- سير العمليات الجهادية:
تمثلت بداية العمليات الجهادية في الهجوم علي القافلة العسكرية الفرنسية بتاريخ 4 جويلية عام 1871 لتتوسع علي نطاق كبير في منطقة جيجل, حيث وقع الهجوم على مدينة جيجل في 04 جويلية من نفس السنة وألحق المجاهدون بالقوات الفرنسية خسائر بشرية ومادية معتبرة ومنها إنتقلت الإنتفاضة إلى شمال منطقة الميلية , قام إثرها المجاهدون بالهجوم على القوات الفرنسية المرابطة فيها , بعد دلك بدأت عملية التوعية بضرورة الإنخراط في صفوف المقاومة من منطقة إلى أخرى , فمن سكان عشيش وبني قايد والعقيبة إلى بني تليلان بالماء الأبيض , وقد أعتمد الشيوخ ومنهم محمد بن فيالة على مراسلة شيوخ وسكان هده المناطق لحمل السلاح وحثهم على تخريب المنشآت الإقتصادية التي أقامها العدو الفرنسي , وقد تم تخريب السكة الحديدية الرابطة بين منطقتي سكيكدة وقسنطينة كما تعرضت القرى التي أنشاها المعمرون بدورها إلى الحرق والتخريب و في يوم 27 جويلية 1871 خاض المجاهدون بقيادة كل من الحسين بن أحمد الملقب مولاي الشقفة و محمد بن فيالة معركة كبيرة ضد قوات العدو الفرنسي ، هاجموا خلالها منطقة ميلة و أتلفوا مزارع المعمرين. و نتج عن هذه المعركة التي وقعت في وادي شرشار وقوع خسائر كبيرة في صفوف العدو الفرنسي و في خطة إستراتيجية إنسحب حسين بن أحمد إلى قبائل الزواغة و بني خطاب و إستقر بينهم في حين لجأ محمد بن فيالة إلى قبائل بني حبيبي حيث أتى مع قواته على حرق مزارع المعمرين وغابات وادي الكبير ووادي الزهور ، و مع بداية شهر أوت من عام 1871 خاض المجاهد حسين بن أحمد و محمد بن فيالة عدة معارك ضارية ضد القوات الفرنسية التي كان على رأسهـا كل من الجنـرال دولاكروا والضابط أوبري . لينتقلا بعدها إلى مناطق أخرى لتوسيـع الإنتفاضـة، حيث وصـلا بقواتهمـا إلى عـين النخلـة ثم فج بينـان و منهـا إلـى جبـل سيـدي معـروف و جبـل قوفـي .
6- أسباب فشل مقاومة مولاي الشقفة :
إن الموازنة العسكرية في هذه الإنتفاضة بين القوات الجزائرية المشكلة من المتطوعين يحدوهم الجهاد و حب الإستقلال و طرد الكفر من أرض الجزائر، و قوة كافرة إستعمارية هدفها السيطرة على خيرات الشعب وإحتقاره و إدلاله بالقوة التي إستمدتها من تجاربها في خوضها لحروب كبيرة في أوروبا يعهدها الجزائريون من قبل ، بغض النظر عن العتاد العسكري المتطور آنذاك خاصة سلاح المدفعية التي إشتهرت به فرنسا الإستعمارية في تلك الحقبة .
إن قلة العتاد العسكري وضعف التخطيط العسكري و قلة الخبرة والتجربة الميدانية بالنسبة للإنتفاضة كانت العوامل الأساسية في إفشالها ، حيث تمكنت القوات الاستعمارية المدججة بالأسلحة و المعتمدة على الخونة في مراقبة رجال الإنتفاضة من محاصرة الثوار و إقتياد كل من البطلين الحسين بن أحمد و محمد بن فيالة أسيرين في 21 أوت 1871 ، لكن هذا الحدث لم يؤثر على إستمرارية الإنتفاضة حيث قام الشيخان القريشي بن سيدي سعدون ، و عمر بوعرعور بمواصلة الإنتفاضة في كل من القل وواد الكبير و فرجيوة ، غير أن القوات الفرنسية ألقت القبض على الشيخ القريشي في حين تمكن الشيخ عمر بوعرعور من الهروب إلى تونس بصفة سرية عن طريق بجاية إلى أن توفي هناك في منفاه .
7- ردود الأفعال الفرنسية :
كرد فعل لإنهزام مقاومة مولاي الشقفة بفعل التفاوت الواضح بين الآلة الإستعمارية و الأهالي من حيث العدة و العتاد قامت فرنسا بنفي القبائـل و الأعراش إلى الجنوب الشرقي للجزائر و منطقة كاليدونيا و تجريد الأعراش و القبائل المتمردة من أراضها