لماذا يتحدث البشر بلغات مختلفة؟
هل تساءلت ذات يوم.. لماذا يتحدث البشر بلغات متنوعة ومختلفة؟ في هذا التقرير نحاول
أن نجيب على هذا التساؤل والتفسيرات المتعددة له، ومعرفة الأسباب وراء احتفاظ
الشعوب بلغاتهم الأصلية وعدم توحيد اللغة حول العالم.
1- تنوع اللغات في الأساطير (أسطورة بابل)
تتحدث أسطورة بابل – من خلال “سفر التكوين”- عن أن الناس جميعًا كانوا يتحدثون
بلغة واحدة، وتجمع الناس في بابل لبناء مدينة وبرج عالٍ ومرتفع يصل إلى السماء من
الحجارة الصلبة لتمجيد إنجازاتهم – بدلًا من تمجيد الإله- ولكي يصبحوا مشهورين،
ولإظهار قدرتهم البشرية وأنهم قادرون على العيش مع بعضهم البعض ومساعدة أنفسهم
بعيدًا عن قدرة الإله.
وعندما علم الإله بمخططاتهم وتبين من أن تحدثهم بنفس اللغة يساعدهم على تحقيق ما
يريدون، أنزل عليهم عقابه وجعلهم يتحدثون بلغات مختلفة؛ مما أثار سوء الفهم واللغط
والارتباك والبلبلة بين السكان، ولهذا سميت باسم “بابل”.
2- نشأة اللغات واندثارها:
بعيدًا عن الأساطير، هناك عدد من النظريات التي تحاول تفسير أصل اللغة عن طريق عدد
من الأصوات التي قد يصدرها الإنسان عندما يضحك أو يغني أو عندما يشعر بالألم أو
الخوف أو الدهشة أو يلقي التحية، مثل أصوات: (تاتا، لا لا، يوهي هو، دينج دونج، بوه
بوه، بو وو).
وتعد النظرية الأشهر لتفسير أصل اللغة، هي التي تفيد بأن تطور اللغة له علاقة بالأدوات
والموارد، وتنبع من محاولة الإنسان لتسمية الأدوات والموارد التي يستخدمها حتى إذا
أرادها يذكرها باسمها الذي تم الاتفاق على معناه بدلًا من تكرر وصفها، فيسمي الأشياء
والموارد وأنواع الطعام والشراب، وبالتدريج تم تطوير اللغة وإرساء المفردات وتكوين
الجمل، وقد ساعد على تطوير اللغة أيضًا هجرة الناس من مكان لآخر بغرض التجارة،
ومحاولة التواصل مع بعضهم البعض.
وبشكل عام تكون كل مجموعة من البشر تعيش في مكان معين مفرداتها الخاصة التي
تختلف من جماعة لأخرى وتعيش بـ”معزل “عن الجماعات الأخرى، نظرًا لتعذر عمليات
الاتصال والتواصل والسفر بين البشر مع بدائية الوسائل والآليات قديمًا، بعيدًا عن وسائل
الاتصال التكنولوجية الحديثة التي قلصت المسافات وحولت العالم لقرية صغيرة.
ولم يكن هناك إنترنت، وقليل من الناس كانوا قادرين عل القراءة والكتابة، فكان من
الصعب معرفة الأخبار في المدينة المجاورة، فما بالك بمعرفة أخبار “الدول الأخرى”.
وكما ساعدت “العزلة” بين الجماعات في تكوين اللغات المختلفة فيما بينها، فإنها أيضًا
تساعد على اندثار بعض اللغات، فإذا غزت جماعة جماعة أخرى وهزمتها فإن ذلك يؤدي
أيضًا إلى اندثار لغة الجماعة المنهزمة.
3- لماذا لا يتحدث البشر بلغة واحدة بعد التقدم التكنولوجي؟
بعد التقدم التكنولوجي وتسهيل آليات التواصل بين الشعوب، يتبادر هذا السؤال: لماذا لا
نتحدث جميعًا بلغة واحدة؟ الإجابة تكون في أن لغة الشعوب دائمًا ما ترتبط بهويتها
وثقافتها وتاريخها وحضارتها لذلك فمن الصعب أن تتخلى الشعوب عن لغتها الأصلية،
ودائمًا ما يستهدف المستعمر الأجنبي اللغة بأن يفرض على الشعوب المحتلة اللغة
الأجنبية للنيل من هوية وحضارة الشعوب المستعمرة.
“لا انتصارَ لنا على العدو إلا بالعودة إلى ثقافتنا القومية ولغتِنا الأمِّ… حافظوا على صَفاءِ
لغتكم حفاظَكم على عيونكم، حَذارِ مِنْ أن تضعوا كلمةً أجنبية في مكانٍ بإمكانكم أن تضعوا
فيه كلمةً فيتناميةً”.
هكذا أكد قائد المقاومة الفيتنامية “هوشي مينه” أثناء الحرب الأمريكية ضد فيتنام، وهو
مثال يُرسخ سعي الاستعمار الأجنبي لفرض لغته ومقاومة الشعوب المحتلة لذلك، ودائمًا
ما يتم ذلك من خلال فرض اللغة الأجنبية كلغة أساسية في التعليم.
وفي مثال آخر بهذا الصدد، فبعدما قصفت أمريكا القنبلتين النوويتين على مدينتي
هيروشيما وناجازاكي؛ مما أدى لمقتل قرابة 200 ألف مواطن وهزيمة اليابان في الحرب،
فرضت أمريكا شروطًا متشددة ضد اليابان بحل الجيش الياباني وتغيير الدستور، تمسكت
اليابان بلغتها القومية في التعليم، ولم ترضخ للضغوط الأمريكية في هذا الصدد.
4- هل يستخدم البشر «لغة جسد» واحدة؟
إذا كان من الصعب على شعوب العالم أن يتحدثوا بلغة موحدة، فهل يُجمع الناس على
استخدام لغة جسد واحدة للتعبير الجسدي المعني دون استخدام اللغة اللفظية؟ الإجابة: لا.
فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن علامة “الإعجاب” على “الفيس بوك” والمنتشرة عالميًّا
لها دلالات مختلفة، فمثلما تعبر تلك العلامة عن “الإعجاب” وأن “الأمر يسير على ما
يرام”، فإن نفس العلامة تعبر عن دلالات سيئة ومُهينة إذا ما استخدمتها في دول
كإيطاليا، وروسيا، وأستراليا، واليونان، والفلبين، ومناطق بغرب إفريقيا، والعراق.
ومن التجارب التي تدل على تباين دلالات تلك الإشارة هو أن الجنود الأمريكان أثناء
غزوهم للعراق كان بعض العراقيين يلوحون لهم بتلك العلامة، وظن الأمريكان في بادئ
الأمر أن ذلك علامة لتأييدهم من العراقيين، ولكن تبين أنه في حقيقة الأمر كانت قصد
العراقيين بتلك العلامة السُباب والإساءة لجنود أمريكا.
5- ما الحل إذًا؟
أصبح الاختلاف بين لغات الشعوب أمرًا واقعًا يصعب التغلب عليه، لذلك فربما يكون من
الأفضل للشعوب الاحتفاظ بلغاتهم الأصلية كجزء أساسي من ثقافتهم وحضارتهم
وتاريخهم وأدبهم وهويتهم، وعدم فرض اللغات الأجنبية كلغة أساسية للتعليم، مع تعلم
اللغات الأجنبية الأكثر انتشارًا حول العالم، فمن الصعب على الشعوب التخلي عن لغتهم
الأصلية وفي نفس الوقت، لا بد من تعلم اللغات الأجنبية الأكثر انتشارًا لمواكبة التقدم
العلمي والتعرف على ثقافات الشعوب الأخرى.
sasapost