من أكبر الأسباب في تقدم الأمة بعلومها وقبولها لرتبة التنوير، وأهليتها للاختراع في معلوماتها أن تشب على احترام الآراء على الوجه الصحيح .
وقد كان للمسلمين من ذلك الحظ الذي لم يكن لغيرهم يومئذٍ من التسامح مع الأفكار، شهد بذلك التاريخ وأهله إلا المتعصبين منهم، مع ما كان بين أصناف أهل الآراء من التناظر والجدل، ولكنك لا تجد ذلك محفوظًا بتعصب ولا اضطهاد، كنت ترى الأشعري بين يدي المعتزلي لا يستنكف عن تلقي فوائده، والاعتراف له بحق التعليم، وترى السني يتعلم عن القدري وعن الفيلسوف الشاك ِّ، قد كان عمرو بن عبيد الزاهد الشهير من خاصة تلاميذ الحسن البصري رحمهما الله، وهو الذي كان مكلفًا بكتابة ما يمليه الحسن من التفسير الذي يرد به على القدرية والمعتزلة، وما كان يمنعه ذلك من المجاهرة باتباعه مذهب المعتزلة، ومن التحاقه بدروس واصل بن عطاء الغزال الذي قال له الحسن لما كثرت مناقشته: اعتزل مجلسنا. فكان عمرو بن عبيد يختلف إلى الدرسين جميعًا، وما كان ذلك يمنع الحسن من تكليفه بإملاء تفسيره، حتى استخدم اختلاف الآراء آلة للتشيع السياسي حين أذنت الدولة العربية والجامعة الإسلامية بالانحلال والافتراق اللذين تركا من الآثار ما نحن نتخبط في مصائبه ولأوائه حتى اليوم.
(منقول)