في ليلة صيف مضطربة بأمطارها الغزيرة ؛ليلة متأخرة من فصل الشتاء حيث إنعكفت على ـنفسي أحدث نفسي ألاطف إمتعاظي الذي كانت تذرفه وحدتي استلقيت ممددا على ظهـــري و أمعنت نظري في السقف ثم جلست على حافة السرير و أخذت أنظر من حولي فلمحــــت عنكبوتا تمشي بلطف و هدوء على طاولة النوم تتبعتها بنظرات ممزوجة بالحيرة و الفضـول كما لو أنها لم تكن مجرد عنكبوت و أخذت السهر حيث رماني على ضفاف عالم وجــــــدت نفسي أحدث تلك العنكبوت كما لو أنها تصغي إلى عصارة جنوني ،أنسجي يا عنكبوت رداءا خشنا على هذه العينة من الأيام و لا تتركي بيـــن خيوطك مجالا أو مسامات لهذه الآونة كـي تتــنفـــس الوجـود ..
انسجي ودعي ليالي مثل شرنقة لا تحلم أبدا بالضوء وبالخروج أرسمـــــي خيوطك أدغــــــالا وخرائط تعكس وجداني العميق ،دعي يا عنكبوت حكايتــي تبقى وتظل إلى الأبد حكاية صمت وتفن الدهور حولها وهي لا تزال قطعة صمت متحجر وضعي يا عنكبوت عند كل ركــن مـن أركانها مفتاحا مشفرا مختزلا في لـغــز أعمــق مــن هــويــة الــوجــود اصعــدي إلى السـقف و خطــــــــي متاهتي الضالة إلى أصحاب الهمم فالكثيرون من حولي هاهنـا لا يبحـثـــون عـن أشيائهم الثميــنة إلا عــلى بعــد أمـتــار مــن مــوضع القــــــــــدم ..
علمي يا عنكبوت الأجيال معنى الرقي و الحضارة خطي شبــــاكــك معلمــا و دعـيني أغـوص و أهيم في سراديبه و كهوفه الملغمة بالأسرار و المفاجـآت
علي أحظى في يوم ما بالوصول إلى بوابة النوم دونما عنـــــــــــــــــاء ..
حين أكون على هذه الطريقة لمست بأنامل كياني خيطا من خيوط النعـاس اللذيذ ،فأنا و حــــيث أنا و الأرق و الحرمان وأنت وحيث أنت و الصـمـت و الجــدران ،حكاية طـويلـة تمـليها الأيام للسـنين خفية عن يقظـة الجيـــران
سلميني يا عنكبوت ردائي الخشن في أقرب الآجال فقد نسيت أناملي ملمس الكتان و كم اشتاقت عيناي تقاسيم الألوان العالقة بالستائر المرفرفة علــى حواف النوافذ المفتوحة و بعدها دعيني يا عنكبوت أرتاح و أستريح مـــن فلسفة نور الشمس الذي يلاعب أوصالي في زوال متأخر مـــن كل ظهيــرة عبر أطلال نافذتي المصلوبــــــة بالمعــــــدن الخشـــــــن ..
أفلا تحـدثينــي يا شـــــريكــتـي قـــليلا عــن مــولـــد الصــباح و كيــف للنـــهار أن يغـــيــــــر
ملامحـه قبيل لحظة الوداع ،حدثيني عن مرح و طيش الأطــفال مـع حلــول كـل مساء و عـن تشكيلة الطيور و هي تحلق عاليا قبل المغيــــب ..
باختصار يا عنكبوتي ذكريني بالحياة وقبل أن ترحلي هلا رسمت علـــى أديم جدراني الصلبة و لو نافذة بغير قضبان ،فقد ضقت ذرعـا مـن ضيــق هـذا المكـان ،أو ارسميني كــومـة خـيوط متشابـكـــة و متــداخـلــة و اهــديــني لنـسيــم المـساء و دعيــني أرحــل رغـما عـن الحـواجــز و الأسوار دعيني أسافر خلسـة عن عقارب الأغلال و ثعابين السلاسل المسترسلة على أطراف جســــدي النحيف ،لأني يــا عنكــبوت أدرك أن معــنى الحــياة هـناك ليـس كمعنـاه هـا هنــا..
أنت دائمة الكتمان يا حشرتي اللطيفة ! لماذا لا تصرخين فقد ملت مسامعي من هواجس لصمت و السكوت ،عارضيني أو احتفلي معـي احتفـال التعسـاء وإلا لما لا تغـيري إقامتـك فهذا المكان لا يليق إلا لمجنون لا يـــدري مــا هـــــو عليــه أم إنـك مثلـي يـا عنكبـوت يـوم ولدت تجرعت حـظا مسمــــــــــــــــــوم .