من أقدم الكتب التي ألفت-بالعربية- في الأطعمة، وطريقة تهيئيها، كتب الأندلسيين، وتوجد الآن بمكتبة (الأسكوريال)، مخطوطات لبعض الأندلسيين، في هذا الصدد، كما توجد ببعض المكتبات الخاصة بالمغرب، مخطوطات منها، مثل مخطوط بمكتبة عائلة بنونة بتطوان، ونعلم أن أحد الإسبان الذين يهتمون بالثقافة العربية الأندلسية، يهيئ أطروحة حول مخطوط من هذا القبيل، يشرف عليه في هذه الدراسة، المستشرق الإسباني، دون غرسية غومس، أما الذي يقوم بتحضير ذلك الموضوع، فهو تلميذه السنيور فرنندو دي لاكرانخا.
وإذا ما تصفحنا كتب الآداب الأندلسية، والتراجم، فإننا لا نعدم أن نجد خلالها، ذكرا لبعض الأطعمة، التي ما زالت حتى الآن معروفة بالمغرب، مثل:
الإسفنج:
يقول الوزير الكاتب، أبو حفص عمر بن الشهيد، من رجال القرن الخامس، في إحدى مقاماته:
أخذي كذا بركــاب الضــيف أنزلــه *** ألد عندي من الإسفنــج بالعـســـل
التفايا:
من الأطعمة المعروفة بتطوان، خصوصا في أسابيع المواليد، يقول فيها ابن عمار صاحب المعتمد بن عباد:
تعلقتــه جوهــــــــري النجــــــار*** حــــلي اللما جوهـــري الثنايــــــا
من النفر البـيض أسـد الزمــــان *** رقاق الحواشـي كـرام السجايــــــــا
ولا غرب أن تغرب الشارقـــــات *** وتبقــى محاسنــها بالعشايـــــــــــــا
ولا وصل إلا جمـان الحديـــــــث *** نساقطــه من ظهـور المطايــــــــــــا
شئــت المثلـث للزعفـــــــــــران *** وملـت إلى خضــرة في التفايــــــــا
معروف قديما وحديثا في البلاد الإسلامية، ولكن مدلوله يختلف، والذي نجده في الأندلس، هو عينه الذي نجده بالمغرب، خصوصا تطوان، وقد وصفه ابن زمرك في أبيات له، يشكر فيها محمد الخامس، ابن الأحمر، على إهدائه إياه جفنة منه، فقال:
طعامك من دار النعيــم بعثتـــــــــه *** فشرفنــي من حيث أدراي ولا أدري
بهضبة نعمى قد سمونـا لا وجــها *** فصدنا بأعلاها الشهي من الطيــــــر
وقوراء قد درنا بهالــة بدرهـــــــا *** كما دارت الزهر النجوم على البـدر
فما شئت من طعم زكــي مهنــــــا *** وما شئت من عرف ذكي ومن نشـر
الثردة:
كانت معروفة في الأندلس كما هي في المغرب، يقول الأديب محمد بن مسعود، من رجال الذخيرة:
جنبونـــــــــــا سجيــة العشــــــــاق *** ودعونا من الهــوى والتــلاق
وأقلوا من البكاء على الرســـ ــــــــ*** ـم ولا تأسفــوا غـداة الفــراق
ما بشخص الحبيب بفرح ذو العقل *** ولا بالخـــدود والأحـــــــــداق
إنما الملك نردة مــن بقايـــــــــــــا *** من دجاج مسمنــات عنـــــاق
الدشيش:
معروف بالمغرب، كما هو معروف السميد. ويقول فيها الشاعر المذكور، نفس القصيدة:
وإذا قيـل لي بمن أنــت صــــــب *** وعلام انسكاب دمــع الاماقــــي
قلت بالــكبــاج والجمليـــــــــــات *** ورخص الشوا معا بالرقـــــــاق
وجشيش السميد أعـذب عنـــدي *** من رضاب الحبيب عنـد العنــاق
المجبنة:
كذلك معروفة خصوصا بتطوان، كما كانت معروفة بالأندلس، ومن قولهم المأثور: "من دخل شريش ولم يأكل المجبنات فهو محروم"، ذلك أن شريش، اشتهر-كما يقول المقري في النفح- بجبنها الذي تجود به المجبنات، وفيها يقول ابن جابر الدباح الإشبيلي:
أحـلى مواقعهــا إذا قربتهــــــا *** وبخارها فوق الموائـد سامــي
إن أحرقت لمــا فأن أوارهـــا *** في داخل الأحشـاء برد ســلام
ويقول فيها شيخ ابن الخطيب، أبو البركات البلفيقي:
ومصفرة الخدين مطوبة الحشـــــــى *** على الجبن، والمصفر يوذن بالخـوف
لها بهجة كالشمس عنـد طلوعهــا *** ولكنها في الحين تغرب في الجـوف
ويقول فيها ابن الأبار:
بنفسـي مثلجـات للصـــدور *** لها سمتــان من نـار ونـور
حوامل وهي أبكــار عــذاري *** تزف على الأكف مع البكـــور
كبرد الطل حين تــذاق طعمــا *** وفي أحشائها وهــج الحــرور
لها حالان بين فــم وكــــف *** إذا وافتك رائعــة السفــــور
فتغرب كالأهلــة في لهــــاة *** وتطلــع في يميــن كالبــدور
ولابن الأحمر الغرناطي من رجال القرن التاسع، فيها:
ورب محبــــوبـــــــــة شيــــدت *** كأنها الشمس فــي حــــلاها
فـــأعجب لحال الأنام:من قـــد *** أحـــبهـا منهــم قـــــــــلاها
ويقول فيها أبو اسحق إبراهيم بن المناصف القرطبي، الداني:
هات التي إن قربــت جمـــــــــــرة *** فهي على الأحشــاء كالمــــاء
وكلمـا عــض بهــا لائــــــــــــــم *** تبسمت عن ثغـــر حسنـــاء
تبريـة الظــــــــــاهر فضيـــــــــة الــ *** ــباطن لم تصنــع بصنعــــــــــاء
الرغايف:
كانت معروفة عندهم، على الصفة المعروفة بالمغرب الآن، يقول الوزير ابن الشهيد:
أو من رغائف كانــون ملهوجـــة *** أو رائب بقــري جيد العمــل
مجلة دعوة الحق، العدد 11، صفر 1402هـ / نوفمبر 1981م.
منقول