عصرنا هذا الذي نعيش فيه من أحفل عصور التاريخ بالصراع العقيديّ والفكريّ والاجتماعيّ والسياسيّ بمختلف درجاته
وصوره .وألقي نظرة شاملة على ساحة الصراع ، وأفتش فيها عن المرأة ، فأرى لها دوراً على كل المستويات .
وقد يتفاوت هذا الدور فيكون كبيراً أو صغيراً ، فاعلاً أو منفعلاً ، نافعاً أو ضاراً ، ولكنه دور ملموس لا يجحد وجوده ،
ولا تأثيره القويّ في الحاضر والمستقبل .لكن المرأة المسلمة فإنها لا يكاد يكون لها دور ولا وجود ونحن نخوض
معركة الإسلام على كلّ مستوى من المستويات ، وفي كلّ مجال من المجالات ومكان من الأمكنة .. والإسلام يحتاج
في معركته التاريخية هذه إلى سائر أبنائه رجالاً ونساءً ، يأخذ كل منهم مكانه المناسب ، في المجال المناسب ،
وتتكامل بينهم الجهود وتتساند في سبيل الله ، وتصل بهم جميعاً إلى الأهداف والغاية .
وكم يحزّ في نفسي عندما نتحدث عن أثر الإسلام في المرأة ، وعن الدور الكبير الذي أدّته المرأة المسلمة ، أننا لا نكاد
نجد في تاريخنا الحاضر إلا أمثلة نادرة لذلك ، فنرجع إلى تاريخنا الجليل القديم ، نقلّب صفحاته ، فنجد فيها أمثلة
باهرة تهزّنا هزّاً لما كانت عليه المرأة المسلمة من إيمان راسخ ، وصفات رائعة ، ولما كان لها من تضحيات
ومواقف خالدة ، ودور كبير في ظهور الإسلام .
يأخواتي المؤمنات الصادقات في كلّ مكان ، يجب أن نستأنف ماضينا الجليل ، الذي انقطع من زمن طويل .. إلى أن تكون
لنا كرّة أخرى ، في هذه الأيام المقفرة من البطولات ، والنماذج الملهمات ، خديجة وسميّة وفاطمة ..وأسماء أخرى .
يجب ألاّ يقتصر دورنا على رواية التاريخ ، ولكن يجب أن نصنع أيضاً التاريخ ، يجب ألاّ نكتفي بالحديث عن دور
أمهاتنا الكبير في الماضي ، ولكن يجب أن نؤديّ دورنا الكبير في الحاضر والمستقبل ، يجب ألا نقف عند
حدود الإعجاب ببطولات الأمهات الخالدات ، ولكن يجب أن نردّ على الدنيا تلك البطولات .
يجب أن نزيل اقتران الإسلام في الأذهان في حياة المرأة المسلمة بالجهل والعجز والسلبية ، ويجب أن نبرهن
بالواقع الحيّ لا بسرد النماذج التاريخية القديمة ، أنّ المرأة يمكن أن تكون مسلمة ملتزمة كل الالتزام بالإسلام
ومتعلمة قادرة ذات دور فعّال في ذات الوقت ، وأن الإسلام نفسه هو الذي يجعلها عالمة قادرة فعّالة
في مختلف الميادين التي يريدها أن تعمل فيها .
إن الإسلام هو للمرأة كما هو للرجل ، وإنّه ليعزّ على المرأة المسلمة أن ترى الإسلام ينحسر في مجتمعها
بل وعن بيتها أحياناً وأولادها ، وهي تقف موقف العجز والسلبية ، موقف المتفرج الذي ينتظر دوره
ليجرفه أو يجرف أبناءه – على الأقل – تيار الفساد والإلحاد والمذاهب المنحرفة .
أنا شخصيّاً أرفض هذا الموقف كل الرفض ، وأعتبره خيانةً لله وللرسول وللإسلام ، وخيانةً لنفسي
وأسرتي ومجتمعي .. وأدعو أخواتي المؤمنات في كل مكان إلى رفض هذا الموقف الذي لا ينسجم
مع الإيمان ومع كرامة الإنسان وتبعة الإنسان .
إن العمل للإسلام ، ولإنقاذ الإنسان والمجتمع بالإسلام ، هو في هذه الظروف فريضة على الرجل والمرأة
ومسبار لحقيقة الإيمان وعمقه في النفوس ..فيجب أن نتحرك أيتها الأخوات بكل ما نستطيع ، وأن نعبر
عن إيماننا بالعمل الواقعي الملموس ، الذي يريده الإسلام ، بالشكل الذي يريده الإسلام .
يجب أن نقوم بواجبنا وأن نربح بالعمل والتضحيات معركة الإسلام ، معركة الحقّ والإنسان .
إن المرأة المسلمة تستطيع أن تتعلم وتتثقف وتقوم بواجبها الكبير في أسرتها وفي مجتمعها وفي عالمها ...
وهي محافظة على دينها وخلقها ، وعلى مظهرها الإسلاميّ .. ويمكن أن تتخلى المرأة المسلمة عن دينها
وعن مظهرها الإسلاميّ ، وهي مع ذلك جاهلة تافهة ، لا دور لها إلا في الفساد والإفساد ..
إذا كان مقياس التقدم عند بعض الناس أن نتخلى عن الإيمان وعن الأخلاق وعن الإسلام ، فهيهات أن نصبح عندهم
في يوم من الأيام تقدّميّين ؛ ولكن هذا المقياس نفسه يدلّ على جهلهم وسوء قصدهم في وقت واحد .
يدلّ على الجهل ، لأن الإيمان والالتزام الخُلُقِيَّ كان وما يزال وسيظل من أهم مقاييس التقدّم البشريّ
ومن أهم أسباب السموّ والخير والسعادة في المجتمعات .
ويدلّ على سوء القصد ؛ لأن القضاء على الإيمان والأخلاق وسائر مقوّمات شخصيتنا الإسلامية مطلبٌ من مطالب
الصهيونية والاستعمار والتبشير في بلادنا ، لتفكيك وحدتنا ، وتحطيم مقاومتنا ، وتحقيق ما لا يزالون يطمعون
في تحقيقه ، على الصعيد الدينيّ والاقتصاديّ والسياسيّ ، وعلى كل صعيد حيويّ .. فهو عمل من أعمال
« الطابور الخامس » وليس عملاً من أعمال من ينشدون لأمتهم الحريّة والتقدّم الحقيقيّ والخير ..
والحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام العظيم ، فقد عصمنا الإيمان به من العبودية أولاً ، وزادتنا المعرفة المستنيرة
من بعد بصيرة بأن تعاليمه هي التعاليم المثلى للبشر في كل زمان من أزمنتهم ، ومكان من أمكنتهم ..