[frame="10 10"]الأخوة الإيمانية هى الساحر الخفى، أو قل السحر الحلال الذى نحتاج إليه جماعة المسلمين لحل المشاكل الإجتماعية، الإسلام يحتاج منا جماعة المسلمين أن نكون فيما بيننا صورة حيَّة لتعاليمه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الحجرات10
فكيف تكون أخوة الإسلام؟ وكيف نطبقها على مسرح الحياة؟
أن يُحِبَّ أحدنا لأخيه ما يحبُّ لنفسه، وإذا وضعت قلب أحدهم تحت الميكروسكوب الإلهي تجده نقيًّا من الغِلِّ والغشِّ والحسد والكبر والبغضاء والكره، إن الله يقول في شأن المؤمنين: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} الحجر47
وخذوا مثالاً قد يعرفه بعضكم ... يذهب بعض التلاميذ إلى بيت الإمام أبي حنيفة فيجدون عنده فئران، فيقول بعضهم: عندي دواء للقضاء على هذه الفئران، قال: وما هو؟ قال عندي قطة ماهرة إذا سمع الفئران صوتها فرُّوا جميعاً من البيت، فقال الإمام أبو حنيفة: وأين يذهبون؟ قال: إلى الجيران، قال: إذاً أكون قد آذيتُ جاري، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ما زالَ جبريلُ يُوصِيني بالجارِ، حتى ظَنَنْتُ أَنّهُ سَيُوَرِّثُهُ}{1}
أين هذا الحق الآن؟ الذي جعل جار أبو حنيفة اليهودي ينظر إليه في يوم شات وقد وقف قبالة بيته متحيراً وقتاً طويلاً، فقال له ما بك يا إمام؟ قال عندما مشيت في الوحل خرجت هذه القطعة من الطين فلصقتْ في جدار بيتك، وأنت قد نظفته ودهنته من قريب، فوقفت متحيراً إذا تركتها فقد آذيتك، وإذا أزلتها فأثرها أيضا يؤذي شكل بيتك، فهل تسامحني في ذلك؟ فقال: وهل دينكم يأمركم بهذا؟ قال: وأكثر من هذا، قال: إنَّ هذا لهو الدِّينُ الحقّ.
أين هذا من الجار الذي يؤذي مَنْ فوقه، ومن تحته، بمجاريه، أو بمياهه، أو بدقِّه، أو بوسائل ترفيهية من إذاعة أو تليفزيون أو فيديو، أو رائحة طعامه، أو غير ذلك مما يعجز العقل والوقت عن حصره؟ فقد وجد الإسلام مجتمعاً كلَّه عصبيات وأحقاد وصفات كلُّنا نعرفها وسمعنا عنها الكثير، ما الذى فعله؟ أصلح القلوب بكلام علاَّم الغيوب وبنُورِهِ الموهوب، فلما صلحت القلوب، طَهُرَتْ لله، فأصبحوا كما قال فيهم الله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الحجرات10
وأنتم تعلمون بعد ذلك الذي حدث، الذى كان يقسم بيته مع أخيه، والذي يقسم ماله، وكذا وكذا، وعندما جاء خير كثير وأراد النَّبِي صلى الله عليه وسلم أن يوزع الفيىء ويعطي فقراء المهاجرين على أن يردوا للأنصار ما تنازلوا لهم عنه قبلاً، أو أن يعطي الأنصار ويبقي للمهاجرين ما أعطوهم من المنازل وغيره، وخَيَّر الأنصار، فقالوا: لا يارسول الله بل أعطِ إخواننا المهاجرين وما أخذوه منا لا يردوه لنا، لأننا لا نرجع فيما خرجنا منه لله.
بمثل هذه التربية الإيمانية جهَّزهم النَّبِىُّ الكريم، فكان الرجل منهم تجده رجلاً في كلمته، صادقاً في وعده وأمانته، شهماً وذو مروءة في معاملته، لا يستبيح لنفسه أن ينكث العهد حتى مع الأعداء، ولا يسمح لنفسه أن يخون حتى ولو كان مع الكافرين، لأن الله قال للنَّبِي الأمين حتى في حالة الحرب: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} الأنفال58
أى اخرج إليهم للحرب بطريقة واضحة وعرفاناً بهذه التربية، وإيماناً بها، وحرصاً عليها، كان مجتمع المؤمنين الصادقين أجمعين في عهود الخلفاء الراشدين، وفى العصور الزاهرة في مبدأ الإسلام، ومن تبعه إلى يوم الدين.
فقد ورد أن رجلاً قتل رجلاً في خلافة عمر بن الخطاب، وأقرَّ بجريمته ولما قُدِّم للقتل، طلب مهلة أيام من عمر، وقال إنَّ له مالاً لا يعلمه أحدٌ غيره، ولى صبيةٌ صغاراً يريد أن يدلهم على المال وطلب المهلة لذلك. ثم ليرجع ثانية ليقتل. فقال عمر رضي الله عنه: وَمَنْ يَضْمَنُكَ؟ فتفرَّس الرجل – يعنى: نظر في وجوه القوم - ثم التفت إلى أبي ذر رضي الله عنه وقال: هذا الرجل يضمنني. فقال عمر لأبي ذر: أتضمنه؟ قال: نعم. قال: فإذا لم يَعُدْ تُقتل به؟ قال: أوافق
فأمهل عمر الرجل ثلاثة أيام، وغادر الرجل، ومرت الأيام الثلاثة، وفي اليوم الثالث اجتمعوا قبل مغيب الشمس بعد صلاة العصر ينتظرون، وأشفق القوم على مصير أبي ذر لأن الرجل لم يحضر، وبينما هم كذلك إذا بهم يرون أسودة من بعيد – يعنى: شيئاً أسود يتحرك من بعيد – فقالوا: انتظروا لعله يكون ذاك الرجل، وفعلاً كان الرجل، وكان يَجِدُّ في المسير لِيُوَفِّىَ بوعده.
فتعجب القوم وقالوا له: ما الذي جعلك تأتي بعد أن نجوت من القتل؟ فقال لهم منبهاً ومبيناً لحقيقة التربية الإسلامية: حتى لا يقال ضاع الوفاء بين الناس، فقال عمر لأبى ذر: فلما ضمنته يا أبا ذر وأنت لا تعرفه؟ قال: حتى لا تضيع المروءة بين الناس، فقال أهل القتيل: ونحن عفونا عنه حتى لا يضيع العفو بين الناس.
{1} رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن عمر وعائشة والبيهقي
[/frame]