التدخين
يُعتَبر التدخين من أنواع البلاء الذي عَمَّ وشاع في بلاد الإسلام، بل في العالم برمَّته، وممّا يدل على ذلك أنذه لا يكاد يخلو بيتٌ واحد ولا عائلةً إلا وفيها فردٌ أو أكثر يمارسون هذه العادة السيئة، ومهما حاول الإنسان غير المدخِّن الابتعاد والهروب من تلك الرائحة الضارة والكريهة، إلا أنّه لا بد له من التعرّض لها بشكلٍ أو بآخر، وقد قامت مُعظم الدّول وخاصّةً المُتقدّمة بحظر التدخين في الأماكن العامّة نظراً لخطورته وضرره البالغ على الأشخاص عموماً، كما عمدت بعض الدول إلى إنشاء مرافق خاصّة للمدخنين ليتم فيها عزلهم عن المجتمع المُحيط بهم، دفعاً لضرر تلك المادة.
أما من الناحية الشرعيّة للتدخين فقد حصل نقاشٌ كبيرٌ بين عوام الناس وعُلمائهم بخصوص حكم التدخين، وهل هو محرمٌ أم مكرهٌ أم مُباح، وإن كان التدخين مُحرّماً فما هو دليل حرمته، وإن كان مكروهاً فما دليل ذلك، وهل للتدخين تأصيلٌ شرعيّ قِيس عليها حكمه أم أنّ من حَكَم عليه اتّبع هواه في ذلك ورأيه المطلق؟
تعريف التّدخين
التّدخين هو عمليّةٌ يجري فيها إحراق مادّةٍ مُعيّنة عن طريق استنشاقها مُباشرةً عن طريق الفم، والمادة الأكثر استخداماً في ذلك هي مادة التّبغ، وبعد إحراقها يتذّوقها الشّخص ويَستنشقها.[١] ويوجد للتدخين أصناف يُعرف بها، ويمكن للمُدخِّن الوصول إلى حاجته من استنشاق المادة المحروقة عن طريقها، وهي السجاير، والشيشة أو الأرجيلة.
حكم التدخين
لم يأتِ ذكر بحرمة التَّدخين وحكمه صراحةً ولا ضمناً في أيّ نصٍ نبويّ أو آية قرآنية، بل عندما أراد العلماء المعاصرون إيجاد حكمٍ شرعيٍ له قاموا باستقراء وجمع النصوص الشرعيّة والمسائل التطبيقيّة، وتحليل مقصود الشارع الكريم في تحريم بعض الأفعال أو كراهيتها أو إباحتها، ثم بعد ذلك عمدوا إلى مسألة حرمة التَّدخين؛ فحلّلوا مُحتواه ومضمونه، وطبّقوا تلك القواعد على التدخين حتى وصلوا إلى حكمٍ شرعي له، وبعد استنفاد جميع الأدلة وجد الثقات من العلماء وخصوصاً المعاصرون الحكم الشرعيّ للتدخين.
يرى الغالبيّة العُظمى من العلماء أنّ حكم التدخين هو التّحريم، فيكون المرء آثماً إذا لجأ إلى التدخين بأنواعه، كالأرجيلة أو الشيشة والسجاير، وكل ما هو مُشتقّ من مادة التبغ، وقد استند من قال بأن التدخين مُحرَّمٌ على عددٍ من الأدلة الصحيحة كالقرآن والسُنّة والإجماع، وبعض الأدلّة العقليّة وأهمّها نهي النبي -عليه الصّلاة والسّلام- عن إلحاق الضرر بالنفس أو بالغير، وقد أثبت الطبّ الحديث أنّ من يُمارس التدخين يُلحق الضرر بنفسه كما يُلحقه بغيره، أمّا أدلّتهم من القرآن والسنة فمنها ما يأتي:[٢]
قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)،[٣] يقول أصحاب رأي التحريم إنّ الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية يُخاطب المسلمين بأنّه أحلَّ لهم كلّ ما كان طيّباً من الطعام والشراب والأقوال والأعمال، وحيث إنّ التدخين ليس من الطيّبات فيكون ممّا حرمه الله.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)،[٤] أباحت الآية أكل وشرب ما كان طيّباً في طعمه وطبيعته من المأكولات أو المشروبات، وما لا يُلحِق الضرر بالإنسان، ومفهوم المُخالفة المأخوذ من الآية أنّ ما كان فيه ضررٌ أو كان يُعتَبر من الخبائث في الأكل والشرب فهو محرَّم.
ثبت أنّ النبي -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (لا ضَررَ ولا ضِرارَ)،[٥] فلا يجوز للمسلم أن يُلحق الضرر بنفسه، والتدخين يُضِرُّ بالصحة كما ثبت بالأدلة الطبيّة، ولا يجوز للمسلم كذلك أن يُلحِق الضرر بغيره من الناس، وقد ثبت أنّ التدخين يُؤثّر سلباً على من يشمّ رائحته، وذلك من خلال عدّة أمور أهمّها أنه يُسبّب الأمراض من خلال تنفّسه لغير المدخِّن، وأنّ في رائحته ضرراً لمن يشمّه فيُؤدّي ذلك إلى نفوره ممن يجده منه.
أثبت العلماء الثقات من أهل الاختصاص بالطب أنَّ التدخين يُسبّب إصابة صاحبه بسرطان الرّئة بنسبة ترواح 9/10 من المُصابين بسرطان الرئة في العالم، كما أنّ التدخين سببٌ للإصابة بأمراض القلب، وانسداد الشرايين، والجلطات الدماغيّة، والتهاب القصبات الهوائيّة وغير ذلك من الأمراض الخطيرة، بل إنّ بعض العلماء قد وصفوا مادّة التبغ الموجودة في الدّخان ومُشتقّاته بالمُخدّارت.
استدل القائلون بحرمة التدخين بالحديث الذي روته أم سلمة رضي الله عنها حيثُ قالت: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ)،[٦] وكما سبق بيانه من اعتبار بعض العلماء أنّ التدخين يحوي موادَ مُسكرةَ تتّصف بنفس صفات المُخدّرات والمُسكِرات، فيكون التدخين مُحرّماً.
تجدر الإشارة إلى ظهور بعض الأقوال في كراهية التدخين وعدم كونه مُحرماً، وتستند أدلة أصحاب هذا القول إلى أنه لا ينبغي تحريم شيءٍ من الأمور إلا إذا ورد نصٌ صريحٌ يُفيد بتحريمها، ولم يأت نصٌ صريح يُفيد بتحريم التدخين، إلا أنّ الذين قالوا بذلك لا يرتقون لمرتبة الاجتهاد ولا حتى إلى أن يُعتَبر قولهم رأياً يُؤخَذ به، كما أنّ ما اعتمدوا عليه من الأدلة لا يصلح الاستدلال به كون عامّة أهل العلم قد استدلّوا على تحريم التدخين بنصوص جاء فيها تحريم أشياء تشترك في العلة من تحريمها مع التدخين، وهو ما يُعرف عند المسلمين بعلم القياس، وقد جرى القياس على أمور أعظم خطراً من التدخين.
مخاطر التّدخين
يُسبّب التّدخين مجموعةً من الأمراض التي تُصيب جسم المُدخّن ومن يُجالسه، ناهيك عن مخاطر التدخين الماديّة التي تتمثّل بإهدار مال المُدخِّن من أجل إحراق شيءٍ لا يُدر عليه أي منفعة جسميّة، بل إنّه فوق ذلك يلحق الضّرر بجسمه، ومن الأمراض التي يمكن أن يُصاب بها المدخِّن ما يأتي:[٧]
زيادة فرصة إصابة المدخن بالجلطات الدماغية بنسبٍ مُرتفعةٍ جدّاً.
السكتة القلبية: حيث تصل نسبة إصابة المدخن بالسكتة القلبية إلى ما يراوح 9/10 ممن يُصابون بالسكتات القلبية في العالم.
خطر إصابة المُدخّن بسرطان الرئة بشكلٍ خاصّ، وبغيره من السرطانات بشكلٍ عام.
خطر إصابة المُدخّنين بأمراض الرئة، كاحتباس الرئة وغيره من الأمراض