الحمـــامة البيضاء وغصــن الزيتــون
... أعلام بيضاء و رايات بمختلف الألوان تغطي الأزقة و الشوارع
جداريات عملاقة تتحدث و تغني للأمل و الحلم في صمت ..
و بالمثل في كل فناء و كل ساحة ..
قاعات مختنقة بالضوضاء .. رجال دين ، ورجال سياسة و أعمال
ممثلين عن أحزاب و جمعيات طلابية و نسوية ..
وزراء و أمناء مختلف الهيآت ...
كلهم حاضرون و آخرون في الطريق للحضور ..
هكذا دوما في أعز المناسبات و في مثل هذه التظاهرات .. إجتماعات طارئة أو ربما مسطرة في برنامج السنة
.. المحور واحد و الموضوع واحد و المقصد واحد
و قبل إنطلاق التظاهرة و إفتتاح .................................................. .............
.. حمامة بيضاء تطلق في الاجواء من على غصن زيتون أخضر
رمزا للسلام رمزا للآمان
.. فقط حتى يتسنى نقل الحدث بكل تفاصيله و إيصال الصورة الحية بالصوت النقي
للذين تعذر عليهم الحضور .
مختلف القنوات و الإذاعات مهيأة لأجل ذلك لإستكمال نشرات الأخبار ..
ماذا قالوا ماذا قرروا أصحاب القرار ..
حتى الصحافة المكتوبة لم تخيب ظن المسؤولين فقد غطت الحدث و أسالت أقلامهم الكثير من الحبر و استنفذت كما معتبرا من الورق عبر الجرائد اليومية و الأسبوعية في انتضار الشهرية و الموسمية ...
الكل يسرد و يصيغ أسطورة الحمامة البيضاء و غصن الزيتون ..ورحلتها الشاقة في البحث عن السلم و السلام
.. الحديث كثر و الأخبار تزاحمت و الألفاظ تغيرت و أخذت لنفسها حلة من مختلف الألوان .. إلا الواقع الذي رفض أن ينظم إ لى حفـــل تكريم الحمامة المغلوبة على أمرها ..
.. و لكن أين جوهر الموضوع ؟ أين السلم أين السلام أين رسالة الحمام أين الحكمة من كل الكلام
للأسف لا وجود لكل هذا إلا في الأذهان و أعمدة الجرائد و تفاصيل النشرات و الأخبار
.. كما إبتدأ الإجتماع بإلقاء كلمة المناسبة و التصفيق دون إنقطاع .. إنتهى كذلك بابتسامات عريضة مع التصفيق طبعا .
يأتي الإختتام و يسدل الستار ..
ولكن خارج هذا الإطار ماذا يحدث بالضبط في الميدان..
ماذا يحدث للإنسان الذي كان محور كل كلام
.. المدافع لا تزال مصابة بالزكام و دوي قذائفها يهز جميع الأركان
سعال الدبابات و قهقهات الرشاشات و سخرية الأرض من جثث الأموات
.. لهو الأرياح بعفن الأجساد المترامية و أنين الصبية
صواريخ لا تلتزم بإتفاقيات ترسيم الحدود و تهدي آلاف الأجساد في لحظات للدود
همسات أسلحة الدمار الشامل في أروقة أرقى المكاتب و حديث عن موعد ..........
كل شيء يغني للحرب وكل شيء يهتف باسم الدمار..
كل شيء هنا وهناك يهزأ بالسلم و السلام ..
برك حمراء .. بقايا أعضاء بشرية .. في كل مكان تتناثر الجثث و تتطاير الأشلاء
الألغام تصرخ تحت الأقدام ............................ و يختفي صراخ الأطفال ..........
تقصف المدن و القرى حيث لا مفر من الموت .......................
من تحت الأنقاض ترتفع الأرواح إلى السماء .. عمارات ساجدة و أخرى راكعة .....
حيث الموت يهرع في عشوائية و يسير مع الهواء ... من يريد أن يحي من يريد أن يبقى ..........................
فقد صار الموت الآن أعمى .. هنا و هناك
جرائم من الإنسانية و ضد الإنسانية مجازر جماعية و تصفيات فردية و عرقية
كلها سواء .. حيث الحياة لم تعد أشبه بالحياة .. وبعد أن يتم كل هذا يهدأ الموت و يستريح من ضفة لأخرى و تعود من جديد الأصوات ..................................
و لكن هذه المرة التنديد بالحرب و الدمار ..
الكل يعيد صياغة أسطورة الحمامة البيضاء و غصن الزيتون بطريقته الخاصة
.. اليوم إجتماع طارئ .. إجتماع بالإجماع بالتنديد الشديد ..
قرب الموعد .. و لكن هناك مشكل . لقد أبيد جميع الحمام لم يبق إلا أسراب الغربان
ما العمل الأن..قد بدأ العد التنازلي للافتتاح القديم الجديد..
الزوار يتوافدون وفيهم شخصيات مرموقة جدا عليكم بايجاد حمامة بيضاء في أقرب وقت ممكن..
دعكم من ذلك الأن.. اللحظات تداهمنا عليكم اذا بغراب أسود..قلموا منقاره الخشن
واطلو ريشه بالأبيض.. فقط حتى يتسنى للحظور بتدشين أهم مشروع لبني الانسان.