"نتنياهو" وحساباته الخطأ
خالد معالي
للوهلة الأولى ظن "نتنياهو" وفكر وقدر أن تلبية مطالب المتشددين في حكومته بالمزيد
من الضغط والتضييق على الفلسطينيين، وعدم الإفراج عن 30 أسيرًا من المؤبدات
وسن القوانين الباطلة ضدهم، ونهب ومصادرة الأراضي، والمزيد من الاعتقالات
ستردع الفلسطينيين، وتجعلهم يستسلمون للأمر الواقع، ويرفعون الراية البيضاء
راكعين مستجدين، وعلى هذا لا يوجد ما يخسره في ظل الفارق الكبير في موازين
القوى، بل المزيد من الإنجازات والتأييد، وزيادة رصيده.
سرعان ما راح "نتنياهو" يدفع ثمن حساباته الخطأ في السياسة؛ فما جرى في الخليل
من فقدان ثلاثة من المستوطنين قلل من رصيده الجماهيري، وجعله في قلق دائم
ومستمر، ومعه "الجيش الذي لا يقهر".
يستطيع "نتنياهو" في الأيام القادمة التصعيد كما يشاء، من قتل واعتقالات، وإبعاد،
وإغلاق المناطق، ولكنها كلها بمجملها لن ترفع من رصيده وشعبيته المتهاوية؛ كونه
أخطأ منذ البداية بعدم الالتزام بما وقعه من الإفراج عن 30 أسيرًا قضوا عشرات
السنين في الأسر منذ ما قبل (أوسلو).
أخطأ "نتنياهو" أيضًا عندما أطلق العنان لغروره وصلفه بتجاهل مطالب الأسرى
الإداريين المضربين عن الطعام منذ قرابة شهرين، وعدم الاستجابة لها، وكأنهم ليسوا
من البشر، وليس لهم حقوقهم وإنسانيتهم.
وأخطأ مرة أخرى عندما سن قوانين جائرة بحق الأسرى، وأخطأ بتهوره في استخدام
القوة الكبيرة والغاشمة ضد شعب مسالم لا يطالب بسوى حقوقه العادلة والمشروعة
التي تقرها القوانين والشرائع الدولية كافة.
لو أن "نتنياهو" استجاب لمطالب الأسرى العادلة، وأفرج عن 30 أسيرًا من المحكوم
عليهم بالمؤبد، وأوقف وحش الاستيطان والاعتقال والتضييق على الفلسطينيين؛ لحشر
فكرة أسر جنود ومستوطنين في الزاوية، ولوفر على نفسه و(الإسرائيليين) المزيد من
الخسائر.
"نتنياهو" هو من قتل الأمل لدى أهالي الأسرى والشعب الفلسطيني وقواه بالإفراج
عن أبنائهم ضمن مسيرة سياسية بإصغائه للمتشددين والمتعصبين، وكأنه يقول
للفلسطينيين: "لن تفرحوا بأبنائكم الأسرى إلا على شاكلة صفقة وفاء الأحرار
(شاليط)".
"نتنياهو" بحساباته الخطأ، وبممارساته وفرضه الوقائع على الأرض بقوة السلاح
حشر الفلسطينيين في زاوية ضيقة جدًّا، وأجبرهم على التفكير بطرق عديدة للإفراج عن
أسراهم بعدما تنكر لما وقعه قبل أن يجف حبره.
إن صح أن المقاومة الفلسطينية هي من أسرت المستوطنين الثلاث؛ فإن "نتنياهو"
وحده بسبب حساباته وتقديراته الخطأ يتحمل ما آلت إليه الأمور، أو ما ستؤول إليه
من تصعيد وتدهور لا يعرف إلا الله مداهما، وإلى أين سيصل بالمنطقة الملتهبة أصلًا.
في المحصلة مهما كانت ردة فعل "نتنياهو"؛ فهو الآن يمر بمرحلة ردة الفعل، وهو لم
يصنع الحدث، وستبقى الريادة لمن صنع الحدث بداية، ومهما سيقوم به "نتنياهو" من
خطوات فهي حتمًا مدروسة من قبل صانعي الحدث، وكل المؤشرات تشير إلى أن الكيان
العبري ما عاد له من الريادة والقوة وصناعة الحدث ما كان له في السابق، وما عاد
يملك القدرة على ردع من يفكر بالمساس به.