عام على إبادة الروهينغا
قبل عام من تاريخ 10 يونيو/حزيران 2013، اندلعت أحداث الإبادة والقتل والتهجير
القسري والحرق والاغتصاب التي تجددت على شعب الروهينغا المسلم في إقليم أراكان
المسلم بميانمار، وقد راح ضحية هذه المجازر عشرات الآلاف من المسلمين الروهينغا
ومئات الحالات لاغتصاب المسلمات الروهينغيات ومئات الآلاف من المشردين واللاجئين
الذين أحرقت قراهم وصودرت ممتلكاتهم.
خلال هذا العام الطافح بالدماء في أراكان بورما، تتوالى الهبات والمنح على دولة
ميانمار، وتتواصل التسويات السياسية والاقتصادية معها من قبل الدول الكبرى وعلى
رأسها أميركا، ففي تطور جديد للعلاقات بين ميانمار وأميركا، قام الرئيس الميانماري
ثين سين بزيارة رسمية إلى أميركا قبل شهر تقريبا، وتعد هذه الزيارة الأولى لرئيس
بورمي منذ العام 1996 بعد أن قام الرئيس الأميركي باراك أوباما بزيارة لميانمار في
جولته الآسيوية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وسمح قبلها لجميع الشركات
الأميركية بالتبادل التجاري مع ميانمار ورفع الحظر عن التعامل معها، إلى غير
ذلك من التسهيلات التي منحتها أميركا باسم توطيد الديمقراطية والإصلاح في البلاد.
المتتبع للعلاقات الأميركية الميانمارية يلحظ بجلاء تقدما مستمرا في الأشهر الماضية مع
دولة تحتضن الروهينغا الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم حسب تصنيف الأمم المتحدة،
وكشفت المنظمات الدولية تورط عسكرها في عدد من الجرائم البشعة بحق الروهينغا،
ولعل الأمر الذي يعترف به خبراء العلاقات الدولية أن للمصالح الاقتصادية في المقام
الأول ثم السياسية دورا في تقدم هذه العلاقة رغم موجات العنف والاضطهاد الذي
يمارسه البوذيون بالشراكة مع قوات الأمن الميانمارية ضد أقلية الروهينغا الذين
حرموا الجنسية والمواطنة بموجب قانون عام 1982 وتعدهم ميانمار دخلاء.
تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الذي صدر مؤخرا بشأن أحداث العنف المتزايدة في
ميانمار في (153 صفحة)، كشف عما جرى ويجري في ميانمار وعلى وجه الخصوص
في إقليم أراكان (راخين)، ويعد هذا التقرير هو الرابع منذ اندلاع شرارة العنف ضد
مسلمي الروهينغا في ميانمار في يونيو/حزيران 2012.
وجاء هذا التقرير الفاضح الذي كشف تواطؤ نظام هذه الدولة الآسيوية مع عصابات
البوذيين في شنّ عمليات تطهير عرقي وقتل وحشي وإبادة جماعية وتهجير قسري
واغتصاب للفتيات المسلمات، في وقت ارتفعت فيه وتيرة الاضطهاد ضد الأقلية
الروهينغية التي تصنفها الأمم المتحدة الشعب الأكثر تعرضا للاضطهاد في العالم.
وتتركز أهمية هذا التقرير في جوانب مهمة، منها أنه استند في معطياته ونتائجه على
الواقع حيث سافرت هيومن رايتس ووتش إلى إقليم أراكان ووقفت على حقائق الجرائم
التي تمثلت في إحراق عدد كبير من قرى المسلمين، ورصدت ذلك عبر الأقمار الصناعية
كما التقت عددا من أبناء عرقية الروهينغا وأجرت مائة مقابلة معهم ومع بعض المنظمين
لأعمال العنف والإبادة.
من جانب آخر تأتي أهمية هذا التقرير في كشفه لجذور المشكلة وإفصاحه عن حيثيات
الاضطهاد الواقع على الروهينغا، فقد أوضح التقرير بجلاء أن ما يحصل من عنف وإبادة
ليس عنفا طائفيا كما كان يتوقع البعض حيث جاء في التقرير ما نصه "قال فيل
روبرتسن نائب مدير قسم آسيا في هيومن رايتس ووتش إن هناك "تورطا لمسؤولين
محليين وقيادات مجتمعية في جهد منظم لشيطنة وعزل السكان المسلمين تمهيداً لهجمات
المسلحين".
وأضاف "كما أنه منذ بدء إراقة الدماء لم تتحرك الحكومة المركزية بأي شكل لمعاقبة
أولئك المسؤولين عن الانتهاكات أو لوقف التطهير العرقي بحق المسلمين المهجرين
قسرا، أماطت هيومن رايتس ووتش اللثام عن أدلة على أربعة مواقع لمقابر جماعية
في ولاية أراكان: ثلاث مقابر جماعية تعود إلى ما بعد أحداث العنف مباشرة في
يونيو/حزيران 2012 وموقع واحد من أحداث عنف أكتوبر/تشرين الأول 2012 .
قالت هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن دأبت على إعاقة المحاسبة والعدالة إذ حفرت
المقابر الجماعية من أجل طمس الأدلة على ما وقع من جرائم.
وفي السابق كانت شكوك المتابعين لأحداث ميانمار تسيطر على موقف الحكومة حيال ما
يقع على الطائفة الروهينغية من ظلم واعتداء وإحراق، وكانت الحكومة البورمية تصرّح
بين الحين والآخر بأن هنالك جهودا تبذل في منع وقوع أي صراعات دموية، وأنها تسعى
لردم الهوة الطائفية في البلد.
ولكن هذا الشك تبدد تماما وبانت الحقيقة كالشمس حيث كشف التقرير بما لا يدع مجالا
للريبة أن السلطات الميانمارية متورطة في كل الهجمات الوحشية والاعتداءات التي
وقعت للمسلمين الروهينغا، فقد قال فيل روبرتسن في التقرير "لقد تورطت الحكومة
البورمية في حملة تطهير عرقي ضد الروهينغا، هي مستمرة حتى اليوم، من خلال منع
المساعدات وفرض القيود على التنقلات. على الحكومة أن توقف فورا هذه الانتهاكات
وأن تحاسب الجناة، وإلا فسوف تحمل مسؤولية المزيد من أعمال العنف ضد الأقليات
العرقية والدينية في بورما".
ويضيف التقرير أن "دور حكومة ميانمار والسلطات المحلية في التهجير القسري لأكثر
من 125 ألف شخص من الروهينغا وغير ذلك من الطوائف المسلمة، والأزمة الإنسانية
القائمة. نظم مسؤولون بورميون وقيادات مجتمعية ورهبان بوذيون أبناء طائفة أراكان
وشجعوهم بدعم من أجهزة الأمن، على شن هجمات منسقة ضد الأحياء والقرى المسلمة
في أكتوبر/تشرين الأول 2012 من أجل إرهاب السكان وتهجيرهم قسرا".
وهنا يحدد التقرير ثلاث مجموعات متورطة في الجرائم، وهم: مسؤولون بورميون
وقيادات مجتمعية ورهبان بوذيون. وهذه الفئات الثلاث نفذت خطط الإبادة الجماعية ضد
الروهينغا، ويجب ألا يغفل هذا الموضوع كعامل مؤثر في القضية برمتها. وعلى المجتمع
الدولي أن يتابع تفاصيل هذا التقرير ويقوم بما يجب القيام به من معاقبة المتورطين
ومحاسبة المتسببين في إطار من الشفافية والوضوح.
وبعد عام كامل تتوارد الأسئلة الملحة من وراء هذا الملف الملطخ بدماء الأبرياء، ماذا
قدمت دول العالم لإنقاذ شعب يباد أمام سمعه وبصره! ولماذا سكتت دول العالم الحر
حيال ما يجري هناك من انتهاكات صارخة؟ لماذا لم نر أي تحرك دولي ضد حكومة
ميانمار لصد خطواتها الوحشية في حق أبناء هذا الشعب؟ وكيف يمكننا أن ننقذ ما
تبقى من أرواح ونحافظ على البقية الباقية هناك، حتى لا يحكي التأريخ عن هذا
الشعب يوما من الأيام ونكون نحن شهود المجزرة الصامتين.
صلاح عبد الشكور
المصدر: الجزيرة