هجومات الشمال القسنطيني

[hakimdima]

تعتبر هجومات الشمال القسنطيني منعطفا تاريخيا هاما في مسيرة الثورة التحريرية الكبرى إذ تميزت الأحداث بالشمولية، أي شمولية العمل المسلح واستمرار يته. حيث قررت القيادة بمؤازرة الجماهير الشعبية في قلب المدن والقرى أن تشن هجوما أدخل الرعب في صفوف العدو وجعل فرنسا والعالم أجمع يتأكد بأن ما يجري في الجزائر هو تصفية الاستعمار الغاصب، وبذلك صدقت مقولة أحد رموز الثورة وقادتها الأوائل العربي بن مهيدي: " ألقوا بالثورة إلى الشارع فسيحتضنها الشعب"(2)


1- 1 الأبعاد الإستراتيجية لهجومات 20 أوت 1955:
1-تخفيف الضغط عن منطقة الاوراس بالعمل على تشتيت قوات العدو. (1):
2-توسيع مجال الثورة لتشمل أقصى ما يمكن من مساحة البلاد.(2)
3-نقل الحرب من الجبال والأرياف إلى المدن والقرى وبذلك يتم ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جهة يخفف الضغط المفروض على الريف من أجل محاولة خنق التنظيم الثوري في مهده، ومن جهة أخرى لتؤكد للاستعمار أن الثورة في كل مكان.
4- إحباط مؤامرة المسئولين الفرنسيين، خاصة جاك سوستيل، الحاكم العام في الجزائر.
5-كسب انضمام كل تيارات الحركة الوطنية والشخصيات السياسية الجزائرية المرتبطة بالأحزاب في صفوف جيش التحرير الوطني لتوحيد الصفوف، وجهود الحركة الوطنية من أجل الاستقلال.
6-اقتناع الرأي العام الفرنسي، وكذا الرأي العام العالمي بأن الشعب الجزائري قد تبنى من جهته فكرة التحرير الوطني، وهو مستعد لمجابهة الرشاشات والدبابات حتى بالحجارة، والفؤوس.
7-يصادف هذا التاريخ 20 أوت نفي الاستعمار للملك المغربي إلى جزيرة مدغشقر عام 1953 وهذا ما يعطي بعدا للتضامن والإحساس بالمصير المشترك.(3)

1- 2 أحداث هجومات الشمال القسنطيني: بعد التحضيرات لعمليات 20 أوت 1955، والتي تجمع أغلب المصادر –إن لم نقل كلها- على أن زيغود يوسف هو صاحب فكرة الهجومات، حيث أن الاستعدادات لها بدأت في 20 جوان 1955، هذا بشهادة علي كافي إذ يقول: إن فكرة عملية 20 أوت 1955،" كانت بمبادرة شخصية من البطل الشهيد زيغود يوسف، وتحمل خطورة مسؤولية نتائج العملية إن لم تسر على ما يرام وخسبما يرجى منه".(4) قام جيش التحرير الوطني بعمليات حربية ناجحة على القوات الاستعمارية، حيث دارت معارك ساخنة في مدينة سكيكدة وادي ال***تي – مدينة الحروش، عين عبيد، الميلية،(5) وغيرها، إذ تم مهاجمة المصالح الإدارية والاقتصادية، ومراكز الدرك والشرطة والجيش وقطعوا خطوط الهاتف، وهدموا الجسور وخربوا الطرق واستولوا على طاحونة وكميات هائلة من أموال وأرزاق المعمرين، ووقعت اشتباكات مع القوات الفرنسية، وفي بعض الجهات دامت ثلاثة أيام، تم فيها تدمير دبابة وقتل حاكم الملكية و47 جندي فرنسي ولم يقتصر الهجوم على جيش التحرير وحده بل شاركه الشعب بوسائل تقليدية بسيطة ومتفجرات من صنع محلي وما إلى ذلك.(1)
1- 3 نتائج هجوم 20 أوت 1955:
لقد كانت أحداث 20 أوت 1955، أو بالأحرى هذا اليوم مشهودا ورائعا حقا في تاريخ الجزائر فمن خلاله اتسعت الثورة وشملت معظم التراب الجزائري، مما أدى إلى تطور العمليات في العديد من الجهات خاصة المنطقة الخامسة.إضافة إلى سيطرت الفدائيين على الموقف العصيب من خلال العمليات التي كانوا يقومون بها مما أدى إلى انعدام الأمن داخلها.(2)-بالرغم مما تبع هذا الهجوم من رد فعل وحشي للفرنسيين، والذي أسفر عن 20000 ضحية من المدنيين منهم 1500 من سكيكدة.(3) مقابل قتل 113 فرنسي إلا أنه حقق أهدافه المرجوة، فقد برهن على قوة الثورة التنظيمية،و العسكرية وعلى التحام الشعب بثورته التي تبناها وعلى إعطاء صدى كبير للثورة في الجزائر وفي الخارج وعلى إجبار الجيش الفرنسي على المطالبة بإمدادات كبيرة سوف تسبب نفقات تضعف قواه على تغيير خطة تواجده في الميدان مما يجعله يتكبد خسائر فادحة في الرجال والعتاد.(4)
فهكذا إذن أعطت هجومات الشمال القسنطيني نتائج عديدة ومختلفة حتى تضمن استمرارية الثورة المسلحة فهل كان للثورة أن تستمر لولا هجومات 20 أوت 1955؟ إذ يقول في هذا السياق المؤرخ إيف كوريار في كتابه حرب الجزائر " إن هذا الهجوم أول هجوم حقيقي لحرب الجزائر... دخلت حرب الجزائر الآن مرحلتها النشيطة الأقنعة تسقط والسياسات ستتطور من الآن فصاعدا، سيكون هناك قبل 20 أوت وما بعد 20 أوت 55.(1)


(1) عمار قليل، ملحمة الجزائر، ج1، دار البعث، قسنطينة، ط1، 1991، ص316.

(2) بشير بلاح، موجز تاريخ الجزائر المعاصر(1830-1989)، دار المعرفة،2000، ص138.


(3) عمار قليل، المرجع السابق، ص317.


(4) موسى تواتي ورابح عواد، هجوم 20 أوت 1955، دار البعث، قسنطينة، 1992، ص13- 14.


(5) يحي بوعزيز، ثورات الجزائر في القرنين19-20، ج2، ط2، المتحف الوطني للمجاهد، الجزائر،1996.



(1) إدريس خيضر، البحث في تاريخ الجزائر الحديث، 1930-1962، ج2، دار الغرب للنشر والتوزبع، الجزائر، 2006،ص112.


(2) أزغيدي محمد لحسن، مؤتمر الصومام وتطور الثورة التحريرية، 1956-1962، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1989،ص131.


(3) مبروك بلحسن، المراسلات بين الداخل والخارج، الجزائر، القاهرة، 1954-1956، مؤتمر الصومام في مسار الثورة التحريرية، ترجمة: الصادق عماري، الجزائر، القصبة، 2004،ص45.


(4) زهير احدادن، المختصر في تاريخ الثورة (1954-1962)، مؤسسة احدادن للنشر والتوزيع، الجزائر، ص25.



(1) Yvers, CORRIERE, LA GUERRE D'ALGERIE, tome 2, le temp de lioperd edition rahma.alger, 1992, p173.

منقول