لهذه الأسباب فاز الرئيس بوتفليقة بعهدة رابعة
فضّل الجزائريون الاستمرارية على التغيير "داخل النظام القائم"، باختيارهم المرشح
عبد العزيز بوتفليقة، رئيسا لعهدة رابعة، كما كشفت النتائج الأولية تأثر الناخبين
باستراتيجية "التخويف من المجهول" التي تبنّاها أنصار "العهدة الرابعة" في مواجهة برامج منافسيهم من المترشحين الآخرين.
ويمكن اعتبار فوز الرئيس بوتفليقة بعهدة رابعة، نجاحا للاستراتيجية التي تبنتها
السلطة في التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي، من خلال تهيئة الأرضية المناسبة لبروز
الوجوه التي خاضت الدور الأول من الرئاسيات، إذ لا يوجد بينها أي من الأسماء
المحسوبة على المعارضة التمثيلية، وهو ما وضع الناخب أمام حتمية الاختيار بين
وجوه متعددة لعملة واحدة.
فأبرز المنافسين للرئيس المنتهية ولايته وهو علي بن فليس، كان واحدا من الوجوه
المحسوبة على أطراف في النظام القائم، وماضيه شاهد على ذلك، فقد شغل منصب
وزير العدل، كما ترأس الحكومة وديوان رئاسة الجمهورية، وشغل منصب الأمين العام
لحزب السلطة، حزب جبهة التحرير الوطني، وهي مناصب لا يمكن أن تسند لشخصية
لا تحظى بدعم النواة الصلبة للنظام.
أما بقية المترشحين وإن لم يكونوا يتوفرون على الثقل الذي يمكنه تهديد حظوظ
المرشح الأول للنظام، ممثلا في الرئيس المعاد انتخابه، إلا أن هندسة توزيعهم الجغرافي
والإيديولوجي والسياسي، كانت كلها تصب في مصلحة "العهدة الرابعة"، وهو ما يكون
قد رسّخ قناعة لدى أغلبية الناخبين، بأن مجرد تغيير الوجوه داخل النظام الواحد، لا
يمكن أن يأتي بثماره المرجوة.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن نتائج استحقاق 17 أفريل، جاءت لتؤكد أن
الجزائريين تنازلوا عن الكثير من الأوراق التي بأيديهم من أجل إعادة انتخاب مرشح
أنهكه المرض، بالرغم من أن خصومه كانوا على قدر كبير من السلامة الجسدية
والعقلية، مرسخين بذلك قناعة مفادها أن التغيير من أجل التغيير لا جدوى من ورائه.
الأمر الآخر الذي يكون قد ساهم بقسط وافر في تكريس الاستمرارية، هو "استراتيجية
التخويف من المجهول" التي تبنّاها أنصار العهدة الرابعة في حملتهم الانتخابية، التي
بدأت بصفة غير رسمية قبل حوالي سنة، من خلال الزيارات الميدانية التي قادت عبد
المالك سلال، الوزير الأول السابق، ومدير الحملة الانتخابية للرئيس المترشح لولايات
الوطن، والذي لم يدّخر جهدا في ترديد مقولة أن بوتفليقة، هو من أعاد للبلاد أمنها
واستقرارها خلال العشرية الحمراء، وهو الخطاب الذي ركّز عليه سلال وخاصة في
الولايات التي عانت من آفة الإرهاب.
وبفوز الرئيس بوتفليقة، في واحد من أصعب وأغرب الاستحقاقات الرئاسية التي
عاشتها البلاد منذ الاستقلال، يكون قد نجح في إضافة خمس سنوات جديدة لعمر النظام
القائم، في وقت تتربص بحدود البلاد المترامية تحديات أمنية وتحرشات أجنبية يتعين
عدم التقليل من خطورتها، والاستعداد لاحتمالات الصدام معها من خلال تحصين الصف
الداخلي، وذلك ببناء توافق يستقطب جميع الفرقاء السياسيين.
الشروق اليومي