مما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية قصة الغرانيق، وهي أكبر أكذوبة في الطعن في القرآن والنبوة، حيث لم يرد فيها أحاديث صحيحة، ونحن نورد روايات قصة الغرانيق وبيان بطلانها.
روى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس (1) ، وروى عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "أول سورة نزلت فيها سجدة: والنجم، قال: فسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسجد من خلفه إلا رجلًا رأيته أخذ كفًا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قُتل كافرًا، وهو أمية بن خلف (2)، ورواه مسلم (3) دون ذكر أمية.
وقد ذكر بعض المفسرين عند كلامهم على قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} آثارًا فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأها ثم قال: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى. فسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسجد المشركون، وقالوا: إنه لم يذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فأنزل الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج: 52].
وهو قول باطل لا يصح نسبته إلى من لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم. وما أحسن ما قاله الإِمام الكبير ابن كثير -رضي الله عنه- عند تفسيره لهذه الآية: "قد ذكر كثير من المفسرين ها هنا قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ظنًا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم (4)".
وقد صّنف الشيخ الألباني -رحمه الله- رسالة في أبطال القصة بعنوان (نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق).
فائدة
لصاحب الظلال سيد قطب -رحمه الله- تعليق جميل بعد قصة حدثت له وبعض أصحابه مع آخر سورة النجم.
(1) كتاب التفسير: تفسير سورة والنجم، باب {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (8/ 614 فتح). وأخرجه أيضًا في كتاب سجود القرآن (2/ 551 فتح) و (2/ 553) وفي كتاب مناقب الأنصار (7/ 165) وكتاب المغازي (7/ 299).
(2) المصدر السابق.
(3) كتاب المساجد باب سجود التلاوة (5/ 74 نووي) رقم 576.
(4) تفسير ابن كثير (3/ 230).
منقول