بيوتنا إلى أين (رصيد الحب)
د. عادل رشاد غنيم
الحديث عن الأرصدة ينصرف عادة إلى الأموال والوادئع البنكية، ونحن شديدو التأثر بها
ارتفاعا وانخفاضا، وحركة السحب والإيداع تكشف عن قوة الرصيد أو ضعفه.
أتحدث هنا عن نوع آخر من الرصيد هو أهم قيمة وأخطرا أثرا في حياتنا الأسرية، وهو
رصيد الحب في البنك العاطفي في قلوبنا.
المحبة إحساس وشعور، وحقيقة هذا الإحساس تنبع من القدرة على نقلها لمن نحب، فلا
يكفي أن يحب الوالد أبناءه، ولكن لا بد أن يفصح لهم عن هذه المحبة وينقلها لهم عمليًا
من خلال التعبير غير المباشر من خلال المعانقة والمداعبة وإمساك اليدوفي هذا العصر
المادي تقلصت العواطف في حياة البيوت وربما اختزلت العلاقة بين الزوج والزوجة أو
بين الأب وأولاده في محفظة النقود، فالرضا والسخط مرتبط بمقدار ما تدفع أو تمنع!!!
رصيد الحب يكاد يشهر إفلاسه في كثير من البيوت، وهذا أخطر ما تتعرض له هذه
البيوت، فانحسار الحب خسارة للحياة نفسها، هذا ليس من مبالغات العاشقين بل هو من
كلام العلامة ابن القيم -رحمه الله– الذي يقول: (الحب هو الحياة التي من حرمها فهو من
جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحر الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت
بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام).
إن القرآن الكريم يجعل نسيج العلاقة الزوجية عواطف دافئة من السكينة والمودة
والرحمة في قوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ
بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم، والملاحظ أن
القرآن استخدم كلمة (المودة) في وصف العلاقة في إطار الزوجية، ولم يعبر بالمحبة لأن
المحبة: صفة نفسية، والمودة: صفة سلوكية أي تقضي أفعالا وأخلاقا تضاعف من رصيد
العلاقة.
ومفتاح المودة هو حسن المعاشرة، كما قال تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» يقول ابن
كثير المفسر المعروف في سياق تفسيره للآية: «كان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه
جَمِيل العِشْرَة دائم البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بهم، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه.
وهي أخلاق صناعة المحبة ومضاعفة رصيده في قلوب الزوجات.
أولادنا ورصيد الحب
حب الطفل لا يعني تلبية احتياجاته الجسمية والعقلية فقط، وإن كانت متضمنة بالحب
بداهة؛ بل تعني إظهار العواطف والمشاعر الدالة عليه بشكل دائم سواء بملامح الوجه
وتعبيراته، أو من اللهجة التي يخاطب بها، أو من طرق معاملته باللطف والحلم والتفهم
وإشعاره بأنه فعلًا محبوب ومقبول ومراد.
إنّ المحبة إحساس وشعور، وحقيقة هذا الإحساس تنبع من القدرة على نقلها لمن نحب،،
فلا يكفي أن يحب الوالد أبناءه، ولكن لابد أن يفصح لهم عن هذه المحبة وينقلها لهم
عمليًا من خلال التعبير غير المباشر من خلال المعانقة والمداعبة وإمساك اليد وتربيت
الكتف واللمسة الحنونة والابتسامة الهادئة والنظر المباشر.. فمن المهم أن تصل محبة
الوالدين للأبناء من خلال القناتين: اللفظية والحركية، ويمكن تأكيد هذه المحبة من خلال
عادات يعود عليها الأبناء داخل الأسرة مثل: قبلة الصباح، وقبلة المساء، وعند العودة
من المدرسة، والدعاء للأبناء بالتوفيق عند خروجهم من البيت، وهكذا.
حتى وإن فوجئت بمشاعر العداء تبدو في نظرات أو أقوال زوجك أو بعض ولدك فأفضل
ما تستل منهم هذا العداء هو أن تقابل مشاعرهم العدائية بالصفح والمغفرة كما يوصينا
القرآن الكريم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن
تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (14) سورة التغابن.
راجع رصيدك العاطفي، ستقرأ مؤشراته في عيون وكلمات زوجك وأطفالك، وحاذر من
الإفلاس، ليس الإفلاس المادي ولكن الإفلاس العاطفي والأخلاقي كما جاء في كلمات
النبوة..