روسيا تلمح إلى عقد قمة لرعاية المفاوضات بين الجانب
الفلسطيني والاسرائيلي
مع انسحاب الولايات المتّحدة بعد أعوام من الجهود المضنية لفض المأزق المستعصي
بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تتقدم روسيا لجلب السلام إلى أرضٍ ممزقة.
يسافر مبعوث خاص من وإلى المنطقة بينما يتنافس القادة الإسرائيليون والفلسطينيون
على المواقع، وتستمر روسيا في التلميح إلى قمة قد تُعقد في موسكو في المستقبل
القريب. لا تلتفت لكون كل المشاركين هنا يتفقون على أن الجهد لن يقود تقريباً إلى أي
تسوية للنزاع الذي استمر لعقود.
يُعد تدخل موسكو في محاولات السلام في الشرق الأوسط جزءاً من محاولات الرئيس
الروسي فلاديمير بوتين إعادة إدخال بلاده إلى المنطقة بطريقة عميقة بعد أعوام من
الانسحاب، وهي المحاولات التي يبدو أنّها تتعلق بكل شيء إلا إيجاد السلام في الشرق
الأوسط. بل تتعلق بطموحات موسكو ومنافستها مع واشنطن، والتي تمثلت في تدخلّها في
سوريا.
تحركات موسكو في المنطقة
لقد حوّلت حملة بوتين العسكرية الداعمة لرئيس النظام بشار الأسد في سوريا ديناميكية
هذا الصراع وجعلت روسيا لاعباً أساسياً في جيوسياسات المنطقة، متصدية لجهود
واشنطن الدبلوماسية.
إلى جانب تدخلها العميق في سوريا، فإن التقارب مع تركيا وبناء تحالف مع إيران، ولو
كان هشاً، قد جعلا روسيا لاعباً أساسياً في المنطقة بطريقة لم تتحقق منذ الحرب الباردة.
لقد أصبحت المساعي الدبلوماسية للكرملين في القدس شيئاً أشبه بمباراة “بلياردو”
ثلاثية، يعتمد فيها كل طرف على ضربة مرتدّة ليؤمن لنفسه موقعاً أفضل. إسرائيل عازمة
على تحييد ما تعتبره تدخلات أكثر تهديداً من قبل فرنسا أو حتى الأميركيين. القيادة
الفلسطينية، التي تواجه تحديات داخلية وتراجع دعمها الشعبي على الأرض، تحاول
تدعيم موقفها في الوطن وفي الخارج بإظهار أنها مستعدة لفعل شيء ما.
عقد الاجتماع نفسه هو مسألة ثانوية تقريباً، ناهيك عن أن ينتج عنه أي تقدّم ملموس
تجاه المصالحة بين شعبين متعاديين.
المهم أن تصدر العملية وليس نتائجها
يقول زكريا القاق، أستاذ دراسات الأمن الوطني بجامعة القدس “لا أظنّ أن الروس لديهم
الكثير من الأمل في أنهم سيأتون بالسحر.”
وبينما كانت روسيا مشاركة دوماً بشكلٍ متعثر في جهود السلام الإسرائيلي الفلسطيني
على مدار الأعوام، فإن بوتين يبدو الآن عازماً على تصدر المشهد، من باب لكز واشنطن
في خضم التوتر المتصاعد حول سوريا وأوكرانيا، وكذلك من باب استعراض الثقل
الروسي. وقد حرص بوتين على توطيد علاقته برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو الذي يُعادي الرئيس أوباما.
ويرى زفياي ماجن، سفير إسرائيلي سابق إلى روسيا، والباحث الزميل حالياً بمعهد
دراسات الأمن الوطني في تل أبيب، “إنهم تواقون لأن يصبحوا لاعباً مهماً في الشرق
الأوسط. الفكرة ليست في الوصول إلى أية نتائج محددة، فالمهم أن الخطوة مهمة
لمصلحة روسيا. إنهم لا يحتاجون إلى نتائج. هم يحتاجون إلى العملية نفسها.”
حتى الآن، كل ما يملكونه هو العملية. بعد التقاء مبعوث بوتين الخاص بنتنياهو ومسئولي
السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، في الأيام المنصرمة، أعلنت موسكو أن
الطرفين قد اتفقا “مبدئياً” على اللقاء. لكن لم يحدد تاريخ ولم تؤكد أي من الجهتين
صراحة بأن اتفاقاً تم عقده.
شروط وعوائق
حتى الآن، يصرّ عباس أنه قبل أي اجتماع يجب أن تُجمد إسرائيل بناء المستوطنات في
الضفة الغربية وتطلق سراح المعتقلين. وقد أصر نتنياهو أنّه سيلتقي بالسلطة الفلسطينية
فقط إن لم تكن هناك أي شروط مسبقة.
ولم يتضح بعد ما إذا كان عباس قد تخلى عن شروطه، لكن حتى إن كان قد فعل، فإن
فريقه لا يتحلى بالكثير من الأمل في عقد أي لقاءات على المدى القريب. وقال مسؤول
فلسطيني رفيع المستوى أصر على إبقاء هويته سراً بسبب الطبيعة المتغيرة للدبلوماسية،
إن جانبه قد وافق على اجتماعٍ مبدئياً، لكن ليس هناك تاريخ محدد ولا يتوقع أنه سيكون
هناك واحدٌ قريباً.
ورفض المسؤول تحديد ما إذا كان عباس طالب بأي شروط مسبقة للاجتماع، قائلاً فقط
أنه “لا تغيير في الموقف الفلسطيني” حيال بناء المستوطنات. وكرر التأكيد الفلسطيني
بأن المطالبة بتجميد بناء المستوطنات ليست شرطاً مسبقاً، وإنما إلزام وفقاً للقانون
الدولي.
نتنياهو “الماكر”
جادل الفلسطينيون بأن نتنياهو هو الذي لا يرغب في الحقيقة في الاجتماع بوساطة
الروس. لكن مكتبه أكّد أنه سيذهب في أي مكان وأي وقت للاجتماع طالما أنه لا شروط
مسبقة للجلوس إلى مائدة الحوار. وقال ديفيد كييس، المتحدّث باسم القائد
الإسرائيلي،”إن كان يمكن للسلطة الفلسطينية أن تُجمع على أنها مستعدة للقاء بدون
شروط مسبقة، حينها سيلتقي رئيس الوزراء نتنياهو بالرئيس عباس.”
دائماً ما كان نتنياهو مخططاً ماكراً، ويبدو أنه يراهن على أن الفلسطينيين لن يتخلوا عن
شروطهم بينما يحق له المجادلة بأنه مستعد للتفاوض. في الحقيقة، يقول المحللون، أنه
يريد إضعاف الجهود الفرنسية للتوسط في المحادثات، وهو قلق خصيصاً من أن أوباما،
خصمه، قد يذهب إلى الأمم المتحدة بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني
سعياً إلى قرارٍ يضع شروط اتفاقية سلام محتملة.
إن كان هناك حتى مظهر زائف للتقدم في موسكو، فيأمل نتنياهو أن هذا سيثبط أوباما عن
التحرك خوفاً من أن يظهر بمظهر المتدخّل، كما يقول بعض الأكاديميين. أما ماجين،
السفير الإسرائيلي السابق، فيقول “من الجيد أن تظهر للولايات المتّحدة وجود لاعب جيدٍ
نسبياً في هذه اللعبة.”
ربما يكون لنتنياهو مصلحة داخلية أيضاً في التلاعب بمظهر التقدم إن كان جاداً بشأن
توسيع تحالفه الحكومي عن طريق إغراء آيزاك هيرتسوغ، قائد المعارضة الحالي، وجزء
على الأقل من حزب “الاتحاد الصهيوني” الوسطي اليساري.
أجواء سامة
وفي إشارة أخرى إلى الأجواء السامة التي لا يبدو أنها تفضي إلى محادثات سلام، نشر
نتنياهو مقطعاً مصوراً يوم الجمعة 9 سبتمبر/أيلول يتهم القيادة الفلسطينية فيه بأنها
تطالب بدولة فلسطينية لا يوجد فيها يهود، قائلاً “هناك تعبيرٌ يستخدم في هذه الحالة،
يُسمى بالتطهير العرقي”. احتج الفلسطينيون على هذا الاتهام المباغت، قائلين إن هناك
فرقاً بين ما يدعيه نتنياهو وبين رفضهم شرعنة المستوطنات.
ويرى الفلسطينيون محاولة موسكو في اتجاه السلام طريقة لإبقاء قضيتهم على شاشة
الرادار الدولية. بالنسبة لعباس، الذي يواجه معارضة داخلية، فهي طريقة أيضاً للإبقاء
على سلطته. يقول القاق “يريد الفلسطينيون أن يعطوا انطباعاً بأن قضيتهم ما زالت
مهمة وأن الجميع يفقد القدرة على النوم بسبب القضية الفلسطينية. لكنني أظن أن هذا
وهم.”
يفضّل عباس الجهود التي يقودها الفرنسيون، الذين كانوا على نحو تقليدي أكثر تعاطفاً
مع القضية الفلسطينية، ويجب أن يناور بحذر ليبعد الروس عن الإشارة إليه بصفته
العائق في وجه السلام، كما يقول المحللون.
لا يعني هذا أن الجهد الروسي يملك فرصة كبيرة على أية حال. “هذا كله هراء”، كما
يقول زياد أبو زايد، الصحفي والوزير السابق بالسلطة الفلسطينية، على راديو إسرائيلي،
“لا أرى أي فائدة من اجتماع بين أبي مازن ونتنياهو. لقد كانت هناك عشرات
الاجتماعات مثل هذا، ولم تُثمر عن شيء.”
المصدر: وكالات