تعريف الاستيطان
تعتبر كلمة الاستيطان إحدى مرادفات كلمة الاستعمار، وهي مصطلح جديد نسبيًّا؛ إذ ظهر وشاع استخدامه لأول مرة في بدايات القرن العشرين؛ وذلك في ظل تشكل ظاهرة الاستعمار الأوربي الجديد لدول الشرق الأدنى والأوسط، وبداية تشكيل أنوية مساكن للوافدين من الدول الاستعمارية، للإقامة في المستعمرات الجديدة الغنية بالموارد الطبيعية والأيدي العاملة الرخيصة.
والاستيطان كلمة جامعة لأكثر من فعل؛ فهي تعني المصادرة والإسكان، والتهجير والطرد، والتوطين والتمكين باستخدام القوة، والمكوث في الأرض بقصد الدوام؛ إذ لا يكتمل معنى الاستيطان دون الأفعال المتعدية المذكورة أعلاه، التي قد يصاحبها أعمالُ قتلٍ وإبادة، وتطهيرٌ عرقي، وقتلٌ على الهوية والعرق والدين.
ولهذا فإن لكلمة "الاستيطان" أكثر من معنى ومدلول، ومنها التالي:
الاستيطان لغويًّا:
الاستيطان هو اتخاذ الأرض وطنًا وسكنًا، ووطَّن الإنسان بمعنى أسكنه الأرض، ولا تعني أنها أكسبته الجنسية، وكلمة استوطن تعنى سكن وأقام، وهي من التوطين والتمكين، والتثبيت والترسيخ، وهي كلها تتم بفعل فاعلٍ، وفي ظل وجود عامل، وهي بمعنى السكن والإقامة في أرضٍ ومكانٍ لا تعود ملكيتهما إلى الساكن، وإنما هي أمكنة تم الاستيلاء عليها بالقوة، أو تم وضع اليد عليها أثناء البحث عن أماكن مناسبة للصيد والرعي مثلاً، وهي أشبه ما تكون بالسيطرة غصبًا.
وعليه فإن الاستيطان يخص الوافد الدخيل، الذي يسكن في أرض وموطن الأصيل؛ حيث يقوم الوافد الدخيل باستخدام القوة في الحلول مكان الأصيل، والإقامة بمحل سكنه، أو السيطرة على مكان عمله وعيشه، وتشكيل مكوناته الاجتماعية والاقتصادية فوق الأرض المغتصبة مع المحيط الذي شاركه عملية الاستيطان، وكان طرفًا فيها.
ويبقى فعل الاستيطان قائمًا بالغصب والاستيلاء، ولو كانت الأرض محل الاستيطان مشتراةً، ومدفوعةَ الثمن، إذا تبين أن البيع والشراء تم بالغصب أو الإكراه، أو بقوة السلاح والتهديد به، أو تم بموجب قوانين جائرة، وشرائع ممنوعة، وطرق احتيالٍ وخدعٍ مقصودة.
والاستيطان لا يكون في أرضٍ مملوكةٍ لساكنها؛ إذ شرط الاستيطان أن يكون فاعله دخيلاً، وأن يكون استيطانه في أرضٍ مغتصبة، لم يكن يملكها، ولا شبة ملكيةٍ له فيها؛ لذا فهو لا يكون إلا في الأراضي المحتلة، ولا يقوم به إلا الغزاة المحتلون الغاصبون، وهم غرباء وافدون، وأجانب دخلاء.
والاستيطانُ فعلٌ يلزمه زمن، فلا تكون الإقامة المؤقتة استيطانًا، ولا يسمى المرور بأرضٍ والمبيت فيها استيطانًا، إنما الاستيطان هو ما ارتبط بدوام الزمن، وثبات الإقامة، ورسوخ العمران، ومكوث الإنسان، وإنشاء لوازم العيش، وتوفير مستلزمات الحياة عمارةً وبناءً.
الاستيطان سياسيًّا:
الاستيطان عمليةٌ قديمة مصاحبة وملازمة للاستعمار، بدأت معه، ونشأت وتطورت في ظله، وهي ما كان لها أن تقوى وتشتد لولا سياسة النظم الاحتلالية، التي عملت على تشجيع العمليات الاستيطانية، التي كان من شأنها مساعدتهم في السيطرة على حكم وإدارة سكان البلاد المحتلة.
ولم تكتفِ الأنظمة الاستعمارية بتشجيع العمليات الاستيطانية، بل قامت بسن قوانين تشرعه، وفرضت رساميل تموله، وأفردت لها حاميات عسكرية تحميها وتدافع عنها، وبرز الاستيطان في أكثره أمريكيًّا وأستراليًّا، ثم غدا انجليزيًّا وفرنسيًّا، قبل أن تتفرد به العصابات الصهيونية وحدها.
غالبًا يكون الاستيطان بمعناه السياسي لجماعاتٍ منسجمة مع بعضها، تُنقل بالقوة إلى أرضٍ أخرى، تستولي عليها، وتطرد منها ساكنيها وملاكها، ثم تتكيف فيها بطباعها وتقاليدها الأصيلة، وتعتبر الأرض التي تقيم عليها هي موطنها البديل.
الاستيطان قانونيًّا:
الاستيطان قانونًا يعني توطين الغرباء في أرضٍ تعود ملكيتها للآخرين، وهو فعلٌ تقوم به سلطات الاحتلال، عندما تنقل سكانًا من مكانٍ وتوطنهم في آخر، وإن كان هذا يسمى ترحيلاً؛ إلا أنه ينطبق أكثر على توطين الغرباء من رعايا دول الاحتلال في الأراضي المحتلة، وهو فعلٌ ممنوع قانونًا، ومخالفٌ للشرائع الدولية، ومثاله ما تقوم به حكومات الكيان الصهيوني، التي تصادر الأراضي التي تعود ملكيتها للعرب الفلسطينيين، وتطردهم منها بأوامر عسكرية، أو بقوانين جبرية، وتوطن مكانهم يهودًا وافدين، أو يهودًا مقيمين، ممن يرغبون في الإقامة في المستوطنات، كما كان مثاله قديمًا في الولايات المتحدة الأمريكية حيث استوطن المهاجرون الجدد مكان أصحاب الأرض من الهنود الحمر، وكذا الحال في أستراليا.
يطلق الفلسطينيون على المستوطنات اسم المغتصبات، وهي أكثر ملائمةً للاستيطان المقصود بالمعنيين السياسي والقانوني؛ إذ إنها جميعها بنيت فوق أراضٍ مصادرة، أُغتصبت من أصحابها بفعل القوة، أو بأثر جبروت السلطان.
منقول