رغم الرفض الشعبي العربي والإسلامي لها , بعد الفشل الذريع في مختلف المجالات
والأصعدة , ما تزال العلمانية في الدول العربية والإسلامية تصارع ضد التيار , وتكابر
وتعاند الواقع الجديد الذي رسمته ثورات الربيع العربي , والذي أماط اللثام عن المأساة
التي خلفها عهد العلمانية المسيطر على تلك البلاد منذ فترة طويلة من الزمان.
لقد فشلت العلمانية في تحقيق أدنى درجات طموحات الشعوب العربية والإسلامية , رغم
تاريخ سنوات حكمها الطويل في تلك البلاد, لقد فشلت عسكريا في إعادة الأراضي
العربية المغتصبة , بل كانت سببا رئيسيا في احتلال تلك البقاع من العدو الصهيوني
وفشلت اقتصاديا في تحقيق مستوى معاشي مريح للشعوب , رغم خيرات البلاد العربية
والإسلامية الوفيرة والكثيرة , وفشلت اجتماعيا في دعم الأخلاق الفاضلة واجتثاث أسباب
الفساد والانهيار الأخلاقي , بل كانت عاملا بارزا في ترسيخ جذور الفساد وتخريب
الأخلاق , وفشلت سياسيا في نشر الديمقراطية وحرية الرأي الذي رفعته شعارا لها
فكانت من أبرز الطغاة والمستبدين , ومن أكثر القوى السياسية حربا على الديمقراطية
وحرية إبداء الرأي.
لقد أظهرت الثورات العربية عوار العلمانية وأبرزت سوءاتها الكثيرة , فأصبحت مكشوفة
مفضوحة أمام الشعوب, فلم تجد إلا معارضة الناجحين ومقارعة المنجزين سبيلا لها
للتخفيف من تلك الهزائم والخسائر, متخفية وراء حق التظاهر وإبداء الرأي , لاستخدام
ذلك كوسيلة في عرقلة جهود الإسلاميين الصاعدين.
وإذا كان التيار الإسلامي الصاعد في دول الربيع العربي لم يأخذ فرصته الكاملة بعد
لإظهار قدراته وإنجازاته على الأرض , فإن التيار الإسلامي التركي قد نال هذه الفرصة
وأثبت للعالم أجمع - بما لا يدع مجالا للشك – نجاحه وتفوقه في شتى المجالات , ولعل
المجال الاقتصادي هو الأبرز والأقوى في تلك النجاحات.
ولا شك أن العلمانية التركية كانت وما زالت تتميز غيظا وغضبا من تلك الانجازات
وتتربص بالتيار الإسلامي التركي الحاكم , وتحيك له المؤامرات و تضع في طريقه
العراقيل , وقد استمر ذلك لسنوات دون تحقيق فائدة تذكر, الأمر الذي عزز من رصيد
الإسلاميين وزاد من شعبيتهم وقوتهم , ولعل في تجديد انتخابهم لرئاسة الوزراء والدولة
وغالبية البرلمان أكبر دليل على ذلك.
لقد استغلت العلمانية التركية قرارا إداريا باقتلاع بعض شجيرات في ساحة (تقسيم)
لبناء مركز تجاري وتوسيع طريق في مدينة اسطنبول , لتثير حوله زوبعة في فنجان
ولتجعل منهم حدثا يثير الاحتجاجات والمظاهرات في عدد من المدن التركية منها أنقرة.
ورغم سذاجة سبب تلك المظاهرات وعدم جديتها, إلا أن الهدف العلماني منها كان
واضحا وبارزا , ألا وهو استدراج الحكومة للصدام مع المتظاهرين, والذي يؤدي إلى
وقوع بعض الضحايا , الأمر الذي تتمناه المعارضة التركية وتطلبه , وربما تقوم بافتعاله
لتمثل فيما بعد دور الضحية المقهور.
وفي هذا الإطار ألقت القنوات الفضائية اليسارية والكتاب الصحافيون المناهضون لحزب
العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ، بثقلها وراء مظاهرات الاحتجاج التي شهدتها مدينة
إسطنبول وعدد من المدن التركية , في سعيها لتأجيج الموقف ضد حكومة رجب طيب
أردوغان , وقد كشف خطأ فني وقع في كواليس قناة (أولوصال) التركية اليسارية
عن رغبة تلك القنوات في سقوط قتلى في الأحداث بهدف إشعال الأحداث وتأجيجها.
فقد قالت صحيفة (يني شفق) التركية إن مقدم الأخبار في قناة (أولوصال) التركية
اليسارية نسي إغلاق الميكرفون عقب تقديمه للنشرة الإخبارية ، وتحدث إلى أحد
أصدقائه قائلا : لو أن عددا من الأشخاص ماتوا لكان الأمر أفضل بكثير ، يعني في
المظاهرات التي شهدها ميدان تقسيم بإسطنبول.
ومعروف عن قناة (أولو صال) أنها تؤيد بشدة سياسات نظام بشار الأسد في سوريا
وقد أجرت مؤخرا لقاء مع رأس النظام السوري بشار الأسد في العاصمة السورية دمشق
, كما يعرف عنها انتقادها الشديد لسياسات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان
في تعاطيه مع الأزمة السورية.
وتؤكد تقارير إعلامية مختلفة أنه لم يسقط حتى اللحظة أي قتلى في أحداث الاحتجاجات
بتركيا ، وهذا ما أكده قبل ساعات السياسي والكاتب التركي (إسماعيل ياشا) عبر صفحته
على تويتر ردا على سؤال بشأن سقوط قتلى في الأحداث حيث قال : (غير صحيح.. ولا
واحد ولله الحمد )
إن فضيحة بهذا الحجم ومن هذا النوع الرخيص والدنيء للعلمانية , تؤكد إفلاس هذا
التيار في الدول العربية والإسلامية , وتثبت أنه لم و لن يتورع عن استخدام كل الأساليب
والوسائل غير الأخلاقية للرجوع إلى سدة الحكم , حتى لو كان ذلك على حساب سلامة
العباد وأمن البلاد .
فهل هناك من المسلمين من لا يزال يشك في خبث نوايا العلمانيين وفساد مذهبهم؟؟!!
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث