منذ 16 أغسطس/آب بدأت الطائرات الروسية بتنفيذ غارات في سوريا انطلاقا من قاعدة همدان، شمال غرب إيران. ما يكشف تطورا في مستوى التعاون بين البلدين الحليفين.
منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، لم تسمح إيران مطلقا لأية قوات أجنبية باستخدام أراضيها للقيام بمهام في المنطقة. إلا أن القاذفات الروسية بدأت الثلاثاء 16 أغسطس/آب بتنفيذ غارات ضد أهداف في سوريا، بعد إقلاعها للمرة الأولى من قاعدة همدان الإيرانية، شمال غرب البلاد. مستفيدة بذلك من مميزات موقع استراتيجي يسمح بإرسال طائرات ثقيلة محملة بأكثر ما يمكن من القنابل في زمن أقصر.
هذا التطور الميداني يظهر أن مجال التعاون اتخذ خطوة جديدة بين البلدين اللذين يدعمان عسكريا نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
لفهم طبيعة العلاقات التي تربط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع إيران، أجرت فرانس24، حوارا مع بيير لورين، الصحافي والكاتب، المتخصص في الشأن الروسي.
يبدو أن درجة التعاون بين الروس والإيرانيين قد وصلت إلى مستوى عال. ما هو رأيك في هذا التطور في العلاقات بين البلدين؟
بيير لورين: مما لا شك فيه، التعاون بين إيران وروسيا وصل إلى مرحلة جديدة، في إطار تطور منطقي، باعتبار أن إيران سمحت للقاذفات الاستراتيجية الروسية باستخدام مجالها الجوي. بالإضافة إلى صواريخ كروز التي تطلق من السفن الروسية في بحر قزوين والتي تحلق فوق الأراضي الإيرانية، منذ مدة. بالنسبة لي، هذه علامة على إرادة القيادة الإيرانية الانفتاح على أصدقائها التقليديين، وهم الروس في المقام الأول، وإن واجه الطرفان خلافات خلال الأزمة بشأن القضية النووية الإيرانية.
ورؤية روسيا فلاديمير بوتين تتحالف مع النظام الديني الشيعي ليس أمرا غريبا، فهو درس في السياسة الواقعية التي يمليها سياق ملموس، بما أنهم يقاتلون نفس العدو، أي جميع الجماعات المتطرفة التي تقاتل الرئيس السوري بشار الأسد. لكن دون دافع إيديولوجي. في حين تجد بعض الدول الغربية مبررا للتحالف مع الملكيات النفطية الخليجية الوهابية التي تنشر في جميع أنحاء العالم، الإسلام المتشدد والتي تمول الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر.
هل هي صداقة براغماتية أو هي بالأحرى تحالف ظرفي؟ هل لدى الروس والإيرانيين مصالح مختلفة؟
هو تحالف براغماتي بدأ منذ 1980، يسعى بوتين للمحافظة عليه. فإيران لم تنس أن السوفييت زودوها بالسلاح عندما كانت في حاجة ماسة إليه عندما تورطت الجمهورية الإسلامية في حرب لا نهاية لها مع العراق (1980-1988)، في حين أن الغرب كان يؤيد صدام حسين. ما نراه اليوم، بداية مرحلة جديدة من هذه العلاقة الخاصة، وذلك بفضل الاتفاق النووي.
وإيران، التي يفرض عليها الاتفاق النووي التخلي عن الأسلحة النووية وباعتبارها محاطة ببلدان تمتلك هذه الأسلحة، تجد نفسها محتاجة لعلاقات تقدم لها ضمانات، والانخراط في منطق الصداقة وإمكانية التحالف مع روسيا هو أحد السبل لتحقيق ذلك. ومع ذلك، عاجلا أو آجلا، سوف تتباعد مصالح البلدين عندما تتغير المعطيات كأي تحالف دولي.
وأخيرا، وخلال متابعة هذه الأحداث عن كثب، يبدو أن بيادق فلاديمير بوتين تتقدم في الشرق الأوسط، ليصير واقعا لا مفر منه في المنطقة
لا يمكن إنكار ذلك، وبوتين في قلب اللعبة أكثر من أي وقت مضى. فبالإضافة إلى أن روسيا نجحت في الآونة الأخيرة في إعادة علاقتها مع تركيا، فإن لديها علاقات ممتازة مع إسرائيل وإيران، ناهيك عن العراق وبالطبع مع النظام السوري، كل ذلك بالتنسيق مع التحالف الذي تقوده واشنطن.
وتفسير ذلك بسيط: فخلافا لرؤساء الدول الغربية التي لا تزال تراوغ، كان لفلاديمير بوتين منذ البداية نفس الخط السياسي في سوريا، الداعم للرئيس بشار الأسد. ولا أعتقد أن روسيا بدأت مغامرة عمياء مع الإيرانيين. ولا شك في أن السعوديين وحلفاءهم المحليين يشعرون بالمرارة بسبب هذا التقارب بين موسكو وطهران.
لكن إذا اعتبرنا أن الرياض هي الشريك الذي يجب على روسيا التحاور معه، نظرا لتأثيرها على الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة شمال القوقاز في روسيا فإن التبادل الدبلوماسي بين البلدين ما زال مستمرا. ونهج الدبلوماسية الروسية ثابت مهما حصل. ما يعطيها تناسقا ومصداقية في نظر شركائها ومحاوريها. وهو ما لا يملكه الزعماء الغربيون الذين يجدون أنفسهم مستبعدين عمليا من المسرح في الشرق الأوسط.
منقول