يبقى أن نعلم أن المسلمين في غرب إفريقيا في السنوات الأخيرة يُواجهون مصاعب جَمَّة، وتحدِّيات كبيرة؛ منها: التنصير، والحرمان من خيرات بلادهم، والتضييق عليهم في التعليم وفي فُرَص تولِّي المناصب الكبرى، ويَصِل الأمر إلى التعذيب والقتل.
وهذه نبذة من الصعاب والمشكلات في بعض بلاد غرب إفريقيا:
أبرز المشاكل التي تُواجه المسلمين في غانا:
المشاكل التي تُواجه المسلمين في غاناومن أبرز المشاكل التي تُواجه المسلمين في غانا هي تغلغل النفوذ الصهيوني، والْفِرَق الضالَّة كالقادِيانِيَّة والماسونية، واضطهاد البعثات التنصيرية لهم، ومن مظاهر اضطهاد النصارى للمسلمين تلك المذبحة التي وقعت يوم 2 من فبراير 1994م بالمنطقة الشمالية، والتي بدأت بهجوم من قبيلة كونكمبا النصرانية على قرية بمبلا التي تبعد 960كم عن العاصمة أكرا، وسرعان ما انتشر الهجوم ليشمل 150 قرية، وكانوا يُركِّزون على هدم وإحراق المساجد على المُصلِّين، ويُقَدَّر عَدَد المساجد التي حُرِّقت وهُدِّمت بمائة مسجد بحسب الإحصاء الحكومي، وتُقَدَّر البيوت التي حُرِّقَت بستمائة بيتٍ، إضافةً إلى إحراق حوالي ألف مزرعة، وقَتْل حوالي ثمانية آلاف، والمشردون حوالي عشرين ألفًا.
وقد نشط المسلمون هناك في تكوين منظمات وهيئات إسلامية تخدم العمل الإسلامي، ومنها: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وجمعية أنصار السنة، ورابطة الشباب المسلم، وقد تمَّ إنشاء مكتب إسلامي لرعاية المُعَاقِين المسلمين في غانا، بهدف الوقوف في وجه الزحف التنصيري عبر تقديم المساعدات المالية والعينية للمعاقين المسلمين تحت شعار المساعدات الإنسانية؛ لتكون وسيلة سهلة لتنصيرهم[1].
المسلمون في غينيا الاستوائية
بدأ الإسلام في غينيا الاستوائية في أواخر القرن الخامس الهجري عن طريق المرابطين، فكانوا يُرسِلُون الدُّعاة من المغرب إلى جهات إفريقيا، وعن طريق التجار والعمال المسلمين القادمين من نيجيريا، وفي النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي بدأ الإسلام ينتشر بين أفراد قبيلة فانج وشيوخها، وذلك عن طريق فانج الكاميرون.
وقد استعمرت إسبانيا غينيا الاستوائية عام 1194هـ/ 1879م، ووضعت العراقيل أمام الدعوة الإسلامية، وتعاملت معها برُوحٍ صليبية متعصبة، ثم منحتها استقلالها عام 1388هـ/ 1968م. ويُقِيم أكثر المسلمين في إقليم ريموني، في حين يسكن أكثر النصارى الكاثوليك في إقليم فيرناندوبو، وهو الأكثر تحضُّرًا، واللغة الرسمية هي الإسبانية، ويتكلَّم السكان لغة البانتو.
ودعم انتشار الإسلام في الآونة الأخيرة هجرة عدد كبير من العمال والتجار النيجيريين إليها (حوالي 40 ألفًا)، ومن أبرز التحديات التي تُواجه المسلمين هناك نشاط البعثات التنصيرية[2].
المسلمون في ليبريا
المسلمون في ليبريافي عام 1827م قامت أمريكا بتأسيس مستعمرة ليبريا على الساحل الغربي لإفريقيا؛ لتنقل إليها ستة وأربعين ألف إفريقي من أبناء الزنوج الأفارقة بأمريكا، وقامت ببناء عاصمتها مونروفيا؛ لتكون ليبريا هي نقطة الانطلاق لاحتلال الأراضي الإسلامية بغرب القارة وتنصير أهلها، فقامت باحتلال الساحل، وحصرت أهلها في المناطق الداخلية. وفي عام 1847م أُجْبِرَ المسلمون على استخدام اللغة الإنجليزية، كما أُجْبِرُوا على تغيير أسمائهم الإسلامية إلى أسماء إنجليزية، وطُبِّق عليهم الدستور الأمريكي، وقد كان الزنوج القادمون من أمريكا هم المسيطرون على الحُكْم.
ولكن في عام 1980م قاد الرئيس صومويل -وهو من السكان الأصليين- انقلابًا عسكريًّا أنهى به فترة احتكار الزنوج الأمريكان للسلطة، إلا أن تشارلز تيلور -وهو زنجي أمريكي- أعلن تمرُّده عليه.
وقوع الكارثة:
صورة لما يتعرض له المسلمون في ليبريافي مساء يوم 24 من ديسمبر 1989م قامت عصابة تشارلز تيلور بقتل مائة ألف مسلم شرَّ قتلة، وأحرقت 75 من الدعاة والأئمة بصبِّ البنزين عليهم، كما قاموا بقطع آذان المؤذِّنِين وألسنتهم، وهُمْ أحياء، وتشريد 700 ألف مسلم أُجْبِرُوا على تَرْك ديارهم وأموالهم، وهُدِّمت المساجد والمدارس الإسلامية التي كان عددها قبل المذبحة 720 مسجدًا، و150 مدرسة ابتدائية، و45 مدرسة ثانوية.
وفي عام 1990م تعرَّض المسلمون لحرب إبادة أخرى، حيث ركَّز رجال تشارلز على القرى ذات النشاط الإسلامي المزدهر، وقتلوا مَن فيها بالرصاص أو السكاكين المسمومة، وقد فرَّ مَن بقي منهم على قيد الحياة إلى غينيا وسيراليون. وبعد أن انتهت عصابة تشارلز تيلور من قتل المسلمين في ليبريا دخلت سيراليون لاستكمال خُطَّتها في قَتْل مَن فرَّ إليها من المسلمين، ومِن الذين استُشهدوا الشيخ باه رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وقد عاونت غينيا اللاجئين بشكل حسن، ونظرت إليهم على أنهم إخوة في الدين، أما باقي المسلمين في أنحاء العالم فلم يُعْطُوا القضية الليبرية حقَّها من العناية.
وقد فجَّرت هذه الأفعال رُوح الجهاد الإسلامي، حيث توحَّدت الصفوف، وانخرط الكثير من الشباب المسلم في الجهاد، وتتوَّج هذا الأمر بتأسيس حركة (إنقاذ مسلمي ليبريا)، التي تُمثِّل جميع المسلمين على الصعيد السياسي.
وبدأت حركة الإنقاذ عملياتها الجهادية في 15 من صفر 1412هـ، وبدأت انتصاراتها تتحقق باستعادة الكثير من المناطق التي كانت تحت سيطرة عصابة تشارلز تيلور، وحاول النصارى التصدي لرُوح الجهاد وإغداق الأموال على الكنائس للقيام بحملات صليبية مكثَّفة، ولكن نتج عن مكرهم هذا تجدُّد القتال، وعودة الكثير من اللاجئين إلى غينيا، ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين[3].
ومن المؤسف أن دور المسلمين في إنقاذ إخوانهم في غرب إفريقيا ضئيل، يقتصر على بعض المنظمات الإغاثية التي تقدِّم جهد المقلِّ، بينما ترتبط مواقف حكومات الدول الإسلامية بالمواقف الغربية التي لا تُرِيد تدخُّلًا من أحدٍ سواها في هذه البقاع؛ لكي تستطيع إتمام مخططاتها لاستئصال الإسلام منها.
وبعدُ، فهذه أوراق قليلة تحدَّثت عن قصة الإسلام في غرب إفريقيا، وهي قصة حافلة بالدروس والعِبَر، فضلاً عن المسئولية التي تُلقيها على عاتق المسلمين الآن من أجل الوقوف بجانب إخوانهم هناك. نسأل الله أن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان.
[1] د. جمال عبد الهادي، أ. علي لبن: المجتمع الإسلامي المعاصر (ب) إفريقيا، ص203-204.
[2] د. جمال عبد الهادي، أ. علي لبن: المجتمع الإسلامي المعاصر (ب) إفريقيا، ص205.
[3] د. جمال عبد الهادي، أ. علي لبن: المجتمع الإسلامي المعاصر (ب) إفريقيا، ص196-201.