انتشار الإسلام في غانا
موقع غانامن المعروف أن العرب في القرن الثامن الميلادي قد وصلوا إلى شمال إفريقيا، ونشروا الإسلام فيها، وقد قام هؤلاء بعدة غزوات لأرض غانا، ورغم أن أغلب هذه الغزوات لم تنجح إلا أنها تركت بصماتها على تلك القبائل، فسرعان ما انتشرت المبادئ الإسلامية بين جميع أفراد وعشائر قبائل السونتيك، وانتشرت المساجد في جميع أرجاء المملكة.
وهكذا دخل الإسلام إلى أرض الذهب بالطريق السلمي دون غزو حربي، وفي حقيقة الأمر إن إمبراطورية غانا في ذلك كانت على درجة كبيرة من القوة العسكرية، بل ويمكن القول بأنها كانت أكبر قوة حربية في إفريقيا في ذلك الزمن[1].
وعن وصول الإسلام للجنوب فقد اتجهت جماعات من قبائل الماندي نحو الجنوب، وأسست إمارة جونغا في أراضي شمال شرقي غانا اليوم، وذلك في نهاية القرن العاشر الهجري، وكانت أعداد كبيرة من المسلمين بين أفراد هذه القبائل، وكانوا يؤلِّفون جزءًا من حاشية مؤسس هذه الدولة وهو جاكابا، كما أنهم كانوا دِعامته في حروبه ضد أعدائه، ويقودهم قائد يُدعى محمد الأبيض، وانقسمت هذه الدولة بعد وفاة مؤسسها بين ولديه، فاتخذ كل من هذين الولدين إمامًا لنفسه من أبناء محمد الأبيض، ويبدو أن أثر المسلمين كان واضحًا على هذه الدولة إذ كانت كتابتهم باللغة العربية.
ثم جاءت جماعة أخرى من قبائل الماندي أيضًا تتحدث لغة الدوغامبا، وذلك في منتصف القرن الحادي عشر، واستقرَّت في شمال شرقي دولة غانا اليوم، وأسست مدينة يندي، ونشرت الإسلام بين قبائل الدوغامبا، وربما كانت بعض بطون قبائل الهاوسا معها، وعاونتهم على نشر الإسلام.
وفي بداية القرن الثاني عشر توغَّل التجار المسلمون من قبائل الهاوسا والبورنو نحو الجنوب للحصول على الكولا، ونشروا الإسلام بين قبائل الدوغامبا في القرن الثالث عشر، وغدا أكثر أفراد هذه القبائل من المسلمين، وحرصوا على استقدام الأئمة من المناطق الشمالية، وفي الوقت نفسه أخذ الإسلام طريقه إلى قبائل المامبروسي، وغَدَتْ مدينة غامباغا مركزًا إسلاميًّا، وكان لكل قبيلة من قبائل الشمال هذه إمارة خاصة، إذ كانت إمارة جونغا، و(الدوغامبا)، و(المامبروسي)، و(وو)، وكلها في شمال دولة غانا اليوم.
أما وسط غانا فقد وصل إليه الإسلام عن طريق تجار الهاوسا، والفولاني، والبورنو، وانقلبت بعض المدن إلى مراكز تجارية مثل مدينة سلاغا، وهذا ما جعل الحياة الاقتصادية تزدهر لدى قبائل الأشانتي في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، ومع بداية القرن الثالث عشر وصل الإسلام إلى مدينة كوماسي.
وانطلق التجار المسلمون نحو الجنوب عبر نهر الفولتا، ووصلوا إلى الساحل، وعملوا على نشر الدعوة، وحتى في أيام الاستعمار جاء العمال المسلمون من البُلدان المجاورة لغانا للعمل في مناجم الذهب واستغلال الموارد الغذائية، كما جاء تجار الفولاني والهاوسا ونشروا الإسلام في الجنوب بين أفراد قبيلتي الموسي والكوتوكواي. وهكذا وصل الإسلام إلى كل أرجاء غانا، وإن كان في الشمال أكثر من الجنوب[2].
ويصف البكري مملكة غانا فيذكر أنها كانت مقسومة إلى قسمين: الحي الوثني، والحي الإسلامي، وفي الحي الإسلامي اثنا عشر مسجدًا تُقام الجمعة في أكبرها، وفي كل مسجد إمام ومؤذن وقارئ ومعلم، وفي الحي الوثني قُرْب القصر الملكي مسجد يُصَلِّي فيه المسلمون من حاشية الملك[3].
وكانت قبائل السونينك تُسمِّي إمبراطورية غانا مملكة واجادو، وقد وَهِنَت قُوَى إمبراطورية غانا بعدما وصلت إلى قوة لم يكن لها مثيل، فما إن حلَّ عام 1054م حتى قامت قوَّات المرابطين بالهجوم على مدينة كومبي العاصمة التِّجارية للإمبراطورية، ولكن المدينة لم تستسلم بسهولة وظلَّت تُقاوِم الحصار مدة اثنتين وعشرين سنة متواصلة، حتى سقطت في النهاية، وضمَّها المرابطون إلى أراضيهم[4].
[1] جوان جوزيف: الإسلام في ممالك وإمبراطوريات إفريقيا السوداء، ترجمة مختار السويفي، ص48-51.
[2] محمود شاكر: التاريخ الإسلامي (التاريخ المعاصر الأقليات الإسلامية)، ج22، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي - بيروت، 1416هـ-1995م، ص282-284.
[3] د. محمد عبد القادر أحمد: المسلمون في غينيا ص36.
[4] جوان جوزيف: الإسلام في ممالك وإمبراطوريات إفريقيا السوداء ص57-61.
منقول