عندما تخاف المرأة ''طبيعة'' وعندما يخاف الرجل ''فضيحة''
أن تخاف المرأة من حشرة غريبة، أو من الصراصير، أو أن ترتعب من العلو الشاهق للمصاعد الهوائية
أو الكهربائية أو المدارج، أو أن تتجنب ركوب الطائرة أو الباخرة، عادة ما يعتبره مجتمعنا أمرا طبيعيا، في حين يتحوّل إلى ''فضيحة'' إن شعر الرجل بنفس الشعور، على اعتبار أن هذا الأخير من المفترض أن يكون صلبا في مواجهته لمختلف تحديات الحياة، في حين يغفل عامة المجتمع أنها أحاسيس تعبّر عن ''واقع مرضي'' للأشخاص، من كلا الجنسين، ويطلق عليه المختصون مصطلح ''الفوبيا''.
في جولة لـ''الخبر'' عبر بعض المرافق العمومية بالعاصمة، صادفنا مواقف طريفة لعائلات وشباب أصابهم الرعب قبل ركوب المصعد الهوائي. وإن كان منهم من يجرّب الوسيلة للمرة الأولى، إلا أن آخرين أكدوا، في حديثهم لنا، أنهم يصابون بالرعب في كل مرة يركبون فيها المصعد، حيث أكدت سهام التي صادفناها بمنطقة المدنية بالعاصمة، أنها تفضل ركوب حافلات النقل العمومي، والقيام بدورة عبر شوارع أول ماي للوصول إلى حسين داي، على أن تستقل المصعد. وحول ما إذا كان خوفها مبالغا فيه، قالت محدثتنا إن تنفسها يتوقف إن ركبت المصعد، خاصة أنها واجهت تجربة وصفتها بـ''القاسية''، بعد توقف المصعد الذي كانت تستقله بمحطة المدنية لمدة تزيد عن 15 د، وهو ما جعلها تتفادى نهائيا الركوب مجدّدا في المصاعد.
أما نادية، فقالت إنها تخشى استعمال المصاعد، حيث تضطر عند ارتياد الفنادق أو بعض المؤسسات العمومية إلى صعود السلالم، وقالت إنها لم تتمكن من التخلص من خوفها، رغم تشجيعات خطيبها لها. فيما أكد كمال أنه يرتعب من فكرة ركوب الطائرة، إلى درجة أنه تخلى عن رحلات هامة في العمل بسبب هذا الخوف، مشيرا إلى أنه لا يخاف من الأماكن المرتفعة، كما لا يخاف من ركوب الباخرة أو صعود السلالم أو المصاعد الهوائية، في حين يشعر برعب كبير من فكرة صعود الطائرة، وقال إنه لم يستقلّ يوما طائرة، رغم أن سنه يتعدى 35 سنة، مشيرا إلى أنه يتنقل برّا عند الحاجة، وقال إن خوفه هذا لا يتعلق بإمكانية سقوط الطائرة والموت: ''لأن الأجل عند الله تعالى''. وفي مواقف طريفة صادفناها بالمراكز التجارية الكبرى في العاصمة، شاهدنا خوف بعض المواطنين من استعمال السلالم الكهربائية، ويفضلون التقليدية. ولدى سؤالنا عن السبب، أكد حفيظ أن المواطن الجزائري لم يعتد على هذه المرافق في الأماكن العامة من قبل، وهو ما يجعله متخوّفا من سوء استعمالها، أو من التعرّض لمواقف محرجة كالسقوط مثلا، وقال إنه شهد بنفسه حوادث سقوط كثيرة لمواطنين حاولوا استعمال السلالم، وهو ما جعله يمتنع عن استعمالها، في حين أكد أن فئة الشباب تعدّ الفئة الأكثـر إقبالا عليها.
حالة مرضية ينطلق علاجها باعتراف المريض
وفي تصريح لـ''الخبر''، أكدت الدكتورة في علم النفس، فريدة طايبي، أن الخوف الذي يتملك المواطنين من استعمال وسائل نقل تعدّ طبيعية أو تجاه ظواهر طبيعية أو وسائل أخرى، يعدّ مرضا نفسيا، نتيجة ''الخوف غير الطبيعي'' من الأشياء التي يجدها الآخرون عادية. وأوضحت أن الأطباء لم يتمكنوا، لحد الساعة، من التوصل إلى الأسباب المؤدية للمرض، رغم كونه من الأمراض النفسية الخفيفة التي يسهل علاجها، مبرزة أن حدّة المرض تختلف من شخص لآخر، حيث أن هذه الفئة، حسبها، تتعرّض للكثير من المواقف الحرجة في تعاملها مع المحيط الخارجي، نتيجة اندفاعهم واضطرابهم عند مواجهتهم للشيء الذي يثير مخاوفهم. وقالت إن مرض ''الفوبيا'' يطلق عليه أيضا مصطلح ''الإرهاب الاجتماعي''، الذي ينتج عن الخوف من الاحتكاك بالآخر، بسبب الخوف من المجهول، أو الوقوع في الخطأ، ما يجعل المصابين يتجنبون الانتقادات. وقالت محدثتنا إن المرض ينتشر بنسب متساوية لدى كلا الجنسين، في الوقت الذي يجتهد فيه الرجل لإخفاء تخوّفاته، لتفادي ''النظرة الدونية'' من طرف أفراد عائلته، أو التقليل من شأنه وسط أبناء مجتمعه. وأرجعت المتحدثة أسباب الإصابة بالمرض، عادة، إلى تعرّض المريض لحادثة مؤلمة، تكون الدافع لاتخاذ قراره، وقالت إن الآباء والأمهات عادة ما يتسبّبون في أنواع من الخوف لأبنائهم، جرّاء تحذيراتهم الكثيرة قصد حمايتهم، وهو ما يربي في نفسهم الخوف. وأضافت أن بعض جلسات العلاج قادرة على دفع المريض إلى تجربة الشيء الذي يخاف منه، وعلاجه نهائيا في حال اعترف مسبقا بإصابته.
الخبر