قبل التوسّع في موضوع الصيد البري ، أحببت ان اورد مقدمة صغيرة للموضوع في التاريخ العربي
عُرف العرب في جاهليتهم بالفقر وذلك نتيجة للبداوة وطبيعة الترحال، وللقضاء على هذه الحالة توجهوا للبحث في الطبيعة عما يسد جوعهم، فلاحقوا الضواري ووحوش الصحراء، ومن هنا عرفوا الصيد كحاجة طبيعية لتوفير قوتهم
فامرؤ القيس صاحب أشعر معلقة في الشعر الجاهلي، أسهب في شعره عن قصص الصيد وحالاته وأحواله وعن كرم ممتهنيه
ومن أحاديث امرؤ القيس عن خُلق العرب في الصيد ومكاسبه مارواه عن ذلك الأعرابي العجوز الذي رآه الشاعر تائهاً في الصحراء فظنه عاشقاً غالبه الشوق والوجد، فتاه في الصحراء يشكوا عشقه لضواريها
يقول امرؤ القيس: صادفته في صحراء خاوية يتخفى وراء أحد الكثبان وبلمحة بصر أطلق رمحه وانطلق نحو الطريدة وقفل عائدا وعلى كتفه ظبي، فقطعت عليه الطريق لأسأله عن حاله ان كان عاشقا أم زاهداً أو فقيرا يعاني الاملاق.
وبعد السؤال أجاب: أما الزهد فأنا زاهد بما في أيدي الناس، وأما الصيد فهو للكسب وبعدها أتوجه بدعوتي لطعام كريم، فأجبته: وهل يرفض الفارس كريم المأكل
ولم يكتف العجوز بهذا فأخذت أراقبه وهو يمر بمضارب قومه وأنا برفقته يدعوهم إلى الأكل من صيده. ليس هذا وحسب فالعرب في جاهليتهم أخذوا من صيد الحيوانات وسيلة كسبهم الوحيدة، اقتاتوا بلحمها حين عضهم الجوع، وتدفئوا بعظامها حين مسهم البرد، واستناروا بدهنها عندما يظلم عليهم الليل، كما أخذوا من أوبارها غطاء وكساء
أول من اصطاد بالصقور
وبقي صيد الحيوانات حتى وقت متأخر من ظهور الإسلام وسيلة رزق العربي ولكنه تحول مع قيام الدولة الاسلامية إلى متعة من متع النفس، وضربا من ضروب الحرب في أيام السلم، وهكذا تحول إلى مظهر حضاري للتسلية والترفيه
ورغم تحول الصيد عند العرب إلى مظهر حضاري إلا ان مفهوم الكسب منه بقي شأنا محترما، لأن العرب مازالت تعلي من شأن الصيد وتمدح الرجل بأكله من صيد يده، كما انهم مازالوا يعتبرون طعام الصيد أكرم الطعام. وهذه المعتقدات عن الكسب في الصيد كانت للملوك والأغنياء قبل العامة حتى انهم أطلقوا على الصيد اسم (اللذة). تعددت وسائل العرب وأساليبهم في الصيد فكانوا يصطادون بالقوس والصقر والفهد ويقال ان العرب أول من ضرى الصقور وصاد بها
ويعتبر الحارث بن معاوية بن ثور بن كندة أول من روض الصقور للصيد، حدث ذلك أثناء رحلة صيد له مع أصحابه بالقوس والرمح في مكان من الصحراء فيه بعض الشجر والعشب والماء، حيث رأى صياداً ينصب شبكة للعصافير، وينتظر، فإذا صقر من بعيد ينقض على عصفور علق في الشبكة، وجعل يأكله وعلق الصقر بالشبكة، وكل هذا حصل أمام الحارث وهو يراقب المشهد، فأتى بالصقر وأمر بالاعتناء به، بعد ان قال: »أنه والله أقوى من الرمح في الصيد« وامر بتضريته للصيد به، وكذا عرف العرب القنص
والفرق بين الصيد والقنص في اللغة يعود لوسيلة الصيد، فالصيد هو أخذ الحيوان وتصيّده وطلبه وكلمة الصيد تطلق على صيد البحر والجو والبر. والقنص بمعنى الصيد حيث يقال قنص الصيد (يقنصه قنصاً)، أما الطرد معناها في اللغة الشل، يقال طرده، يطرده طرداً، ويقال طردت الكلاب الصيد أي نحته وراهقته، والطريدة ما طردت من صيد وغيره
لقد تطورت مفاهيم الصيد مع قيام الدولة الاسلامية وأصبحت ولعاً لدى الكثيرين من الناس ونقل أبو جعفر المنصور إلى جلسائه قائلا: الناس مولعون بالصيد ومُتعه ويلتزمون بآدابه ويرسون قواعده وكم أتمنى لو أراهم يلتزمون بآداب الحياة كالتزامهم بآداب الصيد؟