تتزايد التجاذبات بين الشرق والغرب الليبي، لتبتعد بذلك سيناريوهات المصالحة السياسية. فمن الخلاف حول الثروات النفطية إلى مناطق النفوذ، يعرف الصراع بين حكومة السراج من جهة، وبرلمان طبرق من جهة ثانية، أبعادا تنبئ باحتمالات التصادم. بالمقابل، فإن الحرب على “داعش” يتسع نطاقها وتأخذ أبعادا جديدة بتدخل نوعي أمريكي بطائرات “المارينز”، وهو ما يعطي دلالات على رغبة واشنطن في التموقع في المشهد الليبي أكثر.
تكشف المعطيات الدالة على مشاركة مروحيات تابعة لقوات مشاة البحرية الأمريكية، في القتال ضد “داعش” في سرت، من أجل طرد مقاتلي التنظيم الذين تراجعوا إلى مناطق أكثر كثافة، عن تطور الموقف الأمريكي، بعد استخدام لأول مرة مروحيات “سوبر كوبرا”، وهو السلاح الذي دخل الخدمة لأول مرة في حرب الفيتنام، ويعطي هذا العامل دلالة على أن واشنطن انخرطت في حرب لا متوازية وغير تقليدية، قد تستمر لفترة على شاكلة ما حدث في مناطق أخرى منها أفغانستان والعراق، بالنظر إلى تحول مقاتلي تنظيم “داعش” إلى المناطق ذات الكثافة السكانية أو العمرانية.
وتبين سيرورة المعارك في سرت عن توجه القوات الغربية إلى إدراج عامل الحرب اللامتوازية وحرب العصابات في حساباتها، مستفيدة من تجارب سابقة بما في ذلك التجربة الأمريكية في الصومال في إطار عملية استعادة الأمل، التي تحولت إلى إخفاق كبير بالنظر إلى تحول القوات الأمريكية إلى قوات ملاحقة للزعيم الصومالي فرح عيديد، وفقدان القوات الأمريكية العديد من عناصرها في 1994، قبل قرار الانسحاب السريع.
وعلى عكس السيناريو الصومالي، فإن القوات الأمريكية تقوم بالدعم اللوجستي والاستشارة والتأطير لقوات على الأرض، هي قوات عملية “البنيان المرصوص” الموالية لرئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، أي أنها تتحرك وفق غطاء سياسي، تستفيد منه هذه الأخيرة في دعم شرعيتها.
ومع ذلك، فإن مهمة بسط سيطرة وشرعية هذه الحكومة لا تزال تصطدم بفرقاء المنطقة الشرقية من ليبيا، ممثلة في برلمان طبرق وما يعرف بالجيش الوطني الذي يتزعمه اللواء خليفة حفتر. فبعد التهديدات التي أطلقها هذا الجيش، جاء تصويت الأغلبية في برلمان طبرق برفض منح الثقة لحكومة الوفاق، كتأكيد على الشرخ الموجود على الساحة السياسية، حيث أعلن مجلس النواب الليبي من مقره في طبرق، حسبما تناقلته وسائل الإعلام الليبية، عن عدم منحه الثقة لحكومة الوفاق المقدمة من المجلس الرئاسي للحكومة، وبالأغلبية، ما لا يترك مجالا للمناورة، حيث صوت على القرار 62 عضوا، فيما أيد منح الثقة للحكومة عضو واحد وامتنع 12 عضوا عن التصويت، وغادر البقية قاعة المجلس أثناء التصويت، وتضفي التوجهات التي يتبناها برلمان طبرق في سياق تجاذبات تتفاقم إلى حد القطيعة بين الفرقاء في الشرق والغرب، ويعطي بالتالي مساحة جديدة للخلافات السياسية التي لا تزال مطروحة على المشهد الليبي.
منقول