الفرينولوجيا هي علم فراسة الدماغ , أو هي علم يدرس العلاقة بين شخصية الإنسان وشكل جمجمته , حيث أن شكل الجمجمة يدل على شكل و حجم المخ (الدماغ) بداخلها , و بإفتراض ان كل جزء من الدماغ يقوم بعدة وظائف فسيولوجية و مشاعرية , إذن إمتلاء أجزاء من الدماغ أو ضمورها يؤثر بالتالي على هذه الوظائف الفسيولوجية و المشاعرية و بالتالي يؤثر على شخصية الإنسان.
و هذه الكلمة الفرينولوجيا Phrenology هي كلمة يونانية من شقين Phren و تعني العقل , و Logos و تعني المعرفة , وبالتالي كلمة فرينولوجيا تعني في ترجمتها “معرفة العقل”.
و الفرينولوجيا هي نظرية أسسها الطبيب الألماني فرانز جوزيف جال عام 1796 , و بدأت قصة جال مع الفرينولوجيا بينما هو طالب , حيث انه قام بملاحظة زملائه من الطلاب الذين برعوا في علم اللغة ليتبين أي سمات مشتركه بينهم , و لاحظ ان الكثير منهم كان جاحظ العينين ، فربط بين جحوظ العينين و البراعة في اللغة و الأدب , ثم بدأ يلاحظ بروز عدة مواضع اخرى في الجمجمة , فأشار جال الى 27 موضعا في الجمجمة ووضح ان هذه المواضع من المخ تعكس سلوكيات و شخصية الفرد , و أطلق على هذه المواضع إسم الملكات الفكرية Mental Faculties، فقسم الرأس الى عدة مواضع كلٌ منها مختص بمَلكة فكرية معينة ، وإذا كبر نتوء الجمجمة في واحد من هذه المواضع زاد وضوح الصفة المختصة بها هذه المَلكة ، و إذا ضمر هذا النتوء ضمر معه وضوح الصفة . . وهكذا , و قد كانت هذه النظرية مبنية على العديد من الأدلة المادية و الملاحظات الشخصية ولاقت نجاحا و قبولاً كبيرين.
و من الطريف أن نذكر هنا ان الشاعر و الأديب العباسي المعروف الجاحظ و الذي كان بارعا في علوم اللغة و الأدب , كان يتميز بالجحوظ الواضح في عينيه , و من هنا جاء إسم شهرته , ثم يأتي علم التشريح الحديث ليخبرنا أن الجزء المسؤل عن اللغة في الدماغ يقع فعليا في الجزء الأمامي السفلي للفص الجبهي من الدماغ , و أن تضخم و إمتلاء هذا الجزء من الدماغ قد يؤدي الى بروز العينين الى الأمام و جحوظهما , و هذا هو ما تحدث عنه جال في نظريته منذ اكثر من 200 عام.
ثم من بعد جال اكمل العمل على هذه النظرية الطبيب الألماني جون جاسبر سبورزيم الذي عكف على دراسة نظرية جال وطورها وجعلها علما مستقلاً اسماه الفرينولوجيا Phrenology او علم فراسة الدماغ ، و إنتشرت الفرينولوجيا في جميع انحاء أوروبا و أمريكا في أواخر القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين و كانت هي الفراسة المعتمدة فعليا في ذلك الوقت.
الأدوات المستخدمة لقياس الرأس في الفرينولوجيا اوائل القرن 19
واستخدمت الفرينولوجيا في ذلك الوقت بكثره في اوروبا لتحديد مدى ملاءمة الموظفين و العمال للوظائف المختلفة , فمثلا : تقسم الجمجمة الى مناطق بعضها يحدد صفة الحذر ، وبعضها مسئول عن الرغبة فى البناء ، وأخرى تعمل على إبراز الرغبة فى الهدم ، و بعضها لإحترام الذات و الطيبة و الروحانيات … إلخ , فمثلاً إذا تقدمت إمرأة للعمل كمربية أو مديرة منزل , فإن صاحب العمل يطلب منها أن تحضر تقريرا من طبيب متخصص فى الفرينولوجيا يثبت أن لديها حزمة من الصفات التى تؤهلها للحصول على هذه الوظيفة مثلا كصفة حب البناء ، وصفة القدرة على التواصل ، و الحذر . . و هكذا .
حتى حمل لواء الفرينولوجيا الأخوان الامريكيان لورنزو و أورسون فاولر اللذان حولاه إلى إستعراض ترفيهي أقرب الى الشعوذة مما افقد هذا العلم مصداقيته ومكانته , و من ثم بدأ إعتباره من العلوم الزائفة و بدأ المجتمع العلمي برفضه تدريجيا , و ذلك بالرغم من إضافة الفرينولوجيا فعلياً الى المجال الطبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
ولكن تابع علماء الفرينولوجيا دراساتهم رغم الضغوط التي قام بها المجتمع الدولي على علمهم ، ومن أهم علماء الفرينولوجيا في القرن العشرين الطبيب النفسي البريطاني المشهور بيرنارد هولاندر , و الذي كتب العديد من الكتب في علم الفرينولوجيا متيحاً مجالاً أكبر للأجيال الصاعدة بالتعرف على هذا العلم ، ومن أهم كتبه Scientific Phrenology الذي يعتبر مرجعاً ضخماً يضم مواقع الملكات الفكرية المعتمدة والتي عددها وقتها نحو 37 ملكة فكرية ، كما تضمن شروحاً حول خصائص هذه الملكات ومؤثراتها على شخصية الإنسان.
كما قام البروفيسور البلجيكي بول بوتس بدراسة معمقة حول الفرينولوجيا من خلفية تربوية ، حيث أظهر آثار التربية أيضاً في تكوين الملكات الفكرية للفرد ، ويعتبر بوتس ذو فضل كبير على علم الفرينولوجيا لإسهاماته الغير محدودة فيه ، والتي أدت إلى انتشار هذا العلم في بلجيكا والبرازيل وكندا و إعادة تقديم الاحترام له مرة اخرى من قبل الوسط العام.
في عام 1983 أنشأ بيتر كوبر ما يسمى بـ The London Phrenology Company التي اعتبرت المصدر والمكان الرئيسي للذين يهتمون بالفرينولوجيا ، حيث تقدم لهم هذه الشركة كل ما يحتاجونه من أدوات وتماثيل فرينولوجية ومعلومات وكتب حول هذا العلم.
نموذج الرأس الفرينولوجي الحديث
و الفرينولوجيا هي واحده من من أكثر النظريات العلمية الحديثة جدلية وتعرضاً للنقد أو ربما للرفض العلمي بشكل عام , فما بين رفض لفترة طويلة من علم النفس , ثم قبول جزئي حديثاً من علم الأعصاب , حيث أن جزءا من الفرينولوجيا يرتبط اليوم بعلم الأعصاب Neurology , وباتت الدراسات الحديثة لعلم الأعصاب تتقبل فى الوقت الراهن فكرة تقسيم الدماغ إلى مناطق كل منها مسؤول عن وظيفة بعينها كما تفترض ذلك مبادئ الفرينولوجيا تماما.
الجدير بالذكر انه توجد العديد من مساحات التوافق بين الفرينولوجيا و علوم الشخصية الحديثة (الكاراكترولوجي و البيرسونولوجي) مع فارق واحد جوهري , هو ان علوم الشخصية تستدل على بعض من شخصية و سلوكيات الإنسان بمقارنة النسب العامة لشكل الجمجمة و الدماغ (عرض الفص الجداري للدماغ مقارنة بعرض الفص الجبهي مثلا) , بينما الفرينولوجيا تستدل على الملكات الفكرية المختلفة بمواضع اصغر نسبيا كثيرا من ذلك كما يظهر في تقسيم الرأس الفرينولوجي , و لهذا يرى الكثير من المختصين انه لايمكن رفض الفرينولوجيا كلية , و لكنها لازالت تحتاج إلى بعض من التصحيح و التنقيح.
منقول عن مدونة أسرار الوجه
دمتم بود