فيما كنت أتحدث مع أحد من نحب تسميتهم بالمستشرقين المهتمين بالحضارة الاسلامية واللغة العربية وأتبادل معه اطراف الحديث حول الصراع الاسرائيلي العربي او ربما يجب القول الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، حيث لم يعد بين اسرائيل والعرب اي صراعات بعد كل ما طفا من صراعات على خارطة منطقتنا، بادرني البروفيسور ومن منطلق اهتمامه الشديد بمجال ابحاثه بسؤال غريب ولكنه ربما في الصميم، سألني: أصحيح ان المقدسيين ينظرون الى الخلايلة الذين يعيشون في القدس بدونية، الامر الذي يدفع الخلايلة الذين يعيشون في القدس الى التنصل من كونهم من الخليل وفض أنفسهم عنها؟ وانا بدوري سارعت بالرد بان ما سأل عنه صحيح وان هذه النظرة فعلا موجودة، وانها نشأت منذ بدأت الهجرة الخليلية الى القدس في الثلاثينات من القرن الماضي، حيث هاجرت الكثير من العائلات الخليلية الى القدس واستقرت فيها، وواصل أبناؤها العيش فيها وحتى بعد حرب الايام الستة، خاصة في ظل تراجع اعداد المقدسيين في المدينة بسبب هجرة الكثير منهم الى الخارج في اعقاب النكبة والنكسة وبسبب اغراءات مزايا حمل بطاقة الهوية الاسرائيلية، وانتهى الحديث بيننا حول هذه النقطة، وكنت أود أن اشرح له وأضيف بان الخلايلة من سكان الخليل ينظرون الى الخلايلة الذين يعشيون الى القدس بدونية كما ينظرون الى المقدسيين باستهزاء وعلى انهم اقل رجولة وشهامة، وكنت أريد ان اعطيه مثالا توضيحيا مشابها يلم به جيدا وهو نظرة ابناء المدن الى ابناء القرى، ولكن حديثنا حول هذه النقطة توقف للتحدث عن الموضوع الذي التقينا لاجله.
والسؤال بقي يتردد في ذهني ولا انفك أفكر فيه، حيث كنت ارغب بأن اشرح لصديقي ومعلمي المزيد، وارجو ان لا اكون امس به بقولي انه مستشرق، فليتنا نتعلم منه ومن أمثاله معنى البحث والمواظبة على العلم والدرس وخدمة العلم!، كنت أرغب بأن أشرح له طبيعة المجتمع الفلسطيني وكيف اننا في فلسطين قد انتكبنا قبل وبعد النكبة بان الفلسطيني المدني والذي من ابناء المدن يحتقر القروي، وبان القروي يزدري المدني، وان المسلم يحتقر المسيحي وان المسيحي يكره المسلم، وان النابلسي يحتقر الخليلي وان الخليلي يتعالى على التلحمي، وأن ابن الشمال يكره ابن الجنوب، وان الضفاوي يحتقر الغزاوي، وان لا يكفي ذلك فاننا نرى ان الاحتقار والازدراء والكراهية تمتد حتى على مستوى المدينة الواحدة، لنرى مثلا ان عائلات حارة الشيخ في الخليل تحتقر عائلات الحارة التحتا والحبل على الجرار، ولا داعي لنشر الفضائح على حبل الغسيل.
وما أرقني اكثر هو ما الذي كنت سأقوله للبروفيسور لو صعب السؤال أكثر وطلب مني ان اعرف له الفلسطيني أو الهوية الفلسطينية، فحينها وبعد كل هذا العرض لخارطة الانقسامات والكراهيات ناهيك عن الانقسامات التنظيمية بين حماس وفتح والجبهة الشعبية والجهاد الاسلامي والديمقراطية وغيرها وغيرها، لا يمكنني التحدث عن هوية وطنية فلسطينية واحدة وخاصة في ظل الشعور المتنامي بيننا بان لا أحد منا يريد ان يكون أو يبقى فلسطينيا! .
منقول