طَرِيْقُ الضَّيَاع
شعر/ عيسى جرابا
ثُوْرِي كَمَا شِئْتِ يَا بَغْدَادُ وَاحْتَرِقِي
لَمْ يَبْـقَ فِي العُرْبِ إِلا حِسُّ مُرْتَزِقِ
ثُوْرِي وَلا تَيْأَسِي إِنْ لَمْ تَرَيْ أَحَداً
يَمُدُّ نَحْوَكِ كَفَّ الغَوْثِ وَالغَدَقِ
وَجَاهِدِي وَانْفُضِي عَنْ وَجْهِ أُمَّتِنَا
مَا شَابَـهُ مِنْ غُبَارِ الضَّيْمِ وَالفَرَقِ
ثُوْرِي فَمَازَالَ يَا بَغْدَادُ فِي دَمِنَا
مَشَاعرٌ تَرْقُبُ الأَحْدَاثَ فِي حَنَقِ
لا تَرْكَنِي لِلقَرَارَاتِ الَّتِي كُتِبَتْ
فِي ذِلَّةٍ وَغَدَتْ حِبْراً عَلَى وَرَقِ
عَادَ التَّتَارُ جُيُوْشاً غَيْرَ عَابِئَةٍ
إِلا بِسَفْكِ دَمِ الأَعْرَافِ وَالعَلَقِ
هُوْلاكُهُمْ يَسْتَفِزُّ الكَوْنَ فِي صَلَفٍ
بِحِكْمَةٍ مِنْ جُنُوْنِ الطَّيْشِ وَالنَزَقِ
حَرْبٌ صَلِيْبِيَّةٌ هَوْجَاءُ رَايَتُهَا
تَحْرِيْرُ شَعْـبٍ مِنَ الإِيْمَانِ وَالـخُلُقِ
عَادَ التَّـتَارُ فَمَا بَـالُ الـمُظَفَّرِ لَمْ
يَعُـدْ لِيَجْمَعَ فِيْنَا شَمْلَ مُفْتَرِقِ؟
بِنَا تَقَاذَفَتِ الأَهْوَاءُ فَاحْتَرَقَتْ
قُلُوْبُنَا بِلَهِيْبِ الشَّكِّ وَالقَلَقِ
جِرَاحُنَا فِي يَـدِ الـمَجْهُوْلِ دَامِيَةٌ
أَمَا لَهَا مِنْ طَبِيْبٍ صَادِقٍ حَذِقِ؟
نُسَاقُ نَحْوَ مَصِيْرٍ غَامِضٍ بَدَأَتْ
خُطَاهُ مِنْ نَفَقٍ دَاجٍ إِلَى نَفَقِ
وَحَوْلَنَا لُجَجُ الأَحْدَاثِ مَائِجَةٌ
وَنَحْنُ مَا بَيْنَهَا كَالطَّائِرِ الغَرِقِ
أَنَّى اتَّجَهْنَا ظَلامٌ دَامِسٌ وَرُؤَىً
كَسِيْحةٌ وَعُقُوْلٌ بَعْدُ لَمْ تُفِقِ
بَغْدَادُ مَاذَا جَرَى؟ فَاللَّيْلُ مُتَّشِحٌ
ثَوْبَ السَّوَادِ يُوَارِي سُحْنَةَ الأُفُقِ
قَرَأْتُ فِي وَجْهِكِ الـمَكْلُوْمِ مَلْحَمَةً
صِيْغَتْ لَنَا مِنْ نَزِيْفِ القَلْبِ وَالـحَدَقِ
وَلاحَ لِي أَمْسُكِ الزَّاهِي وَقَدْ لَمَعَتْ
بِـهِ سُـيُوْفُ بَنِـي العَـبَاسِ كَالفَلَقِ
وَلاحَ لِي أَلْفُ حُرٍّ لَوْ رَأَوْكِ لَمَا
طَابَتْ لَهُمْ عِـيْشَةُ الإِغْضَاءِ وَالـمَلَقِ
فَأَنْتِ بَغْدَادُ تَارِيْخٌ لَهُ أَلَقٌ
مَازَالَ رَغْمَ الدُّجَى يَفْتَرُّ فِي أَلَقِ
بَغْدَادُ مَاذَا جَرَى؟ إِنِّي لَمُحْتَرِقٌ
وَمَنْ رَآكِ وَأَمْسَى غَيْرَ مُحْتَرِقِ؟
قُلُوْبُنَا مِرْجَلٌ يَغْلِي وَأَدْمُعُنَا
تَجْرِي وَأَعْيُنُنَا مُسْتَوْدَعُ الأَرَقِ
لَمْ تَرْضَ مَكَّةُ فَامْتدَّتْ عَلَى ثِقَةٍ
أَكُفُّهَا تَتَرَجَّى كَاشِفَ الغَسَقِ
وَطَيْبَةٌ فِي ذُهُوْلٍ مُذْ رَأَتْ صُوَراً
لِوَجْـهِ بَغْدَادَ وَالأَجْوَاءُ كَالشَّفَقِ
وَأُنْسِيَ المَسْجِدُ الأَقْصَى قَضِيَّتَهُ
لَمَّا رَآكِ كَأَنْ مِنْ قَبْلُ لَمْ يَذُقِ
بَلْ إِنَّنَا أُمَّةٌ هَاجَتْ مَشَاعِرُهَا
لَمْ تَحْتَمِلْ رُؤْيَةَ البَاغِي وَلَمْ تُطِقِ
لا لَسْتِ وَحْدَكِ فِي الـمَيْدَانِ فَاصْطَبِرِي
عَلَى اللَّظَى وَبِرَبِّ الصَّابِرِيْنَ ثِقِي
بَوَارِقُ النَّصْرِ مَازَالَتْ تَلُوْحُ لَنَا
فَحَمْحِمِي يَا خُيُوْلَ الـحَقِّ وَانْطَلِقِي
إِنْ لاذَ بِالصَّمْتِ قَوْمِي فَالطَّرِيْقُ إِلَى
بَغْدَادَ فَاتِحَةُ البَاقِي مِنَ الطُّرُقِ