|
![]() |
|
أدوات الموضوع
![]() |
انواع عرض الموضوع
![]() |
![]() |
#1 | |||||||||||
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
![]() جميع الدروس في مادة العلوم الاسلامية للسنة الأولى الثانوي تجدها هنا
حول الكتاب تـأليف: مخلوف زغبان، أستاذ علوم الشريعة. تصميم و إنجاز Lotphilosophie من هدي القرآن الكريم قال النبي صلى الله عليه وسلم ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ) رواه البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه. الدرس الأول: النص القرآني: قال الله تعالى: ( إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُواْ خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُواْ أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُواْ بِالاَلْقَابِ بِيسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الاِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ اِجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمُ أَنْ يَّاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيِّتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12) يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُم شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُم إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ). سورة الحجرات الآية 10/13. معنى المفردات: -يسخر: يستهزئ ويحتقر. -تلمزوا: تعيبوا، واللمّاز يطلق أيضاً على النمّام. -تنابزوا: التنابز هو دعاء البعض للبعض بلقب يكرهه. -اجتنبوا: تنحوا وابتعدوا. -تجسّسوا: التجسّس هو استخدام الحواس في الوقوف على سيّئات الناس. -يغتب: من الغيبة وهي ذكر الإنسان بما يكره ويستقبح في غيبته. المعنى الإجمالي للنص: النص القرآني المتقدّم تضمّن أربع آيات في الآداب الاجتماعية، وما يجب على المؤمن الكامل الإيمان أن يتحلّى به من صفات محمودة تضمن له سعادة الدارين: 1) واجب الأخوة في الدّين التي تستوجب على المؤمنين التعاون والتناصر والتواصل والتناصح، والسعي في الخير إمّا بجلب الخير والمصلحة أو دفع الشر والضرر، والتواصي على الحق وعلى التقوى. 2) على المؤمن الكامل الإيمان المتصف بأخلاق الإسلام وآدابه ألّا يسخر من غيره مستهزئاً ومحتقراً لما في ذلك من إظهار خُبث النفس وحقارتها وسوء تربيتها، إذ كيف يتصوّر تكوين مجتمع صالح يسخر بعض أفراده من البعض الآخر ويستهزئ، وقد يكون المستهزأ به خيراً عند الله من المستهزئ عملاً وتقوى وصلاحاً ممّا يزيد في عظم الذنب وخبث المعصية. والمؤمن الحقيقي هو الذي لا يلمز أخاه ولا يعيبه، لأنّه في الحقيقة يعيب نفسه وينقص من قدرها حيث لا يشعر حين يعيب أخاه، لما نعلمه جميعاً من كون المسلمين كالجسد الواحد يتمّم بعضهم البعض الآخر. كما يجب على المؤمن ألَّا يدعو وينادي أخاه بالألقاب التي يكرهها والتي فيها تنقيص من قدره لما ينشأ عن ذلك من عداوة وبغضاء وتنافر الأفراد والجماعات. وأنّه حقًّا ممّا يعيب الإنسان ويقدح فيه أن يرتكب هاته الأعمال المنهي عنها والتي تنعته بصفة الفسق بعد إيمانه. والجمع بين الإيمان والفسق مستقبح لا ترضاه النفوس قويّة الإيمان، لذلك يجب على من تلبّس بها أن يتوب إلى الله ويكفّ عنها حتى لا يكون ظالماً متعدياً حدود الله بارتكاب العصيان بدل الطاعات المأمور بها. 3) والمؤمن الحق هو الذي يتجنّب الظنّ السيّئ بغيره وما ينشأ عنه من أوهام وتخيلات فاسدة ممّا لا خير فيه للفرد ولا للمجتمع، ومن إثم وذنب أمامه سبحانه. وعلى المؤمن كذلك أن يتجنب استعمال حواسّه في الوقوف على سيئات الناس ومعايبهم للتشهير بها والتنقيص من قيمتهم وأقدارهم، وإلحاق السوء بهم ممّا لا خير وراءه ولا مصلحة للأمّة الإسلامية، كما يجب على المؤمن ألَّا يذكر أخاه في غيبته بما يستقبح ويستكره من الأعمال والصفات، إلَّا إذا كان في الغيبة مصلحة للفرد والأمّة فهي مباحة كالتشنيع على المُجاهر بالمعصية والشهادة في المنازعات والخصومات مثلاً. وقد مثّل الله سبحانه المغتاب الناهش في أعراض الناس بآكل لحم أخيه الميت، فكيف يتصوّر من مؤمن أن يحبّ شيئاً حقُّه أن يكون مكروهاً منفّراً كما ينفر الإنسان ويكره أن يأكل لحماً وهذا اللحم هو لحم أخيه، وكون هذا الأخ ميتاً، ولا يخفى ما في هذا التصوير من بيان فداحة جرم الغيبة والتنفير منها. واتقوا الله الذي تسع معرفته كل شيء، وتوبوا إليه من أعمالكم المتقدّمة المنهي عنها، فهو التواب القابل لتوبة عباده، الرحيم بهم. 4) وبعد أن بيّن سبحانه الصفات التي يجب على المؤمن أن يتجنبها لأنها تنافي الإيمان الكامل، شَرَع في بيان مرض يعمّ الناس أجمعين سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، فهو نداء للبشرية جمعاء، وهذا المرض هو التباهي بشرف الأصل، والفخر بلون البشرة أو ما نسميه حالياً بمرض العنصرية، الذي لا أساس له ولا مرجع، لأنّ الناس أمام الله سواسية، أصلهم واحد، وأبوهم آدم وأمّهم حواء، فلا فضل لقبيلة ولا لأمّة ولا لشعب ولا لجنس على كافّة البشر، وما خلقهم للتفاخر والتباهي بل خلقهم وكوّن منهم الشعوب والقبائل للتعارف والتعاون والتواصل، وإذا كان هناك فضل لأحد فبأعماله وخوفه من الله وبفعل الخير الذي يقدّمه للبشرية، لا بشرف آبائه ولون بشرته وما شابه ذلك، فهو سبحانه عليم خبير ببواطنكم لا يخفى عنه شيء من أعمالكم. العبر المستخلصة من النص: ـ يأمرنا الله سبحانه أن نتجنّب السخرية والاستهواء بغيرنا ولمزه وتعييبه والتنابز بالألقاب واجتناب الظن السيئ، وعدم التجسّس والغيبة ممّا لا مصلحة فيه. ـ النهي عن التفاخر بالشرف والنسب وإنما التفاخر بالتقوى والعمل الصالح. ـ إنّ مسؤولية بناء المجتمع الإسلامي العالمي تقع على عاتق الرجل والمرأة على السواء. ـ خلق الله تعالى آدم وحواء وجعل من ذريَّتهما الشعوب والقبائل والأجناس والألوان، فالناس كلُّهم إخوة، لذلك فلابدَّ لجسور التوادد والتواصل من أن تبقى قائمة بينهم، فلا تفاضل بين لون وآخر، أو عِرق وآخر، بل مساواة بين الجميع أمام الله تعالى، الذي يُكرَمُ الناسُ لديه على درجة تقواهم، فمن نال شرف التَّقوى حصل على وسام مرضاة الله، والله أعلم بأعمال مخلوقاته خبير بنواياهم. الدرس الثاني: النص القرآني: قال الله تعالى: ( إِنَّ اللهَ فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُوفَكُونَ (95) فَالِقُ الاصْبَاحِ وَجَاعِلَ اليْلِ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ(96) وَهُوَ الْذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الْذِي أَنْشَأَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الْذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ اَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ اُنْظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤمِنُونَ (99) ).سورة الأنعام الآية 95/99. معنى المفردات: -فالق الحبّ: شاقّه عن النبات، أو خالقه. -فأنّى توفكون: فكيف تصرفون عن عبادته. -فالق الإصباح: شاق ظلمته عن بياض النهار، أو خالقه. -حسباناً: أي بحساب مقدّر نيطت به مصالح الخلق. -فمستقرّ: في الأصلاب، وقيل في الأرحام. -ومستودع: في الأرحام، وقيل في الأصلاب. -خضراً: أخضرَ غضّاً. -متراكباً: متراكماً. -طلعها: هو أوّل ما يخرج من ثمر النخل في الكيزان. -قِنوان: عراجين كالعناقيد تنشق عن الكيزان. -دانية: متدلّية أو قريبة من المتناول. -ينعِـه: حال نضجه وإدراكه. المعنى الإجمالي للنص: هذه الآيات تتضمّن أخطر حكم تكليفي خاطب الله تعالى به الناس جميعاً في مختلف الأزمنة والأمكنة، وهو الإيمان بربوبيّة وألوهية الله وحده: الإيمان بأنّه وحده الخالق، وهو وحده المحيي والمميت، وهو الضارّ والنافع، وهو المسبّب لأسباب الكون جميعاً، وهو الذي خلق في الأشياء طبائعها ورتّب لها وظائفها أي أنّه هو الذي ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثَمَّ هَدَى ) طه الآية 50، وهو الذي يجمع الناس كلّهم ليوم الجمع الذي لا ريب فيه، فريق في الجنّة وفريق في السّعير. وتتضمّن أيضاً هذه الآيات الإقرار بأنّ الكون كلّه وما فيه من نجوم السماء ونجوم الأرض ( النّبات ) مسخّر للإنسان وحده. فنجوم السماء تهدي الإنسان في ظلمات البرّ والبحر، والكون كلّه يهديه في ظلمات الجهل لمعرفة الخالق الحق، الذي خلقه في أحسن تقويم، وهيأ له أسباب الحياة ليزداد في العرفان والارتقاء فيكتمل إيمانه ويطرد الشكّ عنه. ـ ( إِنَّ اللهَ فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُوفَكُونَ ): فالله وحده الذي خلق الحبّ والنوى من العدم فأنبت منه الزرع والثمر على اختلاف أنواعه وأصنافه وأشكاله وطعومه. وهو الذي يخرج النبات وهو مصدر الحياة من الحبّ الذي هو ميِّت كالجماد، ويخرج الخشب الميِّت من النبات الحي. وقيل يخرج الولد المؤمن من الكافر، والولد الكافر من المؤمن. ذلك هو فعل الله وحده فكيف تُصرفون عن الإيمان به وتعدلون عن عبادته إلى الباطل. ـ ( فَالِقُ الاصْبَاحِ وَجَاعِلَ اليْلِ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ): الله خالق الضياء والظلام، وجعل الليل وما فيه من ظلام للراحة والسّكون من تعب ومشقّة العمل في النهار، والله يجري الشمس والقمر بحساب متقن لا يتغيّر ولا يضطرب، فهما سبب الصيف وما فيه من حرارة والشتاء وما فيه من برودة، قال الله تعالى: ( لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ القَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وُكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يَسِ الآية 40. والكلّ يجري بتقدير الله العزيز الذي لا يمانع ولا يخالف، العليم بكلّ شيء. ـ ( وَهُوَ الْذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ): فالله الذي خلق النجوم يهتدي بها الإنسان في ظلمات البرّ والبحر، وهي زينة السماء، وخلقها رجوماً للشياطين، فتلك آيات كافية للاهتداء إلى الحق وتجنّب الباطل. ـ ( وَهُوَ الْذِي أَنْشَأَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ): والله وحده الذي خلق الإنسان من نفس واحدة قال تعالى: ( يَأَيُّهَا النَّاسُ اِتَّقُواْ رَبَّكُمُ الْذِي خَلَقَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ) النساء الآية 1. ثم جعله عضواً مستقلاً بذاته، مستقرّ على ظهر الأرض ثم مستودع في الدار الآخرة بعد إكمال مهمّته ووظيفته في الحياة الدنيا. ـ ( وَهُوَ الْذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ اَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ اُنْظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤمِنُونَ ) فالله الذي ضمن أسباب الحياة للإنسان من مشرب ومأكل مختلفاً ألوانه وطعومه وأشكاله وروائحه. ثم ختم الله هذه الآيات الدّالّة على قدرته جلّ وعلا بالدعوة إلى استعمال العقل، والحثّ على التفكير في قدرة الخالق وحكمته ورحمته، لأنّ إعمال العقل هو السبيل الوحيد الموصل إلى الإيمان المنتج للسّلوك الحسن والعمل القويم. العبر المستخلصة من النص: ـ الإيمان بأنّ الله هو المسبّب لأسباب الكون جميعاً. ـ الله وحده الذي يهدي الإنسان إلى الخير، وقد فطره على ذلك. ـ التدبّر في الكون من أسباب الهداية. ـ كلّ ما في الكون من شيء مسخّر للإنسان. ـ تأمّل قوله تعالى في هذه الآية : ( فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِباً ) أي إنّ الله يخرج الحبّ من النبات الأخضر و هذا ما أدركه العلم من أنّ النبات ينتج المواد الغذائية بواسطة خلايا الورقة الخضراء، إنّ أحسن معمل لدى الإنسان لا يقارن بنشاط ذلك المعمل الموجود في الورقة الخضراء فتأمّل سرّ تعبير القرآن الدّقيق . الدرس الثالث: النص القرآني: قال الله تعالى: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الْذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلَاماً (63) وَالْذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً(64) وَالْذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اَصْرَفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَاماً (66) وَالْذِينَ إِذَا أَنْفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يُقْتِرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67) وَالْذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَاباً(71) وَالْذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَاماً (72) وَالْذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمًّا وُعُمْيَاناً (73) وَالْذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ اَزْوَاجِنَا وَذُرِيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَاماً (76) قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (77) ).سورة الفرقان الآية 63/77. معنى المفردات: -عباد الرحمان: مبتدأ خبره أولئك يجزون الغرفة، وإضافة العباد إلى الرحمان للتفضيل. -هوناً: هيِّنين متواضعين غير متكبِّرين. -قالوا سلاماً: قالوا قولًا سديداً فيه عفو وصفح وسلامة من الإثم. -كان غراماً: كان ملازماً وثابتاً. -لم يقتروا: لم يبخلوا ولم يضيّقوا على أنفسهم تضييق البخيل وضده يسرفوا. -قواماً: وسطاً، أما القوام بكسر القاف فهو ما يدوم عليه الأمر ويستقر. -أثاماً: جزاءً وعقاباً. -مهاناً: ذليلاً ومحتقراً. -لا يشهدون الزور: لا يدلون بالشهادة الباطلة، أو لا يحضرون محاضر الكذب. -اللغو: كل ما لا خير فيه من قول أو عمل. -كراماً: معرضين عنه، مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والمشاركة فيه. -لم يخرّوا عليها صمًّا وعمياناً: خرّ بمعنى سقط، والمعنى أنهم إذا سمعوا آيات الله أقبلوا عليها واعين لها متبصرين بما فيها، ليس شأنهم شأن الكفار الذين إذا سمعوا آيات الله أعرضوا عنها كمن لا يسمع ولا يبصر. -قرّة أعين: تقرّ أعيننا بهم بمعنى تسكن وتهدأ. -الغرفة: أعلى مواضع الجنّة وأفضلها. -المستقر: محلّ الاستقرار. -المقام: مكان الإقامة. -ما يعبأ بكم ربي: لا يبالي بكم ربي، ولا يعتدّ بكم. من قولك لا أعبأ بالأمر أي لا أبالي به ولا أعتد. المعنى الإجمالي للنص: 1) الآيات الكريمة المتقدّمة في صفات المؤمنين الذين يستحقّون أن ينعتوا بعباد الرحمان، وهاته الصفات كما وردت في النص القرآني الكريم، بعضها إيجابي يجب على المؤمن الحق أن يتصف بها، وبعضها الآخر سلبي يجب على المؤمن أن يبتعد عنها ويحاربها في نفسه وطبائعه. فالصفات الإيجابية هي: التواضع، والحِلم، والتهجد ليلاً، والخوف من عذاب الله، والتذكر بآيات الله، ودعاء الله بصالح الأزواج والذرية. والصفات السلبية هي: ترك الإسراف والتقتير، والبعد عن الشرك والزنى والقتل، والبعد عن شهادة الزور وما لا خير فيه ولا فائدة من اللغو. 2) هؤلاء المؤمنون المتصفون بصفات الكمال، المستحقّون للقب عباد الرحمان، هم الذين يجزون يوم القيامة بأحسن موضع في الجنّة وأفضله، جزاءً لهم على تحمّل مشاقّ الطاعات، ورفض الشهوات، وتحمّل مجاهدة النّفس ومحاربتها، ويلقّون فيها تحيّة من الله وسلاماً من الملائكة، وهم في هاته الغرفة خالدين، حيث طابت لهم، وحسنت مستقرًّا ومقاماً. 3) وختم الله سبحانه وتعالى هاته الآيات ببيان أنّه غنيّ عن الكلّ، وأنّه لولا عبادة بعض خلقه وإيمانهم واتباعهم لأوامره سبحانه ما كان ليعتدّ بهم ويبالي، لأنّ شرف الإنسان بطاعته ومعرفته، وبذلك يتميّز عن سائر المخلوقات الأخرى. أما أنتم يا كفار قريش الذين كذّبتم ما جاء به رسولي، وخالفتم أوامري، واتبعتم شهوات أنفسكم الأمّارة بالسّوء، فسوف تساقون إلى جهنّم خالدين فيها جزاء تكذيبكم. العبر المستخلصة من النص: ـ النص القرآني الكريم يدعونا إلى الاتصاف بصفات الكمال، ونبذ النقائص والموبقات. ـ التوسّل إلى الله بالدعاء واجب للوقاية من عذاب جهنّم الأليم. ـ التوسّط في المعيشة واجب شرعي. ـ الصبر طريق النجاح والنجاة. الدرس الرابع: النص القرآني: قال الله تعالى: ( قُلْ تَعَالَوَاْ اَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمُ أَلَّا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُمْ مِنْ اِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الْتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ). سورة الأنعام الآية 151/ 153. معنى المفردات: -تعالوا: أقبلوا، وأصله أن يستعمله من كان في مكان عال ينادي به من كان أسفله. -اتل: أقرأ. -الإملاق: الفقر، وأملق إذا أنفق ماله حتى الفقر. - الفواحش: ما عظم جرمه وذنبه من كبائر الذنوب. -ما بطن: ما خفي واستتر. -لعلّكم تعقلون: لعلّكم ترشدون. -حتى يبلغ أشدّه: حتى يبلغ رشده ويصير قادراً على التصرّف في أمواله. -الكيل: كال إذا عيّن كمية الشيء ومقداره بواسطة آلة معدّة لذلك. -بالقسط: بالعدل وعدم النقصان. -إلا وسعها: إلا ما في استطاعتها القيام به. -لعلّكم تذكرون: لعلّكم تتعظون وتعتبرون. -صراطي: طريقي ومنهاجي. -السُبل: الأديان الأخرى. -لعلكم تتّقون: لعلكم تبتعدون وتتجنّبون الضلال وتتمسّكون بالحق. المعنى الإجمالي للنص: النص القرآني المتقدّم تضمن ثلاث آيات في توضيح أصول الفضائل وأنواع البر وأصول المحرّمات والكبائر، ليكون المسلم على بيّنة من دينه، وما يجب عليه القيام به أو تركه وتحاشيه وليعرف أهداف هذا الدّين الحكيم وما يرمي إليه من مكارم الأخلاق وتكوين نفس المسلم تكويناً صالحاً. وهي وصايا عشر، خمس منها بصيغة النهي والباقية بصيغة الأمر: 1) فمن المحرمات والذنوب العظيمة التي لا تُغفر الإشراك بالله، وعبادة ما لا يجدي نفعاً من الأصنام ومظاهر الطبيعة ونحوها، وترك عبادة الرحمان الذي تتمثّل فيه القدرة، وبين يديه مصير هذا العالم بما فيه من أراضي وسماوات، ولا يَخفي ما في هذا العمل من عدم تقدير الله حق قدره، لذلك نهى سبحانه عن الإشراك به. وأمر بالاقتصار على عبادته، لأنّه هو الذي يستحقّ غاية التعظيم. 2) الأمر بالإحسان إلى الوالدين لأنّهما السبب الظاهر في وجودنا، فالأم تلقى بسبب الحمل والوضع مشقّة، والأب يتحمّل من مصاعب الحياة أمرها، فلذلك يجب البرّ بهما وإعانتهما والترحّم عليهما بعد وفاتهما. ونظراً لمكانتهما وما يجب على الإنسان أن يقوم به نحوهما قَرن الله سبحانه الإحسان إليهما بعبادته، قال الله تعالى: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) الإسراء 23. 3) النهي عن قتل الأولاد خوفاً من الفقر كما كانت تفعل بعض القبائل في الجاهلية، لِما في ذلك من الذنب العظيم الذي لا يُغفر، ولِما يتمثّل كذلك في هذا العمل من إبادة للجنس البشري، وما كان حقّهم أن يفعلوا ذلك فالذي خلقهم وضمن أرزاقهم وما تقوم عليه حياتهم قد ضمن لهؤلاء الأولاد كذلك أرزاقهم. 4) النهي عن ارتكاب الفواحش والذنوب الكبيرة ممّا تأمر به القوّة الشهوية أو النفس الأمارة بالسوء في حالتي الخفاء والجهر. فالفواحش الظاهرة قد يبتعد عنها الإنسان حياءً من الناس، أو خوفاً من ملامتهم، أو خشيةً من سلطة القانون، أمّا الابتعاد عن الفواحش الباطنة التي لا يطلّع عليها الناس لاتصالها بخفايا النفس فهي مرتّبة تتجه بالناس إلى الصعود نحو المشارف العليا للكمال، والسلوك المثالي، وفي هذا قال الله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنَ) الأعراف 33. 5) النهي عن القتل ظلماً وعدواناً لما في ذلك من الإثم العظيم أمام الله وأمام المجتمع، ولا يجوز مطلقاً لأيّ أحد أن يقتل أحداً إلَّا لسبب أوجبت فيه الشريعة الإسلامية القتل ( كالقصاص والردّة..)، مستعيناً في الوصول إلى حقّه بالطرق القانونية وبولاية الأمر من حكام وقضاة. 6) النهي عن التلاعب بأموال اليتيم الذي كُلّف الإنسان بالسّهر على مصالحه ورعايتها، فالواجب يقتضي منه أن يؤدّي هاته الرسالة السامية على أكمل وجه، ولا يستغلّ فرصة وصايته ويعتدي على أموال اليتيم ويستغلّها لنفسه بل يجب أن يسهر على هذا المال بالإنماء والمحافظة حتى يبلغ اليتيم سنّ الرشد فيعامله بما يعامل به سائر المسلمين داخل المجتمع الإسلامي. 7) الأمر بعدم بخس الكيل والميزان، لأنّ النقص فيهما سرقة، والسرقة محرّمة في الإسلام، بل من الأحسن للإنسان أن يكون صادقاً وفيّاً في كيله وميزانه لما في ذلك من إعطاء الناس حقوقهم وبراءة ذمّته يوم المرجع والحساب حيث تجزى كل نفس بما عملت حسب استطاعتها لأنّه سبحانه لا يكلّف البشر إلَّا بما يستطيعون القيام به. 8) الأمر بأداء الشهادة على حقيقتها وبالعدل في الأحكام الصادرة عن الإنسان أثناء الفصل بين الناس. وإن كان الظالم من ذوي القربى فلا يتردّد الإنسان في إعانته على الرجوع إلى الحق بإزالة ظلمه وعدوانه، ولا يخفى ما يسبب هذا المبدأ إذا حقّق من عدالة وإنصاف واستقرار أمن داخل المجتمع. 9) الأمر بالوفاء بالعهود لأنّ ذلك من كمال أخلاق الإنسان، سواء كان هذا العهد بينه وبين ربّه، أو بينه وبين نفسه أو إنسان آخر. 10) الأمر باتّباع سبيل الله القويم ودينه الواضح الجلّي. والنهي عن اتّباع مختلف الأديان والمناهج المضلّة عن الطريق الحق الموصلة إلى ما فيه رضا الله وإنعامه. الفوائد المستخلصة من النص: ـ النص القرآني تضمّن عشر وصايا: النهي عن الإشراك بالله، وقتل الأولاد خوفاً من الفقر، وارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما خفي، وقتل الغير ظلماً وعدواناً، والتلاعب بأموال اليتيم، والأمر بالإحسان إلى الوالدين، وعدم النقص من الكيل والميزان، واتّباع سبيل الله المتمثّل في الإسلام. من هدي السنّة النّبويّة قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( نَظََّر اللهُ امْرَءاً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَحَفِظَهُ حَتّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَحْفَظُ لَهُ مِنْ سَامِعٍ ) رواه أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. الدرس الأول: نص الحديث الشريف: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ فَقَالَ تَعَالَى: ( يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )، وَقَالَ تَعَالَى: ( يَأَيُّهَا الْذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ (، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثٌ أَغْبَرْ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ ).رواه مسلم. التعريف براوي الحديث: هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر الدوسي المكنّى بأبي هريرة، وهو من كبار الصحابة الذين حفظوا للأمّة الإسلامية هذا الركن العظيم ( السنّة النبويّة ) وقد رضي الله عنه، وهو من أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّه كان يلازمه ملازمة تامّة حتى شهد له الرسول الكريم بالحرص على الحديث، ودعا له بثبات الحفظ، فلم يسمع شيئاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حفظه. أسلم سنة سبعة للهجرة عام خيبر، روى عن الرسول عليه الصلاة والسلام 5374 حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على ثلاثمائة وانفرد البخاري بثلاثة وسبعين. ولَّاه عمر رضي الله عنه على البحرين ثم المدينة المنوّرة، فمكث فيها حتى توفي سنة 57 هـ ودفن بالبقيع رضي الله عنه وأرضاه. معاني المفردات: -طيّب: جميل ومطهر ومقدس ومنزه عن العيوب والنقائص. -المؤمنون: الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. -المرسلون: الذين أرسلهم الله لهداية البشر. -الطيبات: التي تستسيغها النفوس المعتدلة. -أشعث: ثائر الرأس. -أغبر: متغيّر اللون لطول سفره. -يمدّ يديه: يرفعهما إلى السماء بالدعاء. -فأنّى: فكيف. المعنى الإجمالي للحديث: في هذا النداء الخالص للمؤمنين أمرهم سبحانه وتعالى أن يأكلوا من طيّبات ما رزقهم وأن يؤدوا حقّ النعمة بشكر المنعم جلّ شأنه فيخلصوا العبادة والدعاء له وحده، وألَّا يخلطوا بين الحلال والحرام، لأنّ الذي يتوجّه إلى الله بالدّعاء الخالص يستوجب ذلك عليه أن يحرّر سعيه للكسب من الحرام، وأن يتحرّى الحلال في الطعام وفي الشراب وفي اللباس..قال الله تعالى: (يَأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) سورة البقرة 168. ولا شك أنّ الكسب الحلال يبارك الله تعالى جهد صاحبه ويرزقه من حيث لا يحتسب، وأنّ الكسب الحرام يمحقه الله ويبعثر ثروة صاحبه فلا ينال منه إلَّا الخيبة والخسارة في الدنيا وفي الآخرة. لقد اختلط على الناس فهمهم لدين الله فلم يفهموا كنهه، يقعون في الحرام ثم يلجأون إلى الله عند الحاجة فيتضرعون له ليمدّهم من فضله ويعطيهم من رزقه وهم لا يعلمون أنّ الله طيّب لا يقبل إلا طيّباً. فعلى المسلم أن يسعى للكسب من طريقه المشروع وأن يتجنّب الحرام. ومن يبذل طاقته، ويكدّ، ويكدح، فكدّه وكدحه في سبيل الله وهو صدقة ما بقي نفعه. عن كعب بن عمرة قال: ( مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جَلَده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَاراً فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْهِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ). رواه الطبراني. ما يستفاد من الحديث: ـ ما كان خالص النفع فهو حلال طيّب، وما كان خالص الضرر فهو حرام خبيث. ـ أفضل وأطيب أنواع الكسب عمل الرجل بيده. ـ من أنواع الكسب الحرام: الربا، الاحتكار، القمار، التجارة بالمخدرات، تطفيف الكيل والتلاعب بالموازين، السرقة، أكل أموال الناس بالباطل... ـ أثبت العلم الحديث أنّ الطعام الحلال المفيد الكامل له أثر طيّب على السلوك. الدرس الثاني: نص الحديث الشريف: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: ( إِنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشَرَ حَسَنَاتِ إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عنِْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ) رواه البخاري ومسلم. التعريف براوي الحديث: هو الصحابي الجليل أبو العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنه، بن عمّ رسل الله صلى الله عليه وسلم ، رضي الله عنهما. وُلد قبل الهجرة بثلاث وستين. كان من أغزر الصحابة علماً، دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( اللَّهُمَّ فَقِّّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ الحِكْمَةَ وَالتَّأْوِيلَ )، فكان يُسمَّى البحر لسِعَة عِلمه، وكان عُمَر رضي الله عنه يدنّيه من مجلسه ويستعين به ويستشيره. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 1660 حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على خمسة وتسعين، وانفرد البخاري بثمانية وعشرين، ومسلم بتسعة وأربعين. توفي رضي الله عنه وأرضاه بالطائف سنة 68 للهجرة ودفن بها. معاني المفردات: -الحديث القدسي: هو الحديث الذي يضيف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً إلى الله عزّ وجلّ. -كتب: قدّر مقادير الحسنات والسيّئات. -الحسنات: كل ما فيه خير. -السيّئات: كل ما فيه شر. - بيّنَ: وضّح وفصّل -همّ: عزم ونوى. -يعملها: يقوم بها في الواقع. -كتبها: أمر الله الملائكة بكتابتها وتثبيتها. -عنده: أي في الملء الأعلى، و"عنده " للتشريف. -كاملة: من غير تنقيص. المعنى الإجمالي للحديث: من فضل الله تعالى على هذه الأمّة ورحمته الواسعة بمضاعفة الحسنات والتجاوز عن السيّئات. فإذا قصد المسلم الخير ولم يفعله كتب الله له بذلك حسنة واحدة لقاء نيّته الحسنة وسريرته الطيّبة، وإذا فعل الخير وحقّقه في الواقع فله بذلك أفضل الجزاء وأجزل الأجر ويضاعفه الله له أضعافاً كثيرة ما لا يعلمه إلا الله العليم القدير. أمّا إذا همّ بفعل سيّئ ثم تجّنبه خشية من الله فله بذلك حسنة تشجيعاً له على ترك المنكر، أمّا من يفعل السّوء ويصنعه في الواقع فيؤذي به نفسه أو غيره فمن عدل الله أنّه لا يمدّ له في الوزر وإنّما يكتب له بذلك سيّئة واحدة، وليس ذلك تشجيعاً على المنكر وإنّما ترغيباً في التوبة والرجوع إلى الله الذي يستطيع العذاب ويصفح ويغفر، وإن تاب العبد المذنب عفا الله عنه وبدّل سيئاته حسنات، انظر إلى فضل الله وكرمه في قوله: ( مَثَلُ الْذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَّشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة 261. ومن فضل الله كذلك أنّه جعل الحسنات سبب إزالة السيّئات فقال الله تعالى: ( إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) هود الآية 114. فالحديث يحثّ على العفو والصفح وسعة الصدر، وهو دلالة واضحة على فضل الله وعدله ورحمته بعباده. ما يستفاد من الحديث: ـ فضل الله على هذه الأمّة ورفع الإصر عنها. ـ عدم الإصرار على المعصيّة، والاستعاذة بالله تعالى من كلّ وسواس أو هاجس. ـ الترغيب في العمل الصالح ولو كان قليلاً، فإنّ الله تعالى يضاعف الأجر الصغير حتى يُصبح كبيراً. الدرس الثالث: نص الحديث الشريف: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبَهُ حَسَناً وَنعْلَهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُ الجَمَالَ، الكِبْرُ بَطْرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ). رواه مسلم. التعريف براوي الحديث: هو الصحابي الجليل أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود الهذلي، حليف بني زهرة. أسلم قديماً. وكان رضي الله عنه صاحب الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة المنوّرة. وكان أوّل من جهر بالقرآن عند مقام الكعبة، قرأ سورة الرحمن. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكرمه، وكان مشهوراً بأنّه صاحب سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليّ قضاء الكوفة في خلافة عمر رضي الله عنه، وصدراً من خلافة عثمان رضي الله عنه، ثم رجع إلى المدينة المنوّرة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 848 حديثاً، أخرج البخاري ومسلم منها أربعة وستين، وانفرد البخاري بواحد وعشرين، ومسلم بخمسة وثلاثين. توفي رضي الله عنه سنة 32 هـ بالمدينة المنوّرة ودفن بالبقيع. معاني المفردات: -مثقال ذرّة: وزن أصغر شيء. -كِبر: الكبر هو الارتفاع على الناس واحتقارهم، ودفع الحق. -رجل: قيل الرجل الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم هو مالك بن مرارة الرهاوي، وقيل معاذ بن جبل، وقيل عبد الله بن عمرو بن العاص.. -حسن: جميل ولائق. -نعله: النعل هو الحذاء. -جميل: صاحب الأسماء الحسنى وصفات الكمال. وذو النور والبهجة. -بطر الحق: ردّه وعدم الإذعان له. -غَمْط الناس: احتقارهم وازدراؤهم. المعنى الإجمالي للحديث: التكبّر من كبائر الإثم التي نهى عنها الإسلام وحذّر منها أشدّ تحذير، وهو من العوامل التي تُبعد الإنسان عن الهداية إلى الطريق المستقيم، وتتسبّب في السُخط الإلهي، قال الله تعالى: ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الْذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ ) الأعراف 146. وقال عزّ وجلّ: ( إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْتَكْبِرِينَ ). النحل 23. وقال جلّ وعلا: ( كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ). غافر 35. والكبر من آفات المجتمعات في كلّ عصر ومصر لأنّ أضرارها لا تحصى: فهو الأنانية الطاغية التي تصرف عن محبّة الغير وتقديم الخدمات للمجتمع. وهو المولّد للضغائن والمنازعات بين أفراد المجتمع. وهو الذي يصمّ الآذان عن كل نصيحة من الغير فيجرّ إلى الخسران المبين. والتكبر على الناس يجرّ إلى التكبر على الله، وهناك الهلاك الأكيد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَتَكَبَّرُ وَيَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَى يُكْتَب فِي الجَبَّارِين فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُم). رواه مسلم. وأهمّ أسباب التكبر: اعتقاد الإنسان أنه مميّز على غيره بالعلم، أو المال، أو النسب، أو الجاه، أو القوة، أو كثرة الاتباع. وعلاج الكبر أن يعوّد الإنسان إلى نفسه بأن يتأمّل في منشأ خلقه، فهو من تراب ومن ماء مهين، ثم يموت فيقبر حيث يعود جيفة نتنة، قال الله تعالى: ( قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيْ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمِّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرُ ). عَبَسَ 17/21. ومظاهر التكبّر كثيرة أهمّها: ـ استعظام النفس، واحتقار الغير، ورفض الانقياد بالحق والرضوخ له. ـ الاختيال في المشية، قال الله تعالى: ( وَلَا تُصَاعِرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً اِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ). لقمان 18. ـ رفض النصيحة والاستنكاف عن الحق، قال الله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِيسَ المَهَادِ ). البقرة الآية 204/206. ـ محبّة أن يسعى الناس إليه ولا يسعى هو إليهم وأن يمثّلوا له قياماً إذا قدم أو مرّ بهم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَثّلَ لَهُ الرِّجُالُ قِيَاماً فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مَنَ النَّارِ ) رواه أبو داود. ـ محبّة التقدّم على الغير في المشي أو في المجلس أو في الحديث أو نحو ذلك. ما يستفاد من الحديث: ـ عندما تكبّر إبليس ولم يذعن لأمر الله ابتلاه الله بالذلّة وطرده من الجنّة مهاناً. ـ الكبر ينمّ عن خِفَّة في العقل. ـ حقيقة التكبّر إنكار الحق وسلب حقوق الناس. ـ ليس من الكبر الاعتناء بالمظهر. الدرس الرابع: نص الحديث الشريف: عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ( مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى .) رواه البخاري ومسلم. التعريف براوي الحديث: هو النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري المكنّى بأبي عبد الله، وهو أوّل مولود في الإسلام من الأنصار، وُلد بعد الهجرة بأربعة أشهر ولأبيه صحبة بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، تولّى قضاء الشام، ثم استعمله معاوية رضي الله عنه على الكوفة، وكان من الخطباء المشاهير. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مئة وأربعة عشر حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على خمسة منها، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بأربعة. قُتل رضي الله عنه بالشام سنة 64 هـ، ودُفن هناك. معاني المفردات: -مَثَل: صفة وحال. -توادّهم: تزاورهم وتواصلهم الجالب للمحبة. -تراحمهم: أن يرفق بعضهم على بعض بسبب أخوّة الإيمان. -تعاطفهم: أن يعاون بعضهم بعضاً عند الشدائد. -سائر الجسد: باقي الجسم. -الحمّى: الحرارة المرتفعة التي تسري في جميع البدن وتؤلمه. المعنى الإجمالي للحديث: يمثّل الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين في هذه الصفات الثلاث بالجسد الواحد، فكما أنّ الجسد إذا مرض منه عضو تألّم له الباقي، فلم يذق نوماً، سرت إليه حرارة الحمّى، فآلمته، فكذلك المؤمنون حقيقة إذا نابت واحد منهم نائبة شعر بألمه الباقون، فسرعوا بما فيهم من العواطف لدفع الألم عنه، وجلب الخير له، فالمسلمون في مجموعهم كشخص واحد وكل فرد منهم بالنسبة للمجموع كالعضو بالنسبة للشخص، فالخير يصيب الواحد منهم كأنّما أصاب كلهم، والشرّ ينوبه كأنما ناب جميعه، فليعتبر بهذا الحديث بعض الأمم الإسلامية التي لا تألم لما يصيب جارتها، بل ربنا ساعدت عدوّها على القضاء عليها. فالمؤمنون شأنهم التعاون والتناصر، والتظاهر والتكاتف على مصالحهم الخاصّة، والمصالح العامّة قال الله تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ العُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ ). المائدة الآية 2. ذلكم هو سلاح الائتلاف والاتحاد والوفاق، سلاح ضمّ اليد إلى اليد، والأخ للأخ، وترك النزاع جانباً. ما يستفاد من الحديث: ـ حثّ المسلمين على التعارف والتواصل. ـ التعاون بين المسلمين سبيل النجاح والنجاة. ـ التعاون بين المسلمين سلاح ماض وجيش غلاب وعدّة عتيدة. ـ من ثمار الإيمان الشعور بألم المسلمين. الدرس الخامس: نص الحديث الشريف: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الجَلِيسُ الصَّالِحِ وَالسُّوءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ فَحَامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذّيكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً وَنَافِخِ الكِيرِ إِمَّّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً). رواه البخاري. وفي رواية أخرى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ، وَمَثَلُ الجَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الكِيرِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ ). رواه أبو داود والنسائي. التعريف براوي الحديث: * هو الصحابي الجليل أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري ( نسبة إلى الأشعر قبيلة باليمن). قَدِم مكّة وأسلم وعاد إلى قومه وأسلم معه نحو خمسين رجلاً من قومه. وكان حَسَن الصوت بالقرآن قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّكَ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ ).استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن، وساحل اليمن. وولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البصرة والكوفة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 360 حديثاً، اتفق البخاري ومسلم مها على تسعة وأربعين، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة عشر. توفي رضي الله عنه وأرضاه بالكوفة سنة 50 هـ عن ستين سنة. الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر الخزرجي الأنصاري، أمّه أمّ سليم رضي الله عنها، أهدته أمّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين، لازم خدمته عليه الصلاة والسلام عشر سنين، تعلّم منه الأخلاق والمثل العليا، وكان حَسَن الصلاة وكثيرها، قال أبو هريرة فيه: ما رأيت أحداً أشبه بصلاة النبيّ من أنس. دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( اللَهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ ). روى عن النبي عليه الصلاة والسلام الكثير من الأحاديث بلغت ألفين ومئتين وستة وثمانين حديثاً، اتّفق الشيخان منها على مئة وثمانية وستّين حديثاً، وانفرد البخاري بثمان، ومسلم بسبعين. توفي رضي الله عنه عن عمر تجاوز المئة وذلك سنة 93 هـ. معاني المفردات: -مَثَل: صفة وحال. -الجليس: المجالس القاعد معك. -المسك: نوع جيد من الطِيب يؤخذ من الغزال. -صاحب المسك: بائع الطيب وإن لم يكن مسكاً. -يحذيك: يعطيك. -تبتاع: تشتري. -أصابك: حلّ بك. -الكير: جراب من جلد تنفخ به النار. -صاحب الكير: الحداد، الذي يصنع آلات الحديد. -سواده: شرار ناره حيث يسود بعد أن ينطفئ. المعنى الإجمالي للحديث: يحثّ الرسول الأكرم على أن نحسن اختيار الصديق والرفيق حيث شبّه الرسول صلى الله عليه وسلم حال الجليس النافع والصديق الصالح بحال بائع المسك، فإنّك تنتفع به إذا اشتريت منه أو أهدى إليك بعض طيبه، وإذا لم يحصل ذلك فإنّك تشمّ رائحة الطيب الزاكية، وكذا الصديق الصالح تتبادل معه الحديث فيما يعود عليكما بخيري الدنيا والآخرة، أو يكون النصح والتوجيه من جانبه فقط فتنتفع بنصائحه وإرشاداته، أو لا يكون هذا ولا ذاك ولكن تنظر إلى وجهه وحال صلاحه فتتبع طريقته وتحاول أن تكون مثله فتزكو في نفسك محبّة الخير والصلاح. وشبّه النبي صلى الله عليه وسلم حال الجليس السيّئ الطباع والصديق الفاسد الأخلاق بحال الحدّاد الذي ينفخ الكير، فإنّه إذا طار شراره ووقع على ثيابك أحرقها بناره، وإذا لم يكن هذا فكفى أنّك تشمّ رائحة الدخان الكريهة وتضيق أنفاسك منها، وكذا الصديق الفاسد فإنّه قد يحملك أن تشاركه في أعمال الضرر والفساد وتسري عدوى الأخلاق الفاسدة إليك سريعاً فتصير عضواً فاسداً وإنساناً شرّيراً، وإذا أخذت الحذر والحيطة ولم تشاركه في فساده فإنّك لا تخلو من الضيق به ولا تسلم من التهمة وسوء السمعة بأنّك تصاحب الأشرار. فرحم الله مسلماً كرّم نفسه وابتعد عن مواطن الشبهات واختار أصدقاءه ورفاقه من الطيبين المخلصين الطاهرين. ما يستفاد من الحديث: ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُر أَحَدُكُم مَنْ يُخَالِل) رواه الترمذي، إن الصحبة الصالحة شرط لبلوغ مقام اليقين. ـ إن الظَّفَر بصحبة صالحة في زمن الفتنة لممّا يعينك على صلاح حالك مع الله سبحانه وتعالى وتقويم خُلقك وسلوكك مع الخَلق. ـ الصحبة الصالحة تقويك على الطاعة وتجنّبك المزالق والهفوات. تذكرك إذا نسيت، وتنصحك إذا انحرفت. إنّها ظَفَر لك في الدنيا وذخر لك في الآخرة. الدرس السادس: نص الحديث الشريف: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على دابة فقال: ( يَا غُلَام، إِنِي أُعَلِمُكَ كَلِمَاتٍ: اِحْفَظِ اللهِ يَحْفَظْكَ، اِحْفَظِ اللهِ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ، وَاعْلَم أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ). رواه الترمذي. التعريف براوي الحديث: قد سبق التعريف به في درس ( سعة فضل الله وعدله وقدرته تعالى ). معاني المفردات: -الغلام: الصبي الذي لا يتجاوز التسع سنين. -أعلمك كلمات: أدلّك إلى أمر ينفعك الله به. -احفظ الله: اتّق الله وتعرّف عليه. -يحفظك: يقيك من الشرور والمهالك. -سألت: دعوت، وأردت السؤال. -استعنت: طلبت الإعانة والمساعدة. -الأمّة: جميع الخلق. -ينفعوك: يحقّقون لك ما تريد. -بشيء: ولو بسيط وقليل. -كتبه الله: قدّره الله وقضاه. -رُفعت الأقلام وجَفّت الصحف: أي أنّ ما قضاه وقدّره الله للإنسان لا يستطيع أي مخلوق تغيّيره. المعنى الإجمالي للحديث: هذا الحديث الذي أمامنا تعبير عجيب يحمل في بساطته حقيقة التوّكل على الله وحده الذي هو أعلى درجات الإيمان، ويكون ذلك بعلم واع لصفات الله العلى وأسمائه الحسنى، وفهم دقيق لتعاليمه العادلة التي أنزلها لعباده، وترجمتها إلى واقع منظور، من خلال التوسّل إلى الواحد القهار في المنشط والمكره بالدعاء والتضرّع، والاستعانة به وحده، لأنه ليس لأحد من خلقه أن يضرّ أو ينفع، أو يزيد أو أن ينقص في الصحيفة التي كتب الله فيها أقدار خلقه. وعلى المؤمن بالله أن يعلم أن جميع الخلق لا يملكون له ضراً ولا نفعاً وإن حاولوا بأقوالهم وأفعالهم. فإذا أطاع الله في الرَّخاء واتبع هديه كان معه عند الشدّة والحاجة ويجعل له مخرجاً وفرجاً. هذا الإيمان الكامل يحصّن الفرد من وساوس نفسه، ويقيه من مشاكل الدنيا النفسية والاجتماعية التي لا تنتهي، ويريح ذهنه من تعب الشرود، وعقله من عناء التفكير في إرضاء الغير، ويحرّر توجهه لله الخالق المنعم. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اِحْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ تَعَرَّف عَلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ وَاعْلَم أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبكَ وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئكَ وَاعْلَم أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرَبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً ) رواه الترمذي. ما يستفاد من الحديث: ـ إنّ كمال الإيمان ثمرة العلم والتصديق بالقلب والتوكّل على الله وحده وإذا قوي صار يقيناً، وثمرته العمل الحسن والسلوك الطيّب. ـ التعرّف على الله والاتصال به من أهمّ الوسائل لقضاء الحاجات. ـ الاستعانة بالخلق فيما يقدرون على حوائج الدنيا لا يتعارض مع التوكّل على الله. يتبع.... |
|||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
#2 | |||||||||||
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
![]() القيم الإيمانيّة والتعبديّة |
|||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
#3 | |||||||||||
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
![]() القيم الاجتماعية والأسرية قال الله تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم الآية 21. الدرس الأول: تعريف الأسرة: مفهوم الأسرة في اللغة: المتأمل في معنى لفظ الأسرة في اللسان العربي يجده مشتقاً في أصله من الأَسْر، والأَسْر لغةً هو القيد وقد يكون طبيعياً لا فكاك منه إذ يولد الإنسان أسيراً لمجموعة من الصفات الفيزيولوجية كاللون والطول، وقد يكون طاغياً أو مصطنعاً كأسْرِ مجرم أذنب في حق ضحيته وقد يكون أسْراً اختيارياً يرتضيه الإنسان بل يسعى إليه، ويكون بدونه مهدّداً. ومن هذا الأسْر الاختياري اشتقت الأسرة فنخلص في النهاية إلى أن المعاني اللغوية للأسرة تلتقي في معنى واحد يجمعها، و هو قوّة الارتباط. تعريف الأسرة في الشرع: الأسرة هي مؤسسة فطرية اجتماعية، ينشئها رجل وامرأة توفرت فيهما الشروط الشرعية للاجتماع، التزم كل منهما بماله وما عليه شرعاً أو شرطاً أو قانوناً، تكون مسؤولة عن حماية أطفالها من الأخطار المادية والمعنوية، ويكون المجتمع مسؤولاً عن حمايتها ومساعدتها. العلاقة الأسرية في الحضارات القديمة : عَرَف المجتمع البشري نظاماً منذ بدايته الأولى منذ عهد آدم u والذي خاطبه ربه في القرآن الكريم خطاباً أُسرياً فقال تعالى: ( وَقُلْنَا يَا ءَآدَمُ اسْكُن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ ) البقرة الآية 35. بل إن هذا الخطاب الأسري كان مع خلق آدم ممّا يشعر أن نظام الأسرة والاجتماع نظام فطري، وقال الله تعالى: ( وَاتَّقُواْ اللهَ الْذِي تَسَّاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُم رَقِيباً ) سورة النساء الآية 1. وقال أيضاً: ( هُوَ الْذِي خَلَقَكُم مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لَيَسْكُنَ إِلَيْهَا) سورة الأعراف الآية 189. وهذه الآيات وغيرها تفيد أن الإنسان اجتماعي بطبعه، ولذلك لم يتركه وحيداً بل جعل له من جنسه من يسكن إليه ويجتمع معه. إذن أقدم أسرة في تاريخ البشرية على القول الراجح هي أسرة أبناء آدم عليه السلام الذي عُمِّر طويلاً ومات بعد أن رأى من نسله أربعمائة ألف نسمة كما يذكر أهل التاريخ، هذا يعني أن آدم عليه السلام ترك مجتمعاً رسّخ فيه نظام الأسرة وفضائل العمران والاجتماع ووصّى لابنه شيث، فورث عن أبيه النبوة والفضل وكان من تسلّمها إدريس عليه السلام الذي عاش من عمره ثلاثمائة سنة مع آدم حتى لحق آدم بربه فتوارث الأنبياء علم أبيهم ومنهجه في هذا المجتمع الذي ترك. ثم كان نوح عليه السلامبعد ذلك واستمرت معه مسير وقصة أسرته معروفة في القرآن الكريم وذكرتها كتب التاريخ، وكانت من بعده الشعوب والقبائل وانتشر الخلق في أنحاء الدنيا يتوارثون نظام الأسرة جيلاً بعد جيل وإن اختلفت أشكال أسرهم وطرق اجتماعها ولكنها بقية أسراً مبنية على ذكر وأنثى ( رجل وامرأة ) يتزاوجان ويكون لهما ذريّة. إن نظام الأسرة وُجد مع وجود البشرية ومستمر ما دام للبشر وجود على الأرض ومن يريد أن يتتبع الأسرة ونظامها فلينظر في سيرة الأنبياء عليهم السلام منذ آدم عليه السلامإلى محمد صلى الله عليه وسلم وأسرته، باعتبار أن الأنبياء والرسل هم عُيون البشرية وهم أشرف الخلق عند الله عز وجل. وسنكتفي بذكر بعض الأسر كالأسرة البابلية، والأسرة اليونانية، والأسرة الرومانية، والأسرة الفرعونية، ثم الأسرة عند العرب في العصر الجاهلي فالأسرة في الإسلام. الأسرة البابلية: الأسرة في بابل كانت أكثر تقدّماً، وكانت العلاقة الزوجية أكثر راحة للزوج، حيث كانت الزوجة حسب شريعة حمورابي في عداد الماشية المملوكة ويقضي العرف بأن تلزم بيتها وتربية أطفالها ورعايتهم وتوفير الراحة لزوجها وإدخال السرور إلى قلبه. وكانت شريعة حمورابي تحمي الزوجة من زوجها إذا أراد بها سوءً، وكان من حقّ الزوجة طلب الطلاق من زوجها إذا قسا عليها. وكانت تعتبر بحكم القانون المتصرّفة في مال زوجها عند وفاته. وإذا مات الزوج انتقلت الزوجة إلى أخيه تلقائياً وبلا مناقشة كأنها شيء من الميراث. الأسرة اليونانية: كانت الأسرة في اليونان مفكّكة بحكم إهانة المرأة كزوجة.. وفي العصر الذهبي للحضارة اليونانية كانت الزوجة معزولة تماماً من طرف زوجها، وكان يعتبرها كالأثاث في البيت. وقال خطيب اليونان المشهور جوستين: ( إننا نتّخذ الزوجات ليلدن لنا الأبناء الشرعيين فقط ). وقال أرسطو: ( إن الزوجة للزوج كالعبد للسيّد ). وهذا القول يعبّر عن واقع الأسرة في اليونان، وإذا ولدت المرأة انتزع منها أولادها. وكان القانون يسمح أن يتزوج الأخ بأخته على شريطة أن يكونا من أمّين مختلفين. كما كان الطلاق مباحاً، وللزوج أن يقتل زوجته إذا ثبت عليها اقتراف ال***. وإذا مات الرجل ووصّى وصيًّا يصير الوصيّ رئيساً على الأسرة، يتصرّف في أموالها وأفرادها كيف شاء، يزوّج من شاء من بنات الأسرة، ويمنع من يشاء منهن. الأسرة الرومانية: وأمّا عن الرومان فقد بلغ الاستهتار بالزوجة حدّاً جعل من حقّ زوجها أن يحاكمها عندما تتّهم بجريمة، وأن يعاقبها بل ويحكم عليها بالإعدام وينفّذ الحكم بنفسه ! ومذهب الرومان يحكم على الزوجة بالقصور وشعارهم أن: ( قيد الزوجة لا ينزع ونيرها لا ينخلع ) النير هو الخشبة التي توضع على عنق الثوريين. وكان الرومان يعتنون بأولادهم ويربّونهم التربية الجسمية لاستعمالهم في الحروب والأعمال الشاقّة. وإذا مات الأب انتقلت ثروته إلى فروعه ويتساوى في ذلك الذكور والإناث، ثم إلى الأصول.. وليس للزوجين حق التوريث من بعضهما لانعدام القرابة. الأسرة الفرعونية: الفراعنة من أقدم الشعوب وحضارتهم من أقدم الحضارات. وهيكل الأسرة عند الفراعنة واحد وإن اختلفت قدسيّتها من فئة إلى فئة ومن طبقة إلى طبقة، ففي طبقة الحكم يعني مولد ملك مولد إله وهناك نرى آمون يأخذ شكل الفرعون الحاكم ويضاجع الملكة الأم، وبعد هذا الزواج الإله يشكل خنوم " الطفل المقدّس" فتقم الولادة على أيدي الربّات الحكيمات ويقوم الطفل الحديث الولادة إلى آمون "والده" وترضعه الحتحورات السبع وتعمده الآلهة. وقد كان المصريون يتوقون إلى تزويج أولادهم وكانوا يسمحون لأبنائهم بالاختيار وكانت الزيجات بالأقارب ذوي الدم الواحد هي القاعدة تقريباً في بداية الأمر. وكان الزواج القانوني بالمحرمات امتيازاً ملكياً كان الإله الموجود على الأرض كثير الزوجات وله حرم من الملكات ونبيلات المولد وأميرات أجنبيات، وكان الزواج باثنين من الأمور النادرة بين البشر العاديين. وكان الفراعنة يعتقدون أن الزوجة أكمل من الرجل، وكان الزوج يكتب للزوجة كل ما يملك من عقارات ثابتة. وكانت الزوجة تساعد زوجها في الزراعة والعمل. وكان الطلاق كتعدّد الزوجات نادراً، وينتسب الأطفال إلى أمهاتهم لا إلى آبائهم ! وأنّ الأم تملك كل شيء كانت هي التي تورث بعد موتها وكذلك كانت مكلّفة شرعاً بكفالة والدها. العلاقة الأسرية في الجاهلية ( عند العرب ): إنّ الكيان الأسري كان قائماً عند العرب قبل الإسلام وفي العصر الجاهلي بالخصوص لكن قيامه كان معوج الاستواء بما كان فيه من تضييع لحقوق المرأة وبما كان شائعاً من أنواع الزواج التي تنصرف كلها إلى الفاحشة وإلى غير ذلك مما يضرّ بالأسرة ويحط من قيمتها ويقوّض كيانها. كانت علاقة الرجل بأهله في الإشراف على الأسرة على درجة كبيرة من الرقيّ والتفوّق وكان له الحرية المطلقة ونفاذ القول وهذه أسرة في وسط الأشراف، في حين كانت الأوساط الأخرى تختلط اختلاطاً بهيمياً لا نستطيع أن نعبّر عنه إلا بالمجون وتفشي الفاحشة وكان من المعروف لديهم أنهم يعدّدون الزوجات من غير حدّ معروف ينتهون إليه، وكانوا يجمعون بين الأختين ويتزوجون بزوجات أبنائهم وآبائهم إذا طلقوها أو ماتوا عنها، وكانت علاقة الرجل مع أولاده داخل الأسرة على أنواع شتى فمنهم من يقول: إنما أولادنا بيننا *** أكباد تمشي على الأرض ومنهم من كان يئد البنات خشية العار والفقر ويقدِم على قتل أولاده خشية إملاق، لكن مع هذا كله لا يمكن أن نعدّ هذا من الأخلاق المنتشرة السائدة فقط بل كانت لديهم بعض الخصال الحميدة وكانت علاقة الرجل مع الأبناء والأعمام وطيدة فقد كانوا يحيون للعصبية القبلية ويموتون لها، وكانوا يطبقون قولتهم المشهورة آنذاك: " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" بمنطوقها لا بمفهومها في الأخذ بالثأر أمّا العلاقة القبلية كانت مفكّكة ويسودها توتر وغارات متبادلة وما يمكن أن أقوله هو أن الحالة الاجتماعية كانت عندهم في الحضيض وكانت إحدى الأعمدة الأولى للأسرة وللمجتمع تباع وتشترى بثمن بخس وليس لها أيّ قيمة ذاتية أو إنسانية وتُعامل كالجماد. أما رؤساء القبيلة أو الحكومة فكان جلّ اهتمامهم امتلاء الخزائن من رعيتهم أو جرّ الحروب على المناوئين لهم. العلاقة الأسرية في الإسلام: إذا كانت معظم الحضارات السالفة قد عزفت ألواناً متعدّدة من الأُسَر طبعت حياتها بطابع يعكس فلسفة كل أمّة من تلك الأمم فإن الأمّة الإسلامية قد انفردت عن غيرها من الأمم بنظام أسري وتربوي متميّز قادر على تكوين أجيال مسلمة متوازنة قادرة على تحمّل المسؤولية الكاملة في تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، ويأتي في طليعة المسألة هنا تكريم الإسلام للأم باعتبارها الركيزة الأولى للبيت والأسرة. فقد أوجب لها الإسلام كامل الاهتمام والعناية ما لم نجده عند الأمم السالفة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( جاء رجل إلى رسول الله rفقال يا رسول الله مَن أحقّ الناس بحسن صحبتي ؟ قال أمّك. قال ثّم مَن ؟ قال: أمّك. قال ثّم مَن ؟ قال: أمّك. قال ثمّ مَن ؟ قال أبوك ) متفق عليه. بناء الأسرة والمحافظة عليها: الأسرة في الإسلام يبدأ بناؤها بالزواج الشرعي الذي تستقرّ وتستمرّ به الحياة الزوجية، فالأسرة السعيدة هي حصن للرجل وستر للمرأة، قال الله تعالى: ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) البقرة الآية 187. والأسرة السعيدة هي السكن الروحي والنفسي، وفيها المودّة والرحمة، قال الله تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم الآية 21. الأسرة الشريفة التي يؤدّي فيها كل أفرادها واجباتهم سوف يتخرّج منها الرجال الذين يستطيعون مواجه الحياة بحكمة وصبر، ويتخرّج منها النساء القانتات اللاتي يتحصنّ بالعفّة الكرامة. والحفاظ على الأسرة يحتاج إلى تعاون بين جميع أفرادها على تحمّل أعباء الحياة وواجباتها. ويحتاج إلى آداب واستعدادات وتقوى وإيمان. وقد جعل الإسلام مناهجاً مشتركة بين جميع أعضاء الأسرة، ودعاهم إلى تطبيقها على واقع حياتهم حتى تخيّم عليهم السعادة، ويعيشون جميعاً في نعيم وارف وهي: 1) الحبّ والمودّة: دعا الإسلام إلى سيادة الحبّ والمودّة والتآلف بين أفراد الأسرة وأن يجتنبوا عن كل ما يعكّر صفْوَ الحياة والعيش، وتقع المسؤولية بالدرجة الأولى على المرأة فإنها باستطاعتها أن تحوّل البيت إلى روضة أو جحيم، فإذا قامت بواجبها، وراعت ما عليها من الآداب كانت الفذّة المؤمنة. وإذا التزمت المرأة برعاية زوجها، وأدّت حقوقه وواجباته شاعت المودّة بينهما وتكوّن رباط من الحبّ العميق بين أفراد الأسرة، الأمر الذي يؤدي إلى التكوين السليم للتربية الناجحة. 2) التعاون: وحثّ الإسلام على التعاون فيما بينهما على شؤون الحياة، وتدبير أمور البيت وأن يعيشوا جميعاً في جوّ متبادل من الودّ والتعاون، والمسؤولية تقع في ذلك على زعيم الأسرة وهو الزوج، فقد طلب الإسلام منه أن يقوم برعاية زوجته ويشترك معها في شؤون منزله، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى خدمة البيت مع نسائه، ومن الطبيعي أن ذلك يخلق في نفوس الأبناء روحاً من العواطف النبيلة التي هي من أهمّ العناصر الذاتية في التربية السليمة. 3) الاحترام المتبادل: وحث الإسلام على تبادل الاحترام، ومراعاة الآداب بين أعضاء الأسرة فعلى الكبير أن يعطف على الصغير، وعلى الصغير أن يقوم بإجلال الكبير وتوقيره، إن مراعاة هذه الآداب تخلق في داخل البيت جوًّا من الفضيلة والقيم الكريمة، وهي توجب تنمية السلوك الكامل في نفس الطفل، وتبعثه إلى الانطلاق في ميادين التعاون مع أسرته ومجتمعه. الدرس الثاني: المسلم لا يعمل لخير نفسه فقط، بل لخيرها وخير غيرها، والعمل التطوّعي يعوّد به نفسه البذل، ويثبّت فيها خُلق الكرم، وينفع بها المجتمع. ذلك ما ينبغي للمسلم نحو الناس: أن يكون نفّاعاً لهم بقدر ما يستطيع، لا يدّخر وسعاً لجلب الخير لهم، ودفع الشر عنهم، فلو أمكنه أن يقوم بكل ذلك فيتصدّق ويعمل، ويعين وينفع، ويأمر بالخير، ويمسك عن الشر كلّ من يقوم به. معنى العمل التطوّعي: التطوّع في اللغة: هو التبرّع لعمل شيء من دون مقابل، أو الانخراط في جمعية خيرية بالرضا. العمل التطوّعي في الشرع:مساهمة الأفراد في أعمال الرعاية والتنمية الاجتماعية سواء بالرأي أو بالعمل أو بالتمويل أو بغير ذلك من دون مقابل. والتطوّع هو الجهد الذي يقوم به الفرد باختياره لتقديم خدمة للمجتمع دون توقع لأجر مادي مقابل هذا الجهد. معنى الواجب الكفائي: الواجب الكفائي هو ما طلب المشرّع فعله على سبيل الإلزام من مجموع المكلّفين لا من جميعهم ( أيْ ليس من كل فرد منهم ). والقصد من ذلك هو وقوع هذا الواجب بنفسه ولو من طرف فرد واحد، لأن المصلحة تتحقّق من بعض المكلّفين. أمّا إذا لم يأته أحد فهم آثمون جميعاً. مثال الواجب الكفائي: الجهاد في سبيل الله. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. القضاء والإفتاء. ردّ السلام. صلاة الجنازة... مجالات العمل التطوّعي في المجتمع: لكلّ مسلم حق المشاركة في بناء المجتمع بما له من طاقة زائدة تطوّعاً في شتّى الميادين التربوية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها: المجال التربوي: التطوّع لخدمة المعرفة وتنمية القدرات العقلية والحرفية، وتنمية الملكات الروحية والفنّيّة والجمالية، كي تُشاع هذه المعرفة لكل الناس أطفالاً ورجالاً ونساءً، وذلك بإنشاء الأندية والرابطات والجمعيات في كل مكان. المجال الاجتماعي: التصدّي للرذيلة وأسباب الفساد بجميع الوسائل المتاحة، وذلك بإعانة ذا الحاجة من مظلوم يستغيث، ومكروب يستجير، وعاجز يستعين. مساعدة المكروب بتفريج كربته، وتخفيف بليّته. وإعانة العاجز على قضاء مآربه، وتحقيق أمانيه. ويكون ذلك بالتعاون وغرس الوعي الاجتماعي الذي يقوم على الأخوّة والتكافل، وتعليم الفضيلة. المجال الاقتصادي: العمل على إقامة صندوق مشترك يكون محور التعاون المالي بين أفراد المجتمع، هدفه تنظيم المساعدات المالية لإعانة الفقراء بالتصدّق عليهم والإقراض لهم، وتحمّل الديْن عنهم... فضل العمل: للعمل الفضل العظيم في حياة الفرد والمجتمع، فبالعمل تزكو النفس، وتقوّم الأخلاق، وتقوى العلاقات الإنسانية، وتنتظم الحياة، وتصان ضرورات الإنسان. وبالعمل يزيد الإنتاج، وتنمو الثروة فتكون للأمّة السيادة، ويكون لها المجد. ـ إن الله تعالى أعدّ للعاملين الأجر الوافر ولا يضيع عمل الإنسان وجهده، قال الله تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًّا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُم اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) التوبة الآية 120/121 ـ إن منزلة الإنسان عند الله بقدر ما يقدّم من عمل، قال الله تعالى: ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُواْ وَلِنُوَفِّيَهُم أَعْمَالَهُمْ وَهُم لَا يُظْلَمُونَ ) الأحقاف 19. ـ وليس للجنّة سبيل سوى العمل، قال الله تعالى: ( وَنُودُواْ أَنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ ) الأعراف الآية 43. بالعمل تكون للإنسان العزّة والخلافة في الأرض، قال الله تعالى: ( وَعَدَ اللهُ الْذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمِا اسْتَخْلَفَ الْذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُم الْذِي إِرْتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِلَنَّهُم مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِم أَمْناً )النور الآية 55. ـ والذي لا يعمل فهو في خسر ونقص، يعرّضه للضلال والشقاء، قال الله تعالى: (وَالعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الْذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ ) سورة العصر. دور العمل التطوّعي في خدمة الفرد والمجتمع: إن العمل التطوّعي بمثابة المتنفّس للفرد الذي يمتلك الطاقة الزائدة، فيفجّرها في الخير وفي خدمة الصالح العام، بما لديه من خبرات ومعارف. ويعدّ السوار المنيع والحاجز الحصين للمجتمع الذي يقيه من مصائب الحياة ومتاعبها التي يبتلى بها بعض أفراده. أهميّة العمل التطوّعي للشباب: 1. تعزيز انتماء ومشاركة الشباب في مجتمعهم. 2. تنمية قدرات الشباب ومهاراتهم الشخصية والعلمية والعملية. 3. يتيح للشباب التعرّف على الثغرات التي تشوب نظام الخدمات في المجتمع. 4. يتيح للشباب الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم في القضايا العامّة التي تهمّ المجتمع. 5. يوفّر للشباب فرصة تأدية الخدمات بأنفسهم وحلّ المشاكل بجهدهم الشخصي. 6. يوفّر للشباب فرصة المشاركة في تحديد الأولويات التي يحتاجها المجتمع، والمشاركة في اتخاذ القرارات. الدرس الثالث: نظرة الإسلام إلى المجتمع: المجتمع هو المحيط الذي يعيش فيه الإنسان. الذي يتكوّن من مجموع أسر، التي تربطها الحقوق والواجبات، ويعيش الفرد فيه بروح الجماعة ومصلحتها وآمالها، فلا يرى لنفسه وجوداً بغيرها ولا امتداداً إلا فيها. المجتمع المسلم: هو المجتمع الربّاني، الناس فيه أسرة واحدة لا فضل فيه لعربيّ على عجميّ، ولا لعجميّ على عربيّ إلا بالتقوى. ولا يوزن الناس فيه بالأحساب والأنساب، مجتمع عالمي لا عنصريّ ولا قومي، ولا يعرف التعصّب. مجتمع مفتوح لجميع بني الإنسان. مجتمع مفتاح شخصيته: الدين والإيمان وعقيدة الإسلام. مجتمع ينفر من الترف، ويعمل بالأسباب ويتوكّل على الله. من خصائصه العدالة والقسط. مجتمع يؤمن باستخدام المواهب والتخطيط للمستقبل، ويضع الرجل المناسب في مكانه. الآفات والمفاسد الاجتماعية وأخطارها: الآفات والمفاسد الاجتماعية هي كل ما نهى الله عنه، وما نص القرآن والسنة النبوية الصحيحة على تحريمه، قال الله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَ الإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ ) الأعراف 33. والآفات الاجتماعية إذا أردنا عدّها فكثيرة ، نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر: الظلم. قطع الطريق. قتل الأبرياء. الخمر وما شابهها كالمخدرات. ال*** وما شابهه كمحرمات الزواج والاغتصاب. الإجهاض. القذف ( الاتهام بالباطل ). شهادة الزور. السرقة. الغش. الربا. الرشوة. أكل مال اليتيم. الاحتكار... ولا شك أن لهذه الآفات والمفاسد أخطار كثيرة: ـ فهي تؤدّي إلى ظلمة القلب وقسوته، وابتعاد صاحبه عن الله، فيصير مصدر شرّ في المجتمع، فلا يلقى المجتمع منه إلا الإفساد والتخريب، ويكون مصيره الخسران في الدنيا والآخرة. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يزيد في العمر إلا البّر ولا يردّ القدر إلا الدعاء وأنّ الرجل ليُحرَم الرزق بخطيئة يعملها ) رواه ابن ماجه. وإذا كانت الآفات سبب الفقر فإنّ الطاعات سبب إدرار الرزق على الفرد والمجتمع، قال الله تعالى: ( وَلَوَ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ) الأعراف الآية 96. ـ تؤدّي إلى غضب الله وعقابه للإنسان، وهذا العقاب إمّا أن يكون بالظواهر الطبيعية كالفيضانات أو الزلازل أو القحط والجفاف، وإما أن يكون بالثورات والحروب المدمّرة، قال الله تعالى: ( فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِم وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِم قَرْناً آخَرِينَ ) الأنعام الآية 6. وقال عزّ وجلّ: ( مِمَّا خَطِيئَاتِهِم أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُم مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصَاراً ) نوح الآية 25. ـ وهي من أهمّ العوامل في شقاء الإنسان لما لها من أضرار بالفرد والمجتمع على حدّ سواء، تضرّ بالفرد في صحّته وعقله وماله وعمله، وتضرّ بالمجتمع بجعله منقسماً على نفسه، وضعيفاً في تماسكه، قال الله تعالى: ( قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُم عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُم أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُم أَوْ يَلْبِسَكُم شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ) الأنعام الآية 65. محاربة الإسلام للآفات والمفاسد الاجتماعية: الدّين هو العنصر الهام في معالجة الآفات والمفاسد الفردية والاجتماعية، لأنّ الدّين هو الطريق إلى العقل كما هو الطريق إلى القلب، فالدّين يعالج الآفات من أصلها ولا يترك لها مكاناً في قلب الإنسان، وذلك بالمساعدة للتغلّب على التوترات التي يتعرّض لها الإنسان والتي تحرّضه على الوقوع في الآفات والمفاسد بأنواعها. ومن عظمة الإسلام أنّه قبل أن حارب الآفات الاجتماعية عالجها بشتّى الوسائل التربوية منها: ـ الشعور بالإثم: الإسلام يدعو الإنسان إلى الاعتراف بذنبه أمام الله، وطلب الغفران منه وحده، لأنّ الله هو الذي يساعد المذنب على تجاوز الخطأ، وتجديد الحياة نحو الأفضل، قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَه ُثُمَّ يَسْتَغْفِر ِاللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً ) النساء الآية 110 . ـ التوبة: فالتوبة أسلوب من أساليب تكفير الذنب، وهي المدخل إلى المغفرة، وهي المتنفّس للمشاعر الثائرة والشفاء للنفس التي عذبها الإحساس بالخطيئة، قال الله تعالى: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الْذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنْفُسِهِم لَا تَقْنَطُواْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوِ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر 53. ـ تربية النفس على خشية الله: لقد لفت القرآن أنظار الناس إلى أهوال القيامة وما فيها من عذاب أليم وشديد أعدّه الله للذين يقترفون الآفات ويتعدّون على الحرمات بأسلوب رهيب يصل إلى أعماق النفس ويثير فيها أحاسيس الخوف من الوقوع في الآفات، ويكون الدّافع إلى القيام بالطاعات والقربات من الله. ـ سدّ جميع الذرائع التي تدفع إلى الوقوع في الآفات الاجتماعية، وذلك بتقديم الإعانات الفعلية كالمساعدات المالية قصد تجاوز الأزمات النفسية والأخلاقية والاقتصادية، فشرّع لذلك الإسلام كفالة اليتيم للتحصين من التشرّد المؤدي إلى الآفات الاجتماعية الخانقة، وشرّع الزواج وتسهيل سبله لتفادي الوقوع في ال*** وما شاكله، وشرّع الزكاة للتّحصين من السرقة وأشكالها... ـ فمن أبى بعد كل هذا العلاج إلا الاعتداء والوقوع في الآفات والمفاسد استحق العقوبة، وهي نوعان: 1) الكفارة: وهي ما يكفّر الإنسان به ذنبه، المحدّد شرعاً. ككفّارة اليمين المنعقدة وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ومن لم يستطع يصوم ثلاثة أيام. وكفّارة القتل الخطأ وهي الديّة يسلّمها إلى أهل المقتول، وغيرها. 2) الحدّ: وهو العقوبة المقدّرة شرعاً. كالقصاص من القاتل العمد، وقطع يد السارق الذي توفرت فيه شروط الحد، والجلد لشارب الخمر والزاني، وغيرها من الحدود. الدرس الرابع: الطفـولة: الأطفال زينة الحياة الدنيا تسرّ الفؤاد بمشاهدتهم، وتقرّ العين برؤيتهم، وتبتهج النفس بمحادثتهم ، هُم شباب الغد الذي تنعقد عليهم آمال المستقبل، قال الله تعالى: ( المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ) الكهف الآية 46. يقول الله عز وجل: ( يَأَيُّهَا الْذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنْفُسَكُم وَأَهْلِيكُم نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم الآية 6. التربية في عصر النبوّة: كان النبي صلى الله عليه وسلم المربّي الأول الذي قام بهذه المهمّة التربوية فرسم نماذج تربوية للطفولة لم يسبق لها مثيل في عالم الرعاية بالأطفال حيث يشرف بنفسه وبأسلوبه الخاص الفريد في تنشئة تلك البراعم التي لم تنفتح والأغصان التي لم يشتدّ عودها بعد. ولم تكن هذه التربية قاصرة على من يعيش في كنف النبي صلى الله عليه وسلم أو من يعيش تحت سقف بيته بل كان ذلك مبدأ تربويًّا ينتهجه لأمّته عامّة ويرسّخه لكلّ الأجيال من بعده ليقتفوا أثره ويسيروا على منهجه التربوي عملاً بقوله تعال: ( لَقَدْ كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرِ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) الأحزاب الآية 21. ولو تتبعنا مراحل المنهج التربوي النبوي في عالم الطفولة لرأينا أن مرحلة التربية تبدأ منذ أن يكون الطفل سِرًّا في عالم الغيب وذلك ليضمن له الأصل والمنبت الطيّب والحضن الأمين، فدعا الزوج لاختيار الزوجة الصالحة التي ستكون مصدر عزّة الطفل ومربيته على الفضائل، كما دعا أهل الزوجة على القبول بالزوج الصالح فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من زوّج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها ) رواه ابن حبّان. وهكذا تتدرّج العناية بالطفل والاهتمام به من خلال توجيهات نبويّة كريمة في كل مرحلة من مراحل نموِّ الطفل عقلياً ونفسياً وجسدياً بدءً من التربية العقدية السليمة ومروراً بالتربية الاجتماعية والخلقية والعاطفية، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نموذجاً فريداً للأبوّة الكريمة في حياة البشرية، يفرح بقدوم الأطفال ويشارك في اختيار أسمائهم ويحنّ عليهم فيمازحهم ويلاعبهم ويضمهم إلى صدره الكريم ويُقبّلهم بفمه، فإنّ هذا يعطيهم الجوّ النفسي للحياة الإنسانية، وبذلك كان من ثمار هذه التربية الفذّة أن أنشأت أسرة متماسكة مثالية حقاً في إيمانها وعبادتها وأخلاقها ومعاملتها وإذا كانت الأسرة كذلك فلا شك أنّ المجتمع بدوره كان مثاليًّا وخاصّة المجتمع في عهده صلى الله عليه وسلم. حقوق الطفل: لقد اهتم الإسلام بالطفل في كل مراحل حياته: جنيناً، ورضيعاً، وصبياً، ويافعاً، ثم شابًّا إلى أن يصل إلى مرحلة الرجولة. ـ ولقد أوجب الإسلام على الأم رعاية جنينها، والمحافظة عليه، وأباح لها أن تفطر إذا شعرت أنّ صيامها خطراً على جنينها أو رضيعها، كما ينبّهها إلى عدم تناول ما يضرّ بالجنين من مأكل ومشرب، وحرّم على الأم الإجهاض إلا إذا كان خطراً على حياتها، قال تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُم وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُم كَانَ خِطْئاً كَبِيراً ) الإسراء الآية 31. ـ وحفظ للطفل حقّه في النسب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وأيّما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احجب الله تعالى منه وفضحه على رؤوس الأوّلين والآخرين يوم القيامة ) رواه أبو داود والنسائي. ـ كما حفظ للطفل حقوقه المالية من النفقة عليه وعلى والديه أثناء الحمل وبعده، وحفظ له حقّ الوصيّة، والوقف. وغيرها من الحقوق التي تتصل بالمولود حين ولادته مثل: ـ استحباب البشارة والتهنئة عند الولادة. ـ استحباب الأذان في أذنه اليمني والإقامة في أذنه اليسرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من وُلد له ولد فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم يضرّه أم الصبيان ) رواه ابن السني. ـ حلق شعر المولود والتصدّق بوزن شعره ذهباً على الفقراء، قال صلى الله عليه وسلم: (كلّ مولود مرهون بعقيقته تُذبح عنه يوم سابعه ويُحلّق ويسمّى ) رواه أبوداد والترمذي. ـ عقيقة المولود، قال عليه الصلاة والسلام: ( مع الغلام عقيقته فأهرقوا عليه دماً وأميطوا عنه الأذى ) متفق عليه. ـ ختان المولود، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقصّ الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط ) متفق عليه. ـ رعاية الطفل ( جسدياً ووجدانياً وسلوكياً واجتماعياً ) وحضانته ورضاعه، وهنا يقرر القرآن الكريم حقيقة فائدة الرضاع من حليب الأم المعقّم، والذي هو أصح غذاء من كل أنواع الحليب الصناعي، وفائدته الغذائية والنفسية المهمّة للطفل والأم معاً. مجالات تربية الطفل: لقد اهتّم الإسلام بمرحلة الطفولة، لأنها اللبنة الأساسية في بناء شخصية الفرد إيجاباً أو سلباً، وفقاً لما يلاقيه من اهتمام، وهذا الاعتناء من أبلغ الأثر في بنائه النفسي الإيجابي الذي بدوره ينعكس على تكوين المجتمع المسلم. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا رسول الله ما حقّ ابني هذا ؟ قال: تحسّن اسمه وأدبه وضعه موضعاً حسناً ) رواه الطوسي. هناك العديد من جوانب العناية التي أولاها الإسلام للطفل: أولاً: التربية الجسمية: تلخّص السنة النبوية رعاية الطفل جسمياً فيما يلي: ـ النفقة عليه: عن ثوبان بن مجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ). ـ وقايته من الأمراض: من مقاصد الشريعة الإسلامية، حفظ النفس في ثلاثة معان هي: إقامة أصله بشرعية التناسل، وحفظ بقائه من جهة المأكل والمشرب، وذلك يحفظه من الداخل، والملبس والمسكن، وذلك يحفظه من الخارج، وحفظ ما يتغذى به أن يكون ممّا لا يضرّ أو يقتل.. ـ إبعاد الطفل عن تناول الحرام، فإن للتغذية أثراً فعالاً في سلوك الطفل. فالتغذية الملوّثة بالحرام تؤثر أثراً ذاتياً في دخائل النفس، وتوقف فعالياتها السلوكية، فتغرس فيها النزعات الشريرة كالقسوة، والاعتداء والهجوم المتطرف على الغير... ـ تعويدهم بعض السلوكات الصحيّة كالنظافة والطهارة والرياضة، قال عليه الصلاة والسلام: ( علّموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل ) أخرجه البيهقي. ثانياً: التربية العقلية: وهذه التربية تتعلّق بتعليم الطفل القراءة والكتابة، وحفظ آيات القرآن الكريم وأحاديث النبيّ عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وتعليمه العقيدة الإسلامية الصحيحة. وتعويده على التأمّل في ملكوت السماوات والأرض. وتعليمه العلوم الدنيوية التي تنفعه في مستقبله. ثالثاً: التربية النفسية: ذلك بالإحسان إليهم ورحمتهم وملاعبتهم وإدخال السرور عليهم، والتسوية بينهم، ومصاحبتهم في سنّهم المبكّر ومراقبة سلوكهم، وتعليمهم الإيمان، والعبادات، وأعمال البرّ ومكارم الأخلاق وآداب السُنّة. وهذه التربية هي أسباب الحياة الحقيقية: حياة القلب والروح والسعادة الأبدية. فإذا التزم الآباء بهذه المحدّدات التربوية المستمدة من الكتاب والسُنّة النبوية المطهّرة، لأدّى هذا إلى وضع الركائز الأساسية لمقوّمات البناء النفسي السليم للطفل حتى يكون قادراً على مواجهة التحدّي الحضاري عبر الأزمنة المختلفة. الدرس الخامس: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيته: قدوة المسلمين في هذا المجال هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان أكرم الناس وألطفهم لأسرته وذلك بما تشهد به سيرته حيث لم يثبت عنه أهان واحدة من زوجاته بشتم أو سبّ أو ضرب أو غير ذلك من وجوه الإيذاء بل كان صلى الله عليه وسلم أعظم البشرية برًّا بزوجاته وإحساناً لهنّ وأوصى بهن كثيراً وحضّ على تكريمهنّ وحذّر من الإساءة إليهنّ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنّ من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله ) رواه الترمذي. وكان صلى الله عليه وسلم يستشيرهنّ وينزل على رأيهنّ في أمور سياسته كما صنع يوم الحديبية، وكان صلى الله عليه وسلم إذا خلا مع أهله ألين الناس، ضحّاكًا بسّامًا، وكان يقول: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي..). وكان صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله ما دام في البيت، يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويعمل بيده، ويخدم نفسه. وكان صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالأطفال، رآه عمر بن الخطاب حاملاً الحسن والحسين على عاتقه، فقال: نِعم الفرس تحتكما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ونِعم الفارسان هما، وكان أحدهما أو كلاهما يعتلي ظهره إن سجد، فلا ينهرهما، وصلّى وأمامة على عاتقه، وهى ابنة ابنته زينب، فكان إذا ركع وضعها، وإذا رفع وضعها، أما إذا جاءته ابنته فاطمة، فإنه يبادرها باللُّقيا، ويقبّلها ثم يأخذ بيدها ويجيء بها حتى يجلسها في مكانه. ثم هو لا يترفع على عبيده في مأكل ولا ملبس، ويخدم من خدمه، ولم يقل لخادمه أفٍ قط، ولا عاتبه على فعل شيء أو تركه. أسباب استقرار البيت واستمراره: لاستقرار واستمرار البيت لابد أن تسوده الأمور التالية بشكل نبيل: 1 ـتوفير الاستقرار والأمن والحماية وتبادل الحُبّ والعطف بين الزوجين من ناحية، وبينهما وبين الأولاد من ناحية أخرى، فإنّ الأسرة إذا غادرها الحبّ، وهجرها العطف لابد أن تتفاعل فيها عوامل الانهيار والهدم. إن الحبّ المتبادل هو العامل الفعال الذي يدفع كل واحد من أفراد الأسرة إلى أن يتحمّل مسؤولياته برحابة صدر. 2 ـ يجب أن يسود التعاون المشترك في المجالات المختلفة بين أفراد العائلة. لكي لا تشلّ الأسرة عن حيويتها، ونشاطها بصورة مستمرّة، فإن التعاون يزيل الإرهاق، ويذيب التذمّر مِن تحمّل المسؤوليات. وكذلك يوطّد علاقات أفراد الأسرة بعضهم مع بعض. ولا يدع مجالاً لأن يتسرّب التفكّك إلى ربوع العائلة المسلمة التي تلتزم بمبدأ التعاون، والتكافل الاجتماعيين. 3 ـ تبادل الاحترام والتوقير والإحسان، سواءً من جانب الصغير للكبير، أو من جانب الكبير للصغير، فإن الاحترام والإحسان يزرعان بذور الشعور بالشخصية، ويغرسان أوتاداً توطّد العلاقات الأسرية بين الأفراد. 4 ـ إطـاعة الأب من قِبل جميع أفراد العائلة لأنّه يمثّل النقطة المركزية في الأسرة، ولأنّه أعرف بالمصالح الفردية والاجتماعية لكل واحد منهم، وطبيعي أنّ الإسلام يقرّر الطاعة للأب في حدود طاعة الخالق. 5 ـ قيام الوالد بواجب النفقة، وتجهيز الملبس، والمسكن للزوجة والأولاد في مقابل قوامته عليهم. 6 ـ أن تمدّ الأسرة الأطفـال بالبيئة الصالحة لتحقق حاجـاتهم البيولوجية والاجتماعية، وليست وظيفة الأسرة مقتصرة على إنجاب الأطفال فإنّ الاقتصار عليها يمحو الفوارق الطبيعية بين الإنسان والحيوان. 7 ـ أن تمدّهم بالوسائل التي تهيّئ لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع. القيم الاقتصاديّة والماليّة قال الله تعالى: ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى ) النجم الآية 39/40/41. الدرس الأول: العمل في الإسلام: مفهوم العمل: هو ممارسة أيّ نشاط، والعمل في أيّ مجال، عن طريق الزراعة أو التجارة أو الصناعة، وأيّ حرفة من الحرف اليدوية وغيرها، ما دام ذلك كله في دائرة ما أحلّ الله تعالى. والعمل الذي يريده الإسلام، ويدعو إليه هو كلّ عمل صالح تزكو به النفس، وتقوّم به الأخلاق، وتقوى به العلاقات الإنسانية، وتنتظم به الحياة، وتصان به ضرورات الإنسان. وهو كلّ عمل ينمّي الإنتاج، ويزيد الثروة، فتكون للأمّة السيادة، ويكون لها المجد. العمل الفكري والعمل البدني: العمل الفكري هو كلّ ما يتعلّق بإعمال العقل والفكر، كالتعليم، والقضاء، والإدارة وغيرها. والعمل البدني هو كلّ ما يتعلّق باستعمال البدن والجسم والعضلات، كالحِرَفِ اليدوية (الحدادة والخياطة.. ) والزراعة والصناعة وغيرها. البطالة: هي القعود عن العمل، وعدم الاشتغال. البطالة ظاهرة وُجدت في أغلب المجتمعات الإنسانية في السابق والحاضر، ولا يكاد مجتمع من المجتمعات الإنسانية على مرّ العصور يخلو من هذه الظاهرة أو المشكلة بشكل أو آخر. محاربة الإسلام للبطالة: حرّم الإسلام البطالة، ومقت القاعدين عن العمل من غير سبب، فقد ورد في الأثر أنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة المكفيّ الفارغ ( وهو من يكفيه الناس ضرورات الحياة )، وقد ورد في الأثر ( إنّ الله يحبّ العبد المحترف ويكره العبد البطال )، وكانت هذه الحرمة لأنّ التبطّل سبيل إلى الفقر الذي كاد أن يكون كفراً. ولأنّ العمل حركة ونشاط والبطالة سُكون وموت. ولقد حارب الإسلام البطالة بوسائل شتّى منها: ـ توفير مناصب الشغل، وجعلها من حقوق الإنسان. ـ الترغيب في العمل والترهيب من البطالة. ـ الترغيب في الشركة والمضاربة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنّ الله عزّ وجلّ يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما ) رواه أبو داود ـ مشروعية القرض الحسن الذي يساعد على العمل، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما من عبد يُقرض مسلماً قرضاً مرّتين إلا كان له كصدقة مرّة ) رواه ابن ماجه. ـ حث الإسلام على إعانة الفقير، وجعل المُعين خيراً من المعان من جهة نيل الأجر والثواب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) متفق عليه. ـ تشريع الحج وجعله من العبادات الساميّة، وذلك لا يتحقّق إلا بالمال والعمل، فكان الحج دافعاً للعمل والكسب. العامل في القرآن والسنّة: أسلوب الإسلام في الدعوة إلى العمل أسلوب متميّز، لا يكاد يضاهيه أو يقاربه أيّ أسلوب آخر. قال الله تعالى: ـ ( وَهُوَ الْذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ لِيَبْلُوَكُم أَيُّكُم أَحْسَنُ عَمَلاً ) هود الآية 7. ـ ( وَلَكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُواْ وَلِنُوَفِّيَهُم أَعْمَالَهُم وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) الأحقاف الآية 19. ـ ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى ) النجم الآية 39/40/41. ـ ( وَقُلْ اِعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ ) التوبة الآية 105. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ـ ( ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ) رواه البخاري. ـ ( لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحُزمة حطب فيبيعها فيكفّ الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطَوْه أو منعوه ) متفق عليه. الدرس الثاني: المال في نظر الإسلام هو قوام الحياة، وعصبها، وأساسها، فيجب على الإنسان أن يسعى في كسبه، ويجدّ في تحصيله وتنميته بالطرق المشروعة النافعة، وألاّ ينفقه إلا في الحلال وفي منفعة. الاعتدال: هو التوسّط بين الإفراط والتفريط، وفي النفقة التوسّط بين الإسراف والتقتير. ترشيد الاستهلاك: الترشيد: هو حسن التدبير والتصرّف. للمالك الحق في ماله، ومن تلزمه نفقته من أبنائه وزوجته وأقاربه. وتشمل النفقة الغذاء والكساء والسكنى والتربية والتعليم والعلاج وكل ما هو ضروري للحياة. فالله تعالى ينهى عن البخل، ويصوّر البخيل بحال من شُدّت يده إلى عنقه، فلا تنبسط بخير. وينهى عن الإسراف، ويصوّر حال المسرف بحال من بسُطت يده، فلا تمسك شيئاً، فقال الله تعالى: ( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدْ مَلُوماً مَحْسُوراً ) الإسراء 29. إنّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده. وكلّ ما اشترط الإسلام في هذه النفقة الاعتدال، والقصد، فلا يسرف ولا يبخل. قال الله تعالى: ( وَالْذِينَ إِذَا أَنْفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يُقْتِرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ) الفرقان الآية 67. ومن العدالة أن يملك العامل ثمرة كدّه ونتائج كدحه وسعيه، ولكن من الاعتدال أن يكون رشيداً في التصرف بماله على نفسه وأهله. قال الله تعالى: ( كُلُواْ مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ) الأنعام الآية 141. أثر ترشيد الاستهلاك على حياة الفرد والمجتمع: الحقّ هو العدل والقصد في جميع الأمور، فإنّ ملازمة الطيّبات تفضي إلى الترفّه والبطر، الذي كان السبب في هلاك الأمم المترفة، قال تعالى: ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهِلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) الإسراء 16. كما أنّ منع النفس من تناول الطيّبات يؤدّي إلى التنطّع المنهي عنه، قال الله تعالى: ( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ..) الإسراء الآية 29. إنّ ترشيد الاستهلاك يؤدّي إلى أمور محمودة كثيرة منها: ـ الحفاظ على المال الذي هو عصب الحياة. ـ التحصين من الفقر الذي تنجرّ عنه انحرافات خطيرة. ـ ضمان كفاية الفرد والمجتمع وإشباع حاجات الإنسان الأساسية كي لا يلجأ إلى السّؤال المنهي عنه. الدرس الثالث: التكافل المالي: لقد جاء الإسلام لتزكية النفوس، فدعا إلى البذل، وحضّ على الإنفاق في أسلوب يستهوي الأفئدة، ويبعث في النفس الأريحية، ويثير فيها عواطف الخير والبر، ويوقظ بها مشاعر الرحمة والإحسان. قال الله تعالى: ( وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ ) الحديد الآية 10. والإسلام دعا إلى التكافل المالي بطرق كثيرة منها: ـ الزكاة: هي إخراج جزء مقدّر من المال، وإعطائه لمستحقّيه، وسمّي هذا الجزء زكاة لأنّه يزيد البركة في المال الذي أخرج ويطهّره من الآفات. قال تعالى: ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) التوبة الآية 103. ـ الصدقة: هي ما يقدّم للمحتاجين من أموال تقرّباً من الله، وسمّي هذا المال صدقة لأنّه برهان على صدق الإيمان بالله. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء والصدقة في خفاء تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر وكلّ معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة وأوّل من يدخل الجنّة أهل المعروف ). ـ الوقف: هو حبس المال وصرف منافعه في سبيل الله تعالى، والوقف هو قربة يتقرب بها العبد إلى ربّه لما فيها من الإحسان والبر بالفقراء والمحتاجين. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) رواه مسلم. ـ العاريّة: وتسمّى أيضاً بالإعارة، وهي أن يُعطى الإنسان غيره شيئاً ينتفع به بغير مقابل على أن يردّه له. والإعارة في ذاتها من أعمال البر، وهي من مظاهر التكافل الاجتماعي. قال الله تعالى: ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ ) المائدة الآية 2. ـ القرض: هو المال الذي يُعطيه الإنسان لمن يحتاجه على أن يردّ مثله عند قدرته عليه. والقرض من أهمّ الوسائل التي تفَرِّج الكُرَب وتيسّر الأمور. قال الرسول: صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلم يُقرض مسلماً قرضاً مرّتين إلا كان كصدقة مرّة ) رواه ابن ماجه. ـ الهديّـة: وهي ما يُعطى للغير إكراماً له، وهي تشبه الهبة. والإسلام رغّب في الهديّة لما فيها من مصالح حيث تؤلّف القلوب، وتوثّق العلاقة بين الأفراد. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( تهادوا تحابّوا ) رواه مسلم. فضل وثواب التكافل المالي: لا شكّ أنّ للتكافل المالي الأجر العظيم عند الله والثواب الجزيل يوم القيامة: قال الله تعالى: ـ ( مَثَلُ الْذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة الآية 261 ـ ( مَنْ ذَا الْذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفُهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) البقرة الآية 245. ـ ( وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَأَنْفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ) الحديد الآية 7. * وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) رواه البخاري. وقال: ( أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا، وقال بإصبعيه السبابة والوسطى ) متفق عليه. أثر التكافل المالي على حياة الفرد والمجتمع: إن للتكافل المالي الأثر الطيّب في حياة الناس: * تحقيق المصالح الخاصّة للفرد، وذلك أنّ المحسنين هم دائماً في رعاية الله وعافيته، فيحفظهم من السوء، ويقيهم من طوارئ الأحداث. للمال سيطرة على القلوب وسلطان على النفوس، فأراد الإسلام أن يعالج هذه السيطرة ويزيل هذا السلطان بتخفيف هذا الحبّ عن طريق التمرّن على بذل المال. زرع بذور الرحمة والإحسان في القلب، لأنّ إمساك المال وعدم إنفاقه في أوجه الخير، وحرمان المحتاج منه يؤدّي إلى قسوة القلب، وإذا قسا القلب ابتعد صاحبه عن الله تعالى، وصار مصدر الشرّ في المجتمع، ولا شكّ أنّ ذلك يؤدّي إلى غضب الله وعقابه. * وتحقيق المصالح العامّة للمجتمع بتقويّة النظام الاقتصادي الذي يساهم بقدر كبير في تحسين أحوال الناس الأخلاقية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتكون بذلك للأمّة القوّة الماديّة والمعنويّة، فيتحرّرون من التبعية لغيرهم الهالكة، ويستردّون حقوقهم المغصوبة ويثبّتون ملكهم. يتبع.. |
|||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
#4 | |||||||||||
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
![]() القيم الفكرية والعقلية |
|||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
#5 | |||||||||||
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
![]() القيم الصحيّة والبيئيّة |
|||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
#6 | |||||||||||
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
![]() دراسات في السّيرة قال الله تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) الأحزاب الآية 21. الدرس الأول: تعريف السّيرة النبويّة: السّيرة في اللغة: سيرة الرجل هي صحيفة أعماله وكيفية سلوكه بين الناس، والسيرة هي تدوين أعمال أحد المشاهير. ومن معنى السيرة الطريقة والسنّة والمذهب. السّيرة النبوية في الشرع: هي حياة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي رسول الله إلى الناس كافّة. وهي السّيرة الذاتية لخير الخلق وحبيب الحق. أهميّة دراسة السّيرة النبويّة: لمّا كان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم آخر رسل الله إلى البشرية جمعاء، لزم أن تكون سيرته واضحة للجميع، يستطيع كل أحدٍ الوصول إليها، والنظر فيها، والاستفادة منها. وقد قيّض الله رجالاً من الصحابة ومَن جاء بعدهم، نقلوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى صارت في متناول كل راغب ومحبّ . وإنّ تتبّع تلك السّيرة العطرة والوقوف على أحداثها ووقائعها، وتناولها بالدّراسة والتحقيق له الأهميّة الكبرى، يرمي لها الباحثون، ويسعى إليها الدارسون، أهميّة عظيمة تجعل السّيرة النبوية مميّزة عن غيرها، فلا تكون دراستها من أجل المتعة فحسب، وإنّما لأجل غايات أسمى. وتكمن أهمية دراسة السيرة النبوية في النقاط الأساسية الآتية: 1 ـ معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة شاملة، كمعرفة نسبه ومولده ونشأته، وأسلوب دعوته من بعثته إلى وفاته صلى الله عليه وسلم ، تلك المعرفة التي تورث القُرب منه، ومحبّته التي ينبغي أن تُملأ بها القلوب بعد محبّة الله عز وجل. 2 ـ معرفة هديه صلى الله عليه وسلم في الأمور كلها، هديه في المنام والطعام والشراب والنكاح، هديه في الحلّ والتّرحال، هديه في السلم والحرب، هديه في التعامل مع ربه ومع نفسه ومع المخلوقين، هديه في التعامل مع المسلمين والمخالفين لهم، هديه في التربية والتعليم والدعوة والإرشاد، هديه في كل ما يحتاجه البشر، مما يترتب على ذلك محبّته صلى الله عليه وسلم واتباعه والاقتداء به، وتلك عبادة واجبة لا بد منها، وهي سبيل إلى الهداية، قال تعالى: ( قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِنَّ تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُم وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ ) النور الآية 54. 3 ـ أخذ الدروس والعبر، التي تُضيء للسّالك الطريق، وتوصله إلى برّ الأمان، تلك الدروس التي تُؤخذ من سيرته صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال، ولجميع الفئات. 4 ـ الوقوف على التطبيق العملي لأحكام الإسلام التي تضمنتها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. 5 ـ الوقوف على دلائل معجزاته صلى الله عليه وسلم ، ممّا يقوّي الإيمان ويزيده. 6 ـ معرفة الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم ، حتى يميّز عن غيره، وبالتالي تبقى السيرة صفحات بيضاء كما هي الحقيقة، بعيدة عن غلوّ الغالين، وتزييف الحاقدين. 7 ـ بيان ما كان عليه هذا القائد العظيم من صفات وشمائل، فلم ولن تجد سيرة أحدٍ ممّن خلق الله تماثلها، فضلاً عن أن تنافسها وتزيد عليها، فهو قدوة في كل شيء يحتاجه الإنسان، قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) الأحزاب الآية 21. 8 ـ معرفة الإسلام، عقيدة، وشريعة، وأخلاقاً. 9 ـ الاستعانة بدراسة السيرة في تفسير القرآن الكريم، وشرح السنّة النبوية. 10 ـ معرفة موقف الإسلام وتعامله مع جميع الناس من صديق وعدوّ، مسلم وكافر، معاهد وخائن وغير ذلك. تلك هي أهميّة دراسة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلك السيرة التي لا بدّ من بيانها والوقوف معها، ومعرفة عوامل تميّزها عن غيرها، حيث إنّها سيرة باقيةٌ بقاء هذا الدين، وشاملة بشموله، ومحفوظة بحفظه، وصاحبها مُتّبعٌ يُقتدى به إلى آخر الزمان، فلا نبيٌّ بعده صلى الله عليه وسلم. مصادر السّيرة النبويّة: اهتم المسلمون قديماً وحديثا بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم باعتبارها المنهج العملي للإسلام، فألّف أئمّة الإسلام مؤلفات عديدة وجامعة في سيرته عليه الصلاة والسلام، ودوّنوا كل ما يتعلق بذلك، والناظر في المكتبة الإسلامية يرى ذلك جليًّا بحمد الله، وسنقف هنا على بعض هذه المصادر: 1) يقف القرآن الكريم في مقدمّة مصادر السيرة ، ففيه بيان واضح للعقيدة والشريعة والأخلاق، ويتضمّن وصفاً للعديد من الأحداث والغزوات، وتصويراً للصّراع الفكري والمادّي بين الإسلام وخصومه، وله أهميّة خاصّة من حيث الثبوت المطلق دينياً وتاريخياً، حيث لا يشكّك أحد فيه من الناحية التاريخية. فقد جاء في القرآن الكريم كثير من سيرته صلى الله عليه وسلم ، فقد ذكر الله تعالى حال النبي صلى الله عليه وسلم منذ صغره في قوله تعالى : ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ) الضحى الآية 6/8. وذكر حاله بعد بدء نزول الوحي عليه حين خاف وذهب إلى زوجه خديجة رضي الله عنها يقول لها: زملوني دثروني، فأنزل الله تعالى : (يَأَيُّهَا المُزَّمِّلُ قُمِ اِلَيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوْ اُنْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ) المزّمّل الآية 1/5. كما أنزل عليه: ( يَأَيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) المدّثّر الآية 1/3. وذكر قصة زواجه من زينب بنت جحش بعد طلاقها من زوجها زيد بن حارثة رضى الله عنه فقال تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُومِنٍ وَلَا مُومِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ اَمْرِهِمْ وَمَنْ يَّعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدَ ضَّلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً وَإِذْ تَقُولُ لِلّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمَتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى المُومِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمُ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيءِ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الذِينَ خَلَوْاْ مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَّقْدُوراً ) الأحزاب الآية 36/38. وقد اشتملت هذه السورة ـ سورة الأحزاب ـ على كثير من تفاصيل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وأصحابه كما تضمّنت تفاصيل كثيرة عن غزوة الأحزاب. ومما تضمّنه القرآن من السيرة: الآيات النازلة عقب سؤال الصحابة أو غيرهم عن أمر من الأمور، كما حدث حين سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح فأنزل الله تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) الإسراء الآية 85. ومن أخصّ ما تضمّنه القرآن من السيرة حادثة الإفك المفترى على زوجه صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ففصّل تلك الحادثة في أكثر من عشر آيات من سورة النور في الآيات من 11 إلى 26. 2) السنّة النبوية: والسنة النبوية قد حوت جُلّ تفاصيل السيرة ممّا رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه أو ما رواه عنه أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. فكُتُب الحديث المتنوّعة ما بين الكتب المرتّبة على المسانيد والكتب المرتّبة على الموضوعات الفقهية، وهذه الكتب تقدّم مادة واسعة، وتحتوي على تفاصيل كثيرة متّصلة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وتوضّح جُذور النظم الإسلامية وكيفية تطبيق التشريعات الأولى قبل أن يحاط النص بتفسيرات الفقهاء واجتهاداتهم العديدة. وتمتاز المصادر الحديثية بأنها أوثق رواة وأدقّ متوناً من كتب السيرة المتخصصة، وهذا بالجملة، وينطبق هذا الوصف بدقّة على الكتب السِتَّة وفي مقدّمتها الصحيحان. 3) الكتب المؤلفة في السيرة، وتمتاز كتب السيرة المتخصّصة بسهولة العرض، وتتابع الأحداث التأريخية واتصالها، ومراعاة الزمن في سردها، كما أنها تقدّم وصفاً مفصّلاً للأحداث بحكم تخصّصها. وقد فُقد العديد منها مثل مغازي عروة بن الزبير، وموسى بن عقبة، والزهري. ومن الكتب المؤلفة في السيرة: ـ مغازي الواقدي، وقد رفض النقاد من المحدثين قبول مروياته، ولكن المؤرخين اهتموا بها لغزارة معلوماته، وتقديمه تفاصيل كثيرة ينفرد بها، سواء في وصف الغزوات، أو تحديد تواريخ الأحداث بدقّة. ـ الطبقات الكبرى لمؤلفه محمد بن سعد ( توفي سنة 230 هـ ) وكان كاتباً للواقدي، ممّا جرَّ إلى اتهامه بسرقة مصنّفاته، ولكن المحدّثين النقّاد رفضوا هذه الاتهامات ووثّقوه، كما أنّ التحقيق والاستقراء لكتابه يكشف عن كونه مؤلفاً أصيلاً، وأنّ رواياته عن الواقدي " وقد صرّح بالنقل عنه " لا تمثّل معظم الكتاب الذي استقى مادته من شيوخ عديدين. ـ ويعتبر القسم الأوّل من أنساب الأشراف للبلاذري هو الكتاب الثالث من حيث الأهميّة والقِدم. ـ ومن المفيد الإشارة إلى أنّ كتباً متأخرة نسبياً مثل ( الدرر في اختصار المغازي والسير ) لابن عبد البر القرطبي ( المتوفى سنة 463 هـ ) و ( جوامع السيرة ) لابن حزم ( المتوفى سنة 456 هـ ) ليست إلَّا أصداء للمصادر القديمة، ولكنّ المصادر التي تلتها زمنيًّا استقت من كتب الحديث إلى جانب كتب السيرة المتخصّصة، ويبدو هذا المسلك واضحاً عند ابن سيد الناس في ( عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير )، و الذهبي في ( السيرة النبوية )، و ابن كثير في قسم السيرة من كتابه ( البداية والنهاية ). والاتجاه نحو الجمع الواسع ـ كما هو شأن المتأخرين في الحقول الثقافية الأخرى ـ يظهر عند محمد بن يوسف الدمشقي الشامي ( المتوفى سنة 942 هـ ) حيث انتخب من ثلاثمائة كتاب في سيرته ( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ) . ولا ينبغي في نهاية الأمر أن نغفل أهميّة كتب الدلائل والشمائل، ومن أوسعها ( دلائل النبوة ) للبيهقي، وكذلك كتب الخصائص، ومن أهمّها كتاب ابن الملقن ( غاية السول في خصائص الرسول ) وكتاب الخيضري الدمشقي ( المتوفى سنة 894 هـ ) ( اللفظ المكرم بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم ). أمّا المراجع الحديثة في السيرة النبوية للعلماء المعاصرين فإنّ أهمّها: ـ ( فقه السيرة ) للشيخ محمد الغزالي. ـ ( فقه السيرة النبوية ) للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي. ـ ( الرحيق المختوم ) للشيخ صفي الرحمان المباركفوري. ـ ( معجز محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) للشيخ عبد العزيز الثعالبي. خصائص السّيرة النبويّة: تجمع السيرة النبوية عِدّة مزايا تجعل دراستها متعة روحية وعقلية وتاريخية، ونجمل فيما يلي أبرز مزايا السيرة النبوية: أولاً: أنها أصحّ سيرة لتاريخ نبي مرسل أو عظيم أو مصلح، فقد وصلت إلينا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحّ الطرق العلمية وأقواها ثبوتاً ممّا لا يترك مجالاً للشكّ في وقائعها البارزة وأحداثها الكبرى. إنّ هذه الميزة من صحّة السيرة صحّة لا يتطرق إليها الشك لا توجد في سيرة رسول من رسل الله السابقين. فموسى عليه السلام قد اختلطت عندنا وقائع سيرته الصحيحة بما أدخل عليها اليهود من زيف وتحريف، ولا نستطيع أن نركن إلى التوراة الحاضرة لنستخرج منها سيرة صادقة لموسى عليه السلام. ومثل ذلك يقال في سيرة عيسى عليه السلام، فهذه الأناجيل المعترف بها رسميًّا لدى الكنائس المسيحية إنمّا أقرّت في عهد متأخّر عن النبّي عيسى بمئات السنين وقد اختيرت ـ بدون مبرّر علمي ـ من بين مئات الأناجيل التي كانت منتشرة في أيدي المسيحيين يومئذ. وهكذا نجد أنّ أصحّ سيرة وأقواها ثبوتاً متواتراً هي سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثانياً: أنّ حياة الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة كلّ الوضوح في جميع مراحلها منذ زواج أبيه عبد الله بآمنة إلى وفاته صلى الله عليه وسلم ، فنحن نعرف الشيء الكثير عن ولادته وطفولته وشبابه ومكسبه قبل النبوّة ورحلاته خارج مكة إلى أن بعثه الله رسولاً كريماً، ثم نعرف بشكل أدق وأوضح وأكمل كل أحواله بعد ذلك سنة فسنة ممّا يجعل سيرته عليه الصلاة والسلام واضحة وضوح الشمس كما قال بعض النقّاد الغربيين: ( إنّ محمداً عليه الصلاة والسلام هو الوحيد الذي وُلد على ضوء الشمس ). وهذا ما لم يتيسّر مثله ولا قريب منه لرسول من رسل الله السابقين. فموسى عليه السلام لا نعرف شيئاً قط عن طفولته وشبابه وطرق معيشته قبل النبوّة، ونعرف الشيء القليل عن حياته بعد النبوّة ممّا لا يُعطينا صورة مكتملة لشخصيته، ومثل ذلك يقال في عيسى عليه السلام، فنحن لا نعرف شيئاً عن طفولته إلَّا ما تذكره الأناجيل الحاضرة من أنّه دخل هيكل اليهود وناقش أحبارهم، فهذه هي الحادثة الوحيدة التي يذكرونها عن طفولته. ثم نحن لا نعرف من أحواله بعد النبوّة إلَّا ما يتّصل بدعوته وقليلاً من أسلوب معيشته، وما عدا ذلك فأمر يغطّيه الضباب الكثير. فأين هذا ممّا تذكره مصادر السيرة الصحيحة من أدقّ التفاصيل في حياة رسولنا الشخصية، كأكله وقيامه وقعوده ولباسه وشكله وهيئته ومعاملته لأسرته وتعبده وصلاته ومعاشرته لأصحابه. بل بلغت الدقّة في رواة سيرته أن يذكروا لنا عدد الشعرات البيض في رأسه ولحيته صلى الله عليه وسلم. ثالثاً: أنّ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحكي سيرة إنسان أكرمه الله بالرسالة فلم تخرجه عن إنسانيته، ولم تلحق حياته بالأساطير، ولم تضفِ عليه الألوهية قليلاً ولا كثيراً، وإذا قارنا هذا بما يرويه المسيحيون عن سيرة عيسى عليه السلام وما يرويه البوذيون عن بوذا والوثنيون عن آلهتهم المعبودة اتضح لنا الفرق جليًّا بين سيرته عليه الصلاة والسلام وسيرة هؤلاء، ولذلك أثّر بعد المدى في السلوك الإنساني والاجتماعي لأتباعهم، فادعاء الألوهية لعيسى عليه السلام ولبوذا جعلهما أبعد منالاً من أن يكونا قدوة نموذجية للإنسان في حياته الشخصية والاجتماعية، بينما ظلّ وسيظلّ محمد صلى الله عليه وسلم المثل النموذجي الإنساني الكامل لكل من أراد أن يعيش سعيداً كريماً في نفسه وأسرته وبيئته. ومن هنا يقول الله في كتابه الكريم: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُواْ اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرِ ) الأحزاب الآية 21. رابعاً: أنّ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم شاملة لكل النواحي الإنسانية في الإنسان، فهي تحكي لنا سيرة محمد الشاب الأمين المستقيم قبل أن يكرمه الله بالرسالة، كما تحكي لنا سيرة رسول الله الداعية إلى الله المتلمس أجدى الوسائل لقبول دعوته، الباذل منتهى طاقته وجهده في إبلاغ رسالته، كما تحكي لنا سيرته كرئيس دولة يضع لدولته أقوم النظم وأصحّها، ويحميها بيقظته وإخلاصه وصدقه بما يكفل لها النجاح. كما تحكي لنا سيرة الرسول الزوج والأب في حُنوّ العاطفة وحسن المعاملة والتمييز الواضح بين الحقوق والواجبات لكل من الزوج والزوجة والأولاد، كما تحكي لنا سيرة الرسول المربي المرشد الذي يشرف على تربية أصحابه تربية مثاليّة ينقل فيها من روحه إلى أرواحهم ومن نفسه إلى نفوسهم ما يجعلهم يحاولون الاقتداء به في دقيق الأمور وكبيرها، كما تحكي لنا سيرة الرسول الصديق الذي يقوم بواجبات الصحبة ويفي بالتزاماتها وآدابها، ممّا يجعل أصحابه يحبّونه كحبّهم لأنفسهم وأكثر من حبهم لأهليهم وأقربائهم، وسيرته تحكي لنا سيرة المحارب الشّجاع والقائد المنتصر والسياسي الناجح والجار الأمين والمعاهد الصادق. وقصارى القول أنّ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم شاملة لجميع النواحي الإنسانية في المجتمع ممّا يجعله القدوة الصالحة لكلّ داعية وكلّ قائد وكلّ أب وكلّ زوج وكلّ صديق وكلّ مربّ وكلّ سياسي وكلّ رئيس دولة وهكذا... ونحن لا نجد مثل هذا الشمول ولا قريباً منه فيما بقي لنا من سير الرسل السابقين ومؤسّسي الديانات والفلاسفة المتقدّمين والمتأخّرين. فموسى عليه السلام يمثّل زعيم الأمّة الذي أنقذ أمّته من العبودية ووضع لها من القواعد والمبادئ ما يصلح لها وحدها، ولكننا لا نجد في سيرته ما يجعله قدوة للمحاربين أو المربين أو السياسيين أو رؤساء الدول أو الآباء أو الأزواج مثلاً. وعيسى عليه السلام يمثّل الداعية الزاهد الذي غادر الدنيا وهو لا يملك مالاً ولا داراً ولا متاعاً، ولكنه في سيرته الموجودة بين أيدي المسيحيين لا يمثّل القائد المحارب ولا رئيس الدولة ولا الأب ولا الزوج، لأنه لم يتزوج، ولا المشرّع ولا غير ذلك ممّا تمثّله سيرة محمد صلى الله عليه وسلم. وقُل مثل ذلك في بوذا وأرسطو وأفلاطون ونابليون وغيرهم من عظماء التاريخ، فإنهم لا يصلحون للقدوة ـ إن صلحوا ـ إلا لناحية واحدة من نواحي الحياة برزوا فيها واشتهروا بها. والإنسان الوحيد في التاريخ الذي يصلح أن يكون قدوة لجميع الفئات وجميع ذوي المواهب وجميع الناس هو محمد صلى الله عليه وسلم. خامساً: أنّ سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وحدها تعطينا الدليل الذي لا ريب فيه على صدق رسالته ونبوّته. إنها سيرة إنسان كامل سار بدعوته من نصر إلى نصر، لا على طريق الخوارق والمعجزات، بل عن طريق طبيعي بحث، فلقد دعا فأُوِي، وبلّغ فأصبح له الأنصار، واضطر إلى الحرب فحارب، وكان حكيماً موفّقاً في قيادته. ومَن عَرف ما كان عليه العرب من عادات وعقائد وما قاموا به من شتى أنواع المقاومة حتى تدبير اغتياله، ومَن عَرف عدم التكافؤ بينه وبين محاربيه في كل معركة انتصر فيها، ومَن عَرف قصر المدّة التي استغرقتها رسالته حتى وفاته وهي ثلاث وعشرون سنة، أيقن أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله حقًّا وأنّ ما كان يمنحه الله من ثبات وقوّة وتأثير ونصر ليس إلَّا لأنّه نبيّ حقًّا، وما كان الله أن يؤيّد من يكذب عليه هذا التأييد الفريد في التاريخ، فسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تُثبت لنا صدق رسالته عن طريق عقلي بحت وما وقع له صلى الله عليه وسلم من المعجزات لم يكن الأساس الأوّل في إيمان العرب بدعوته. بل إنّا لا نجد له معجزات آمَن معها الكفار المعاندون على أن المعجزات المادية إنّما تكون حجّة على من شاهدها، ومن المؤكّد أنّ المسلمين الذين لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشاهدوا معجزاته إنّما آمنوا بصدق رسالته للأدلة العقلية القاطعة على صدق دعواه النبوّة. ومن هذه الأدلة العقلية القرآن الكريم، فإنّه معجزة عقلية تلزم كل عاقل منصف أن يؤمن بصدق محمد صلى الله عليه وسلم في دعوى الرسالة. وهذا يختلف تماماً عن سير الأنبياء السابقين المحفوظة لدى أتباعهم، فهي تدلّ على أنّ الناس إنّما آمنوا بهم لما رأوا على أيديهم من معجزات وخوارق دون أن يحكّموا عقولهم في مبادئ دعواتهم فتذعن لها. وأوضح مثال لذلك النبي عيسى عليه السلام، فإنّ الله حكى لنا في القرآن الكريم أنّه جعل الدعامة الأولى في إقناع اليهود بصدق رسالته أن يبرئ الأكمه والأبرص ويشفي المرضى ويحيي الموتى وينبّئهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم، كل ذلك بإذن الله جلّ شأنه. والأناجيل الحاضرة تروي لنا أنّ هذه المعجزات هي وحدها التي كانت سبباً في إيمان الجماهير دفعة واحدة به لا على أنّه رسول كما يحكي القرآن الكريم، بل على أنّه إله وابن إله – وحاشا لله من ذلك ـ. حتى ليصحّ لنا أن نطلق على المسيحية التي يؤمن بها أتباعها أنّها دين قام على المعجزات والخوراق لا على الإقناع العقلي. ومن هنا نرى هذه الميزة الواضحة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه ما آمن به أحد عن طريق مشاهدته ( المعجزة ) خارقة، بل عن اقتناع وجداني. وإذا كان الله قد أكرم رسوله بالمعجزات الخارقة، فما ذلك إلَّا إكراماً له صلى الله عليه وسلم وإفحاماً لمعانديه المكابرين. ومن تتبّع القرآن الكريم وجد أنّه اعتمد في الإقناع على المحاكمة العقلية والمشاهدة المحسوسة لعظيم صنع الله. والمعرفة التامّة بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من أميّة تجعل إتيانه بالقرآن الكريم دليلاً على صدق رسالته صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى في سورة العنكبوت: ( وَقَالُواْ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّنَ رَّبِّهِ قُلْ اِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمُ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُومِنُونَ ) العنكبوت الآية 50/51. ولما حاول كفار قريش في طلب المعجزات من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانت تفعل الأمم الماضية أمره الله أن يجيبهم بقوله: ( سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَّسُولاً ) الإسراء الآية 93. استمع إلى ذلك في قوله تعالى في سورة الإسراء: ( وَقَالُواْ لَنْ نُّوْمِنَ لَكَ حَتَّى تُفَجِّرْ لَنَا مِنَ الاَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّنَ نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَاتِيَ بِاللهِ وِالمَلَائِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُّومِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنْزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ) الإسراء 90/93. هكذا يقرّر القرآن بصراحة ووضوح أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم إنسان رسول من الله، وأنّه لا يعتمد في دعوى الرسالة على الخوارق والمعجزات وإنّما يخاطب العقول والقلوب. الدرس الثاني: بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم منذ دخوله المدينة يسعى إلى إنجاز المهام الملقاة على عاتقه في مطلع المرحلة الجديدة من الدعوة التي تستهدف إنشاء الدولة الإسلامية على أسس راسخة، وتهيئة كافّة الشروط والمتطلبات لتحقيق هذا الهدف. وكان بناء المسجد الخطوة الأولى على هذا الطريق، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وتشكيل جيش إسلامي مقاتل يمتلك القدرة على حماية الدولة الناشئة والمساعدة على تحقيق أهدافها، ثُمَّ أعقبه إصدار الوثيقة التي نظم فيها العلاقات بين المسلمين وغيرهم من القوى المتواجدة من عرب ويهود في المجتمع المدني، وهاك نصّ الوثيقة كاملة كما وردت في سيرة ابن هشام: نصّ الوثيقة: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمدٍ النبي صلى الله عليه وسلم ، بأنّ المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، إنّهم أمّة واحدة من دون الناس. المهاجرون من قريش على رِبعتهم ( حالهم، من وردوا المدينة ) يتعاقلون بينهم، ويفْدون عانيَهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو عَوْف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو الحرث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وينو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وإنّ المؤمنين لا يتركون مفرجاً ( المثقل بالديْن والعيال ) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء وعقل ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وإنّ المؤمنين المتّقين على من بغى منهم، وابتغى دسيعة ( كبيرة ) ظلم، أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين. وإنّ أيديهم عليه جميعاً ولو ولد أحدهم، ولا يَقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا يُنصر كافر على مؤمن، وإنّ الله واحد يجير عليهم أدناهم. وإنّ المؤمنين بعضهم مولى بعض، دون الناس. وإنّه من تبعنا من يهود فإنّ له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم، وإنّ سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلاّ على سواء وعدل بينهم. وإنّ كلّ غازية غزت معنا، تعقب بعضها بعضاً، وإنّ المؤمنين يبؤُ بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله، وإنّ المؤمنين المتّقين على أحسن هدى وأقومه، وإنّه لا يجير مشرك مالاً لقريش، ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن، وإنّه من اعتبط مؤمناً قتلاً على بيّنة فإنّه قَوَد به، إلاّ أن يرضى وليّ المقتول، وإنّ المؤمنين عليه كافّة، ولا يحلّ لهم إلاّ قيام عليه، وإنّه لا يحلّ لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ( مجرماً )، ولا يؤويه، وإنّه من نصره أو آواه فإنّ عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل. وأنّكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإنّ مردّه إلى الله عزّ وجلّ، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. وإنّ بني عوف أمّة مع المؤمنين، ليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلاّ من ظلم أو أثم فإنّه لا يُوتغ ( يهلك ) إلاّ نفسه، وأهل بيته. وإنّ ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني الحرث مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف. إلاّ من ظلم أو أثم فإنّه لا يوتغ إلاّ نفسه وأهل بيته. وإنّ جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم. وإنّ لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ البر دون الإثم. وإنّ موالي ثعلبة كأنفسهم. وإنّ بطانة يهود كأنفسهم. وإنّه لا يخرج منهم أحد إلَّا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنّه لا ينحجز على ثار جرح، وإنّه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته، وإلاّ من ظلم، وإنّ الله على أبرِّ هذا. وإنّ على اليهود نفقاته، وعلى المسلمين نفقاتهم، وإنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأنّ بينهم النصح والنصيحة، والبرّ دون الإثم، وإنّه لم يأثم امرؤ بحليفة، وإنّ النصر للمظلوم، وإنّ يهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. وإنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإنّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم، وإنّه لا تُجَار حرمة إلاّ بإذن أهلها، وإنّه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حديث أو اشتجار يخاف فساده، فإنّ مردّه إلى الله عزّ وجلّ وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنّ الله على من اتّقى ما في هذه الصحيفة وأبرّه، وأنّه لا تُجَار قريش ولا من نصرها. وإنّ بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنّهم يصالحونه ويلبسونه، وإنّهم إذا دعوا إلى مثل ذلك، فإنّه لهم على المؤمنين، إلَّا من حارب في الدّين. على كلّ أناس حصّتهم من جانبهم الذي قبلهم، وإنّ يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البرّ المحيين من أهل هذه الصحيفة، لا سكيب كاسب إلاّ على نفسه، وإنّ الله على اصدق ما في هذه الصحيفة وأبرّه، وإنّه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وإنّه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلاّ من ظلم أو أثم، وإنّ الله جار لمن برّ واتّقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. تنظيم الإسلام للمجتمع: نظم الرسول صلى الله عليه وسلم بموجب هذه الوثيقة العلاقات بين المجتمع المسلم الجديد نفسه، وبينه وبين الكتل البشرية التي تعايشت في المدينة وبخاصة اليهود. إنَّ نصوص الصحيفة، توافق القرآن الكريـم في المبادئ العامّة من حيث اعتبار المسلمين أمّة واحدة من دون النّاس، ومن حيث التراحم والتعاون بينهم، ومن حيث الاحتفاظ برابطة الولاء وما يترتب عليها من حقوق الموالاة، ثُمَّ من حيث مراعاة حقوق القرابة والصحبة والجوار، وكذلك في تحديد المسؤولية الشخصية والبُعد عن ثارات الجاهلية وحميّتها، وفي وجوب الخضوع للقانون وردّ الأمر إلى الدولة بأجهزتها للتصرّف بالأمور، وفي شؤون الحرب والسلم، وأنَّ حرب الأفراد وسلمهم إنَّما تدخل في الاختصاص العام، فلا تحدث فردياً، كذلك معاونة الدولة في إقرار النظام والأخذ على يد الظالـم وعدم نصرة المجرم أو إيوائه. إنَّ الصحيفة أعطت للجماعة الإسلامية صفة، فقرّرت أنَّهم أمّة واحدة من دون النّاس.. وبهذا التقرير ألغى النبيّ صلى الله عليه وسلم الحدود القبلية، أو على الأقل لـم يجعل لها وجوداً رسمياً بالنسبة للدولة، أو بلفظ آخر، ارتفع هو عن المستوى القبلي المحدّد، وبهذا أصبح الإسلام مِلْكاً لمن دخل فيه، فدخل بناءً على هذه القاعدة شعوبٌ كثيرة في الإسلام دون أن يضع الرسول أمامها عقبات تحول بينها وبين الاشتراك في حياة العالـم الإسلامي. الإسلام يدعو إلى التعايش السلمي: إنَّ إصدار الوثيقة يمثّل تطوراً كبيراً في مفاهيم الاجتماع السياسية، فهذه جماعة تقوم لأوّل مرّة في الجزيرة العربية على غير نظام القبيلة، وعلى غير أساس رابطة الدّم، حيث انصهرت طائفتا الأوس والخزرج في جماعة الأنصار، ثُمَّ انصهر الأنصار والمهاجرون في جماعة المسلمين، ثُمَّ ترابطت هذه الجماعة المسلمة مع اليهود الذين يشاركونهم الحياة في المدينة إلى أمد ولأوّل مرّة بحكم القانون، حيث تُردُّ الأمور إلى الدولة، ومن خلال تغيير شامل وتحوّل سريع، طوى الدستور صفحة اجتماعية طابعها القبلية، وفتح صفحة جديدة أكثر إيجابية وأقرب إلى التسامح والتعايش السلمي والترابط والتكافل والوحدة الفكرية. ويقول أحمد الجندي في كتابه " الإسلام وحركة التاريخ ": ( لقد أقرّت الصحيفة مفهوم الحرية الدينية بأوسع معانيه، وضربت عرض الحائط مبدأ التعصّب ومصادرة الآراء والمعتقدات، ولـم تكن المسألة مسألة تكتيك مرحلي ريثما يتسنّى للرسول صلى الله عليه وسلم تصفيّة أعدائه في الخارج لكي يبدأ تصفيّة أخرى إزاء أولئك الذين عاهدهم .. إنَّما صدر هذا الموقف السمح المنفتح عن اعتقاد كامل بأنَّ اليهود باعتبارهم أهل كتاب سيتجاوبون مع الدّعوة الجديدة وينهضون لإسنادها في لحظات الخطر والصراع ضدّ العدو الوثني المشترك ـ كما أكّدت بنود الصحيفة نفسها ـ أو أنَّهم ـ على أسوأ الاحتمالات ـ سيكفّون أيديهم عن إثارة المشاكل والعقبات ووضْع العراقيل في طريق الدعوة وهي تبني دولتها الجديدة وتصارع قوى الوثنية التي تتربّص على الحدود، لكن الذي حدث بعد قليل من إصدار الوثيقة، وطيلة سني العصر المدني، غيّر مجرى العلاقات بين المسلمين واليهود، وجمّد البنود المتعلّقة بهم، لا لشيء إلَّا لأنَّهم اختاروا النّقض على الوفاء، والخيانة على الالتزام، والانغلاق على مصالحهم القومية على الانفتاح على الأهداف العامّة الكبيرة للأديان السَّماوية جمعاء ). انتهى |
|||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
قرص المعين في العلوم الطبيعية للسنة 3 الثانوي بكل اجزائه | naruto_shippuden | ركن شعبة العلوم التجريبية | 0 | 2016-04-05 08:31 PM |
تحميل كتاب الوافي في مادة العلوم الاسلامية للسنة الثانية ثانوي | naruto_shippuden | ركن الثانية ثانوي | 1 | 2016-01-19 06:19 PM |
الاختبار الاول في مادة العلوم الطبيعية للسنة الأولى متوسط | naruto_shippuden | ركن السنة الآولى المتوسط | 0 | 2015-10-08 11:15 AM |
عشرون تمرين في مادة العلوم الاسلامية مع الحلول للسنة الثالثة ثانوي - بكالوريا 2015 | سيف الدين | قسم تحضير شهادة الباكالوريا BAC 2017 | 7 | 2014-12-03 04:35 PM |
كتاب الوافي في العلوم الإسلامية ملخص جميع الدروس سنة ثانية ثانوي | number47 | ركن الثانية ثانوي | 0 | 2014-10-25 11:35 PM |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |