القيم الفكرية والعقلية
قال الله تعالى:
( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ )
البقرة الآية 242.
الدرس الأول:
إنّ العقل هو أعظم النعم وأجل المنح، ولا ريب في أنّ صلاح العقل واستقامته في الإدراك والتفكير ووزنه الأشياء بميزان الحقيقة، وتحرّيه الإنصاف في أحكامه يترتّب عليه إصلاح الأعضاء كلّها، فلا تُصدر إلّا خيراً ولا تعمل إلا صلاحاً، ولا تقول إلا حسناً، لأنّه الحاكم عليها والرئيس بينها، وإذا صلح العقل صلحت الحياة، أمّا إذا فسد العقل واختلّ نظام التفكير فسدت الحياة فلا يصدر إلّا الشر.
نعمة العقل:
العقل هو تلك النعمة العظيمة والمنحة الربانية العجيبة التي منحها الله تعالى للإنسان وكرّمه بها وفضّله. وهي إحدى معجزات الخلق. ثم نمرّ بها غافلين أنّنا تعوّدناها! ولا نشكر الله الذي تفضّل بها علينا، إلّا حين يقع العقل على سرّ من أسرار الكون.. مع أنّ الشّكر يكون في كلّ وقت وحين، وعلى جميع النعم الصغيرة والكبيرة سواء!
اتّباع الأسلاف من غير إعمال العقل سبب الضلال:
لقد ذمّ الإسلام اتباع الأمم السالفة وحتى الأمم الحاضرة من غير إعمال العقل وهو ما يسمّى بالتقليد الأعمى ( والتقليد في عُرف اللغة هو مجموع العادات التي يرثها الآباء عن الأجداد أو التي تسري بمجرّد عامل الاحتكاك في بيئة من البيئات أو بلد من البلدان ) الذي لا دليل عليه يقوّيه، ولا برهان يعضّده، قال الله تعالى: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُم اِتَّبِعُواْ مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُم لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ ) البقرة الآية 170. هذه الآية تنعي على الذين اتّخذوا تقليد الآخرين منهجاً لهم في الحياة، وتنهى المسلمين عن اتّباع هذا السبيل.. سبيل تقليد الآخرين دون معرفة أو تقويم لميزان الحقّ والباطل في ذلك.
وقال الله تعالى: ( بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُهْتَدُونَ) الزخرف الآية 22.
والإسلام ذمّ هذا النوع من الاتّباع لأنّه يؤدّي إلى تلاشي الشخصية تماماً، ويتنافى مع الكرامة الإنسانية التي أعزّه الله بها، كما يتنافى مع حركة العقل الطبيعية. والله جلّ وعزّ إنما تعبّد عباده بهذا الدّين إعزازاً لهم وتكريماً لا إهانة وإذلالاً.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبّ وكره إلا أن يُؤمر بمعصية فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) رواه مسلم. وقال أيضاً: ( لا تكونوا إمّعة تقولون إن أحسن الناس أحسنّا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تُحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا ) رواه الترمذي.
وجوب إعمال العقل:
وبناء على الآيات التي سبق ذكرها فقد أجمع المسلمون على أنّه لا يجوز التقليد في مبادئ العقيدة، وأنّ من قال أنّني أومن بالله لأني أرى أهلي جميعاً يؤمنون به أو لأنّ البيئة تفرض عليَّ ذلك، فإنّ إيمانه ليس بالإيمان الصحيح الذي أراده الله تعالى.
فأحكام الله تعالى ليست من قبيل التعاليم التي تنتقل بالوراثة، وإنما هي مبادئ قائمة على أساس من المصالح الدنيوية والأخروية.
إنّ المتأمّل في آيات القرآن الكريم يلقاه حافلاً بالدعوة إلى إعمال العقل في كل أمر، قال الله تعالى:
( وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) الملك الآية 10.
( أُفٍ لَكُم وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) الأنبياء الآية 67.
ثمار إعمال العقل:
من خصائص العقل الإدراك الذي يتحقّق به الفهم والتصوّر، فإعمال العقل يقود إلى فهم الأمور فهماً كاملاً وتصوّرها تصوّراً صحيحاً، وذلك هو الذي يُعين على إدراك الأمور على حقيقتها فتُستخرج منها أسرارها وتُبنى عليها النتائج والأحكام الصحيحة.
وإذا استعمل الإنسان عقله يمنع غيره من السيطرة عليه، ممّن يصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، بل ويمنعه من الحيلولة بينه وبين الحياة العادية.
التي يُنشدها كلّ إنسان عرف إنسانيته في هذه الحياة الدنيا.
الدرس الثاني:
تعريف الشّريعة:
الشّريعة في اللغة: عُرِف لفظ الشّريعة عند العرب بمفهومه الذي أتى به القرآن الكريم، وتعني عندهم معنيين:
ـ تُطلق الشّريعة على شرعة الماء ومورده ومشربه.
ـ وتُطلق أيضاً على الطريقة المستقيمة التي لا اعوجاج فيها.
ومنه قوله تعالى: ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ) الجاثية 18
الشّريعة في الشرع: أما الشّريعة في مراد الفقهاء فتعني ما شرّعه الله تعالى لعباده من الأحكام. التي جاء بها نبيّ من الأنبياء، سواء ما تعلّق منها بالاعتقاد أو العمل. قال القرطبي: (أمّا الشّريعة تعني ما شرّعه الله لعباده من الدّين ).
الغاية من التشريع:
الغاية من الشّريعة الإسلامية إقامة العباد على منهج العبودية الصادقة لله، لإيجاد المجتمع الطاهر الذي تسوده القيَم الفاضلة، ويعمّ فيه المعروف، وتجتثّ منه المنكرات.
والمعروف هو الخير الذي يناسب فطرة الله التي فطر الناس عليها ، والمنكر هو الباطل الذي يصادم الفطرة.
قال الله تعالى: ( الْذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم فِي الأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) الحج الآية 41.
خصائص الشّريعة الإسلامية:
للشريعة الإسلامية خصائصها الخاصة التي تميّزت بها عن غيرها من الشرائع تمييزاً واضحاً بارزاً نذكر بعضها فيما يلي:
1) الربانية:
إن مصدر الإسلام، ومشرّع أحكامه ومناهجه، هو الله وحده، فهو وحيه الذي أوحاه إلى رسوله الكريم محمّد صلى الله عليه وسلم باللّفظ والمعنى ( القرآن الكريم ). وبالمعنى دون اللفظ ( السنّة المطهّرة ).
قال الله تعالى: ( تَنْزِيلُ الكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ ) السجدة الآية 2 وقال تعالى: ( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) النمل الآية 6.
وقال سبحانه عن السنّة النبويّة: ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم الآية 3/4.
ويترتّب على كون مصدر الشريعة من الله جلّ وعلا كماله وخلوّه من النقائص وأنّه يظفر بقدر كبير جدّاً من الهيبة والاحترام من قِبَل المؤمنين به.
2) الوسطية:
وهذه الخاصية تعني أنّ الإسلام في نظرته للأمور وعلاجه للمشكلات يقف موقفاً وسطاً لا إفراط فيه ولا تفريط.
وهذا شأن الإسلام في كل القضايا التي عادة ما تجنح فيها المذاهب وتتطرّق إلى هذه الجهة أو تلك .
أمثلة للوسطية :
ـ في عقيدة التوحيد نجد الوسطية الإسلامية بين المادية الإلحادية وبين الإيمان بتعدد الآلهة.
ـ والإسلام في نظرته إلى الرسل يقف موقفاً وسطاً بين الذين قدّسوهم وعبدوهم من دون الله وبين الذين كذبوهم أو قتلوهم. فالرسل في نظر الإسلام هم صفوة الخلق وخيرتهم والأمناء فيما بلغوا عن الله ولكنهم بشر تسري عليهم كل خصائص البشر وأعراضهم، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُم أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً ) الرعد الآية 38.
ـ وتتجلى وسطيّة الشريعة في نظرتها إلى الإنسان حيث جمعت بين تكريم الإنسان واستخلافه في الكون وبين عبوديته لله فهي تحترم الإنسان وتعلن تفضيله على سائر المخلوقات، وتؤكّد دوره الإيجابي في الوجود، ولكنها لا تؤلهه ولا نجد تناقضاً بين تكريمه وعبوديته لله سبحانه وتعالى والتي هي مصدر عزّه وعلوّ مكانته قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُم فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مَمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) الإسراء الآية 70 .
ـ وفي نظرة الإسلام إلى المعرفة تتجلى الوسيطة التي تقيم المعرفة على دعامتين الوحي المقروء والكون المنظور ، والتي تجمع بين الوحي والعقل فهي تفهم الوحي بواسطة العقل وتضبط العقل بالوحي وتربط نتائج هذه المعرفة المزدوجة وتطبقها بروح الوجدان .
ـ وفي نظرة الإسلام إلى العلاقة بين الفرد والمجتمع يقف وسطاً بين إعطاء الفرد الحريّة المطلقة وإن أضرّ بالجماعة وبين إهدار قيمته لحساب المجموع، فالإسلام يحفظ حقوق الفرد ويصون حريّته ويلزمه بممارسة تلك الحقوق والحريّات ضمن إطار مصلحة الجماعة.
وهكذا يتوسّط الإسلام في كل نُظمه وتشريعاته بين طرفي الإفراط والتفريط بحيث لا يطغى عنصر على حساب عنصر وبحيث تتجمّع كل العناصر النافعة من كل طرف من الأطراف لتؤلّف كلًّا جامعاً يحقّق الخير ويرتقي بالحياة.
قال تعالى : ( ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف الآية 40.
3) العالمية:
إن الجماعة الإنسانية على وجه الأرض تعود إلى أصل واحد على الرغم من اختلاف الألوان والأشكال والأجناس، ولا يحفظ البشر وحدتهم إلَّا إذا أقاموا الهدف الذي خُلقوا من أجله وهو عبادة الله وحده، وتحقيق ذلك يكون باتّباع الدِّين الذي أنزله الله لعباده، والتحاكم إلى الشريعة التي أرادها أن تكون قانوناً عالمياً للناس جميعاً، ألَا وهي شريعة الإسلام.
فالشّريعة الإسلامية هي الرسالة العامّة التي تخاطب جميع الأمم، وجميع الأجناس، وجميع الطبقات، قال الله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) الأنبياء الآية 107. وقال عزّ وجلّ: ( قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم جَمِيعاً ) الأعراف الآية 158. وقال سبحانه: ( تَبَارَكَ الْذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) الفرقان الآية 1.
والاعتقاد بعالمية الشريعة الإسلامية يفرض على المسلم أن يبلّغ هذه الرسالة إلى جميع الناس دون استثناء.
4) اليسر ورفع الحرج:
من تكريم الإسلام للإنسان أن اعترف به كلّه كما فطره الله سبحانه: جسماً وروحاً وعقلاً وقلباً وإرادةً ووجداناً، لهذا أمره بالسعي في الأرض، وأمره بعبادته وحده، وأمره بالنظر والتفكير في ما خلق الله، وكل هذه التكاليف لا تتجاوز طاقة الإنسان، قال الله تعالى: ( لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة الآية 286. ونفى القرآن الكريم كلّ حرج عن هذه الشّريعة السَّمْحَة فقال تعالى: ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ) البقرة الآية 185.
واليسر ورفع الحرج نتيجة منطقية لعموم الإسلام وشمول شريعته، قال
الله تعالى: ( هُوَاِجْتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج الآية 78.
ونلاحظ يسر الإسلام في جميع أحكامه، فقد رخّص الإسلام الرّخص الكثيرة عند وجود أسبابها، وقد جاء في الحديث الشريف: ( إن الله يحبّ أن تُؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيّته ) رواه أحمد.
والإيمان بيُسر الشّريعة الإسلامية يجعل المسلم لا يحمّل نفسه ما لا تطيق من الأحكام، ويختار لنفسه الطريق اليسير إن لم يكن في ذلك معصية.
الدرس الثالث:
للشريعة الإسلامية مصدرٌ واحد هو القرآن الكريم، أمّا السنّة فهي مصدر مبيّن للقرآن تدور معه حيث يدور. وكلاهما محفوظ، فأمّا القرآن فقد تكفّل الله عزّ وجلّ بحفظه بكامل حروفه، ولم يكل ذلك لأحد من الناس، قال تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر الآية 9.
هذا الكتاب الكريم هو المصدر الوحيد للهداية بكل أنواعها ولجميع البشرية في كلّ ظروفها وأزمنتها، لا يضيق عن شعب أو قوم، ولا يعجز عن استيعاب حضارة، باق على هذه الأرض دون زوال. وذلك بما اشتمل عليه من مؤشّرات الهداية، وبما تضمّنه من الكليّات والمقاصد والغايات التي تستوعب ظروف الحياة مهما تنوّعت واختلفت.
ويلازم القرآن ملازمة تامّة السنّة النبويّة المطهّرة. وملازمتها للقرآن هي أوضح ما تكون في قوله تعالى: ( الْذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيءَ الأُمِّيَّ الْذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُم فِي التَوْراَةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمُ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ التِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالْذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الْذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) الأعراف 157.
فهذه هي الصورة الحقيقية للمصادر التي تعدّ المرجعية النهائية للبشرية إلى يوم القيامة من دون الحاجة إلى أيّة مرجعية أخرى، قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنه في قوله: ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسّكتم بهما: كتاب الله وسنّتي ) رواه مالك.
1 / القرآن الكريم:
القرآن في اللغة: اسم المكتوب بالنسبة للكتاب، والقرآن مصدر بمعنى القراءة، قال الله تعالى في سورة القيامة الآية 18: ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) أي قراءته.
القرآن في الشرع: هو كلام الله المعجِزُ المنزّلُ على خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل الأمين عليه السلام ، المتعبّد بتلاوته، المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا بالتواتر،المبدوء بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس.
خصائص القرآن الكريم:
للقرآن الكريم خصائص يمتاز بها عن غيره من الكتب منها:
ـ ألفاظ القرآن ومعانيه من عند الله تعالى وحده، وما الرسول محمّد صلى الله عليه وسلم إلا مبلّغ فقط، قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَاتِهِ ) المائدة الآية 67.
ـ القرآن نُقل إلينا بطريق التواتر، فما نقل إلينا عن غير هذا الطريق كالقراءات الشاذّة، لا يعدّ قرآناً، فلا تصحّ الصلاة به ولا يتعبّد بتلاوته. والتواتر هو الطريق الوحيد الذي حفظ به القرآن من التحريف، قال الله تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر الآية 9.
ـ القرآن العظيم معجِز، لا يستطيع أحد من المخلوقات جميعاً أن يأتي بمثله ولو كان بعضهم لبعض معيناً، قال تعالى: ( قُلْ لَئِنْ اِجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) الإسراء 88
حجّيّة القرآن الكريم:
القرآن حجّة ولا خلاف في ذلك لأنّه كتاب الله رب العالمين الذي يلزم على كلّ مكلّف الإذعان له واتّباع ما جاء فيه، والدليل على ذلك، قول الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الْذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ..) النساء 57. وقال سبحانه: ( وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرُسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) الأنفال الآية 47.
نزول القرآن وتنزيله:
ذهب العلماء إلى أنّ هناك فرق بين " الإنزال " وبين " التنزيل " إذ أن الإنزال دفعي، والتنزيل تدريجي.
وحين يتّضح الفرق بين الإنزال وبين التنزيل، يُزال التعارض بين كثير من الآيات، ويكون معنى قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ ) القدر الآية 1. وقوله تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الْذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ.. ) البقرة الآية 185. هو النزول الدفعي للقرآن أو الإجمالي. ومعنى قوله تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ تَنْزِيلاً ) الإنسان الآية 23. وقوله تعالى: ( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ) الإسراء الآية 106.
فالقرآن الكريم إذاً نزل على دفعتين هما:
1) أنّ الله أنزل جميع القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا.
2) ثم تنزّل القرآن من السماء الدنيا على قلب النبي محمّد صلى الله عليه وسلم منجّماً في أوقات مختلفة، خلال ما يقرب من ثلاث وعشرين سنة.
تدوين القرآن الكريم:
1) لقد تمّ تدوين القرآن الكريم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكان كلّما نزل الوحي بالآيات أسرع الرسول صلى الله عليه وسلم لحفظه في ذاكرته فقال الله تعالى له: ( لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) القيامة الآية 16/17. ثمّ سجّلتها فوراً أيدي أمناء الوحي، روى قتادة، قال: ( سألت أنس بن مالك: مَن جمع القرآن على عهد النبي ؟ قال: أربعة كلّهم من الأنصار: أُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد ) رواه البخاري.
إلا أنّ جمع القرآن في مصحف مرتّب الآيات والسور لم يتم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأسباب منها:
ـ تنزيل القرآن منجّماً، فكانت آيات سورة تتنزّل ثم تنقطع لتنزل آيات سورة أخرى، ولا شكّ أنّ حالة كهذه يتعذّر معها جمع القرآن مباشرة عند نزوله.
ـ لم يعش الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن ختم الوحي فترة مناسبة ليقوم هو بترتيب وجمع القرآن في مصحف واحد. فإنّه قُبض في السَّنة التي نزلت فيها آخر آية من القرآن.
2) تمّ في عهد الخليفة أبي بكر رضي الله عنه جمع القرآن الكريم في مصحف واحد، ممّا ظفر هذا المصحف بإجماع الأمّة عليه وتواتر ما فيهن وهذا الجمع يسمّى بالجمع الثاني.
3) جمع القرآن في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه: ظلّ المسلمون يقرؤون القرآن بقراءات شتّى لاختلاف ألسنتهم، فكان الاختلاف في الحركات الإعرابية مثلاً مثاراً للخلاف بينهم، الأمر الذي دعا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن يسرع إلى الخليفة عثمان رضي الله عنه قائلاً له: أدرك هذه الأمّة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
فأرسل إلى حفصة رضي الله عنها أن أرسلي الصحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردّها إليك، فأرسلت بها إليه، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام رضي الله عنهم، فنسخوها في المصاحف. قال عثمان رضي الله عنه للرّهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم..فأرسل في كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا..
المكّي والمدني:
إنّ معرفة المكي والمدني من القرآن من أهمّ ما يستند إليه الباحث في معرفة أسلوب الدعوة، وألوان الخطاب، والتدرّج في الأحكام والتكاليف.
وفي هذا الضوء استعمل العلماء اصطلاح المكّي على قسم من القرآن الكريم، والمدني على قسم آخر منه. وأساس التفريق بين المكي من القرآن والمدني منه هو الهجرة النبوية، ويُسَمّى بالأساس الزماني:
ـ القرآن المكّي: هو ما نزل قبل الهجرة النبوية، وإن كان بغير مكّة المكرّمة.
ـ القرآن المدني: هو ما نزل بعد الهجرة النبوية وإن كان بغير المدينة المنوّرة.
2 / السنّة النبويّة:
السنّة لغة: هي الطريقة التي يسلكها الإنسان في حياته حسنة كانت أو سيئة، قال صلى الله عليه وسلم: ( من سنّ سُنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) رواه مسلم.
السنّة شرعاً: هي كلّ ما نقل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف.
حجيّة السنّة النبويّة:
كل ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من أحكام وتشريعات وتعاليم وغيرها فهو حجّة، والدليل على ذلك: قوله تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُواْ ) الحشر الآية 7. وقوله تعالى: ( يَأَيُّهَا الْذِينَ أَمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ .. ) النساء الآية59.
أقسام السنّة النبويّة:
تنقسم السنّة إلى ثلاثة أقسام وهي:
1) السنة باعتبار تعريفها: وتتنوّع بهذا الاعتبار إلى أربعة أنواع:
ـ السنّة القولية: وهي كلّ ما كان يتحدّث به النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه.
ـ السنّة الفعلية: وهي كلّ ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ويقوم به من أفعال.
ـ السنّة التقريرية: وهي كلّ ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أو سمعه فوافق عليه وأقرّه، مثل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل على الاجتهاد لمّا أرسله إلى اليمن.
ـ السنّة الوصفية: وهي تتعلّق بأحواله صلى الله عليه وسلم ، كيف كان يأكل ويشرب وينام ويجلس...
2) باعتبار تعدّد الرواة: وتتنوّع بهذا الاعتبار إلى نوعين:
ـ الحديث المتواتر: وهو ما رواه جمع عن جمع يستحيل اتفاقهم على الكذب، وهذا الجمع غير محصور في عدد، ولكن لا يجوز أن يكونوا أقلّ من أربعة أشخاص. مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: ( من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار ).
ـ الحديث الآحاد: وهو ما عدا المتواتر، وأقسامه ثلاثة وهي:
* المشهور: وهو الحديث الذي رواه فرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم تواتر بعد ذلك واشتهر. مثال: قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى الجمعة فليغتسل ).
* العزيز: وهو الحديث الذي رواه ثلاثة رواة عن اثنين، وسمّي عزيزاً لأنّه عزّز بالثالث. مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ).
* الغريب: وهو الذي تفرّد بروايته شخص واحد فقط، في أيّ موضع من السند. مثال: ما رواه أنس بن مالك: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أوْلَمَ على صفيّة بسَوِيق وتمر ).
3) باعتبار القبول والردّ: يتنوّع إلى ثلاثة أنواع:
ـ الحديث الصحيح: وهو ما رواه العدل الضابط عن مثله وكان متّصل السّند وسلِم من الشّذوذ والعلّة. مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..)
ـ الحديث الحسن: وهو ما اتّصل سنده بنقل العدل خفيف الضبط وسلِم من الشّذوذ والعلّة. مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: ( لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتها بالسواك عند كلّ صلاة ).
ـ الحديث الضعيف: وهو ما لم تتوفّر فيه شروط الحديث الصحيح والحديث الحسن. مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: ( الجنّة تحت أقدام الأمّهات ).
منزلة السنّة النبويّة:
تحتلّ السنّة النبويّة المنزلة الثانية في التشريع بعد القرآن الكريم. حيث لم يكن للمسلمين مصدر للتشريع سوى القرآن والسنّة النبويّة، ففي كتاب الله الأصول العامّة للأحكام الشرعية، وجاءت السنّة النبويّة موافقة للقرآن، تفسّر مجمله، وتوضّح مبهمه، وتشرح أحكامه وأهدافه، قال الله تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل الآية44.
فالسنّة بمنزلة القرآن من حيث أنها وحي، ومن حيث أنّها مصدر تشريعي يجب العمل بما فيها، وهي تلي القرآن في المرتبة من حيث الاعتبار لأنها مبيّنة له.
الأحكام التي جاء بها القرآن والسنّة النّبويّة:
جاء القرآن والسنّة النبويّة بثلاثة أنواع من الأحكام:
1) الأحكام الاعتقادية: وهي التي تتعلّق بما يجب على المكلّف اعتقاده والإيمان به، كالإيمان بالله وصفاته، وملائكته، واليوم الآخر...
2) الأحكام الخلقية: وهي التي تتّصل بالفضائل التي يجب على المكلّفين أن ينطووا تحت أعلامها ويستظلّوا برايتها، وتتّصل بالرّذائل التي لا بد من تجنّبها.
3) الأحكام العمليّة: وهي التي تتّصل بما يصدر عن المكلّفين من قول أو فعل أو أي تصرّف من التصرّفات، وهذا النوع من الأحكام يتنوّع إلى نوعين:
ـ أحكام تعبّدية: وهي التي تنظّم علاقة الإنسان بربّه.
ـ أحكام تتعلّق بالمعاملات: وهي التي تنظّم علاقة الفرد مع أخيه، وعلاقة الفرد بالمجتمع، وعلاقة الأمّة بالأمم.
الأحكام التي أبطلها القرآن والسنّة النبويّة:
أبطل القرآن والسنّة جملة من الأحكام كانت منتشرة بين الناس منها:
ـ ما يتعلّق بالعقيدة: كالادعاء أنّ لله ولد أو زوجة سبحانه...
ـ ما يتعلّق بالعبادة: كعبادة الأصنام، والذبح لغير الله..
ـ ما يتعلّق بالأخلاق: كالتكبّر والتفاخر بالأنساب والرياء...
ـ ما يتعلّق بالمعاملات: كالربا والميسر والخمر ووأد البنات والثأر...
الدرس الرابع:
تعريف العلم:
هو إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع، سواء كان ذلك الشيء من المحسوسات أو المغيبات.
وجوب طلب العلم:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ) رواه ابن ماجه.
العلم هو تلك الطاقّة الهائلة التي يمدّ بها الإنسان حياته، ويوسّع كيانه. وهو تلك النافذة الضخمة المفتوحة على المجهول، وهو ذلك الشعاع النافذ في الظلمات.
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال عن العلم: ( الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدّث في الخلوة والدليل على السرّاء والضرّاء والسلاح على الأعداء.. وبه يُعرف الحلال والحرام وهو إمام العمل والعمل تابعه ..) رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه.
ألَا يكون هذا العلم واجب يؤدّيه الإنسان إلى الله ويعبّد به إليه، فمن ثم فهو يؤدّيه بأمانة، ويؤدّيه بإخلاص.
منزلة العلماء في الإسلام:
العلماء هم مصابيح الهداية، ورسل الرشاد، وأمناء الله في خلقه، يهدون الضّال، ويأخذون بيد المسترشد إلى حيث السداد والصواب، آتاهم الله من بسطة الفهم، وسعة العقل، ونفاذ البصيرة ما يكون عصمة لهم من الزلل في الرأي، وعوناً لاستكشاف الحقائق وغوامض العلوم، فصدورهم أوعية المعارف، وعقولهم خزائن الحِكم، يفيض منها على الناس ينبوع لا ينضب، ومعين لا يغيض. وعلى قدر كثرتهم في الأمّة واسترشاد الناس بهم يكون رقيّها وعزّها.
فمكانة العلماء عند الله عظيمة وعند الناس رفيعة، قال الله تعالى: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْذِينَ يَعْلَمُونَ وَالْذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) الزمر الآية 9. وقال عزّ وجلّ: ( يَرْفَعِ اللهُ الْذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَالْذِينَ أُوتُواْ العِلْمَ دَرَجَاتٍ ) المجادلة الآية 11.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في جوف البحر ليصلّون على معلم الناس الخير ) رواه الترمذي. وقال عليه الصلاة والسلام: ( فَضْل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رجلاً ) رواه الترمذي. وقال : ( من سلك طريقاً اِلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنّة ) رواه مسلم.
أخلاقيات العلم:
وهيأن يثمر العلم نتائج مهمّة للجنس البشري:
ـ توثيق صلة الإنسان بالوجود للمزيد بالعرفان.
ـ التحكم في قوى الكون والإفادة من ذخائره المكنونة.
ـ الإسهام في تحسينورفع مستوى نوعية الحياة الإنسانية والحضارة.
الدرس الخامس:
أقسام العلوم:
تنقسم العلوم إلى قسمين: علم الدّين وعلم البدن.
ـ علم الدّين: هذا النوع من العلوم كلّه محمود، وهو العلم الذي يتعلّق بالقرآن والسنّة النبويّة، مثل التفسير والحديث والعقيدة والفقه وأصول الفقه والسيرة النبوية وغيرها..
ـ علم البدن: ينقسم إلى ما هو محمود وما هو مذموم.
* فالعلم المحمود هو ما ترتبط به مصالح أمور الدنيا، كالطب والحساب والفلك وغيرها..
* والعلم المذموم هو ما لا فائدة فيه في دين ولا دنيا، إذ فيه ضرر يغلب نفعه، كعلم السحر والطلمسات وغيرها..
إسهامات المسلمين في شتّى العلوم:
في علم الرياضيات :
تكوّن الرياضيات جملة من العلوم أهمّها الحساب والجبر والهندسة والمثلثات التي يشاركها فيها علم الفلك. وقد كانت للعرب قبل الإسلام مبادئ في العدّ لكن الحساب لم يصبح علماً إلا بعد الإسلام.
فإن من أهم العلماء الرياضيين المسلمين الذين أثّروا في الثقافة الإنسانية تأثيراً عميقاً هو أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي ( توفي بعد 232 هـ / 846 م ) الذي كان كتاباه " الجبر والمقابلة " و " الجمع والتفريق " وقد ترجما إلى اللاتينية في وقت مبكّر. وهو بذلك يستحق أن يتصدّر القول في مظاهر ريادة الحضارة الإسلامية في علم الرياضيات.
ـ في علم الجبر: كتاب " الجبر والمقابلة " للخوارزمي في ثلاثة أقسام:
1 ـ في النظام العشري، والمعادلات التي قدّمها الخوارزمي، وعددها ست، قد حلّها هندسياً، وضروب العمليات الحسابية الأساسية وهي الضرب والجمع والطرح أو النقصان والقسمة، ثم المعاملات وقد اهتم فيه الخوارزمي بمسائل الجبر النظري.
2 ـ في المسـاحة، ويحتوي هذا القسم على ضروب المساحـات كمساحة المثلث والمعين والدائرة وحجم الهرم الثلاثي والهرم الرباعي والمخروط. وقد ذكر الخوارزمي أنواع المربعات والمثلثات وحدّد طريقة الحصول على مساحة كل منها.
3 ـ في الوصايـا وقد أُدخل في باب المواريث أي الفرائض الشرعية. وهذا القسم يعطي الكتاب بُعداً اجتماعياً لأنّه يصل العلم بالمصلحة العامّة. فإنّ أثر " المعاملات " في الكتاب ظاهر لكن الخوارزمي قد وجّه اهتمامه إلى
مسائل الجبر النظرية باعتباره علماً قائماً على المعادلات.
وقد كانت لهذا الكتاب آثار في تطوير الرياضيات العالميّة، وخاصّة من حيث:
(1) إدخال الأعداد العربية إلى الغرب الأوروبي قد عوّض استعمال الحروف الرومانية في الحساب .
(2) استعمال الصفر مع الأرقام العربية والاقتصار بذلك على عشرة رموز لتمثيل جميع الأعداد .
(3) تبسيط استعمال الحساب في معالجة المجاميع المعقّدة المجرّدة.
(4) إدخال علم كامل في الدرس الرياضي الأوروبي ( ثم العالمي ) هو علم الجبر الذي عٌرف بالاسم الذي أعطاه الخوارزمي له، في مختلف لغات العالم.
وقد توسّع العلماء المسلمون بعد الخوارزمي في علم الجبر وأضافوا إليه إضافات كانت لها أهميتها هي أيضاً في التقدّم بالعلم وتطوير مباحثه.
في علم الفلك :
يشتمل علم الفلك على جملة من المباحث تكوّن مادّته العلمية أهمّها أحكام النجوم، والأرصاد، والمثلثات التي تشاركه فيها الرياضيات. وقد كانت للعرب قبل الإسلام " ثقافة نجومية " يظهرها ما يُعرف عندهم بالأنواء، لكنها ثقافة مستمدة من التجربة الجماعية المتوارثة، ثم عرفوا الفلك بعد الإسلام علماً له مبادئه وقوانينه. بعد أن ترجموا إلى العربية بعض كتب الهند واليونانيين. إلَّا أنّ العلماء المسلمين كان لهم استقلالهم الفكري وآراؤهم التي تحصّلت لهم من تعميق النظر بحسب ما استقر في ممارستهم للعلم من منهج مبني على الشك المنهجي، وهو منهج لا يقرّ بالتبعية، وقد ظهر أثر ذلك الاستقلال في أعمال الفلكيين المسلمين، وخاصّة فيما تحقّق لهم في بحثهم من نتائج لم تأت بها كتب السابقين. ونريد أن نشير فيما يلي إلى بعض من تلك النتائج التي تُمثّل بعضاً من إسهام المسلمين في تطوير العلم.
1 ـ المثـال الأوّل مشهور، يرجع إلى النصف الأول من القرن الثالث الهجري، في أيام الخليفة المأمون، وهو ما يُعرف بقياس محيط الأرض. فقد ذكر " نلينو " نصاً مطولاً منقولاً من كتاب " الزيج الكبير الحاكمي" لابن يونس المصري ( توفي سنة 399 هـ/ 1009 م ) حول ما قامت به جماعة من الفلكيين من الرصد بأمر من المأمون لقياس قوس من دائرة نصف النهار، وقد تكوّن فريقان وذهب كل فريق إلى مكان ليستقلّ برصده عن الآخر. فقاس الفريقان مقدار درجة من أعظم دائرة تمرّ بسطح الأرض فوجدا قياساً واحداً متفقاً وهو سبعة وخمسون ميلاً. وقد درس" نلينو "الميل العربي وقدّر قياسه وانتهى إلى أنّ طول الدرجة عند فلكيي المأمون 111815 متراً وطول جميع محيط الأرض 41248 كيلو مترا، وهو قدر قريب من الحقيقة دال على ما كان للعرب من الباع الطويل في الأرصاد وأعمال المساحة.
2 ـ قانون جابر بن أفلح ( توفي حوالي سنة 545 هـ / 1150 م ). فقد ألّف هذا الفلكي الأندلسي كتاباً في علم الهيئة انتقد فيه "بطلميوس" وأدخل فيه جزءاً خاصاً بالمثلثات وجعل قاعدة " الأقدار الأربعة " في الحساب الخاص بالمثلثات الكروية أساساً لاستخلاص قوانينه، وقد وضع قانوناً جديداً لم يسبقه إليه أحد وعُرف هذا القانون في أوروبا باسم قانون جابر، وهو:
جتا ب = جتا ب. حا أ، أي : Cos A = Cos a Sinus B
3 ـ وقد كانت للعرب أعمال جيّدة تشبه التي ذكرنا، سواء في الأرصاد أو في تقدير الأوقات ووصف حركات الكواكب، وفيما قيل عنهم كثير من الصدق لأنّ أعمالهم الفلكية لا تقوم على التقليد بل على الملاحظة والقوانين الرياضية الدقيقة. وقد استطاعوا لذلك مثلاً أن يعرفوا أصول الرسم على سطح الكرة وأن يضبطوا حركة أوج الشمس وأن يدقّقوا حساب السنة الشمسية، وقد استطاع " البتاني " أن يضبطها ضبطاً محكماً وبيّن أنها 365 يوماً وخمس ساعات و46 دقيقة و24 ثانية، وقد أخطأ بدقيقتين و 22 ثانية.
في علم الطب :
قد غلب على الأطباء العرب تقسيم الطب إلى كليات وجزئيات، وإلى قسم نظري وقسم عملي. فذلك ما نجده عند أبي الوليد ابن رشد ( توفي سنة 595 هـ / 1198 م ) مثلاً في كتاب " الكليّات في الطب ". وتشتمل الكليّات الطبيّة على معرفة الأركان والأمزجة والأخلاط والأعضاء وتشريحها، وأسباب الأمراض وعلاماتها. وتشتمل الجزئيات الطبيّة على الأمراض الجزئية سواء ما اختص منها بعضو أو ما لم يختص بعضو، ثم على المعالجات، وقد اختلف في أمر الأدوية: فهي عند ابن سينا مثلاً إما مندرجة في الطب النظري إذا كانت مفردة. فهي إذن من الكليات. وإمّا مندرجة في الطب العملي إذا كانت مركبّة، فهي إذن من الجزئيات، وهي عند ابن رشد مثلاً من " الآلات التي تحصل بها الغايات " فهي الوسائل التي تحفظ بها الصحة ويُزال المرض، ولا فرق بين الأدوية المفردة والأدوية المركّبة في انتمائها إلى " الكليات الطبية ".
وقد أخذ الأطباء العرب مجمل آرائهم في القسمين الكلي والجزئي أو النظري والعملي من الطب الإبقراطي والجالينوسي، مع تفاوت في اعتماد المصدرين. لكن من الظلم لهم أن نقول إنهم قد انحصروا في النموذجين الطبيّين الذين ذكرنا وأنهم كانوا يكتفون بالنقل عن الأصول. فإن المبادئ العامّة والأسس النظرية كانت يونانية، لكن تناوُل العلم بالممارسة والتطبيق قد أدى إلى إخراجه من العلم القياسي النظري القائم على الاستدلال والبرهنة العقلية إلى العلم التجريبي القائم على المشاهدة والملاحظة العلمية. وهذا الانتقال هو الذي مكّن بعض الأطباء من الخروج عن النموذج الجالينوسي الخالص والإسهام بتصورات جديدة في تطور العلم. ونريد أن
نخصّ من المجالات التي برزت فيها ثلاثة:
أ ـ في الجراحة:
لم تكن الجراحة ـ عامّة ـ من المباحث الأساسية في الطب الجالينوسي على ما أقرّه الاسكندرانيون على الأقل، فهي من الطب العملي، بل هي في الطب العملي من باب " أعمال اليد " الذي كان يعدّ من " أعمال الخدام للطبيب "، ولذلك قلّ الاهتمام بمسائل الجراحة في المؤلفات الطبيّة العامّة إذ كاد الذين عنوا بأعمال اليد لا يخرجون عن جبر الكسور والفصد والحجامة والكي والبط. ولا شكّ أنّ أوّل من عنى بها عناية حقيقية هو أبو القاسم الزهراوي.
فقد خص الزهراوي الجراحة بمقالة تامّة مستقلة هي المقالة الثلاثون من كتابه " التصريف لمن عجز عن التأليف ".
والمقالة في ثلاثة أبواب وكل باب في جملة من الفصول. والباب الأول في الكي والثاني في الجراحة والثالث في الجبر والخلع.
ب ـ في التشريح:
وقد كان التشريح معدوداً من الكليات لأنّ موضوعه الأساسي هو معرفة الأعضاء المكوّنة للبدن. وقد اعتمد فيه المسلمون اعتماداً كبيراً على القدامى وخاصة على جالينوس. ولم يسمح لجالينوس مذهبه القياسي أن يتفطن إلى كل العناصر المكوّنة للبدن والتي يظهرها علم التشريح. ثم إنّ التشريح في العرف الإسلامي قد ارتبط بالتحريم فكان الأطباء يظهرون الابتعاد عنه إمّا بصدق وإمّا تُقية. ومن أشهر الأطبّاء الذين أظهروا التقية في تناولهم التشريح ابن النفيس، ولو لا ممارسته التشريح لما استطاع أن ينتقد أخطاء السابقين. وخاصة جالينوس وابن سينا. وأن يخالفهم ويأتي بالجديد. وقد نتج عن هذا النقد اكتشاف ابن النفيس الدورة الدموية الصغرى أو الرئوية وقد كان اكتشافه هذا موضع تنويه كبير.
ج ـ في تشخيص المرض:
والتشخيص قد برع فيه أطباء مسلمون كثيرون براعة كبيرة، وهم يسمونه " تقدمة المعرفة " ولهم في ذلك وسائل من أهمّها "النظر في ماء المريض " أي في بوله. ولكن هناك حالات أخرى دالّة على فطنة الطبيب وقوّة ملاحظته وقوّة خبرته بمعرفة الأمراض وأعراضها وأسبابها، ولذلك كله دور حاسم في معرفة سبل العلاج وشفاء المريض. وخاصة في عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة كثير من حالات التشخيص التي سماها " نوادر". فإنّ الغالب على مؤلفاتهم الاكتفاء إمّا بذكر ما اعتقدوه حقاً ممّا نقلوه من الطب وقاموا بتجربته، وإمّا بذكر خلاصات تجاربهم دون أن يحفلوا بذكر الجزئيات والتفاصيل، رغم ما لها من أهميّة، ولعلّ إغفالهم ذلك راجع إلى ملازمة التواضع وكراهة الحديث عن النفس.
ومن المؤلفات النادرة التي اشتملت على نماذج من تجارب مؤلفيها كتاب "التيسير في المداواة والتدبير" لأبي مروان عبد الملك ابن زهر ( توفي سنة 557 هـ / 1162م ). وقد كان أمره فيما يبدو مشهوراّ في الأندلس، فقد ذكر ابن أبي أصيبعة أنّه لم يكن في زمانه من يماثله في مزاولة أعمال صناعة الطب وله حكايات كثيرة في معرفة الأمراض ومداواتها ممّا لم يسبقه أحد من الأطباء إلى مثل ذلك.
تلك أمثلة من إسهامات العقل العربي الإسلامي. وهي أمثلة محدودة في النوع وفي العدد ولكنّها تعدّ نماذج دالة على مظاهر عامّة من جملة مظاهر أخرى قد اختصّ بها بعض عن بعض من العلماء. فإنّ الإضافات في تاريخ العلوم عند المسلمين لم تكن نابعة من اتجاه فكري ما أو مدرسة من المدارس، بل هي في الغالب نتاج أفراد قد أكسبتهم الخبرة ما لم يكتسبه غيرهم في المجال الذي أضافوا فيه.
.
.
.
.
.
.
القيم الإعلاميّة والتواصليّة
قال الله تعالى:
( يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
الحجرات الآية 13.
الدرس الأول:
التعارف:
تعارف الجمعُ إذا عَرف بعضهم بعضاً. والتعارف يؤدّي إلى التعاطف والتآلف.
وضدّه التنافر والتناكر وهو التخاصم والتنازع المؤدّي إلى الاختلاف والافتراق.
التواصل:
الاستمرار والتتابع والترابط والاتصال، يقال تواصل معه إذا اجتمع معه واتّفق، وترابط.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ) متفق عليه.
ثمار التعارف والتواصل:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من سرّه أن يُبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه ) متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: ( إن صلة الرحِم محبّة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر ) رواه الترمذي.
فالتعارف والتواصل من أهمّ وسائل الاتصال بين البشر لما لهما من أثر طيّب في حياة الناس:
ـ التعارف والتواصل يجلبان المحبّة والمودّة والمواساة والنصرة.
ـ التعارف والتواصل من العوامل التي تساعد على تقويّة الصلات الإنسانية وتبادل المصالح بين الناس، سواء كانت مالية أو علمية أو أدبية.. قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات الآية 13.
ـ تقديم المساعدات وإيصال الإعانات للمحتاجين لها.
ـ ترويض النفس على التعايش مع الغير، وتجنّب العزلة والتفرّد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إيّاكم والفرقة وعليكم بالجماعة فإنّ الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنّة فيلزم الجماعة ) رواه الترمذي.
محاربة الإسلام لمفسدات التعارف والتواصل:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) متفق عليه.
الهجر ضدّ الوصل.
المسلم لأخيه المسلم ودود متودّد، آلف متألف، محبّ متحبّب، لا يعرف الهجر والعداء، والنفور والخصام، لأنّ ذلك يوجب الفرقة، ويمزّق الوحدة، من أجل هذا حرّم الإسلام الهجر، وجميع مفسدات التعارف والتواصل ومن أهمّها:
ـ الظلم: وهو انتقاص الحق.
ـ الاحتقار: وهو الاستصغار والسخرية.
ـ التباغض: وهو الكراهة والعداوة.
ـ التدابر: وهو التقاطع والهجر.
ـ التحاسد: وهو تمنّي زوال النعمة عن الغير.
ـ التجسّس: وهو تتبّع عورات الناس.
ـ الغيبة: وهي ذكر الغير بما يكره في غيبته.
ـ الظن السيّئ: وهو التهمة التي لا سبب لها.
قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ لَا يَسْخَرُ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُواْ خَيْراً مِنْهُم وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُواْ أَنْفُسَكُم وَلَا تَنَابَزُواْ بِالأَلْقَابِ بِئسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ اِجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُم أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) الحجرات الآية 11/12.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث ولا تجسّسوا ولا تحسّسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا.. ) متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ..) متفق عليه.
الدرس الثاني:
التعايش السلمي:
يقال تعايش القوم بسلام إذا عاشوا بمودّة مع بعضهم البعض.
التعايش السلمي يقتضي الاحترام المتبادل، والتواصل المستمر، كما يقتضي تقديم المساعدات عند الحاجة.
محاربة الإسلام لكلّ ما يخلّ بالتعايش السلمي:
دعوة الإسلام إلى التعايش مع الغير بسلام ليست جديدة علينا ولا غريبة عنّا، بل هي مبدأ من مبادئ الإسلام.
إنّ الإسلام يحبّ الحياة ويقدّسها، ويحارب كلّ من يريد المساس بحياة أيّ فرد من البشر، لتعيش الإنسانية بسلام، وتتّجه إلى غاياتها من الرقيّ والتقدّم، وهي مظلّلة بظلال الأمن الوارف.
ولأجل تحقيق السّلم بين الناس جميعاً:
ـ أرسل الله تعالى رسوله بالهدى ودين الحق رحمة مهداة فقال الله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء الآية 107.
ـ حرّم الإسلام قتل النفس البريئة، وإزهاق الأرواح الآمنة، وإراقة الدماء الطاهرة الزكيّة، قال الله تعالى: ( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) المائدة الآية 32.
ـ حرّم الإسلام ترويع الناس ونشر الخوف فيهم، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة الآية 33. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله أن لا يؤمنّه من أفزاع يوم القيامة ) رواه الطبراني.
ـ تحريم الظلم بكلّ أنواعه، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال له: ( اتق دعوة المظلوم فإنّها ليس بينها وبين الله حجاب ) متفق عليه.
ثمار التعايش السلمي:
ـ التمتّع بالحقوق والنعم التي منحها الله للإنسان، قال الله تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) الإسراء 70.
ـ استتباب الأمن والطمأنينة، وتجنّب الحرب لأنها تدمير لما تصلح به الحياة. قال الله تعالى: ( وَإِنْ جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) الأنفال الآية 61.
ـ توفير الحريّة بأنواعها ( الدينية والفكرية والشخصية..) للأفراد والجماعات. لأنّ الحريّة فطرة فطر الله الناس عليها، وهي حقّ طبيعي للإنسان، قال الله تعالى: ( فَذَكِّرِ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) الغاشية الآية 21/22. وقال عزّ وجلّ: ( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ) سورة قَ الآية 45.
ـ خَلْق الجوّ الملائم لنشر الإسلام، لأنّ الإسلام يحمل للبشرية الهدى والنور والخير والرشاد.. فالسلم هو السبيل الوحيد الذي يساعد على اعتناق هذا الدين وما يحمل من خير للبشر.
يتبع ..